“لن يبخس الحرير حتى يمسح به غنج الطناجر” (مثل شعبي)
نشرت
قبل 3 سنوات
في
” الفنان الكبير عبد القادر مقداد غائب حاضر في مشهدنا الثقافي الذي يواصل جاهدا مغالبة التعويم والتسطيح والتتفيه والتقزيم ,و مع هذا فهو كثيرا ما يغرق في التعاسة والإسفاف فيطفو أحيانا ويغطس في القاع أحايين ويبقى الأمل بين ضعفه وقوته دافعا لنا حتى لا نيأس ولا نلقي المنديل فيتحقق غرض التطاول والتطاوس لأقزام وأشباه- أشباه كل شيء- وهم في الأصل لاشيء,,,
الكبير عبد القادر مقداد تركها لهم واسعة وعريضة منذ عشرية كاملة وكأنه يقول لهم :” ارتعوا , انتهكوا, حطموا ما بنته الرجال , فـ “كيف كانت العين صافية ,شربنا منها وروينا, وكي ادردرت خليناها لغسيل ساقينا ” فهزلت حتى سامها كل مفلس… وكان اختيار الحل الذي وان كنا لا نرتضيه له ولنا ,فانه كان حلا كفيلا بحفظ كرامة الرجل ولملمة كبرياء الفنان والإنسان ,وتضميد جراح أحدثتها قردة قفزت في غفلة من الأسد فنهشت وعضت وطالت الليث, ولكنها ظلت بذاكرتها القصيرة وخواء تفكيرها تقفز وتولول ولا تحقق شيئا…
عبد القادر مقداد الفارس القفصي الأصيل والفنان المسرحي, بل هو واحد من أهم الأسماء على الساحة المسرحية في تونس يحمل تاريخا ومسيرة منذ بداياته في مرحلة التعليم الابتدائي وتشهد أعمال “حادث المقهى” و”غرام يزيد” على ميلاد نجم كبير في سنوات الستينات متوجة بالتحاقه سنة 1969 بالمعهد العالي للفن المسرحي مكللة بالديبلوم الذي خول له السفر إلى فرنسا لمزيد من التحصيل ,ثم إجراء تربصات في عواصم المسرح العالمي في أوروبا وتحديدا ببلغاريا وايطاليا وبلجيكا ثم روسيا , لنصل إلى أهم المحطات في مسيرته الفنية بميلاد الفرقة المسرحية القارة بقفصة المسماة “مسرح الجنوب”1972 تحت إدارة محمد رجاء فرحات ومشاركة رجالات خلدت الاركاح أسماءهم مثل محمد ادريس والفاضلين الجزيري والجعايبي ورؤوف بن عمر وجليلة بكار وفرحات يامون .
وكانت باكورة الأعمال مسرحية “جحا والشرق الحائر” ليأتي بعدها الجيل الثاني من ابناء قفصة كلطيفة القفصي و منصف البلدي ومحمد الساسي القطاري وحمزة داود … وبين فرقة مسرح الجنوب مع ادارة عبدالقادر مقداد 1975 وصولا الى مركز الفنون الدرامية والركحية بقفصة مسيرة طويلة نتاجها اعمال خالدة تبدا بشخصية “حمة الجريدي” ثم اعمال “البرني و العتراء” و” فيران الداموس” و”صاحب الكلام” و”عمار بوالزور” و”السوق” و “المجنون رقم7″ و” جواب مسوقر” و”كلاب فوق السطوح” و “احبك يا شعب” و”عبدالجبار حل الكتاب”,..
اعمال جعلت صورة الفرقة المسرحية صورة منحوتة في وجدان الجمهور وفي الذاكرة المسرحية التونسية ويضيف لها الكبير مقداد إطلالات سينمائية وتلفزيونية في أعمال “حبوني وادللت” لصلاح الدين الصيد و”الدوار” لعبدالقادر الجربي,,, مسيرة عمل وعطاء طويلة إبداعا وتسييرا لم تخل من قسوة وعناء وتعب وإجهاد في إطار جعلت المسرحيين يتعاملون فيه مع الجانب المادي كمعطى ثانوي على رأي المبدعة جليلة بكار في قفصه التي علمت المسرحيين الإبداع دون إمكانيات، وجعلت من المسرح فخرا يعري العيوب وينقد الواقع نقدا لاذعا، ويحول وطأة النقد إلى ضحك غير مبتذل مع ارتباط بالواقع والالتزام بقضايا الشعب في أزمنة صعبة فيها الضغط والخوف وقمع حرية التعبير والرقابة المجحفة,,,
عبد القادر مقداد غاب أو بالأحرى تم دفعه إلى رمي سلاحه في وقت مازالت ساحة المسرح فيه في حاجة إلى الفارس ولكن نحن هكذا للأسف نقتل مبدعينا ونجهض تجاربهم بحجج واهية وتعلات مرضية وبخيالات مريضة نتوهم ونتخيل ونطيح بكل مقومات الاحترام ونبدع في كيل التهم وإلصاق الأكاذيب بالشرفاء في بلدي ثم ماذا بعد ذلك هل ملأتم الفراغ؟هل قدمتم البديل؟ هل تقدمتم إلى الأمام؟هل حافظتم على الأقل على ما تحقق آنفا؟ ؟ بل ويزيد الطين بلة وأنا أفكر في كتابة هذا المقال إشاعة فيسبوكية مشبوهة تطلق هذه الأيام حول وفاة الرجل – أطال الله في عمره – ,فهل لا يزال وجوده فاعلا أو مغيبا يقلقكم ويزعجكم إلى هذا الحد؟
أملي هو أن لا يلتفت الكبير إلى صغائر الأمور حتى لا يطاله الغبار, وما ارجوه هو أن يفكر مليا في انجاز شكل من أشكال التحرك واثبات الذات يريحه ويرضيه ويرضينا نحن من أحببناه وتعلمنا على يديه بالكوميديا والتراجيديا ومسيرته في الحياة … وليكن على يقين أن ” الحرير ” لم يرخص ولن يرخص حتى “يمسح به غنج الطناجر”