تابعنا على

داخليا

على وقع أيام الغابات

غنجاء عريضي

نشرت

في

قديما كانت الغابات في عين دراهم هي مصدر الحياة و مصممة اسلوب عيش الناس فيها … فمنها بنى أجدادنا مساكنهم فكانت الجدران من أعواد الريحان و الأعمدة من جذوع الزان و الغطاء من أغصان الفرنان و الديس  أما الأفرشة فكانت من يانع الأعشاب كالفرسيق و البرواق … كانت الأعراس تقام في الليالي المقمرة بأغصان القندول الذي يشتعل و حول لهبه تعلو زغاريد النسوة تحت دق الطبول و رقصات الرجال…  كانت الغابة مرعى الماشية و مسرح أغاني النسوة التي تجلب منها كُسار حطب أسقطته الثلوج لتتدفأ به الأسرة في زمهرير الشتاء  و عليه يطبخ الأكل … كانت الأغاني و الأهازيج تنطلق من الغابة  حيث تتفجر العيون الجارية التي تتجمع حولها الصبايا  ليرِدن الماء العذب و يتبادلن أطراف الحديث … في الغابة كان النحل يقطن ما بين الأشجار ليصنع عسلا لذيذا يبحث عنه الرعاة و يعودون في أواخر الربيع بغنيمتهم من أقراص  الشهد، فتتحلق الأسرة حولها يتذوقون طعمه …

غنجاء العريضي
<strong>غنجاء عريضي<strong>

من الغابة كانت الجدات تجمعن القضّوم لتعصرنه و تحفظنه ذخرا لوقت الحاجة بين أحضان الغابة كان الأطفال يمرحون و يتلذذون طعم التوت صيفا و الأرنج و العذارى شتاء من الغابة … كل شيء جميل تحت شجرة الخفّاف أو الزان كان الملجأ من الأمطار الغزيرة شتاء و حماية من حرارة الشمس صيفا  … حول غصن من الصنوبرة كانت الأرجوحة تحلق بنا نحو الفضاء فتشعرك بمتعة ممزوجة بخوف الصغار … تحت ظلال الفلّينة كانت الأقارب تجتمع لتنعم بالهواء النقي و تترشف الشاي ببندق الغابة الطازج … على جبال الغابات كانت الماعز تمارس رياضتها وتبحث عن قوتها فتنقش صورة رائعة على لحاء الفرنان و الضرو …  كان الأهالي يصنعون المقاعد البسيطة و أواني الأكل مما يتيحه المحيط، فمن الجفان أنواع و من الملاعق أحجام،  ومن الطين المجلوب من الغابة صنعت المرأة أواني الطبخ، من تحت السرو و الصنوبرالحلبي جمع الإنسان الفقاع و البلّوط غذاء للماشية و نبتت أنواع عديدة من الخضر البرية كالكرفس الجالي  و السلق الجالي و الكرّاث الجالي و غيرها … و من وهاد الغابة جنى الإنسان أعشابا طبية نافعة …

و لكن منذ سنوات حرم السكان من خيرات الطبيعة البكر، فهوجمت الغابة بكل شراسة و حل محل الماعز الخنزير البري الذي ظل يتكاثر حتى قضى على مصدر عيش أهلها و راح يلتهم الأخضر و اليابس فيما عمد الهمج إلى إشعال النيران و إحراق كل جميل فهربت العصافير و هاجر نسر خمير أيقونتنا و سافر النحل إلى أماكن أكثر أمانا … احترق البقر الوحشي و كل حيوانات الغابة و فُتحت مسارب للتهريب و الإرهاب … وما تزامن الحرائق المتعددة  في صائفة واحدة إلا دليل على أن أياد عابثة لها ضلع في مأساة الغابة، و باعث شك في أعداء الحياة والجمال  … و مَن مِن سكان الشمال لا يذكر تلك الأيام العصيبة التي اختنق فيها السكان وأهدرت فيها طاقات رجال المطافئ  بسبب وعورة المسالك و هبوب رياح الشهيلي؟

صارت النسوة يخشين ارتياد الغابة بعد أن هجم السراق على المواشي في مراعيها و احترق الفلين و الزان و بكت المرأة على شياهها و طيورها المحروقة أمام عينيها … صارت الخمائل و العيون الجارية أوكارا للدعارة و العربدات الخمرية و  أحيانا مصبا للفضلات … و ظلت الغابة تقاوم بأمطارها و ثلوجها ما يفعله بها الإنسان … دون الحديث عن مجازر قطع  الأشجار بالمئات و الآلاف  بعد أن طالتها أيادي شياطين الإنس و مافيات الخشب النفيس خاصة … و أحراشنا تستنجد و تصرخ أين أهلي أين إدارة الغابات أين وزارة البيئة و لا من مجيب … فقد نُحرت الأشجار في الليالي المقمرة و ناسها نائمون  

تخلينا عن تربية الماعز الذي يتغذى من أوراق الغابة وينفع البشر بحليبه  و لحمه و تركناها مرتعا للخنزير الذي ينتظر صيادين من بلدان أخرى  قد يأتون أو لا يأتون … فأي يوم للغابة؟  أهو للاحتفال بها أم للبكاء عليها؟  إن  السلطات تنظف الشواطئ كل بداية صيف، فلماذا لا تهتم بتنظيف أرجاء الغابات مما طالها من  زجاج  قوارير مكسور متناثر في فجواتها مسببا للحرائق … لماذا أيضا لا يمنع إشعال النار تحت الأشجار كما تفعل البلاد المتحضرة؟  ألا تستحق الغابات أن نغار عليها و أن نحميها؟ ألا يمكن مثلا أن تنظم حملات تنظيف فى شكل احتفالي مع بداية كل صيف و  تساهم فيه كل الجهات و مكونات المجتمع المدني و الكشافة و أبناء المدارس؟  ألا يمكن تشجيع سكان الريف و سفوح الجبال بتوفير مساكن لائقة لهم و تخصيص حوافز  لهم و حماية لبيئتهم من وزارة الفلاحة حتى يحرسوا ملكنا الغابي و الجبلي و يتمسكوا به؟

لا افهم معنى الاحتفال بأيام الغابات في  بداية الشتاء فتمرّ دون أن يعلم بها أحد  … هل الطقس مناسب للاحتفال و لماذا لا يكون ذلك صيفا و الاهتمام على كامل السنة بمنظومة بيئية هشة كم أوصت الأمم المتحدة بصيانتها … و كم بلادنا في حاجة إلى غطائها الغابي السائر نحو الانقراض … و كأنه لا يكفينا أن عددا مهولا من جبالنا فقد كساءه النباتي و انجرفت تربته بعد ذلك … فتحوّلت إلى كتل صخرية ملساء جرداء أو إلى مقاطع حجارة و بارود و غبار …

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

داخليا

النفيضة: وقفة احتجاجية لأهالي “دار بالواعر”… على خلفية سقوط تلميذ من حافلة

نشرت

في

نفّذ عدد من  أهالي دار بالواعر من معتمدية النفيضة التابعة لولاية سوسة اليوم الجمعة 22 نوفمبر 2024، وقفة احتجاجية قاموا خلالها بغلق الطريق الوطنية عدد 2 وإشعال النار في عجلات مطاطية، وفق إفادة مسؤول محلّي على إذاعة موزاييك .

ويعود هذا التحرّك الاحتجاجي إلى حادثة أليمة جدّت البارحة تمثّلت في سقوط تلميذ يبلغ من العمر 15 عاما من حافلة تابعة لشركة النقل بالساحل عبر إحدى النوافذ التي كانت مهشّمة، وفق معطياتها.

ومن جهتها، أكدت مصادر طبيّة، إيواء التلميذ المتضرّر بقسم التخدير والإنعاش بالمستشفى الجامعي سهلول حيث يخضع للتنفّس الاصطناعي، ووصفت حالته بالحرجة.

ـ عن “موزاييك” ـ

أكمل القراءة

داخليا

حاجب العيون… دار الثقافة ومؤسسة “دريم” تنظمان ندوة حول الشارع والتربية

نشرت

في

محمد علي العباسي:

نظمت مؤخرا دار الثقافة علي الزواوي ومؤسسة دريم بحاجب العيون، ندوة فكرية حول الشارع والتربية في حاجب العيون، وذلك من أجل تشخيص الواقع التربوي والعمل تشاركيا على ايجاد حلول علمية وعملية لدعم تعليم التلاميذ وحمايتهم بحضور ممثلين عن المؤسسات التربوية بالجهة وثلة من التلاميذ والفاعلين في المشهد التربوي والثقافي.

الندوة الفكرية جاءت من تاثيث الاخصائية النفسية وعضو الجمعية العالمية لصناع السلام نجيبة الخارجي تحت عنوان “الاستراتيجيات الحديثة للتعلم الفعال والاستجابة للاحتياجات التربوية والنفسية للمتعلم” هذا وقد حضر الندوة حمع من الاساتذة ومنشطي دار الثقافة بحاجب العيون وثلة من التلاميذ والمثقفين من أجل السمو بالفعل التربوي والثقافي بالجهة.

أكمل القراءة

داخليا

وادي مليز… يوم تكويني للمشرفين على تنظيم الانتخابات الرئاسية

نشرت

في

من منصف كريمي

بعد ان انطلقت بداية الشهر الجاري الادارة الفرعية للانتخابات بجندوبة بمقرّها في تنظيم دورة تكوينية موجهة لفائدة اعوان مراقبة الحملة الانتخابية والمكلف بالشؤون القانونية ومراقبة الحملات الانتخابية حول “قواعد تمويل الحملة واجراءاتها “انطلقت منذ يوم 21 سبتمبر في تنظيم آيام تكوينية مخصصة لرؤساء مراكز الاقتراع ومساعديهم ورؤساء واعضاء مكاتب الاقتراع حول “اجراءات الاقتراع والفرز” بكل من المركز الجهوي للتكوين وتطوير الكفاءات بجندوبة ودار الشباب بلطة بوعوان ودار الثقافة بلطة بوعوان ومعهد الغابات والمراعي بطبرقة ومعهد عين دراهم والمعهد الثانوي ببوسالم.

ويكون الموعد اليوم 23 سبتمبر الجاري بدار الشباب وادي مليز مع اشغال الدورة التكوينية التي تنظمها الهيئة الفرعية للانتخابات بجندوبة لفائدة اعضاء مكاتب الاقتراع من متساكني المنطقة والذين تم انتدابهم من قبل الهيئة بم، وقد أشرف على تأطيره الاستاذ هشام عريبي وبحضور المنسّق المحلي للهيئة بوادي مليز الاستاذ صابر المزريقي، وأكّد هذا الأخير اهمية الدور المناط باعضاء مكاتب الاقتراع لتسيير عمليات التصويت داخل مكاتب الاقتراع في أحسن الظروف وفي كنف الحياد وتطبيق القانون، ودعاهم في هذا السياق الى الالتزام التام بالواجبات المحمولة عليهم طبقا للفصل 121 من القانون عدد 16 لسنة 2014 المؤرّخ في 26 ماي 2014 والمتعلّق بضبط شروط وصيغ تعيين أعضاء مكاتب الاقتراع وكيفية ادائهم لمهامهم وخاصة الالتزام بأعلى درجات الاستقلالية والتحفظ والحياد وتوخي الدقة والمسؤولية في تحرير مختلف المحاضر لما تكتسيه هذه الوثائق من اهمية بالغة وضمانا لحق كل مترشّح في كنف الشفافية المطلقة ترسيخا للمسار الديمقراطي الصحيح والعادل.

أكمل القراءة

صن نار