جور نار

قل أعوذ بربّ الناس… من شرّ الوسواس !

نشرت

في

Ouvrir la photo

الانحراف الخطير الذي أخذته الحرب المشتعلة بين أصحاب الأرض في غزّة والكيان المحتلّ جعلني أسأل نفسي ما الحكاية، ما الذي وقع؟

<strong>محمد الأطرش<strong>

فاليوم يُباد سكان قطاع غزّة من الرضيع إلى الشيخ دون شفقة ولا رحمة، وكل العالم يشاهد ولا يحرّك ساكنا لإيقاف المذبحة وإيقاف المأساة…فالمعركة انقلبت من ردّ على هجوم تجاوز الخطوط الحمراء من الحركة الغزّاوية، إلى إعلان حرب إبادة شاملة على الأرض ومن عليها وعلى البناء ومن بداخله وانقلبت إلى إعلان شبه علني للبدء في تغيير خارطة الشرق الأوسط والتنصّل من كل الاتفاقيات السابقة بين دولة فلسطين ودولة الكيان…

تعالوا لنتحدث بعقل ومنطق، ما هي الضمانات التي أعطيت للحركة الغزّاوية قبل أن تجتاز حدود القطاع وتعلنها حربا على الكيان بطريقة لم تخطر على بال أحد لم نعرفها ولم تغامر بها جيوش العرب سابقا أبدا، فما بالك بأن تفعلها حركة لا تمتلك من الأسلحة غير بعض الرشاشات والصواريخ محلية الصنع؟؟ هل نسيت او تناست الحركة الغزّاوية أنها ستكون في مواجهة جيش مدجّج بكل وأخطر أنواع الأسلحة، وأنها قد تجد نفسها وحيدة في مواجهة الموت؟ هل كانت على بيّنة من الخطر الذي يحدق باهلها سكان غزّة وأطفالها ونسائها وبناتها ورجالها وشيوخها ومرضاها وحتى كلابها وقططها لو أعلن الكيان حرب إبادة شاملة عليها؟ هل كانت على بيّنة من أنه لا يمكن أن تعوّل على العرب ولا جيوش العرب في معركتها هذه…؟  

تعودنا سابقا ببعض المناوشات وإطلاق لصواريخ هنا وهناك في اتجاه بعض المستوطنات، لكن لم ننتظر أبدا حربا شبه شاملة وتجاوزا لكل الخطوط الحمراء من رجال الحركة الغزّاوية؟ فمن أوعز لهذه الأخيرة التحرّك بذلك الشكل الواسع والخطير وهي التي تعلم حجمها العسكري وحجم جيش الكيان المغتصب جيّدا، هل ضمنت حماية أهلها إن تحركت نحوهم آلة القتل التي يمتلكها الكيان، هل ثمة من أوعز لها بأن “افعلي وسنكون معك”، أم هل ثمة من أوقعها في فخّ أخر أكبر حجما من مجرّد مناوشات بين صاحب أرض ومحتلّ أو مجرّد إطلاق لبعض الصواريخ على مستوطنة لا تبعد أكثر من عشرين كيلومترا عن وسط غزّة؟

هل من العقل والمنطق أن تعرّض الحركة الغزّاوية أهلها وأطفالها وكبارها وشيوخها ونسائها لكل هذه الإبادة وهذا التنكيل الذي لم نعرفه سابقا ابدا؟ هل وصل “الغباء” أو لنقل “السذاجة” والتهوّر بالحركة الغزّاوية للتورط في حرب غير متكافئة وهي تعلم خيانة دول المواجهة العربية ورغبة أغلب دول المنطقة في الارتماء بحضن تل أبيب في إطار اتفاقية “ابراهام” التي أدارت رقاب أغلب دول المنطقة؟ وهل “أعدّت للعدو” وهنا أقصد الكيان ما استطاعت له من قوّة؟ فإن فعلت فكيف تسمح بإبادة شعبها بتلك الصورة التي لم ير العالم أبشع وأفظع منها في تاريخ الحروب؟

شخصيا أصبحت وبعد ثلاثة أسابيع من الإبادة أرى وأقرأ أمورا أخرى قد تكون بالنسبة للبعض غير منطقية ولا يقبلها العقل وقد يكون من الجنون التفكير فيها، وقد يكون فيها من المنطق والواقعية الكثير… فكأني بالحركة الغزّاوية وقعت ضحية مكيدة من أحد أطراف النزاع الذي يعيشه العالم اليوم…فقد تكون المكيدة من الكيان عن طريق بعض عملائه في غزّة أو في الدول العربية لتوريط الحركة الغزاوية في صناعة مبررات الإبادة التي يعيشها سكان القطاع  منذ ثلاثة أسابيع…وهنا وجب أيضا ان نحكّم العقل فقد يكون كل ما روجت له “ماكينة” الإعلام التابعة للكيان ومن يدعمها من دول الغرب و”الماما” من مجازر وتنكيل بالمستوطنين من آليات صناعة مبررات ما يحدث اليوم وما سيحدث غدا في خارطة المنطقة عموما…

فكيف نفسّر سرعة إعلان تحويل الدعم غير المشروط للكيان حتى قبل معرفة ما وقع بالضبط…؟ ألم يكن هذا الدعم موجها بالكامل لأوكرانيا في حربها مع روسيا من كل دول أوروبا؟ ولمن نترك أوكرانيا يا ترى؟ وكيف نفسّر إعلان الماما الحرب “ضمنيا” إلى جانب مدللتها من خلال إعلان الرئيس بايدن إرسال حاملتي طائرات إلى سواحل الأراضي المحتلة وشرق المتوسط، وتوفير كل ما يحتاجه الكيان من ذخيرة وهذا أمر لم يقع منذ عقود من الزمن من أجل حماية الكيان، وكيف نفسّر سرعة قرار ضخّ مليارات من الدولارات في خزينة الكيان كتعبئة لموارد الحرب التي لم تعلن منذ حرب أكتوبر 73…وكأني بالأمر دُبّر بليل…وكأني بالماما على علم بما سيقع لمدللتها قبل أن يقع ولم تُعلمها لغاية في نفس “المستر بايدن”؟

أوصلني “الوسواس” رغم أني قرأت فجرا “قل اعوذ بربّ الناس من شرّ الوسواس…” إلى أمر أخطر أيضا…فالصمت الغريب لبعض الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط يثير ظنوني أحيانا وشكوكي أحيانا أخرى…فأغلب هذه الدول لا تريد خيرا بالحركة الغزّاوية، وبعضها يريد إبعادها تماما عن المشهد الشرق أوسطي فالحركة أصبحت حجر عثرة امام عديد التوافقات مع الكيان أمام البعض …وهي خصم سياسي من رحم خصم سياسي لدى البعض الآخر…فحين يصل الجبن ببعض قيادات المنطقة إلى عدم الاعتراض عن ضرب الحركة الغزّاوية، والاكتفاء بالمطالبة بعدم تعرّض المدنيين إلى القصف وعدم المساس بالمرافق الحياتية الأساسية، فهذا يعني ان هؤلاء ومن يرفعون هذه المطالب لا يريدون خيرا بالحركة ولا يهمهم إن أبيدت على آخرها من قبل جيش الكيان…

لا أظنّ أن العرب مرّغت رؤوسهم وكرامتهم في التراب كما يقع معهم اليوم…ولا أظنّ أن العرب ضعُف عودهم كما هم عليه اليوم…ولا أظنّ ان العرب تشتّت شملهم كما تشتّت اليوم…ولا أظنّ ان العرب انطفأت شعلتهم كما انطفأت اليوم وهم يشاهدون إخوتهم ورضّع إخوتهم ونساء إخوتهم وشيوخ إخوتهم يُقتلون وينكّل بهم أمام العالم…فالعرب اليوم في الحضيض ووصلوا إلى القاع بسبب خذلانهم لإخوتهم واكتفائهم بالفرجة…والتزام الصمت…فالعرب اليوم يتجرعون الهزائم والفرقة والذل والاستعمار السياسي والاقتصادي بسبب عمالتهم وخيانتهم لبعضهم البعض ولأهمّ قضاياهم…ففلسطين أصبحت ملهاة لكل قيادات العرب يخرجون ملفها يوم يحتاجونه انتخابيا وسياسيا ويساومون به دول الغرب لغاية في نفس مصالحهم…

فما أتته الحركة الغزّاوية هو شرف لكل العرب حتى وإن كان غير مدروس أو بـ”إيعاز” من طرف آخر مستتر تقديره “هو” له مصلحة في ما يقع اليوم…ما اتته الحركة الغزّاوية يعتبر حقّا إنجازا تاريخيا مقارنة بتاريخ الدول العربية في مواجهتهم للكيان سابقا…وما أتته الحركة الغزّاوية يمكن أن نفاخر به جميعا رغم حجم الدمار والمأساة التي عاشها ويعيشها أهل غزّة، ورغم الألم والتنكيل والفقدان واليتم والقهر والتشريد الذي عانته وتعانيه غزّة وأهل غزّة …فلا أحد من جيوش العرب التي تكدّس السلاح منذ عقود خوفا من الكيان وشعبها يموت جوعا، أقول لا احد غامر بالدخول مترا واحدا داخل الأراضي المحتلّة من الكيان…فبعضهم لا يعرف من الردّ حين تقصف مطاراته غير جملة واحدة تذاع في وسائل الانباء الرسمية “نحتفظ بحقّ الردّ…” فكم من مرّة وإلى يومنا هذا احتفظت بعض دول المواجهة بحقّ الردّ وهي تُدَكُّ بصورايخ الكيان ليلا نهارا؟

والسؤال الذي وجب طرحه اليوم هل يمكن مقارنة جيوش نظامية مدججة بكل أنواع الأسلحة، مع مجموعات مسلحة بأسلحة فردية وبصواريخ من صنع محلي وقع تطويرها رغم الحصار والمراقبة المستمرة والغارات التي أصبحت خبزا يوميا لأهل غزّة؟…هذه المجموعات محاصرة منذ أكثر من عشرين سنة ونجحت في تخطّي حاجز الخوف من كيان غاصب وهاجمته في عقر داره لتقلب كل المفاهيم وتخلط كل الأوراق داخليا وخارجيا ولتصبح الرقم الصعب في فصائل تحرير الأرض من مغتصبها…فالحركة نجحت داخليا في كسب تعاطف كل الفصائل الفلسطينية ونجحت في افتكاك موقع متقدّم في المشهد السياسي والعسكري الفلسطيني… ونجحت خارجيا في فرض نفسها كرقم لا يمكن استثناؤه من كل حوار أو اتفاقية مستقبلا…

أغلب البلدان العربية التي هللت فعلا لما أتته الحركة الغزّاوية لا مصالح لها في ما يقع وتبعد آلاف الكيلومترات عن حدود فلسطين المحتلّة…ولا تبحث عن غير صالح الشعب الفلسطيني …أما من التزموا الصمت ولم يسعدوا ولم يرفعوا ساكنا ولم يصرخوا في وجه الكيان أن “أوقف الحرب وإلا…” ولم يستدعوا سفراء الكيان للمساءلة حفظا لماء الوجه…هم من لا يريدون خيرا بالحركة الغزّاوية ولا بقضية الشعب الفلسطيني…هم على حدود الأرض المحتلّة…ولهم من السلاح ما يشبع كل الشعوب العربية من جوع… لكن وللأسف، هم من ارتموا في حضن الكيان وهم سبب الهزائم والخذلان…هؤلاء ملوك ورؤساء العرب الذين بنوا أسوارا عالية بينهم وبين شعوبهم…وبين ما تريده شعوبهم فلا أحد منهم استمع إلى ما يطالب به شعبه…جميعهم نكّلوا بشعوبهم وأرغموها على الانصياع لمزاجهم وما يريدون…

هؤلاء يذكرونني بقصّة عجوز روسي سأله احد الصحفيين بعد خروجه من السجن: “لماذا اعتقلتك الحكومة ثلاث مرات؟” قال العجوز: “كنت شاباً حين انضممتُ إلى الحزب، وكنتُ أرافِق مفوض الحزب الشيوعي وهو يشرح تاريخ الحزب ومبادئه، وعند مرورنا أمام الكرملين قال لي المفوّض: (إن سور الكرملين عالٍ جدا؟) سألته: (لماذا هو عالٍ؟) فأجاب: (كي لا يقفز الحمير من فوقهِ)…قلت له: (من الخارج للداخل أم من الداخل للخارج؟) فاعتقلوني ولم يفرجوا عني حتى مات ستالين…وحين أفرجوا عني فَرِحتُ، ووضعتُ صورة خروتشوف بجانب صورة ستالين، فجاءني مفوض الحزب وسألني:(هل لا زلتَ تضع صورة هذا الحمار؟) سألته: (أيّ منهما؟) فأعادوني إلى السجن، ولم يفرجوا عني حتى مات خروتشوف…وفي المرة الأخيرة كنتُ أحتفل بعيد ميلاد أحد أحفادي، فاتصل بي مفوض الحزب وقال لي: (لماذا لم تأتِ إلى اجتماع الحزب الأخير؟) أجبته: (لو علمتُ أنه الأخير، لكنت جئت مع كل عائلتي واحتفلنا… فاعتقلوني للمرة الثالثة)”…

 هذا ما تعانيه بعض الشعوب العربية من حكامها…يُعتقلون في كل العهود وكأنهم ولدوا ليكونوا سكانا للسجون ووقودا للمعتقلات …فماذا تنتظرون من حكام يستبدون بشعوبهم ولا يستمعون إلى انتظاراتهم وما يريدون…هكذا هي شعوب دول المواجهة التي تفوق تكاليف تسلحها تكاليف كل غذاء العرب…كل العرب…

لهذا ولأكثر من هذا علينا ان نعلم حقيقة ما جرى ويجري…هل تصرّفت الحركة الغزّاوية بمفردها ودون التشاور مع أي طرف آخر؟ وإن كان ثمة أطراف أخرى في هذا الذي يجري فمن هي…أهي إيران…روسيا… بعض الدول العربية…العمّ سام…أم هو الكيان الذي دبّر كل شيء واوقعنا في هذه المأساة لغاية في نفسه ونفس الماما…أم هو الكيان الذي جنى ثمار ما أقدمت عليه الحركة الغزّاوية بإيعاز من أحدهم…فمن يكون الـ “أحدهم”…إن وُجد…؟؟ وأعود لأقول في كل الحالات ما أقدمت عليه الحركة الغزّاوية فخر سيسجله التاريخ في الوقت الذي نسمع فيه شخير بعض حكام العرب على بعد آلاف الكيلومترات…من بلادنا…وعلى بعد أمتار من حدود الأراضي المحتلّة…

والسؤال الأهمّ من كل ما وقع من همّ وغمّ…لماذا يصرّون على تزوير حاضرنا…ألم يكفهم تزوير كل تاريخنا…؟؟ فصبرا يا أهل غزّة…وإلى بعض حكام العرب…ألا تبّت اياديكم…وانفجرت دمعا مآقيكم…

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version