كان ياما كان… هكذا تربّينا وهكذا نقلت لنا الحضارة بأحداثها و شخوصها حتّى صرنا سجناء لماضينا العتيد عاجزين عن النظر إلى الأمام و كلّما احتجنا إلى النظر و التمحيص و التدقيق ارتدّت رقابنا إلى الخلف بحثا عمّا نعتقد أنّه موطن النور في ظلمة واقع مرير…
“كان يا ما كان” أفقدتنا مداعبة المكان و الاحساس بالزمان فتهنا “زمكانيّا” و صرنا غرباء في عصر ندّعي الانتماء إليه دون حجّة و لا برهان … و “كان يا ما كان” هذه الآفة الفكرية و الحضارية احتلّت وجداننا و أصبحت تقودنا في خارطة طريق جامدة لا تتحرّك … مع ذلك نحن لا نعي أنّنا كلّما التجأنا إلى الماضي بعيده و قريبه إلاّ و بصمنا بالعشرة على تراجعنا خطوات و تخلّفنا سنين ضوئية في الميادين السياسية و الثقافية و الرياضية و الاقتصادية وحتّى الإنسانية…
انظروا حولكم و دقّقوا في الأسماء المقترحة لإنقاذ البلد ممّا هو فيه و سوف تتأكّدون من تغلغل كان ياما كان في مفاصلنا بكلّ تفاصيلها … فنحن بعد الثورة لم نجد أنجع من الالتفات إلى الوراء و تقديم قارب النجاة لفؤاد المبزع ليترأّس دولة الثورة المجيدة بدعوى احترام الدستور في تأويل سوف يضحك علينا أحفاد أحفادنا، فمتى كانت الثورات مطالبة باحترام دساتير بلدان الظلم و القهر و الفساد؟ واحتراما لسياسة عاكس الرؤية، تفطّنّا لوجود ديناصور في سبات طال أكثر من اللّزوم هو المرحوم الباجي قائد السبسي فاستجاب مشكورا للقيام بدور لم يكن ليحلم به لو فتح له باب العرش ليلة السابع و العشرين من رمضان أو في احدى لياليه الفرديّة …
و انطلق كل حزب يبحث في أعماق أعماق “كان ياما كان” ليخرج لنا اسما نسيناه و طوينا صفحته إلى الأبد و ها أن ديناصورا آخر يخرج من غياهب تاريخ السياسة ليدعو الجميع إلى حوار وطني هدفه في الظاهر رصّ الصفوف للنهوض بتونس و في باطنه هو فرصة للحصول على مقعد وثير لمن لا مقعد له حول قطعة الحلوى … و أصحاب هذا التوجّه لا يستحون و لا يفكّرون إلا بمصالحهم الخاصة … تصوّروا أنّ هنالك من فكّر في الاستنجاد بالشيخ التسعيني مصطفى الفيلالي و لولا ألطاف الله و فطنة نجله لوقع جلبه إلى مستنقع السياسة مرّة أخرى ليضربوا تاريخه و يشوّهوا صورته بعد ما تركه من جميل الأثر خلال مروره الأول في فجر الاستقلال … و كذلك فعلوا بالزعيم بورقيبة أحضروه ليس حبّا و إنّما “ماعون صنعة” لأنهم يعلمون أننا شعب يعيش على إيقاع الماضي ويرفض فتح عينيه على حاضره.
نفس هذا التكتيك هو المنقذ في كل الاختصاصات وأكثر هذه الميادين تورّطا في هذا المنحى هو الميدان الرياضي وبما أن هذا الميدان هو عبارة عن حقل ألغام فسوف أتناول أمثلة من فريقي الذي أنتمي عاطفيا إليه حتّى لا أتّهم بالتنبير على فريق آخر قد يكون هو أيضا تبنّى هذا المنحى… فريقي هو النجم الرياضي الساحلي فكلّما احتاج إلى مدرّب للإشراف على أكابره دار عنق الجماعة إلى الشيخ روجيه لومار أو إلى شيخ آخر أصغر سنّا هو فوزي البنزرتي … و إن احتاج إلى وسط ميدان هجومي اتجهت الأنظار إلى الشيخاوي و حمزة الأحمر … و إن فكّروا في مدافع فلن يكون غير عمّار الجمل … و هل ثمّة حارس مرمى غير البلبولي؟
Rétroviseur انظر ناحيته و لا تخف كفاك الله شرّ المغامرة و البحث و لا ترهق نفسك في البحث و التدقيق فأنت لست ضامنا للنتيجة … و باختيارك لمنهج “كان ياما كان” فعذرك جاهز و مقبول و مقنع حتى في حالة الفشل، لأنك سوف توجّه الحوار لتاريخ المنتدب و ليس لحاضره … و كم من نجم في كل الميادين عاش في ظل إنجاز يتيم ليس أكثر من بيضة ديك أسود.