تابعنا على

جور نار

سيدي الرئيس … أعترف اليـوم أنـي أكرهك !

نشرت

في

مواصفات قيس سعيد لرئيس الحكومة الذي يُريده

يستغرب بعضهم كيف نواصل بعد أكثر من عقد من الزمن اجترار الماضي والحديث عنه بفخر وسعادة، كيف نتحدث عمّا أنجزناه سابقا…ونسعد ونحن نذكره؟ كيف نتحدّث عن بورقيبة ورجال بورقيبة…عن وزراء بورقيبة وفكر بورقيبة…عن بن علي وكفاءات بن علي…عن استقرار الدولة وأمنها…عن الإحساس والشعور بالأمن…عن كل ما عشناه رغم أننا لم نعش تعددية سياسية حقيقية ولا حرية تعبير كالتي عشناها منذ 14 جانفي…ويسألنا هذا البعض عن حاضرنا ولماذا لا نذكره ولا نفاخر به… وعن مستقبلنا ولماذا لا نتحدّث عنه؟

محمد الأطرش Mohamed Alatrash
<strong>محمد الأطرش<strong>

الإجابة في غاية البساطة، حاضرنا أعرج أعمى وأصمّ …حاضرنا مرهق وموجع وأغلبنا لا يشعر فيه بالأمان، ولا أحد يأتمنه على نفسه وأطفاله ولا حتى ما يملك…ومستقبلنا، نخافه لأننا حُرمنا من التخطيط له… ومُنعنا من أن نفكّر كيف يجب أن يكون…مَن حرمنا يا ترى ومنعنا من أن نبني حاضرا يجمعنا رغم اختلافاتنا…ومن حرمنا من أن نطمح لمستقبل أفضل لأبنائنا؟ إنه السلطان يا سادة…نعم إنه السلطان “قيس الأول” أو كما يحلو لي أن أسميه في بعض ما أكتب…نعم ساكن قرطاج هو من تكفّل بحاضرنا فأوجعنا وتكفّل بصناعة مستقبلنا فأغضبنا، لذلك نحن اليوم أو لنقل أغلبنا رغم ما يدّعيه ويروّجه أتباع السلطان لا نثق في السلطان…السلطان الذي يريد أن يصنع مستقبلنا دون أن يكون لنا رأينا فيه…

مستقبلنا سيكون على مقاس مزاج مولانا، وسيكون حسب ما يريده مولانا…لذلك نرى أغلب سكان هذه البلاد يستمتعون باستحضار واستدعاء ماضيهم كأنه تراث أو إرث لا يمكن نسيانه …فماضينا رغم بعض “سواده” كان أجمل على الأقلّ لأغلبنا، وكان بالشعب رؤوفا رحيما…وحاضرنا ورغم ما اكتسبناه من حرية تعبير ورأي فإنه موجع حدّ البكاء…أما مستقبلنا فهو غامض، ولا نعرف في أي مستنقع أو بئر سنسقط في ظلّ ما نعيشه مع حكامنا اليوم، ساكن قرطاج وعدنا بالويل والثبور… وأذاقنا الألم والوجع بكل الألوان… القلق وجع …والانتظار وجع…والخوف وجع… والريبة وجع… واليأس وجع… والإحباط وجع…والغربة في وطننا وجع أشدّ…أي نعم نعيش الوجع، والألم، والموت بالتقسيط في وطن نسينا ملامحه بعد أن استحوذ ساكن قرطاج على كل مقاليد السلطة والحكم فيه، ومسك بكل مفاصل الدولة وكل السلط، ولم يأت شيئا واحدا يُصلح حال العباد والبلاد…فالرجل يريد أن يفكّر عوضا عنّا ولم يأت بفكرة واحدة يستفيد منها الشعب…كل الشعب…ويريد أن يقرّر عوضا عنّا ولم يقرّر يوما قرارا في صالح البلاد والعباد…كل العباد…ويريد ان يختار عوضا عنّا ولم يختر يوما أمرا يخرجنا مما نحن فيه…مولانا يتعامل معنا كالسلطان وينظر إلينا باستعلاء، وكأننا من عبيده وخدمه…أي نعم، أصبحنا نخاف مستقبلنا ونحن تحت حكم مولانا…فنحن نبحث عن سعادتنا وأمننا في أمسنا…ونبكي حاضرنا لأننا لسنا فيه ومنه…ونعجز عن التفكير في غدنا خوفا من مولانا، وعسس مولانا، وأتباع مولانا، ووشاة مولانا، فقد نتهم بالتآمر على البلاد إن غيّرنا وضعية نومنا وانقلبنا على جنبنا الأيمن…وقد تصدر صحف الغد بعنوان على الصفحة الأولى بالبنط العريض “الأمن يحبط محاولة الانقلاب على السلطان” ونحن لم نغادر غرف نومنا…نعم نبكي مستقبلنا لأنه لأولادنا وليس لنا، خوفا مما قد نكون ونصبح فيه…فلا يحقّ لنا أن نحلم ومولانا لا يعلم بما قد نحلم…فالحلم بمستقبل جميل في عهد السلطان ممنوع دون ترخيص مسبق من مولانا، وبعض ولاة مولانا…

اليوم سأكسر قيودي…كل قيودي لأقول …مولانا من انت حتى تفعل بنا ما تريد … لا ما نريد…؟؟ أتعلم أننا كرهنا العيش في هذه البلاد لأنها أصبحت وجعا وأنت سبب هذا الوجع… فنحن لم نعد نحب البلاد كما لا يحب البلاد أحد وكما تغنّى بها أولاد أحمد… سيقول جماعتك واتباعك ووُشاتك ومن يسترقون السمع أمام منازلنا وعبر هواتفنا ومن أعلنوا البيعة لك إنها خيانة…وإنها عمالة…عن أية خيانة يتحدثون؟ وعن أية عمالة يصرخون؟ فهل أمثالنا لأوطانهم يخونون…وهل من رضع حليب الوطن وأقسم بتراب الوطن يخون الوطن…؟؟ مولانا، أتدري أن الوطن الحقيقي هو الأرض التي يطيب لنا فيها العيش…الأرض التي لا نجوع فيها…ولا يجوع فيها صغارنا…الأرض التي لا نشعر فيها بالبرد شتاء…ولا نشعر فيها بالحرّ صيفا…الأرض التي نشتمّ ربيعا أزهارها…والأرض التي نأكل خريفا بعض ثمارها…الأرض التي طبيب من أهلها يوم نمرض يداوينا…الأرض التي رفاق فيها يوم نحزن يواسوننا…أي نعم مولاي…الوطن هو تلك الأرض التي تقبل بكل أهلها ومن وطئت اقدامهم ترابها…وطننا الحقيقي هو الذي يُسمح لنا فيه بالابتسامة…بالفرح…بحرية التعبير…وحرية الرفض…وحرية أن نقول لا…لا للرئيس ومن هم مع الرئيس…لا لأتباع الرئيس ولمن بايعوا الرئيس….لا لكل قرار لا يرضينا…لا لكل رأي لا نستسيغه…لا لكل أمر لا يؤخذ رأينا فيه… لا لكل ظلم…لا لكل تفرقة…لا لكل إقصاء…لا لكل محسوبية…أتريدنا أن نعتبر وطنا من يُحبط فيه أبناؤنا…ومن يُقهر فيه أطفالنا…ومن يُظلم فيه صغارنا…مولانا أتعلم أن انتخابك رئيسا لا يسمح لك بأن تفعل ما تريد كيف تريد ومتى تريد…فنحن لم ننتخبك لتكون ملكا…ولا سلطانا…لم ننتخبك لتنقلب على نظام أوصلك حيث أنت…لم ننتخبك لتقوّض اركان دولة ولدت فيها، وولدنا فيها…درست فيها، ودرسنا فيها…كبرت فيها، وكبرنا فيها…تزوجت فيها، وتزوجنا فيها…أنجبت الأبناء فيها، وأنجبنا الأبناء فيها…دولة لم تجع فيها، ولم نجع فيها…دولة لم تظلم فيها، ولم نُظلم فيها…دولة لم تعرقَل فيها، ولم نُعرقل فيها…دولة لم تُحبَط فيها، ولم نُحبط فيها…دولة سمحت لك بأن تترشح لرئاستها، وسمحت لنا بأن نختارك…وسمحت لك بأن تكون عليها رئيسا، لا سلطانا…فماذا فعلت مولانا بكل ما انتظرناه منك؟ لا شيء…غير…أنك تريد أن تختار عوضا عنّا…فمن أنت لتفعل ذلك؟ تريد أن تقرّر عوضا عنّا فمن أنت حتى تقرر دون أن نعلم بما تقرّر؟ تريد أن تفرض علينا نمطا سياسيا لا يعجبنا، فمن أنت لتفرض ما تريد علينا؟

مولانا…أنت اليوم تريد إقصاء أكثر من نصف هذا الشعب فقط لأنهم لم يعلنوا البيعة ولا الولاء لفخامتك، ولم يقبلوا بما تفعل وبما فعلت…أهذا دور رئيس جمهورية وعن أية جمهورية جديدة تتحدث، جمهورية للبعض دون الآخر…جمهورية على مقاس من أعلنوا لك البيعة والولاء…والبقيّة هل سنطردهم من أرضهم…من وطنهم…من منازلهم…فكيف تقصيهم ولا تناقشهم ما تريد…وما يريدون…هل يكون التفاوض والنقاش مع من نتفق معهم…أم مع من نختلف معهم لنقترب أكثر ونعمل سويا من اجل مصلحة واحدة…مصلحة شعب واحد لوطن واحد؟ أهذه ديمقراطيتكم التي تعدون بها الشعب في ما تفعلون وما فعلتم…؟؟ اهذه شوراكم إن كنتم من أهل الشورى…؟ أهذه شريعتكم إن كنتم من أهل الشريعة؟ أتدرى ما تعنيه جمهورية جديدة…؟ تعني أرضا واحدة لكل الشعب رغم اختلافاتهم…رغم اختلاف انتماءاتهم…رغم عقيدتهم…رغم ديانتهم…رغم اختلاف لون بشرتهم…جميعهم أبناء جمهورية واحدة ووطن واحد…هل جمعتهم حولك؟ لا…لأنك لست من الذين يبحثون عن التجميع…هل احتضنتهم رغم اختلاف رأيك وآرائهم؟ لا… أنت تريد شعبا يسبّح بحمدك…يصفّق لما تقوله…ولو شتمته أو شتمت بعضا منه…تريد أن تكون سلطانا…ولو كان على بعض الآلاف فقط من شعبك…والبقيّة ألم تفكّر في البقيةّ؟ أسَتُرسلهم إلى البحر تأكلهم حيتان المتوسط؟ أستشجعهم على “الحرقة” لتتخلّص منهم ومن وجعهم؟ أستسجنهم لأنهم رفضوا بيعتك والولاء؟ أستُـنكر عليهم أنهم من هذه الأرض وإلى هذه الأرض سيعودون؟ أستبيعهم في مزاد بيع الشعوب لمن يدفع أكثر؟

أتسمح مولاي أن أسألك…سأسألك وإن لم تسمح…من أوحى لك بكل ما تفعل…وبكل ما تريد؟ من ملأ صدرك حقدا على شعبك…وعلى البعض من شعبك؟ من كذب عليك وقال إن نصف شعبك فاسد ونصفه الآخر خائن…وبعضه عميل…وبعضه الآخر وشاة للسفارات…من وسوس لك أن بعض شعبك سيخونك…وسيتآمر عليك…؟ أتدري مولاي أنك وقعت في نفس الفخّ الذي وقع فيه من جاؤوا على جثة “البوعزيزي” يوم 14 جانفي…هم وقعوا في ما وقعت فيه…فخسروا رهانهم وصدموا بواقع كانوا يقولون عنه سوءا وكتبوا فيه ما لم يقله مالك في الويسكي أو فودكا بوتين…الوطن ليس كيس قمح تهدي بعضه لمن تشاء ومن تريد…الوطن حقل شاسع من الورود الأزهار…تعترضك أحيانا بعض الاشواك…فلا تدسها…فتندم…

أسألك فاسمع مولاي…من ملأ صدرك على كفاءات البلاد…من غيّر رأيك في رجالات البلاد…من ابعدك عمن صنعوا مجد البلاد وخدموا العباد…؟؟ أعرفت حقيقتهم…أعرفت لماذا ابعدوك عن الطريق التي توصلك إلى قلوب العباد؟ هم أوهموك بما يريدون فقط لأنهم يريدونك خادمهم دون أن تكون…هم ورطوك في وجهة ستجعلك سطرا يتيما في تاريخ أمة تاريخها ملايين الكتب…أسترضى أن تكون سطرا في تاريخ أمة بعض رجالاتها ملأت سيرهم عشرات الكتب؟ هم أرادوك وحيدا ليختلوا بك ويحققوا بك ما يريدون وما يضمرون…هم أرادوك وحيدا لتسهل عملية ترويضك لصالح أجنداتهم وما يخططون…هم وجهّوك إلى وجهة خطأ…وجهة استعديت فيها أكثر من ثلثي الشعب…أوهموك بأن الأحزاب خراب…فخسرت الأحزاب وقواعد الأحزاب ومناصري الأحزاب…فماذا أنت فاعل غدا يوم يقول الجميع “لا” لدستورك وجمهوريتك…؟

مولاي…اليوم سأعلنها عاليا “أكرهك”…ولا أقصد طبعا عنوان أغنية كاظم الساهر ولا مقطعا مما غنته وردة من ألحان العظيم بليغ…بل أقصد ما كتبت…نعم أنا اليوم “أكرهك” وغدا قد يكرهك أبنائي…وأحفادي وإخوتي وعائلتي …وغدا قد يكرهك غيري وغير عائلتي…غدا قد نكرهك جميعا…كل الشعب…وربما كل شعوب الدنيا…لذلك أقول…وأنا على يقين انك ستفعل هذه المرّة…ابحث في من هم حولك ومن عاشرتهم ومن عرفتهم طيلة فترة تفكيرك في الانقضاض على الحكم انتخابا ثم الاستحواذ عليه انقلابا…أقول ابحث في جميع من هم حولك من خدعك منهم وأوصلك إلى ما انت فيه اليوم…إنهم يخدعونك…وغدا سيتركونك لمصيرك…فعد إلى الشعب كل الشعب…فإن اخترت أن تكون رئيسا لاتباعك فقط…فتحمّل تبعات ما تريد…وما يريده شعبك الذي اخترت…وإن عدت إلى “وعيك” الذي كان فسنعود جميعنا نحبكّ…وسنحمل معك كل أتعاب السفر…وكل أثقاله…وسيبقى الوطن خيمتنا جميعا…

وأرجوك مولاي…لا تقل لي إن الدستور يمنعني من أن أكرهك، فكيف لدستور لم يمنعك أنت رئيس البلاد والوصي على كل العباد، والمطالب بحب كل الشعب الأحرار منهم والأوغاد … أقول كيف لدستور لم يمنعك أنت من الحقد على أكثر من نصف شعبك أن يمنعني انا المواطن الذي انتخبك، مِن كُرهك …فالدستور مات ودفن ونسينا أن نقرأ عليه الفاتحة…ولا تقل لي إن القانون يمنعني من أن أعلن كرهي لك…هات لي نصا واحدا يمنعني من كرهك…أكرهك وغدا يكرهك أحفادي …وغدا تعاد كتابة التاريخ دون ذكر اسمك وقد لا يقرأ احفاد أحفادي اسمك في تاريخ بلادي، إن عادوا يوما إليها…فهلاّ استفقت قبل فوات الأوان… فقط لتعلم قد أكرهك اليوم…وأعود لأحبك غدا يوم تستفيق من غفوة طالت بكيد بعضهم او بكيد من لا يعلم أن الأوطان لا تدار ولا تبنى بالأحقاد…فالأحقاد هي سلاح الأوغاد …وأنا على يقين مولاي أنك لست ولن تكون منهم…

مولاي…أتقرأ هذا…؟ لم أكتب ما كتبت طمعا في هدية أو منصب او خطّة وظيفية منك ومن حكومة “الخالة نجلاء” أو “العمّ مالك” الذي يحوم حول القصبة، لا لم أفعل ذلك في عهدي بورقيبة يوم كنت صديقا للجميع ولبعض وزراء الزعيم، ولم أطلب ذلك من بن علي ولا من وزراء بن علي فلا أحد منهم دفع لي ثمن فنجان قهوة “كابوسان” في مقهى محطّة سيارات اجرة ولايات الجنوب او حتى مقهى المحطّة المركزية للسكك الحديدية…تصوّر ان احد أقرب الناس لبن علي سألني يوما غاضبا ” شبيك ما تطلب شيء لروحك” …لا تظنّ ابدا أني ممن يطلبون هدية أو خدمة أو مصلحة لهم أو لأحد أبنائهم….لا أبدا أنا هكذا كنت وهكذا أبقى…فقط أنا أريد ان اضمن يوم يطلب الله أمانته، ويقول لي حان اجلك عبدي فتعال إلى خالقك، أن يكون كل أبنائي حولي غير ممنوعين من السفر ولا ممنوعين من دخول البلاد فقط لأن والدهم ضدّ السلطان ولا يحب السلطان ويكتب عن السلطان ما لا يعجب ويرضي وشاة السلطان وأتباع السلطان…أي نعم لا أريد ان تزر وازرة وزر أخرى فأحرم من أن أودّع أبنائي يوم تحين ساعة الوداع…أفكّرت أنت مولاي في يوم الوداع…أرجوك فكّر في ذلك اليوم فكلنا مغادرون…وكلنا إلى خالقنا راجعون …فكن عادلا…ولا تظلم فأنت بما فعلت وتفعله اليوم ظالم وقد تكون لا تعلم…وأتباعك يصفقون…فبعضهم للظلم يعشقون…سأكرهك حتى اشعار آخر…وأنا علي يقين أنه ليس ببعيد …مولاي…

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 89

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …

عبد الكريم قطاطة

وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…

وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..

قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …

لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …

وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …

سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…

عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..

وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …

ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم ..الورقة 88

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …

عبد الكريم قطاطة

وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..

في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…

اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…

اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…

لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…

في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…

عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…

اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

التقصي عن أمراض السكري وضغط الدم… وليس عن أعوان التلفزة!

نشرت

في

محمد الزمزاري:

انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.

الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.

طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.

وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.

أكمل القراءة

صن نار