دخل عمّ علي الأبتر مسرعا إلى منزله وصاح بأعلى صوته مناديا زوجته: ” يا فتحية… يا بنت الرعّاش… (زوجته فتحية هذه هي ابنة الكوني الأفحج وكنيته “الرعّاش” وهو العم الأكبر لعلي الابتر) …تي وينك يا سخطة؟؟”
ارتفع صوت فتحية المسكينة من داخل المطبخ ” هاني هنا شبيك تصيح اش ثمّة يا الابتر؟؟” … وقف امامها منتصبا وقال: “ما سمعتش أبوعبيدة توه اش قال…والله انتصار كاسح خليناهم ضحكة في العالم برّه الله يطول في عمرك يا بوعبيدة…ويطول في …اش علينا هو طويل من ربّي” نظرت اليه فتحية وأطلقتعنان لسانها بـــ”زغروطة” غزّاوية أدارت رقاب كل المارين من النهج الذي يقطن به علي الأبتر وزوجته فتحية وصغارهما… وجعلت بعض النسوة يدققن على باب دار فتحية لتهنئتها بما وراء “الزغروطة” العنقودية التي أطلقتها في سماء غزّة…عفوا في سماء حي “المجاريح” المحاذي لحي “المكسور” قرب طريق “المغدور”…
فتحت فتحية لإحداهن الباب فسألتها هذه الأخيرة: “ايه الحمد لله على خلاص وحلكم، بنيّة والا وليّد يا مرت الأبتر؟؟” …ضحكت فتحية وأجابتها ” لا بنيّة لا وليّد أنا من هاك العام سكرت الحانوت يا مرت الأعور (زوج الجارة يسمونه بالأعور) زغرطت على بوعبيدة مركه مخالفة مباشرة في تل ابيب”…نظرت إليها زوجة الأعور وقالت: “بوعبيدة مركه بونتو والفار شافها وأكدها يا فتحية أوخيتي؟ وين يعدو فيها المقابلة في البين سبورت والا في الكاس؟؟” أجابتها فتحية ضاحكة: “لا أوخيتي يعدوا فيها في السكاي نيوز والبي بي سي والعربية والجزيرة…”
سعدت زوجة الأعور بالمعلومة وقالت: “ربي يفرحك ببنيتك يا فتحية خليني نمشي نخبّر الأعور بالماتش يخلطش على الشوط الثاني ويخطاني بنت عمّي جاية بحذايا تعملي شوية صبغة الشيبات طوالو يا فتحية..” نظرت إليها فتحية وقالت بصوت هادئ “برّي بنية عمّي يسوّد شعرك ان شاء الله” … عادت الزوجة المسكينة إلى زوجها فوجدته جالسا القرفصاء ينتظر وجبة الغداء بعد منبر حواري ساخن مع بعض شيوخ الحيّ أمام تلفاز مقهى عمّ الصادق المبعوج…رفع رأسه نحوها وقال: “ثماش غداء يا مرا…؟؟؟” أجابته فتحية وهي ترتعش: “عمتلك مقرونة بيضاء…مسموطة وفيها كعيبتين سردينة تسلفتهم من خالتي (العوجاء) نجيبلك صحيّن سخون يا (بعلي) الممحون؟”
قالتها وهي تتمايل يسرة ويمنة تداعب الابتر بالغنج والكلمات طمعا في حصّة إضافية ليلية بعيدا عن اعين الأطفال والذريّة…وقف الابتر منتصبا غاضبا…صارخا “بيضاء علاه ما عندكش طماطم؟؟” أجابت: “ما عنديش نسيت موش قتلك نهار7 أكتوبر اللي فات راهو معادش عندي قتلي الطماطم غلا طيبي بلاش…يخي نسيت يا الابتر…؟؟؟” نظر إليها وأضاف: “علاه ما عملتش حتى عصيدة عربي بزيت الزيتونة يا همّ…؟؟” أجابت باكية: “أنا سخطة…يا الابتر…موش قتلك زيت الزيتونة كمل قتلي منجمش نشريه بــ 22 دينار الليترة..نسيت يا منجوه؟؟؟” …
“وعلاش ما عملتش حتى بيتزا صغيرة ليّ وللصغار ماهم يحبوها…؟؟” أجابت:” تي اشبيك يا راجل نسيت موش ليلتها في غزّة شدوا هاك الاسرى واتلهينا في الاخبار وانت شايخ وتغني (غزّة يامه يا بهية) وقتلك الفارينة ما ثماش قتلي موش لازم موش موجودة، المهم بوعبيدة يطق فيهم على “مؤخراتهم”… والمهمّ شدينا أسرى وبوعبيدة مشيّخنا…”…نظر إليها وقال:” عندكش على الأقل قهوة اعمليلي قهيوة حليب نطفي بيها الجوع؟؟” ضحكت وقالت لزوجها: “ها لبتر ياخي نسيت الحليب ماثماش …والقهوة كيف كيف…تحبش نعملك طاسة تاي اخضر فيها شوية زعتر واكليل و تڨوفت وشيح وعرعار دفي بيها افادك يا منجوه؟؟؟”
ضرب الأبتر راسه بين يديه وصرخ: “علاه ريتني نشكي من امراض مستعصية يا بنت الرعاش…ثماش ڨدمة خبز على الأقل يا بنت الافحج راك قتلتني..؟؟” ضحكت وقالت: “شبيك نسيت والا مكنك زهايمر وضربك على طاسة مخّك؟ الخبز بعد السبعة متاع الصباح معادش تلقاه..”…استدار الأبتر نحو زوجته وقال: “وينه المسخوط ولدك الكبير ما ريتاش من نهار 7 اكتوبر خلي نبعثوه لعمّه يجيبلنا منه عشرة لاف نكملوا بيهم الشهر …؟؟” نظرت إليه فتحية وصرخت بأعلى صوتها: “يا الابتر يخي نسيت والا شنية حكايتك…ولدك حرق نهار 10 أكتوبر وهوينه مربوط في لمبدوزا…يخي شبيك؟؟”…
قام الابتر منتصبا كأنه أصيب بصاروخ أرض أرض قادما من لامبادوزا وقال: “اشنوة حرق؟ بالحرام لا فيبالي ولاني موجود أصل…الله يهلكك يا نتنياهو…والله يسامحك يا بوعبيدة نسيتني في شؤوني الداخلية…ومنين جاب الفلوس باش حرق ولدك يا سخطة؟؟” التفتت إليه فتحية وقالت: “موش قتلي بيع اللي يتباع من اللي في الدار…بعت الدجاجات…وخمسة ارانب…وشركة ذهب خلاتهالي أمي الله يرحمها…وبعت الكورة اللي جابها الكوني ولد خوك لولدك باش يكور بيها وهو سارقها من فريق طلياني وقت التدريبات متاعو…وزوز سراويل جابهملك ولد خوك جدد قلت اش يعمل بيهم هوكه عنده سروال يكمّل بيه العام …وبعت الراديون اللي في بيت النوم…وبعت سرير ولدك اللي حرق…وتسلفت من خالتي “المبرومة” مليون ونص باش يردهملها ولدك كان خدم…كان ما خدمش يروح ويعرس ببنتها البايرة اللي قعدتلهم في الرقبة…هكه تفاهمنا …”
وقف الابتر مرّة أخرى صارخا يرتعش من فرط الغضب وقال صارخا في وجه فتحية: “اش خليت يا سخطة زدت بعتني أنا وبعت الذرية الاخرين …ما فهمتش أنا وين كنت وقت اللي صار هذا الكلّ؟؟؟” …ضحكت فتحية…وقالت” انت كنت شايخ بميسي متاعك ليونال بوعبيدة…وليل كامل وانت تغنّي وتقول:
الغرام فى الدم سارح والهوى طارح معزه
والحنين للقرب بارح والنوى جارح يا غزة…
ضحك عمّ علي الابتر وقال لفتحية “عزّه موش غزّة يا منجوهة…” أجابت وكأن الغضب اخذ منها مساحة أكبر مما كانت عليه من هدوء وقالت: ” وين نعرف على أمها غزّه والا عزّة يخي انت ما زلت لاهي بينا…كل نهار وليل غزّة…وبوعبيده…يا الابتر، نسيت اللي عندك قريب شهرين ما دوشتش يا ضايع؟”…
ضحك عمّ الأبتر وشعر بالذنب مما أتاه طيلة حرب غزّة وقال مبتسما فاتحا ذراعيه لفتحية: “الليلة يا فتوحتي…الليلة يا فتوحتي ندوّشوا…” ابتسمت فتحية وتمتمت ” علاه أنا دشيشة والا دشيشة…بوعبيدة خير مني…والا عزّة اللي يحكي عليها؟!” احتضنها الابتر وقال متمتما: “صحيح…همّ ينسيك همّ…الليلة ليلتك يا فتحية…الليلة يا فتحية نزور الانفاق…ونمضي على الهدنة في اتفاق…”…