جلـ ... منار
ماذا جَنَت الأردن من “وادي عربة”؟
نشرت
قبل سنتينفي
سأكتب لكم الآن عن تجربتنا الاردنيه في التطبيع مع إسرائيل والأصح أن نقول مع العدو الإسرائيلي. جردة حساب خلال ما يقرب من ثلاثة عقود
وقعت اتفاقية وادي عربة في 1994. وتم ضخ كم كبير من الإعلام عن فوائد التطبيع….وانتعاش الاقتصاد وسلام وأمن وازدهار وتقدم …..الخ. صار لإسرائيل سفاره في وسط عمان. وصار (الإسرائيليون) يدخلون ويخرجون على راحتهم. تدريجيا صار هناك تبادل تجاري بعضه معروف وبعضه غير معروف. تبادل ثقافي وسياحي….الخ. حتى وصل للتشريعات والقوانين الاردنية التي نصت الملاحق على إلزام الأردن بتغييرها لصالح إسرائيل . مثال : كان (العربي) من حقه فقط أن يتملك العقار أو الأرض في الأردن. عدل القانون ليصبح من حق (الأجنبي) تملك العقار والأرض! . وحتى لا تثار ضجه حول الموضوع. صار الإسرائيليون يتملكون في الأردن بجنسياتهم غير الإسرائيلية…. كندي ! أمريكي ! أوكراني ! ….إلخ.
وصار هناك تبادل تجاري وأصبح للإسرائيليين شركات ومصانع بأسماء دول أخرى للخداع والتضليل والنتيجة منذ أكثر من ربع قرن والاقتصاد الاردني في مجال الصناعة والزراعة والسياحة يتدهور بدلا من أن يتحسن ويزدهر !! . وحتى تضمن امريكا نجاح التعاون صارت المصانع الإسرائيلية التي بنيت في الأردن تصدر لأمريكا دون جمارك عند دخولها السوق الأمريكية والى الأسواق الأوروبية التى تضع حظرا على المنتجات من المستوطنات المبنية على اراض عربية فلسطينية احتلتها إسرائيل بعد حرب 1967وتصدرها لصالحهم على اساس أنها زرعت أو صنعت في الأردن والمكاسب تذهب الى المستوطنين المقيمين في المستوطنات الإسرائيلية المبنية على الأرض العربية في فلسطين .
وتبين لاحقا أن هذه المصانع تشغل عمالة أسيوية رخيصة وليست أردنية أو فلسطينية ولا تفرض قوانين الاستثمار شروطا عليهم وقد غيرت قوانين الاستثمار لصالحهم حسب بنود في ملحق أرفق باتفاقية التطبيع السياسية ووقع الأردن عليه كجزء من الاتفاقية الشاملة. بعض تلك المصانع مصانع كيمياويات خطيرة ملوثة للبيئة أو قابلة للانفجار لا تريد إسرائيل أن تلوث بيئتها بهذه المصانع. استفاد من هذه المصانع رجال أعمال متنفذون من الجهتين يهود صهاينة يخدمون ويدعمون سياسات إسرائيل بأموالهم وتبرعاتهم… واردنيون فاسدون لا يخدمون إلا أنفسهم .
تم وعد الأردن بإعادة جزء من ماء نهر الأردن للأردن. لأنه تمت مصادرة مياه نهر الأردن من قبل إسرائيل منذ عام 1964. ولكن تم إعطاء المياه للأردن وتبين انها مياه مجاري غير مكتملة التركير ( وليست من مياه نهر الأردن مباشرة ويقوم الأردن بتكرير تلك المياه قبل الاستفادة منها بتكلفة باهظة لأن الاتفاقية تنص على تزويد الأردن بمياه بحجم كذا وكذا طن مكعب ولم تنص على نوع المياه : مياه نظيفة / مياه جارية/ قذرة/ مياه مجاري / مياه نهر / مياه امطار/مياه جوفية / مياه مكررة/ مياه نقية / مياه غير مكررة !! الاتفاقية تقول مياه فقط !
تم اختراق بعض وسائل الإعلام لصالح إسرائيل. وكذلك شراء ذمة بعض الفنانين والصحفيين فما عادوا يكتبون لصالح قضايا العرب والمسلمين فكأنما تمت صهينتهم ! الإسرائيليون يدخلون ويخرجون دون أن يحس بهم الناس. ويتجسسون على كل شيئ وضبطنا مجموعة من السياح الاسرائيليين وهم يحفرون الأرض ليلا ويخبّئون تحفاً أثرية وعملات قديمة وألواحاً عليها نقوش ورموزاً آرامية و عبرية وقمنا بإبلاغ الحكومة التي تقدمت بشكوى وتم ترحيلهم لإسرائيل لأنه حسب نصوص الاتفاقية يمنع محاكمة الإسرائيلي الذي يرتكب جريمة في الأردن بل يجب أن يسلم الى السفارة الإسرائيلية فور القبض عليه بينما لا يتمتع الاردني بنفس هذه الميزة !
بعض الإسرائيليين يتحدث بنفس لهجتنا أو بلهجات عربيه حسب البلاد التي جاؤوا منها….لهجة مصرية أو عراقية أو يمنية….إلخ والناس لا تعرف انهم إسرائيليون وتبين أنهم يعملون مع الموساد الإسرائيلي ويتعرفون علينا عن كثب ويجمعون المعلومات حسب رغباتهم. تحت عناوين إجتماعات ثقافية وتبادل علمي وسياحي وخبراء تكنولوجيا …..إلخ. وقد اشتكى أكثر من استاذ في الجامعة الأردنيه من أن إسرائيليين يجمعون المعلومات عن أساتذة الجامعة تخصص فيزياء نووية وكيمياء ومايكروبيولوجي ورياضيات وهندسة طيران، وتجمع معلومات عن أماكن سكنهم وسياراتهم وعائلاتهم واصدقائهم ربما ليسهل اغتيالهم اذا ما قررت الموساد كما فعلت إسرائيل مع علماء العراق ومصر وايران ..
تستطيع إسرائيل أن تغرق السوق الأردنية بأي منتج اسرائيلي زراعي أو صناعي وذلك بسبب تفوقها في الزراعة والصناعة. وبدل أن تصدره لبلاد بعيده في إفريقيا أو امريكا الجنوبية فإن تصديره للأردن يأخذ وقتا لا يزيد عن ساعتين لقرب المسافة. وذلك أرخص على إسرائيل وللسيطرة على السوق الأردني والتحكم في الأمن الغذائي الذي هو ركيزة الأمن القومي . و تدريجيا ضج المنتجون الزراعيون الاردنيون من منافسة البضائع الاسرائيلية لمنتوجاتهم. وتدريجيا صارت هناك حركة مقاطعة لأي منتج إسرائيل ولكن المنافسة قوية لصالح المنتج الأرخص أيا كان مصدره .
صارت إسرائيل تكتب أن بلد المنشأ بلد آخر. مثلا تنزل المانغا الإسرائيلية على انها مانغا مصرية ! . وهكذا يتم استخدام الأجواء والمطارات الأردنيه لصالحهم. رأيت بنفسي الركاب الإسرائيليين بلباسهم التقليدي الديني المستفز في مطار عمان. سواء في رحلات مباشره أو ترانزيت. والله مشهد محزن. هناك غضب عارم يتزايد بين الأردنيين لأنهم خسروا ولم يكسبوا من اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل.
28 سنه مرت على الإتفاقية. ماذا كسبنا؟ قاموا بإغتيال شخصيات مرموقة مستغلين المزايا الدبلوماسية وتحركوا تحت حماية سفارتهم. وحتى عندما يقوم إسرائيلي بقتل مواطن اردني. يتم تسليم الإسرائيلي لإسرائيل ولا يحاسب حسب ملاحق اتفاقية السلام . تم استغلال السياحة في الأردن لمصلحة إسرائيل…. تقوم بعض المجموعات السياحية القادمة لإسرائيل بزيارة الأردن ليوم واحد (نهارا) ضمن برنامجها السياحي لإسرائيل. تحضر باصات السياح وتدخل الأردن من إسرائيل وتقضي يوما في البتراء دون مبيت ولو ليلة واحدة في فنادق الاردن ولا استخدام وسائل النقل الاردنية.
ليس هذا فحسب بل يحضرون معهم سندويتشات وماء وعصير من اسرائيل. وتوزع عليهم حتى لا يدخلوا المطاعم في البتراء. مدير مرفق سياحي في البتراء قال عنهم بالحرف الواحد، انهم يحضرون ليستخدموا المرافق الصحية وقضاء حاجتهم مجانا عندنا. ونحن لا نستفيد من سياحتهم . إذن تم تسويق واستخدام الأردن مجانا لأغراض السياحة والاقتصاد الخاص بهم.
كانت ديون الأردن حوالي 4 مليار دولار عند توقيع اتفاقية وادي عربه عام 1994. صارت الآن 65 مليار دولار . هذا ما نعلم وما خفي أعظم !….هؤلاء هم الإسرائيليون عبر التاريخ لايحلون بأرض حتى يفسدوها. فهل من متعظ .. اللهم قد بلغت ..اللهم اشهد…
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*وزيرة الإعلام الأردنية السابقة
تصفح أيضا
وفاء سلطان:
البارحة نشرت بوستا مفاده ان مقدار سلامك الداخلي هو انعكاس لعملك وإيمانك ونواياك وأفكارك وصداقاتك وعلاقاتك ونجاح اسرتك.
فكرة البوست ولدت بعد محادثة على الخاص مع شخص لم أكن أعرفه من قبل، شخص متدين جدا جدا،
ولكنه كان مهذبا ولطيفا، لسبب واحد التقطته من خلال الحديث ألا وهو أن لديه شكوكا بطبيعة ما يؤمن به
أراد أن يجرني لأفصح عن كل ما أعرفه بهذا الخصوص، لأن ما أقوله راح يغوص في تلافيف دماغه ويحرك شيئا عنده.
في سياق الحديث قلت له: أشعر أنني أسعد امرأة في العالم، والشخص الأكثر سلاما
فردّ على الفور:
بعكسي تماما فحياتي قاسية جدا، وتابع: أعيش وأشعر أن كل شخص يتعامل معي بوحشية لأنني إنسان طيب وأخاف أن اؤذي أحدا.
قلت: الطيبة لا تعني أن تترك الوحوش تنهشك!
فردّ: أخاف من الله
قلت: ومتى كان الدفاع عن النفس ضد مشيئة الله؟
لن أخوض أكثر في بقية الحديث، لكنني أود أن أعلق على ما سبق وذكرته منه.
عندما أقول أنا أسعد امرأة في العالم والأكثر سلاما، لا أقصد أنني لم أحزن ولم أتألم، فالحزن والألم جزء من الطبيعة البشرية وعامل فعّال في ديناميكية الحياة.
الحزن ليس الوجه المغاير للسعادة، بل التعاسة هي ذلك الوجه.
نعم، لم أشعر يوما أنني تعيسة، ولكنني حزنت مرارا كردّة فعل على حدث ما.
الحزن شعور عابر يثيره حدث مؤلم، أما التعاسة فهي حالة عقلية دائمة تستنزف طاقة البشر وتحولهم إلى
دمى لا حياة فيها، يشعرون عندها أن لا قيمة ولا فائدة لوجودهم
بالمناسبة، استطيع ان أعمّم وأقول: لم أصدف في حياتي متدينا مهووسا وخضت قليلا في حياته إلا واكتشفت أنه تعيس إلا حد الاستنزاف، والإفراط في تدينه ليس أكثر من وهم، وهم يشبه إلى حد بعيد وهم الغريق عندما لا يجد سوى قشة فيتعلق بها.
الإنسان يملك إرادة حرة وهي وحدها، ولا شيء غيرها، ينقذه من تعاسته
أما الله فهو صوت الضمير في أعماقه، ذلك الصوت الذي يعزز إرادته ويضيء له الطريق
ولقد أضاء لي الطريق حتى صرتُ أرى ثقب الإبرة خلال لحظة ظلام دامس
فأدخل فيه الخيط كي أشبك جروحي وجروح الآخرين
عبد الله السيد ولد اباه*:
“يورغن هابرماس” هو بدون شك أهم فلاسفة الغرب الأحياء وقد وصل سنّ الرابعة والتسعين، وأصدر عشرات الكتب الفلسفية والاجتماعية الهامة، آخرها كتابه المرجعي في تاريخ الفلسفة من مجلّدين.
لقد كتبتُ حوله الكثير وصحبتُ أعماله الفكرية منذ مطلع الثمانينات، بيد أنّ الحديث اليوم يتعلّق بالموقف الذي عبّر عنه في عريضة وقّعها باسمه مع آخرين، بخصوص الأحداث المأساوية التي تمرّ بها غزّة حاليًا.
ما استوقفني في العريضة أمران، أوّلهما التأكيد على “شرعية” العدوان الإسرائيلي على سكّان غزّة من منظور “حق الدفاع عن النفس”، وثانيهما القول بأنّ اتهام إسرائيل بشنّ حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني مظهر من مظاهر العداء للسامية!
لم يذكر في العريضة أيّ شيء عن الاحتلال الإسرائيلي وحق المقاومة الفلسطينية الذي تكفله المواثيق والقوانين الدولية، ولم يتم الاعتراف بجذور وخلفيات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي لم يبدأ يوم 7 أكتوبر.
لقد استغرب الكثيرون مواقف الفيلسوف الألماني العجوز الذي يقدّم نفسه بكونه آخر مدافع عن تركة التنوير والحداثة الإنسانية، وأكبر معارض لليمين المتطرّف في أوروبا والنزعات الشعبوية العنصرية المتنامية في القارة. والواقع أنّ هابرماس لم يُخفِ يومًا من الأيام نزعته المركزية الغربية، من خلال الصراع المحتدم الذي خاصه ضد الأفكار التفكيكية والنقدية في الفلسفة الغربية من نيتشه إلى هايدغر وفوكو وديريدا.
ما حاربه هابرماس لدى هذا التيار الواسع الذي يصفه بالعدمي هو التشكيك في السردية العقلانية التنويرية لأوروبا الحديثة، برفض القول بالخلفيات السلطوية والإقصائية في الخطابات المعرفية والعلمية التي تدعي الكونية الموضوعية والمحايدة.
وعلى الرغم من تشبث هابرماس بالأنموذج التواصلي المفتوح القائم على التداول البرهاني الحر، إلا أنه في الحقيقة لم يسعَ يومًا إلى اكتشاف الثقافات الأخرى، بما يبرز جليًا في كتابه الأخير حول تاريخ الفلسفة الذي ينطلق فيه من مركزية اللاهوت الأوروبي في تشكّل المنظومات الفلسفية.
ما علاقة هذا التوجّه الفلسفي بتعاطفه مع إسرائيل وتنكّره لحقوق الشعب الفلسطيني الذي يتعرّض لحرب إبادة جماعية غير مسبوقة؟
العلاقة واضحة، وهي أنّ هابرماس عاجز عن التفكير خارج مقاييس الكونية الغربية حيث تشكّل الحالة الإسرائيلية امتدادًا طبيعيًا للسياق الأوروبي، ومن هنا إشارته إلى حساسية موضوع المحرقة اليهودية بالنسبة لألمانيا، وكأنّ الشعب الفلسطيني مسؤول عن هذا الحدث الذي تمّ في العمق الأوروبي.
الغريب أنّ هابرماس المدافع بقوة عن الشرعية المعيارية الإجرائية التي هي أساس المدونة القانونية الحديثة والمتشبث بعقلانية المجال التواصلي خارج أي تدخل للمرجعيات الدينية المقدسة، لا يشعر بالتناقض وهو ينحاز لأخطر الأنظمة اليمينية المتطرّفة حيث تتحالف الصهيونية الدينية المتشدّدة مع الأحزاب العنصرية الفاشية .
وصفه الفيلسوف الألماني “بيتر سلوتردايك” بأنه “السليل الأخلاقي للنازية”
لقد تعلّل هابرماس بما أسماه استثناء الديمقراطية الإسرائيلية، دون أن يقف عند المرجعية المسيانية للدولة التي حصرت هويتها القومية في مكوّنها اليهودي، بما يعني إقصاء خمس سكانها وهم من نسيجها المسلم والمسيحي الأصلي، كما أقامت في المناطق المحتلّة نظام تمييز عنصريًا لا يختلف في شيء عن حالة جنوب إفريقيا السابقة حسب إقرار رئيس الموساد السابق تامير باردو.
كيف يمكن الحديث عن دولة ديمقراطية تقوم على العنصرية والتطهير العرقي، وترفض معايير المواطنة المتساوية وتكرّس الاحتلال الاستيطاني؟
لقد وصف الفيلسوف الألماني “بيتر سلوتردايك” مفكّر التواصلية هابرماس بأنه “السليل الأخلاقي للنازية”، ويعني بهذه العبارة أنه ينتمي للفكر نفسه والمرجعية النظرية نفسها وإن اعتمد قاموسا أخلاقيًا عقلانيًا. هل يمكن من هذا المنظور لفيلسوف أوروبا الكبير أن يستوعب المأساة الفلسطينية التي هي بالفعل حرب إبادة حقيقية، وكل من يبررها هو شريك في العدوان والمذبحة؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*فيلسوف وباحث وكاتب وأكاديمي موريتاني
جلـ ... منار
ترامب الثاني: انتظار الفاشية خلف انتصار الـ”ماغا”!
نشرت
قبل أسبوعينفي
9 نوفمبر 2024من قبل
التحرير La Rédactionصبحي حديدي:
بعد الهزيمة المدوية التي مُني بها الحزب الديمقراطي الأمريكي، في شخص مرشحته للرئاسة كامالا هاريس ومقاعد مجلس الشيوخ في وست فرجينيا ومونتانا وأوهايو؛ لم تكن مفاجأة أن النقد الأوضح لخطّ الحزب واستراتيجيته أتى من أحد كبار “المشبوهين المعتادين” القلائل جداً في نهاية المطاف: السناتور برني ساندرز.
“ساندرز” يعتبر نفسه مستقلاً، ولكنه ينضوي ضمن تجمّع الديمقراطيين في مجلس الشيوخ ولا ينأى عنهم إلا في مناسبات قليلة؛ لأنه، في واقع الأمر، محسوب عليهم في أعمّ المناسبات.
ما يقوله ساندرز اليوم ليس جديداً من حيث المبدأ، أو هو لا يتصل أساساً باندحار هاريس والحزب الديمقراطي، لأنّ إهمال أولويات الطبقة العاملة، كما يساجل ساندرز اليوم، ليس خياراً طرأ على الديمقراطيين خلال الأشهر القليلة التي أعقبت عزوف جو بايدن عن الترشيح وصعود نجم هاريس؛ بل هو قديم ومتقادم وجزء لا يتجزأ من الشطر الرأسمالي في فلسفة الحزب الديمقراطي، على غرار الحزب الجمهوري وإنْ بفارق هنا أو هناك. كذلك يحيل ساندرز بعض أسباب الهزيمة الأخيرة، بل يوحي ضمناً بأنها الأبرز: “بينما دافعت قيادة الحزب الديمقراطي عن الأمر الواقع، كان الشعب الأمريكي غاضباً وأراد التغيير. وكان على حقّ”.
ليس تماماً، أو على الأقلّ ليس بمعدّل 71.7 مقابل 66.8 مليون ناخب، والفوز في التصويت الشعبي للمرّة الأولى بالنسبة إلى مرشح جمهوري منذ سنة 2004؛ و295 مقابل 226، في المجمّع الانتخابي؛ وليس في 27 مقابل 18، على صعيد الولايات؛ وليس وقد اتضح أنّ أداء هاريس كان أضعف من أداء بايدن 2020 في كلّ الولايات… التأزم، استطراداً، أبعد من مجرّد “غضب” شريحة من الشعب الأمريكي؛ والهزيمة هذه ليست أقلّ من فصل جديد في مسلسل طويل من انتقالات عاصفة وتحوّلات كبرى يعيشها المجتمع الأمريكي، فلا تقتصر على الحزبين الديمقراطي والجمهوري وحدهما، بل تمسّ سائر فئات الشعب وطبقاته، على أصعدة شتى اجتماعية ــ اقتصادية، ثمّ سياسية ومعنوية وأخلاقية وثقافية، وسواها.
في الوسع الابتداء من حقيقة أولى بسيطة، ماثلة للعيان وأوضحتها أنساق التصويت الاجتماعية والجغرافية والعُمْرية، مفادها أنّ الولايات المتحدة بعد 248 سنة على إعلان استقلالها ليست، بعدُ، مستعدة لانتخاب امرأة إلى منصب الرئاسة؛ وهيهات، تالياً، أن تكون جاهزة لانتخاب امرأة من أصول مهاجرة، آسيوية وسوداء البشرة في آن معاً. وفي باطن هذا المعطى الأول لوحظ أنّ تصويت المجموعات الهسبانية ذهب إلى ترامب بمعدّل 45 بالمائة، رغم التصريحات العنصرية البغيضة التي شهدتها بعض تجمعات ترامب الانتخابية، على مسمع ومرأى منه (كما في تعليق توني هنشكليف ضدّ بورتو ريكو بوصفها “جزيرة القمامة” مثلاً)؛ وهذا فضلاً عن أغلبية عالية لصالح ترامب في أوساط الرجال، لاعتبارات ذكورية لا تخفى.
وجهة أخرى في استدلال مغزى مركزي خلف الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة هي تلك التي تبدأ من تصريح ترامب، خلال خطبة انتصاره، بأنّ الـMAGA (مختصر للحروف الأولى من شعار ترامب الانتخابي باللغة الإنكليزية: جَعْلُ أمريكا عظيمة مجدداً) هي ‘أعظم حركة سياسية في التاريخ’؛ ليس لأنها كذلك بالفعل، فهي أبعد ما تكون عن أيّ طراز من العظمة حفظه التاريخ، بل لأنّ مكوّنات الاستيهام فيها حرّكت عشرات الملايين خلف ترامب: أشدّ تأثيراً من الاقتصاد ومسائل التضخم والقدرة الشرائية، وأدهى استقطاباً من رهاب اللاجئين والمهاجرين والأجانب، وأعمق دغدغة للكوامن الفاشية التي تصاعدت وتتصاعد في نفوس أمريكيين كُثُر ابتداء من العقدين المنصرمين.
كيف يُلجَم رجل كهذا وهو يسيطر على البيت الأبيض، ومجلس الشيوخ، ومجلس النوّاب، والمحكمة العليا، فضلاً عن كونه القائد الأعلى الفعلي للقوات المسلحة؟
وفي قلب الـ”ماغا” كان يتنامى هوس “القومية الأمريكية” الذي لم يعد غريباً أو ناشزاً أو نادر الاستخدام كما كانت الحال قبل صعود ترامب، ومنذ شيوع هستيريا تعظيم أمريكا سنة 2015، حين تضاعفت أكثر فأكثر النزعات العنصرية والمناطقية، وفلسفات “التفوّق” العرقي الأبيض. كذلك، في جزء متمم، لم تعد الولايات المتحدة حصينة تماماً إزاء مؤثرات العالم خارج المحيط، ولم يعد تكوينها المجتمعي ــ الذي ساد الاعتقاد بأنه متعدد المنابت، تعددي الأعراق ــ بمنأى عن يقظة القوميات هنا وهناك، في العالم بأسره ثمّ في أوروبا حيث المنبع الثقافي الذي يغذّي قسطاً غير ضئيل من “القِيَم” الأمريكية.
وكي لا يُظلم ترامب أو تُنسب إليه وحده شرور الـ”ماغا” فإنّ غالبية الإدارات الأمريكية السابقة، منذ عهد وودرو ولسون وليس رونالد ريغان أو جورج بوش الأب والابن؛ لم تفعل سوى محاولة تطوير المشروع الإمبريالي الأمريكي، السياسي والاقتصادي والثقافي، تحت هذه المظلة بالذات: سطوة أمريكا العظمى! ولم نعدم كاتباً أمريكياً ظريفاً جنح ذات يوم إلى الشكوى من “واجب مقدّس” أُلقي على عاتق أمريكا تجاه العالم، اتخذ سلسلة تسميات مثل “الإمبراطورية بالصدفة العمياء” و”الإمبريالية بالتطوّع” و”العبء الجديد للرجل الأبيض”. وفي كتاب بعنوان “السلام الأمريكي” صدر للمرّة الأولى سنة 1967 ولم تمنع حرب فيتنام من جعله مرجعاً أثيراً لدى شرائح واسعة من القرّاء في أمريكا، كتب رونالد ستيل: “على النقيض من روما، إمبراطوريتنا لم تلجأ إلى استغلال أطرافها وشعوبها. على العكس تماماً… نحن الذين استغلتنا الشعوب واستنزفت مواردنا وطاقاتنا وخبراتنا”!
والرجل، ترامب، الذي أعلن على الملأ أنّ إعادة انتخابه سوف تخوّله أن يكون دكتاتوراً؛ وأنه سيثأر من خصومه، وعلى رأسهم أولئك الذين كانوا مستشارين في إدارته أو وزراء أو رؤساء أركان أو محامين، بمن فيهم نائبه نفسه؛ وأنّ عودته إلى البيت الأبيض سوف تريح الأمريكيين من واجب الذهاب إلى صناديق الاقتراع الرئاسية، مرّة أخرى أو إلى الأبد… لماذا سوف يعفّ، هذا الرجل بالذات، عن الذهاب إلى أقصى مدى في الفاشية والتسلط وترويض ما يتبقى من قواعد/ نواهٍ ديمقراطية في نظام الولايات المتحدة؟ للبعض أن يتشبث بمقولة رسوخ هذا النظام، وأنه أقوى من أيّة سلطات يمنحها الدستور للرئيس الأمريكي؛ ولكن… كيف يُلجَم رجل كهذا وهو يسيطر على البيت الأبيض، ومجلس الشيوخ، ومجلس النوّاب، والمحكمة العليا، فضلاً عن كونه القائد الأعلى الفعلي للقوات المسلحة؟
من المنتظَر، بالطبع، أن يغرق كبار “نطاسيي” الحزب الديمقراطي، المختلفين عن ساندرز من حيث المنهج والغاية والوسيلة، في ترحيل أسباب الهزيمة إلى عوامل مثل تأخّر بايدن في قرار عدم الترشيح، أو اختيار تيم والتز شريكاً على البطاقة مع هاريس، أو الأدوار التي لعبتها وسائل الإعلام اليمينية واليمينية المتطرفة، أو تدخّل الاستخبارات الروسية لصالح ترامب من زاوية عدم حماس الأخير للحرب في أوكرانيا، أو حتى الآثار (أياً كانت) لعجز هاريس والديمقراطيين عن كسب الصوت العربي في ولاية متأرجحة مثل ميشيغان؛ وسوى ذلك، ممّا هو كثير متعدد ومتشابك، محقّ أو باطل أو في منزلة بينهما. الراسخ، مع ذلك، أنّ فوز ترامب ليس اختراقاً تاريخياً لشخصه وشخصيته وما بات يمثّل في وجدان ملايين الأمريكيين، فحسب؛ بل هو انتصار ساحق للـ”ماغا” في مدلولاتها الأعمق، والأبعد أثراً وديمومة، من المحتوى الركيك الذي يعلن جعل أمريكا عظيمة مجدداً.
وما يصحّ أن يُنتظر من ترامب الثاني ليس المزيد من التطرّف في السياسة الخارجية، وملفات حرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ قطاع غزّة، وتعزيز التطبيع مع السعودية خصوصاً، وتقليص الحضور الأمريكي في الأطلسي، فقط؛ بل ما هو آت على صعيد الداخل الأمريكي، أيضاً، لجهة انحسار يمين الجزب الجمهوري، مقابل صعود اليمين المتشدد: العنصري أكثر، والانعزالي أشدّ، والشعبوي أنكى، و… الفاشيّ الأعتى.
ـ عن “القدس العربي” ـ
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
استطلاع
صن نار
- منبـ ... نارقبل 9 ساعات
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
- ثقافياقبل 13 ساعة
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
- اقتصادياقبل 17 ساعة
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
- اقتصادياقبل 21 ساعة
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
- صن نارقبل 21 ساعة
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
- داخلياقبل 21 ساعة
النفيضة: وقفة احتجاجية لأهالي “دار بالواعر”… على خلفية سقوط تلميذ من حافلة
- صن نارقبل 21 ساعة
حرب أوكرانيا… رسالة روسية في شكل صاروخ قادر على الدمار الشامل
- صن نارقبل 22 ساعة
لندن.. “طرد مشبوه” يتم تفجيره قرب السفارة الأمريكية