جور نار

قراءة في سنة أولى مراسيم: “محُسوبْ…جَابْ الدستور من وِذْنُو” !!!

نشرت

في

هل ينجح الرئيس قيس سعيد في ضرب أوكار الفساد - اخبار تونس

قبل استفتاء الدستور كان أتباع ساكن قرطاج يفاخرون بما سيفعله “سيدهم” مباشرة بعد ختمه لدستوره…وكان بعضنا يصدّق الرواية وعاش لفترة طويلة ينتظر ما سيحدث وما الذي سيأتيه ساكن قرطاج وكأن دستوره “مصباح علاء الدين”، وكأن هذا الدستور سيطلق يد الرئيس ليصلح حال البلاد والعباد…

<strong>محمد الأطرش<strong>

كأن مشكلتنا الأهمّ والأولى هي صياغة دستور يُسْكن الرئيس بمفرده دون شراكة في اعلى كراسي الحكم…فهل نجاة هذه البلاد في فصول دستور ساكن قرطاج؟ ألم تعش البلاد سنة كاملة دون دستور وساكن قرطاج يفعل بالمراسيم ما يريد كما يريد دون رقيب ولا حسيب، فهل حقّق إنجازا واحدا يفاخر به امام أتباعه؟ لا…لم يفعل شيئا لا اقتصاديا ولا اجتماعيا ولا سياسيا ولو كان صغيرا بحجم حبّة قمح لهذه البلاد ولهذا الشعب…اكتفى بالتهديد والوعيد وبالويل والثبور لكل من حكموا قبله وكل من ذكرهم أنصاره وأتباعه واختلقوا عنهم روايات فساد وإفساد في مواقع التواصل الاجتماعي…وكأن جميع من حكموا قبله أفسدوا في الأرض، وكأن كل الشعب مورّط في ما آلت إليه أوضاع البلاد اقتصاديا واجتماعيا…وكأن كل من يعارضه ومن لا يسانده مشبوه حتى اشعار آخر…

ما الذي تغيّر خلال سنة حكم دون الأحزاب؟ لا شيء…فما كانت تفعله الأحزاب يفعله اليوم أتباع ساكن قرطاج…والمحاصصة التي كان يعيشها المشهد السياسي والحكومي بالذات نعيش أسوأ منها اليوم تحت مسميات أخرى، فمن عوّض الأحزاب ورجال الأحزاب في الحكومة وفي مفاصل الدولة؟ عوضهم أتباع ساكن قرطاج ومن ساندوه ومن كانوا على رأس تنسيقياته الانتخابية مع فارق هام وهام جدّا هو انعدام الكفاءة تماما من أغلب من وقع تعيينهم في خطط حكومية وغيرها منذ “استحواذ” ساكن قرطاج على السلطة منفردا…إذن لا شيء تغيّر، غيّرنا الأحزاب بتنسيقيات الرئيس…وأتباعه…وجلسنا القرفصاء ننتظر معجزة من دستورنا الحبيب…

ماذا فعل الرئيس في عام كامل من الحكم الفردي المطلق؟ هل أعلن عن قرارات تُطمئن الشعب عن مستقبل أبنائه؟ هل نجح في جلب المستثمرين وإعادة الروح لاقتصاد يحتضر؟ هل أعاد مليما واحدا “منهوبا” من بنوك سويسرا وغيرها من الدول الحاضنة لأموال الشعوب؟ هل نجح في ملء خزينة الدولة بما قاله حول استخلاص ديون رجال الأعمال التي يصل حجمها حسب ما وقع الاعلان عن ذلك إلى أكثر من عشرة مليارات من الدنانير؟ لا شيء حصل…فقط “قسّم” البلاد إلى سارق ومسروق…وناهب ومنهوب… فالسارق والناهب هما كل من حكموا قبله منذ عهد البايات ومن ساندهم ومن صاهرهم ومن جالسهم ومن تناول فطور الصباح معهم…والمسروق والمنهوب هم كل من صفقوا له وساندوه وانتخبوه ودعموه وكتبوا عنه كلاما يقطر عسلا…وشتموا خصومه …وحاربوا كل من حكموا قبله…وقالوا نعم لدستوره …الدستور الذي جعل منه الحاكم بأمره…وسلطان زمانه…

هذا ما أتاه الرئيس خلال سنة كاملة، فهل كان فقط ينتظر حصول دستوره على تأشيرة الشعب لينطلق في تغيير حال البلاد والعباد، أم هو فقط أخفق وفشل في كل ما فعله وأتاه؟ والغريب هو أن ساكن قرطاج لا يختلف كثيرا عمّن سبقوه في الحكم منذ سفر بن علي رحمه الله إلى حيث التقي خالقه واحتضنته أرض الصحابة، فكل من حكموا البلاد بعد سفر بن علي رحمه الله علقّوا فشلهم واخفاقهم في النهوض باقتصاد البلاد وإصلاح حالها وحال الشعب وتخبطهم في إدارة الشأن العام، على شماعة النظام السابق… فشماعة الأنظمة السابقة من عهود البايات ربما وصولا إلى حنبعل ومن حكموا قبله جاهزة ليعلق عليها الرئيس اليوم كل الإخفاقات والفشل المتواصل والفظيع في كل شؤون الحكم والدولة…فهل كنّا حقّا في حاجة إلى دستور فقط لنخرج البلاد مما هي فيه؟ لقد تعوّدنا ان نرمي بكل اوزار فشلنا وإخفاقاتنا على الآخرين وخاصة على من سبقونا في الحكم، واول هؤلاء الذين نرميهم بأوزارنا خصومنا ومن “انقلبنا” عليهم بعد ان كنّا شركاء معهم في الحكم لأكثر من سنة، سنة لم نستخلص منها العبر وأخطأنا في تشخيص دقيق وعقلاني للوضع ومن تسبّب فيه، ووقعنا في خطأ شيطنة وضرب من لم يكن السبب الوحيد والأهمّ والأكبر في ما نحن فيه…

ما كان على الرئيس أن يبحث عن الحلول في دستور يسكنه منفردا أعلى هرم السلطة، بل كان عليه ان يبحث كيف يوحّد هذا الشعب الذي فرقته الأحزاب وشتتت شمله وجعلته مللا وطوائف، أليس هو رئيس البلاد؟ إذن هو رئيس كل من يعيشون على أرض هذا الوطن رغم اختلافه مع أغلبهم…ورغم رفضه لأغلبهم…أنسي أن أغلبهم انتخبوه رغم أنهم لم يرشحوه…فكيف يرفضهم اليوم ويقبل أصواتهم بالأمس مبتسما؟

كان على الرئيس أن يفكّر جدّيا في عاقبة كل خطوة غير مدروسة في ما يفعله، فاليوم وغدا هو من سيتحمّل بمفرده تبعات الفشل الماضي…والآتي، وهو الأخطر والأمرّ وقد ينسف كل البناء الذي مات من أجله أجدادنا وعانى بورقيبة ورفاقه…فحكم شعب موحّد أهون بكثير من حكم شعب مفتّت مزقت أوصاله الأحزاب والانتماءات الأيديولوجية و”الشعبوية الجوفاء”، وتوحيد الشعب يكون بالاقتراب من الجميع، وردم الهوّة التي تفصل بينه وبين خصومه ومن يعارضونه… فحكومة الرئيس لم ولن تنجح في حلحلة وضع متأزم واحد على الأقل مما يكابده المواطنون من سلسلة أزمات عالقة منذ أكثر من عشر سنوات، فالبلاد تعاني كثيرا على صعيد الأسعار والتضخم وانخرام التوازن المالي، والخدمات، والصحّة والتعليم، وارتفاع نسبة البطالة عكس ما ادعاه وزير التشغيل، وغياب تام للاستثمارات، وتبعات الوباء وما نتج عنها من غلق آلاف المؤسسات الصغرى في دولة مثقلة بيروقراطية ومحاصصة، الرئيس وقع في نفس الفخّ الذي يقول انه يحاربه وافتكّ الحكم من أجله، فالمسؤول الذي يأتي عن طريق حزب ما يكون ولاؤه الديماغوجي والسياسي لولي نعمته وكتلته وليس للدولة، وكذلك اليوم فالمسؤول المعيّن من ساكن قرطاج يكون ولاؤه أولا وأخيرا لمن أوصله إلى تلك الخطّة وليس للدولة والشعب…فالسنة الأولى من حكم الرئيس منفردا تميّزت بأمر واحد ظاهر للعيان هو حملة اجتثاث واسعة لكل من عيّنتهم الحكومات السابقة حتى وإن كانوا من الكفاءات المشهود بها…

من أهمّ مؤشرات الفشل الفظيع في تسيير شؤون الدولة والحكم الذي تعيشه البلاد الموجة غير المسبوقة للهجرة إلى شمال المتوسط…فمنذ أربعة أشهر هاجر حوالي 6 بالمائة من سكان ولاية تطاوين عبر تركيا وصربيا والنمسا وحوالي 0,3 بالمائة من سكان ولاية مدنين والمئات من بعض الولايات المجاورة…ووصلت تكلفة “الحرقة” عبر المسالك الشرعية إلى 25 ألف دينار تونسي…هل يعلم الرئيس بكل هذا؟ لا أظنّ أنهم أعلموه…هل يعي الرئيس ما الذي تعنيه هذه “الحرقة الجماعية”؟ تعني أن الأمل في إصلاح أوضاع البلاد أصبح شبه مفقود والثقة في السلطة الحاكمة انعدمت، فمن بين الحارقين الكثير من العائلات التي باعت أراضيها وبعضهم باع منزله لدفع تكلفة “الحرقة”…

حين تسأل هؤلاء عن سبب هجرتهم الجماعية بهذه الكثافة وهذه التكلفة؟ يجيبونك وماذا تريد منّا أن نفعل؟ هل تريد منّا ان نبقى لنموت بالتقسيط؟ وحين تقول لهم “لماذا لا تنتظرون بعض الاشهر فقد يغيّر الرئيس بدستوره الجديد بعض حالكم؟ يجيبونك: “محسوب…جاب الدستور من وذنو !!!”…خلاصة القول…الأحقاد لا تصلح حال البلاد ولا العباد…

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version