“قيس سعيد… لست وحدك” هذا الشعار الذي يرفعه أنصار الرئيس إضافة إلى شعارات أخرى هو شعار رنان و لكنّه مخاتل و حمال أوجه و يمكن قراءته من زوايا عديدة غير أني سأركز فقط على بعضها
أولا : ” قيس سعيد… لست وحدك ” فالشعب معك ( و سأعود بعد حين لتحديد ماهية هذا الشعب) و يساندك في قراراتك و يكسبها مشروعية حتى و إن افتقدت الشرعية حسب بعض القراءات، يساندك خاصة في طلب المحاسبة ومكافحة الفساد الذي تكرر في خطاباتك الأخيرة و انتشى به الشعب و تخمّر بل أكثر من ذلك تطوّع في عديد المرات بنشر قائمات للمذنبين و الفاسدين حسب أهوائه ورغباته و دون أدلة قانونية على ذلك… و لكن هل ساءل الشعب يوما نفسه عن دوره في تفشي الفساد و في ضياع هيبة الدولة و لهذا الشعب ـ و أنا منه ـ أقول :
تخيلوا معي مثلا مثلا لو أن كل موظف توجه نحو عمله في الوقت المحدد و لم يغادره إلا مع نهاية الدوام، أو أن كل مسؤول احترم العهد و الميثاق و لم يُسِئ استغلال منصبه و نفوذه و عامل المواطنين دون تمييز أو محاباة فكيف سيكون حالنا!؟
تخيلوا معي مثلا مثلا لو أن كل معلم او أستاذ درّس كامل البرنامج في القسم و لم يتعامل مع تلاميذه كدجاجات تبيض ذهبا أو فضة، فكيف سيكون حالنا ؟!
تخيلوا معي مثلا مثلا لو أن كل عون أمن أو ديوانة طبق القانون دون رشوة أو محسوبية أو وساطات فكيف سيكون حالنا ؟!
تخيلوا معي مثلا مثلا لو أن كلّ قاض حكّم ضميره قبل النطق بالحكم أو أنّ كل طبيب اعتبر المريض فردا من أسرته و قدّم له النصح و الدواء الذي يحتاج له لا غير فكيف سيكون حالنا ! ؟
تخيلوا معي مثلا مثلا لو أن كل جزار أو خضار أحب للحريف ما يحبّ لنفسه فلم يغشّ في الميزان و لا في نوع البضاعة، أو أن كل حرفيّ أنجز عمله بإتقان و حسب الموعد المحدّدفكيف سيكون حالنا ! ؟
تخيلوا معي مثلا مثلا لو أن كل مواطن احترم قانون المرور و قواعد الانتظار في الصف و احترم البيئة و لم يساهم في تلويثها… فكيف سيكون حالنا ! ؟
تخيلوا معي مثلا مثلا لو أن كل سياسي أحبّ الوطن أكثر مما يحبّ حزبه أو منصبه و فضّل الوطن على انتماءاته الخارجية و مواقفه الإيديولوجية فكيف سيكون حالنا ! ؟
تخيلوا معي مثلا مثلا لو أن عديد الناخبين لم يبيعوا ذممهم و أصواتهم بالمقرونة و الشوكوطوم و الفلوس فكيف سيكون حالنا ! ؟
هذه و غيرها مظاهر فساد بإمكاننا تجنبها فلماذا نحاسب الآخرين و نستثني أنفسنا؟
إن محاربة الفساد تقتضي انخراط الجميع في هذا التحدي فالفساد نفسه في كل الحالات و لا يمكن أن نقسمه إلى فساد صغير و فساد كبير فالفساد “الصغير” هو الذي ينتج الفساد “الكبير” و كل فاسد صغير هو مشروع فاسد كبير بحلم بنيل المغانم و المكاسب
و من هنا و لكي لا نترك قيس سعيد وحده، لابد ان ننخرط جميعنا في محاربة الفساد باعتباره مشروعا مجتمعيا قبل أن يكون ملفا قانونيا و أن نقاوم أنفسنا و ميلنا الفطري و حتى الاجتماعي إلى ارتكاب الأخطاء و إن بدت لنا بسيطة و أن نحترم القانون و لا نستهتر بالملك العمومي.. و لا نكتفي بالشعارات.
ثانيا : “قيس سعيد… لست وحدك” فالشعب يعيش معك على هذه الرقعة من العالم و من حقه أن يعرف إلى أين تسير به و ماذا ستفعل بعد انتهاء الثلاثين يوما التي حددتها و لم يبق منها غير أربعة أيام فقط أو بلغتنا الدارجة ” الشعب يحب يعرف وين ماشين؟” و لكن قبل ذلك لا بد أن نحدد باسم أي شعب تتحدّث و أيَّ شعب تُخاطب
من الشعب المقصود و قد صرنا شعوبا.. أ لم يتحدث المرزوقي قبلك عن حراك شعب المواطنين؟ و هل ما يريده “الشعب” في صفاقس هو ما يريده “الشعب” في تطاوين أو في باجة أو المنستير أو القيروان؟ هل ما يريده “الشعب” العاطل عن العمل هو ما يريده “شعب” العمال و الموظفين؟ و هل ما يريده ” شعب ” اللاك يريده “شعب” سيدي حسين ؟ و هل ما يريده “شعب” نوفل الورتاني هو ما يريده “شعب” لطفي العبدلي؟!؟!
إنّ الشعب متعدد و ليس واحدا فما هو الشعب الذي تتماهى معه و تلبس جبته سيدي الرئيس؟
هذا الشعب المتعدد من حقه عليك أن يشاركك في تقرير مصيره و أن يفهم و يساهم في صناعة المستقبل و خياراته فهل سيكون له ذلك و بأية آليات ستستشير الشعب و أنت ترفض الحوار مع الأحزاب حتى تلك التي ساندتك و ارتدت عباءتك و ترفض مبادرات المنظمات رغم ما قدمته لها من تطمينات و تهزأ من كل من طالبك بخطة عمل للفترة القادمة و كأنك تقول لهم كما قالت سهام بادي منذ سنوات… ” اللي ما عجبوش يشرب من البحر”
قيس سعيد لست وحدك و لا تكن وحدك و لا تنفرد بالرأي و السلطة فرجل واحد لا يمكنه أن يحارب بمفرده على جميع الواجهات و الجبهات و فريق المستشارين الذي يحيط بك و حتى بعض أفراد عائلتك لا يستطيعون إسنادك إسنادا تاما، فمسؤولية إدارة البلاد في مرحلة حساسة كالتي نعيشها تقتضي منك إشراك لجان تفكير و الاعتماد على مجموعة من الشخصيات الوطنية القادرة على التخطيط و الاستشراف و تحديد الاهتمامات و الأولويات… و أولى الأولويات التي نادى بها الشباب الذي تتحدث عنه دوما هو الشغل و الخروج من الفقر فماذا أنت فاعل في هذا الملف و قد تضاعفت نسب البطالة منذ سنوات و تضخّمت كتلة الأجور و تدحرجت ميزانية الاستثمار
هل فكرت في حل لهذا المشكل و هل استشرت في ذلك أهل الاختصاص لإيجاد حلول عميقة و فعالة قادرة على تغيير الواقع؟ ماذا عن النظام السياسي و الانتخابي؟ ؟ ما مصير الهيئات و المؤسسات القائمة هل ستهدمها لتبني من جديد؟؟ أم ستعمل على إصلاحها؟؟ ماذا عن الدستور رغم هناته؟ ماذا عن الخيارات التنموية الكبرى؟
لست وحدك لتقرر بمفردك ما تشاء و تفرض علينا ما تريد و ما يتوافق مع أهوائك و رغباتك فيأتي إلينا و كأنّه مُنزَّل من السماء…
ثالثا : ” قيس سعيد… لست وحدك ” فالبلاد و بحكم موقعها و تاريخها تربطها عديد العلاقات مع الخارج التي ـ أ أحببنا ام كرهنا ـ لابدّ أن تأخذها بعين الاعتبار في قراراتك.
فماذا عن شركاء تونس في الخارج و عن مواقفهم من سياستك الحالية؟
فإن كنت قادرا على دغدغة مشاعر بعض “الشعب” بخطبك الرنانة و كلماتك النارية، فإن الدول و المؤسسات المانحة لا تتعامل إلا بلغة الأرقام و وفق ما تلمسه من مؤشرات فعلية على أرض الواقع ، فكيف ستقنعها بعدم انتهاك الحريات و أنت تستغل حالة الاستثناء لشيطنة عديد القطاعات و منع الكثيرين من السفر بسبب شبهة الانتماء أو المهنة…؟؟
و كيف تستطيع إقناع مستثمر أجنبي بالقدوم إلى تونس و تشغيل أمواله في ربوعها و بوجود مناخ ملائم للعمل والاستقرار و هو يرى شريكه التونسي ممنوعا من السفر لإمضاء عقد أو إبرام صفقة لأن صفته في جواز السفر رجل أعمال أو مدير شركة ؟؟
و كيف ستفعل لتواصل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي و البنك العالمي و الدول الضامنة لقروض تونس و أنت ترفض تقديم خارطة طريق طلبوها منك توضح من خلالها خطواتك المستقبلية؟؟
ماذا ستفعل لشعب الجائعين إن رفضت هذه المؤسسات إقراض تونس مجددا و فرغت خزائن البلاد ـ و هي فارغة فعلا ـ و عجزتَ عن توريد حاجيات الشعب و توفير قوته؟ هل سيصبر التونسيون على هذا الوضع كثيرا و يواصلون قولهم : “قيس سعيد… لست وحدك” أم سيتخلَّوْن عنك و يتركونك وحدك؟؟