تونسيّا

سنيا بالشيخ لـ”جُلّنار”: بدل التصنيفات متعددة الألوان … كان مفروضا أن يمرّ جميع الوافدين بـ “الغربال” !

أجرى الحوار: عبد القادر المقري

نشرت

في

ما زالت الحالة الوبائية تستشري بين يوم و آخر و الأرقام تتزايد و معها إجراءات المنع و البتر و “النطر”، أي سياسة المحاضر و الخطايا التي نختص فيها (مع فرض التبرعات) من دون بلاد العالمين … و وسط هذا التخبّط الذي غاص فيه الجميع بين لاه عن المشكلة بسفاسف حزبية و شخصية لا تعني إلا أصحابها، و بين باحث عن حلّ دون بوصلة صالحة للاستعمال … في خضمّ هذا، قلنا نرجع إلى نقطة الصفر و أوّل الطريق علّنا نعرف موقعنا في المتاهة، و التقينا د. سنيا بالشيخ التي تصادف وجودها بباب سعدون (كوزيرة بالنيابة) مع طلائع الموجة الأولى … و سألناها عن إدارة جائحة كورونا في تونس: البدايات، الموجتان الأولى و الثانية، و آفاق الانتشار و التعامل …

ــــــــــــــــــ 000 ـــــــــــــــــــ

يوم 2 فيفري 2020، تم وضع عشرة طلبة تونسيين قادمين من ووهان في الحجر الصحي تحسبا لأول حالة كورونا تدخل إلى تونس … و يوم 28 من نفس الشهر، غادرت منصبك في نيابة وزارة الصحة العمومية رفقة كامل حكومة يوسف الشاهد … بين هذين التاريخين، ماذا فعلنا في ملف كوفيد 19 الذي بدأ وقتها يجتاح العالم؟

أعود بك إلى ما قبل 2 فيفري… أي منذ يوم 9 جانفي 2020 حين جاءنا خبر من منظمة الصحة العالمية يقول إن حالات من ضيق التنفس و الالتهابات الرئوية بدأت تنتشر في العالم منذ شهر ديسمبر انطلاقا من مدينة “ووهان” الصينية و بسرعة كبيرة جدا، و أنه تم التعرف على الفيروس المتسبب و تسميته لأول مرة بـ “فيروس كورونا المستجد” … وصل إلينا الخبر عن طريق المرصد الوطني للأمراض الجديدة و المستجدة الذي تم بعثه منذ 2008 بمناسبة ظهور أنفلونزا الطيور و هـ1 ن1 و غيرهما و مهمته متابعة ما يطرأ على مستوى العالم من ظواهر مرضية غير معهودة … و عند سماعنا بالخبر كنا بصدد اجتماع في الوزارة لمتابعة حالات النزلة الموسمية التي كانت في فترة ذروتها … و كنا عن طريق إدارة الرعاية الصحية الأساسية نصدر نشرية إحصائية عن الوضع الوبائي لتلك النزلة الموسمية في العالم و بالأخص في تونس (عدد الوفيات، توزيعها الجغرافي) حتى نتمكن من التدخل بشكل أنجع … فوزعت الأدوار بين إدارة الصحة الأساسية (الاستمرار في متابعة تطورات النزلة الموسمية) و بين مرصد الأمراض المستجدة  و بين “قاعة عمليات” خاصة بوزارة الصحة (“شوك روم” أو مركز عمليات الإستراتيجيا الصحية) تم بعثها أيضا منذ 2008 … يعني أرسينا فريقا متكاملا كل يتابع من موقعه …

ميدانيا … كيف كان التصرف؟

اليوم الذي لا أنساه يوم جمعة  و قد بلغنا أن هناك في إيطاليا حالتان أو ثلاث و بفرنسا حالة واحدة بإيران حالتان و أوروبا بكاملها لم تفهم بعد خطورة المرض الجديد … فقلت إنّ هذا المرض إذا وصل إلينا فلن يكون ذلك إلا من الخارج … لذلك قمت بضبط استراتيجيا قسّمتها إلى ثلاث مراحل: الوقاية أولا، ثم تحضير الأرضية الاستشفائية، و ثالثا مرحلة التدخل أو رد الفعل عند حصول حالات عندنا و هي مرحلة عملنا على إبعادها أكثر ما يمكن بالتحاليل و الوقاية … في ذلك اليوم قلت لهم نلتقي في المطار … و كنت أعلم أن منظومتنا الصحية تعج بالكفاءات و لكنها لا تستطيع تحمّل ما هو حاصل في ووهان و لا أحد في العالم كان مستعدا …

 في المطار لم نترك سوى مدخلين، و حددنا مسارا نموذجيا لجميع الوافدين تمرّنّا عليه في عمليات بيضاء قبل التنفيذ … و يتمثل المسار في إخضاع الوافد منذ نزوله من الطائرة للمرور بمعابر مخصصة، فيتم قياس حرارته (بما أن ذلك كان هو العارض الوحيد المعمول به وقتها لاستكشاف الإصابة)،  و إقرار مبدإ العزل في ما يتعلق بالحالات المشتبه بها، في انتظار قدوم الإسعاف الطبي الاستعجالي …

و بما أن بؤرة الخطر وقتها كان موقعها الصين، فقد ركّزنا على طائرات الشركات ذات الرحلات الطويلة كالقطرية و الإماراتية و المغربية… و عممنا هذه الإجراءات على كل المطارات و الموانئ و المعابر الترابية عن طريق المديرين الجهويين للصحة بتلك المناطق … حتى الموانئ السياحية راقبناها منذ أول حالة اكتشفت في إيطاليا خاصة أن هناك من يدخلون على مينائيْ الحمامات و سيدي بوسعيد السياحييْن … لقد تصرفنا بحد التوقع الأقصى دون أن يكون هناك خطر وقتها … إلى درجة أن هناك من قال لماذا أخرج من مطارات باريس بشكل عادي و عندما أدخل إلى تونس أجد رقابة صارمة …

نصل إلى التونسيين العشرة القادمين من الصين في 2 فيفري …

عندما تم إبلاغنا بصيحة فزع التونسيين الذين علقوا في ووهان، قمنا بالتنسيق مع سفارتنا و رئاسة الحكومة و رئاسة الجمهورية … فاتفقت الحكومة مع الجانب الصيني على أن لا تتوقف الطائرة أثناء رحلة العودة في أية محطة … كما وجدنا تعاونا من الجزائر لإيصال أولئك العائدين من مطار الجزائر على تونس … و قد تم كل ذلك في كنف السرية و الحذر…

لماذا السرية؟

من أول ما بدأت في الاشتغال على المطارات، و بالتعاون مع وزير السياحة رينيه الطرابلسي طلبت من مندوبي السياحة الاتفاق مع أصحاب بعض النزل على “زرع” طواقم طبية و شبه طبية هناك و  إعداد تلك المحلات للعزل  … و البداية كانت بنزل سلوى ببرج السدرية بطاقة استيعاب تتسع لـ 50 مشتبها … و لكن عند تسرّب الخبر قامت القيامة و قيل سنية بالشيخ “تعمل في البوز” لتحريك اسمها بمناسبة تحوير وزاري كان يجري وقتها … لهذا السبب طلبت من رئيس الحكومة و وزير الداخلية أن تبقى الأمور في كنف السرية ..

في باب الوسائل البشرية و اللوجستية هل كنا مهيئين وقائيا و استشفائيا و عزلا … و ماذا برمجتم تحسبا لتطور الأوضاع؟

كنا نعد لفترة الوقاية … و قد أعددنا البروتوكول الصحي الذي يعرفه المواطنون الآن (اغسل يديك، استعمل الجال المطهّر، غطّ وجهك) … دعوت مسؤولي الصيدلية المركزية و طلبت جردا بالمخزونات الموجودة من هذه المواد (كمامات ميدعات طبية …)  … و عندما لاحظت أن الكميات لم تعد يكفي في حين هناك مزوّدان يوفّران ذلك،  اتصلت بهما و قلت لهم إما تعطونا كدولة كل ما عندكم و إما سأفتكّ منكم ذلك … و للأمانة، فقد وجدت تجاوبا تلقائيا بكل وطنية منهما فخصصا كل إنتاجهما لحاجيات لوزارة الصحة و بسعر التكلفة … و هكذا قمنا بتعبئة مخزوناتنا جيدا من هذه المواد … 

هل كان الاحتياط مقتصرا على المستلزمات الطبية؟

في آخر جانفي علمنا بـأن الصينين اكتشفوا خصائص وقائية لمادة “الكلوروكين” ـ و هو في أصله دواء لحمّى المستنقعات ـ تفيد في التوقي من كورونا، قبل أن تذيع سمعته في فرنسا مع الدكتور راوولت … فاقتنينا منه كميات احتياطية هامة و بأسعار 4800 مليم فقط للعلبة تحسبا لانتشار اسمه و ارتفاع ثمنه و حتى اختفائه من الأسواق … و قلنا نشتري منه أكثر ما يمكن فإن لم يفدنا في هذا المرض يمكن أن نستفيد منه و لو بإعادة بيعه فيما بعد … لذا اشترينا 380 ألف علبة وصلت في 2 مارس أي بعد خروجي من الوزارة …

و ماذا عن التجهيزات و التجهيزات الثقيلة؟

للتذكير، في نوفمبر 2019 قمنا بطلب عروض شراء لـ 160 جهاز تنفس اصطناعي (لم تصل إلا  في جويلية 2020) و ذلك بعد حادثة مركز وسيلة و وفاة 14 رضيعا … و الهدف الأصلي من عملية الشراء هذه  كان لتجهيز أقسام العمليات بكامل الجمهورية، لتفادي تكرار أزمة وفاة الرضع بعد التحقيق في شأنها… إذ اتضح آنذاك أن لدينا نقائص على مستوى رعاية المرضى لما بعد العمليات في جل مستشفيات البلاد  .. و هذا يعني ضرورة تعزيز أسطولنا الوطني من أسرّة الإنعاش و أجهزة التنفس الاصطناعي … كما قررنا أن تكون 2020 سنة أقسام العمليات … و ما هذا ما سهّل مهمّتنا عند التصدي لجائحة كورونا فيما بعد … مع إعادة هيكلة و إضافات لوجستية أخرى مثل إعداد قاعة عزل بكل مستشفى، و بعث قسم للكوفيد بمستشفى عبد الرحمان مامي بأريانة … و برمجة بقية التجهيزات على أجلين قصير و متوسط …

التكامل بين التوصية الطبية و القرار السياسي الأفقي (سياسة حكومة) خاصة اذا كان يهم سير كل البلاد، كيف كان؟

كانت لدينا لجنة (بعثت بقرار) و  فيها ممثلون عن وزارات الخارجية و الداخلية و التربية و النقل و السياحة … فوزارة الخارجية سهلت لنا متابعة أوضاع جالياتنا و الاتصال بسفرائنا بايطاليا (معز السيناوي)  و إيران (طارق بالطيب) و الصين (خالد بن ضياء) و حيثما توجد عدوى و جالية تونسية و كانوا يحضرون اجتماعاتنا عن بعد و يوافوننا بالأرقام و المعطيات يوميا … و نحن من جهتنا كنا نمدهم بما لدينا … مثلا سفيرنا بإيطاليا كان يتلقى مطوياتنا و ما فيها من نصائح طبية و وقائية الكترونيا ثم يطبعها و يوزعها على قنصلياتنا  و يضعها على ذمة جاليتنا هناك …

 وزارة التربية تم معها استغلال العطلة المدرسية للتوعية و ضبط استراتيجيا موحدة و كانت إدارة الطب المدرسي و الجامعي د. أحلام الزرقوني، نقطة الاتصال بين الوزارتين …

كذلك وزارة الداخلية، و الخطوط التونسية و مسؤولي المطارات و الموانئ …

إذن لم أشتغل بمفردي … فإذا كان مثلا معي ممثل عن الخارجية أو الداخلية فذاك يعني أنه الوزير بنفسه … كما  لا تنس أننا خرجنا يوم 28 فيفري و لكن يوم 26 فيفري عقدت الحكومة المتخلية مجلسا وزاريا لأجل مقاومة كورونا … رئاسة الجمهورية كانوا يكلمونني تقريبا كل يوم و كنت أرسل لهم التقارير عن مستجدات الموضوع بتفاصيلها … كما أن وزارة الدفاع تعاونت معنا بشكل تام …

غادرتِ الوزارة في 28 فيفري 2020 … هل تم التسليم و التسلم مع الوزير الذي خلفك بسلاسة؟ و هل أحسست فيما بعد بأنه تم احترام استمرارية الدولة؟

عندما خرجت قبلت ذلك بصدر رحب … أنا ابنة الإدارة و أعلم جيدا أن نجاح أي وزير لا يتم إلا بقوة الفريق المحيط به، لذلك تركت فريقا كفؤا في مقاومة كورونا … فريقا “فاهم الطرح” يضم عناصر نوعية من أمثال الدكاترة نصاف بن علية،شكري حمودة، نوفل السمراني، محمد مقداد، إيناس فرادي، الهادي الوسلاتي و معهم المديرون الجهويون … و قد أوصيتهم بمواصلة المجهود بعدي، رغم علمي المسبق بالرحيل منذ نوفمبر  …

هل تمت المحافظة على الفريق؟

نعم تمت المحافظة عليه…  لا أتحدث عن الملفات الأخرى بل عن مقاومة كورونا … اشتغلوا بعدي مع الوزير عبد اللطيف المكي الذي واصل بنفس الروح و نفس الإستراتيجيا … و من أدلة نجاح ذلك أنه مدة أكثر من 30 يوما بين شهري أفريل و ماي 2020  لم تسجل تونس أية حالة جديدة  …

في تلك الفترة كان “توازن القوى” لصالحنا بين انتشار الفيروس و إمكانياتنا، و لكن انقلبت الأوضاع فيما بعد … ما حال الأداء الحكومي العام حينذاك في مواجهة الجائحة؟

أولا تونس ليست معزولة عما يجري في العالم و ليست استثناء  … و ثانيا دخل الفيروس حتى على قوى عظمى … علميا عندما يدخل إليك شخص لا يحمل علامات إصابة فقد يكون مصابا دون علامات ظاهرة، بما أن فترة حضانة الفيروس تتراوح من يومين إلى 21 يوما و حتى أكثر … إذن لا يمكن التفطن إلى ذلك… لهذا كنت أشك من البداية و لم أقل يوما علينا أن نكتفي بـ 15 يوما، بل قلت يجب مراقبة الأشخاص إلى  ما بعد الأسبوعين…

لكن الذي حصل فيما بعد سواء ببقائكم أو بدونه، فقد دخل الفيروس على أي حال و المهم طريقة التصدي له  … بعد خروج حكومتكم بـ 9 أيام انعقد مجلس أمن قومي و تم اتخاذ إجراءات تعززت حكوميا كل أسبوع إلى أن وصلنا إلى الحجر الشامل … توصيفك لهذه القرارات؟

الحجر الشامل سبقتنا إليه دول العالم كله … لأن هذا الفيروس كل مرة تظهر له أعراض من نوع جديد بما فيها الأعراض الجلدية، مثل الاحمرار في أطراف الأصابع … لهذا حصل ارتباك في عديد الدول الكبرى … و لم يكن هناك من حل سوى كسر سلسلة انتشار الفيروس عن طريق الحجر …

من جوان 2020 الى اليوم، هل ترين أننا قللنا من تقدير الخطر الوبائي، أم ضخّمنا تخوّفاتنا من الكلفة الاقتصادية و الاجتماعية للحجر ففتحنا الحدود و صار ما صار … التقييمات مختلفة في شان الحجر و رفع الحجر … ماذا تقولين عن ذلك؟

هناك جائحة أولى حتى 27 جوان و جائحة ثانية من جويلية إلى يومنا هذا … في الجائحة الأولى لم يكن الحجر الشامل اختيارا بل كل الدول جنحت إليه كما قلت لك … و لا احد يقدر أن يلوم الدولة التونسية عليه … سيما أن ذلك أتى بنتائج إيجابية على المستوى الصحي و تطويق انتشار الفيروس … و لكن كانت هناك عواقب اجتماعية و اقتصادية موجعة مثل فقدان 160 ألف مواطن لموارد رزقهم … و في المرحلة الثانية كل بلاد العالم أيضا رفعت الحجر و ها أننا نراهم حتى بعد ارتفاع عدد الإصابات لم يعودوا للحجر الشامل … بل يختارون الحجر الموجّه و هو ما تسير عليه تونس و لكن …

و لكن ماذا؟

* و لكن كان بإمكاننا اتخاذ قرار الحجر الموجه منذ شهر سبتمبر لا بشكل متأخر في أكتوبر … يجب على القرارات أن تواكب الوضع الوبائي و تتصرف على ضوئه لا أن تصدر بتأخير أسبوع أو أسبوعين … مستجدات الجائحة هي معطيات عاجلة و القرارات التي تتبعها يجب أيضا أن تكون عاجلة … و بقدر ما يتأخر القرار تتكاثر الخسائر و تتناقص الجدوى من ذلك القرار …

أ كان سابقا لأوانه فتح الحدود و الإعداد لموسم سياحي كبير كما كانوا يحلمون و يبررون؟

أبدا، فقط لي احتراز وحيد … أنا مع فتح الحدود و لكن مع إغلاقها في نفس الوقت … بمعنى أنني لا ألجأ  إلى طريقة الألوان (اخضر، احمر، برتقالي) بل أمامي شخص داخل إلى بلدي و لا يهمّني من أين جاء … سواء كان سائحا أو زائرا أو تونسيا مقيما بالخارج أو تونسيا عاد من سفرة قصيرة … أيّ واحد يدخل التراب التونسي أطلب منه نتيجة تحليل (بي سي آر) … نتثبت من صلوحية الوثيقة ثم نجري عليه تحليلا سريعا أسميه فحص التوجيه … لماذا؟ لأن “بي سي ار” يتعلق بالـ 72 ساعة الأخيرة و قد يكون الفيروس وقتها مختفيا و في حالة حضانة  … هل تعلم أن أول من أصيبوا في شهر جويلية هم العاملون بالمطارات بمختلف أسلاكهم و بأعداد كبيرة و لم يتطرق لهم احد؟ … لا بد من مراقبة جميع الوافدين …

و لكن هؤلاء الوافدين ليسوا عشرة أشخاص أو عشرين بل آلاف … هل هيّأنا بنية تحتية (صحية، فندقية …) قادرة على التعامل مع كل هذا العدد؟

أجيبك بشكل آخر:  عندما تتشدد في الرقابة بهذا الشكل و هذه الإجراءات المعقدة على مطاراتك و موانئك و حدودك الترابية، فإن أناسا كثيرين سيفكرون جيدا قبل القدوم إلى تونس … و وقتها لن يقصد تونس إلا من له حاجة استعجالية …

هذا قد ينجح في صورة التعاون الكامل من الجميع …  لكن تأتي أحيانا عوامل خارجية غير منتظرة و خاصة تداخل السياسي في العمل الطبي و الرقابة الوقائية … و قد رأينا مثلا كيف تدخل رئيس البرلمان و استعمل نفوذه للسماح لركاب إحدى الطائرات القادمة من تركيا بالخروج من المطار ليلا دون أن يخضعوا للفحص المذكور

إذا تداخل السياسي و العلمي فيا خيبة المسعى … لقد بُعثت اللجنة العلمية حتى يترجم السياسيون توصياتها إلى قرارات و سياسات صحية لا يُسمح بخرقها لأي كان …  و كان في تصوّري أن يتم اختيار مسؤول عن تنسيق عمليات التصدي للجائحة بجميع مناحيها … يكون عبارة عن “السيد كوفيد” … و يتقيّد الجميع بتوصياته و يراعون ذلك في سياساتهم و قراراتهم و سلوكهم …

في 25 جوان 2020، انعقدت بمجلس النواب جلسة استماع لتقييم 100 يوم من عمل الحكومة .. كان يمكن أن نقيّم الأداء في مجابهة كورونا و اقتراح حلول و تعديل مسار … و لكن ألم تتحول الجلسة إلى مناكفات حزبية و تصفية حسابات بدل ذلك؟

بتاريخ 25 جوان الذي ذكرته كانت الحالات بتونس 1162 إصابة و 50 حالة وفاة … أنا أوافقك أنه يومها  تم الانشغال بالتجاذبات السياسية و لم تعط لوزارة الصحة فرصة كي تدافع عن ملفها و يتم الإعداد للمرحلة الثانية من تطور الفيروس و هي مرحلة كانت متوقعة … لم تنل الوزارة حظها  و دعما لإعداد استراتيجيتها وخوض المواجهة الجديدة ضد انتشار الفيروس …

علام يؤشر انتشار الفيروس لدى جنود الخط الأول أي أعوان الصحة (300 حالة كما يصلنا رسميا)؟

بل هم  أكثر من ثلاثة آلاف إطار طبي و شبه طبي و إداري تعرضوا للإصابات … وسائل التوقّي على حد علمي متوفرة و لكن هناك مشكل في التنسيق …

لكن هناك إكراهات بالنسبة إلى المستشفيات، فلها أيضا عملها اليومي مع التصدي للجائحة بنفس الموارد البشرية و في ظل سياسة وقف الانتداب … و أيضا في غياب لمعاضدة القطاع الخاص الذي يبدو أنه خارج الدولة و خارج هموم البلاد … ما تعليقك؟

القطاع الخاص ها نحن نراه يساهم بمختبراته … أما المصحات الخاصة و التكفل بالمرضى، فعلى حد علمي هناك مفاوضات معها بصدد الحدوث … يجب أن لا ننسى أن هناك كلفة و يجب تدارس الموضوع بين أطراف عدة،  على غرار الكنام والغرفة النقابية للمصحات الخاصة و وزارة الشؤون الاجتماعية … و تتولّى وزارة الصحة تنسيق الجهود و الإمكانيات من حيث جملة أسرّة الإنعاش المتوفرة  و غيرها في القطاعين العام و الخاص …

  لو كنت أنت وزيرة و حاولت التحاور مع المصحات الخاصة كل جهدك، و لكن لم تجدي تجاوبا … ماذا كنت ستفعلين؟

كنت سأتفاوض مع غرفتهم، فهو قطاع مهمّ و له أيضا صبغة تصديرية … و في كل مرة قصدت تلك النقابة وجدتها دائما قابلة للتفاوض … لا تنس أنهم مستثمرون و لكن ممكن التحاور معهم على تقاسم تحمل الأعباء دون أن يتسبب لهم ذلك في خسائر …

و لكن نحن في حالة حرب، و قال ذلك أكثر من رئيس حكومة بمن فيهم حكومتك… و كما تعلمين في حالات الحروب، لا يبقى مجال للحديث عن تحقيق أرباح تجاه خطر يهدد الأمن القومي …

ماذا تريدهم أن يفعلوا إذا أوصلناهم إلى العجز عن خلاص أجور إطاراتهم الطبية و شبه الطبية؟ … هل عندنا مستشفيات تتحمل نتائج إفلاس و إغلاق المصحات الخاصة؟ … لا بد أن نفكر بشكل أشمل و أكثر عقلانية … الحل الذي أراه هو التفاوض معهم بتشريك عديد الأطراف كما قلت لك … و وضع كل المسائل على الطاولة، و خاصة تعريفة قبول المرضى (في هذه الظروف) بالقطاع الخاص التي يجب ألاّ تتجاوز سعر التكلفة …

منذ أيام قرأت تصريحا للدكتور أمين سليم (و هو مختص تونسي و دولي في الفيروسيات) يقول فيه إن ذروة الكوفيد ستكون في منتصف نوفمبر الحالي … و بعدها ستعرف الإصابات عدا تنازليا … هل لك تعليق؟

الأستاذ سليم كان ساعدنا كثيرا في البداية مجانا و طوعيا و أحيّيه بالمناسبة … هناك هذا المعطى و هناك أيضا معطى إحصائي آخر يقول إن الذروة تجاوزناها منذ أكتوبر … و لكن رؤيتي كطبيبة أن نمسك العصا من الوسط … لي ثقة في أرقام الوزارة و أهمها عدد الوفيات الذي هامش الخطإ فيه ضئيل نسبيا، أفضل من عدد الإصابات … لذا أقول إن ما أهمّ من معرفة الذروة هي معرفة كم ستدوم هذه الذروة و متى سيصبح الخط البياني (إصابات و خاصة وفيات) في نزول … و هل سيكون نسق النزول سريعا أم شديد البطء … لذا قد تحصل الذروة في جانفي أو في مارس القادمين، بشرط مواصلة اليقظة و الاحترام الصارم للبروتوكول الصحي … و في كل الأحوال، فإن الذروة لا يمكن استباقها و لا يمكن لأحد التعرف عليها إلا بعد تجاوزها لا قبل ذلك …

أعلنت إحدى الشركات الدوائية الأمريكية (بفايزر) عن توصل لقاحها المضاد لكورونا إلى نجاعة بـ 90 بالمائة، و قد انتشر هذا الخبر إلى حد أن الرئيس “بايدن” أدرجه في خطاب ما بعد الفوز … و لكن في نفس الوقت يدور صراع في بعض البلدان (مثل البرازيل) حول أسبقية لقاح صيني مماثل (كورونافاك) و مروره هو أيضا إلى مرحلة التجريب الثالثة و بنجاعة كبيرة … و يتبادل الطرفان (المساند للّقاح الأمريكي و المساند للّقاح الصيني) حملات التكذيب و التشكيك بما حوّل الموضوع من الطبي إلى السياسي … مقاربتك للموضوع خاصة لو طُرحت هذه المفاضلة بين اللقاحيْن، على طاولة السلطات الصحية التونسية؟

من الجيّد أن تصل نسبة نجاعة أي لقاح إلى 90 بالمائة … و لكن ما أعلمه أن اللقاح المذكور (منتج مخابر “بفايزر”) يجب أن يبقى دائما على درجة حرارة 73 تحت الصفر … و هذا ما قد يطرح مشكلة على مستوى نقله و خزنه خاصة أن التطعيم به يتم على جرعتين يفصل بينهما 15 يوما … لذا أعتقد أننا مطالبون، و بسرعة، تحديد بعض النقاط:

         ـ جاهزيتنا من حيث وسائل نقل ملائمة نوعيا و كمّيا لهذه المادة و المحافظة في نفس الوقت على درجة حرارتها دون أي كسر لسلسلة التبريد

           ـ جاهزيتنا من حيث طاقات التخزين و بنفس الشروط المتعلقة بالكمّ و السعة و الحفاظ على سلسلة التبريد و لمدة قد تطول    

        ـ  السعر الذي سيباع به هذا المنتج و مدى قدرتنا على ذلك و في أية حدود

        ـ احترام إجراءات المعمول بها في ما يخص الترخيص للأدوية بالتوزيع في أسواقنا و عرضها في صيدليات التفصيل

كما أضيف أنه علينا مقارنة المنتجات التي بدأت تخرج إلى السوق الدوائية العالمية تحت عنوان لقاحات كورونا، و اختيار الأنسب منها

أما في ما يتعلق بالفئات ذات الأولوية فيجب سن مقاييس موضوعية (و اللجنة العلمية مخولة لذلك) كما هو حاصل في لقاحات النزلة الموسمية مثلا … كإعطاء الأولوية لذوي الأمراض المزمنة، النساء الحوامل، أعوان الصحة،  فئة عمرية معيّنة إلخ

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version