في مواجهة مناخات الكوفيد الذي يفْتِك بنا ويفتكّ منّا عُنوة أصدقاء أعزّاء وأقارب حميمين ويصادر حقنا في إشهار الفرح ومساهمة في تلطيف الآثار السامّة الناجمة عن إطلالة وجوه الشؤم من السياسيين وكرونيكارات الهانة كل مساء، إخترت أن أهديكم هذا الأسبوع باقة متنوعة من القوانين الغريبة التي مازالت نافذة الى اليوم وذلك إتاحة لشيء من الفائدة وخاصة جُرعة من المتعة والاستراحة.
فعلى سبيل المثال :
يمنع القانون الفرنسي الأفراد من اطلاق اسم نابليون على خنازيرهم.
وماذا لو أطلقوه على أحمرتهم أو مناديل الحمّام الورقيّة ؟ ثم إنه كان على المشرع أن يمنع الأفراد من الإساءة إلى خنازيرهم بإطلاق اسم نابليون عليها. في كتاب “جريمة نابليون” الأدبي والتاريخي لكلود ريبّ الذي صدر في ديسمبر 2005 تمّ نشر وثائق تثبت تورط نابليون في إعادة تأهيل العبودية سنة 1802 وقمع المقاومة التي تصدّت لهذه الخطوة العنصرية في غوادلوب و سان دومينغ والتي ذهب ضحيّتها قُرابة المليون إنسان من ذوي البشرة السوداء.
باسم الاستثناء الثقافي، تُلزم القوانين الفرنسية جميع الإذاعات التي تبث من فوق أراضيها بتخصيص نسبة 70% من الأغاني المبرمجة للموسيقى الفرنسية. في الواقع لا يُعدّ ذلك قانونا غريبا في نظري لأن أكثر البلدان الرافعة لراية المثاقفة والعيش الكوني المشترك تسنّ كل القوانين والتشريعات التي تحمي موروثها وموسيقاها وأجبانها وخرفانها … إلا نحن شِباكنا مُشرعة وحدودنا مُشرعة ودعم الموسيقى الوطنية متروك لاجتهادات المذيعين بلا حسيب ولا رقيب. ألم يقل مظفر النواب :
أصرخ أين شهامتكم ؟
فالذئبةُ.. حتى الذئبة تحرس نطفتها،
والكلبة تحرس نطفتها، والنملة تعتز بثقب الأرض، أما أنتم…
في روسيا، القُبَلُ في الشارع منظمة ومقنّنة خشية أن تخرج الأمور عن السيطرة وتتحول إلى عناق حميمي. وإذا أمسكت الشرطة بذكر وأنثى يُقبّلان بعضهما بعضا في الفضاء العام تسلّط عليهما خطيّة تكون قيمتها متناسبة معكثافة القبلة وحدّتها. كما في القانون الفرنسي الذي يفرّق بين القُبلة العادية المسموح بها قانونا والقُبلة الشهوانية le baiser langoureux التي قد يعتبرها المشرّع “نوعا من الاستعراض الجنسي” وبالتالي تصبح مجلبة للمساءلة القانونية.
تذكرني هذه القوانين بما حصل خلال تسعينات القرن الماضي في أحد المعاهد الثانوية بجهة نابل لمّا وقع عرض تلميذ وتلميذة في سن المراهقة على مجلس التربية لمجرد تبادلهما قبلة بشكل طبيعي بعد عودتهما من العطلة. نالا آنذاك طردا ببضعة أيام ولما ردّ الأساتذة الفعل متعاطفين مع التلميذين وكتبت الصحافة في الموضوع (جريدة لوتون آنذاك)، أرادت وزارة التربية التراجع عن العقوبة وطلبت من مدير المعهد (رحمه الله) أن يجتهد في اتجاه الحطّ من العقوبة أو إلغائها إذا تبيّن له أن قُبلة المراهقين كانت بريئة. فردّ على مسؤول الإدارة العامة للتعليم الثانوي بالوزارة بما معناه “ليست لديّ في الوقت الحالي للأسف أداة لقيس حدّة القُبل un baisomètre حتى أتوفّق إلى التقدير الذي تطلبونه.”
ذات 24 ديسمبر خلال السنوات الماضية، أصدرت محكمة مدينة نواذيبو بموريتانيا على الشاب الموريتاني محمد الشيخ ولد لمخيطير (الذي كتب مقالا شبّه فيه العلاقة بين الحراطين ذوي البشرة السمراء والبيضان من العرب والبربر بالعلاقة بين الرسول وقبيلة بني قريظة) حُكمًا بالإعدام بعد توجيه الاتهام له “بالردّة”. وينص القانون الموريتاني على عقوبة الردة صراحة “بالإعدام لكل مسلم رجل أو امرأة يتخلى عن الإسلام علنا أو عبر أفعال أو أقوال”، وهو النص القانوني الذي استندت إليه المحكمة في إصدار حكمها الأخير. ولا ينجو المحكوم من الاعدام إلا في حالة واحدة وهي إعلان توبته في ظرف ثلاثة أيام.
… ومازالت ربوعنا تنتصب فيها المحاكم للتفتيش في نوايا الناس ومعتقداتهم وضمائرهم وأحلامهم. وفي وطننا يُمنع المواطن حتى من مجرد إعمال عقله في مسلّمات فُرضت عليه فرضا بقوة السّيف.
وعندما تطلب من غوغل أن يُعْلمك بأكثر القوانين غرابة في الكون، تعثر في قائمة البلدان على تونس من خلال القانون (يسميه المشرفون على هذه البوابة بأكثر القوانين بشاعة في القائمة والتي تفوز بسعفة الجُرم والتخلف) الذي يسمح لمغتصبي الاطفال الذين توقفهم الشرطة بتهمة الاعتداء الوحشي على الفتيات بالإفلات من العقاب بمجرد أن يقبلوا الزواج بضحاياهم.
… والزواج في هذه الحالة يعني السماح بقوة القانون، وعسكر الدولة وأمنها، لكائن مجرم ومتوحش وغير سويّ بأن يواصل اغتصاب فتاة ويتقاسم العيش معها وهي التي لا تعرفه ولا تشبهه ولا ترى فيه أكثر من أنياب ومخالب ولُعاب وأظافر وعطن وعفونة بدون ضفاف.
ودائما في تونس، يعتبر بيع الخمور والاتجار بها نشاطا قانونيا وبإمكان المواطنين التزود من نقاط البيع القانونية ولكن في نفس الوقت بإمكان الشرطة مباشرة في باب المغازة توقيف المواطنين واقتيادهم الى حيث تُحرّر بشأنهم محاضر في المحجوز وإحالتهم على العدالة. مفارقات لا تجد لها تفسيرا مقنعا إلا في ازدواجية الشخصية الثقافية والقيميّة للتونسيين عموما.