غريب أن يعجز وطن مثل تونس على تحقيق الأمن الغذائي لشعب لا يتعدى الملايين الاثنى عشر و يمتلك مساحات زراعية كبيرة يمكنها توفير ضعف الإنتاج الحالي من الحبوب …
أمر غريب و كان ممكنا النجاح اذا ما توفرت بعض المتطلبات الأساسية الدنيا ومنها القضاء على مهزلة نقص البذور و الاسمدة المتنوعة المحلية او المستوردة التي تتصرف فيها زمر من المافيات … هذه التي لايهمها ازدهار الانتاج الفلاحي قدر ما يعنيها يصل إلى جيوبها ..هذه المسالك اللاوطنية تتبع في سبيل جشعها طرقا عديدة ي مثل حجب البذور او الاسمدة و تأخير عرضها بعد فوات مواسم استعمالها ومن هناك تبدأ ذئاب السوق السوداء في الترفيع من الأسعار المشطة اصلا …
واذا ذكرنا الاكتفاء الذاتي من الغذاء فلا بد لنا من التعريج الضروري على موارد الصيد البحري التي تمثل سواحل طولها اكثر من 1300 كلم في حين ان الجزء الأكبر من المواطنين التونسيين لا تسمح لهم امكانياتهم بالتمتع بخيراتهم، تماما مثل صابات التمور و زيت الزيتون ..لقد ارتُهِنت موارد البلاد في بؤر المضاربين و رؤوس المال الفاسد منذ ثورة البرويطة التي تمكن من سرقتها مرتزقة الفاشلين فلم يثبتوا قدرتهم على حل مشاكل البلاد و دعم مواردها بقدر ماكانوا مشكلة اضافية لتعطيل الموارد مما اوصل الأوضاع الحالية إلى نتائج لم تعرفها البلاد حتى خلال السنوات الأولى من الاستقلال …
إن الحرب بين روسيا و اوكرانيا يجب أن تدفع بنا نحو تخيل و تنفيذ خطط اقتصادية واضحة المعالم و ان تتجاوز العقلية الفلاحية الكلاسيكية ولعل من الممكن التوجه نحو :
اولا: بعث ديوان وطني يشرف على توفير البذور في اجالها و مد الفلاحين بالاسمدة الضرورية طبقا للطلبات و الفصول وإيقاف نزيف المضاربات.
ثانيا: مساعدة الفلاحين الصغار بتشجيعهم على آليات الفلاحة العصرية عن طريق دعم الدولة و القروض الميسرة و يمكن ربط الدعم بحسن الاستغلال و مدى مردودية الإنتاج
وبما اننا ذكرنا ماساة انقطاع الحليب من العرض نسارع بالتذكير ان عددا من الدول لا تعير امر تربية الأبقار اية أهمية نظرا إلى الكلفة التي تبدأ اولا من استهلاك الماء الذي يصل إلى ما بين 3000 إلى 4000 لتر للبقرة الواحدة مما يقلص مخزون المياه أضف إلى ذلك اسعار الاعلاف المستوردة و الأدوية و الوقاية و العناية بالقطيع مما يؤدي حسابيا إلى تعويض الأبقار باستيراد الحليب و اللحوم بكلفة اقل شرط تخيل منتجات تصديرية لتغطية عمليات الاستيراد مثلما وقع في بعض البلدان التي تستغل مزارع الزهور للتصدير بهدف تغطية استيراد الالبان واللحوم ..
لعل العقلية التاريخية لا تساعد على التفكير في منظومة اقتصادية مماثلة لبعض البلدان لكن لا يمنع القول بأن قطاع الفلاحة يعد اهم عنصر حيوي للبلاد حتى لو أدى الأمر إلى اعطائه اهم أولوية خلال العشرية الحالية حتى لا نبقى رهينه قمح اوكرانيا او “بشنة” السنغال!