جور نار

ما أنصح به ونحن على مشارف التوجيه الجامعي … بعض التوصيات

نشرت

في

ينطلق الناجحون الجدد في باكالوريا 2022 يوم الجمعة 22 جويلية (وإلى غاية يوم 26 من نفس الشهر) في عمليّة تخيّر  أي مسلك دراسي جامعي يُلائم أحلامهم وطموحاتهم ومشاريعهم في الحياة …

<strong>منصف الخميري<strong>

و يلائم أيضا رغبات أوليائهم ومستويات اقتدارهم الذهني وميولهم النفسية ومستوى المجموع الذي سيتنافس بموجبه مع نظرائه وتصوّراتهم حول عروض التكوين وآفاقها… وإن تعدّدت العوامل والإكراهات التي يتعيّن على المترشح أن يأخذها بعين الاعتبار هي التي تجعل من عملية الاختيار مهمّة صعبة ومتسبّبة بشيء من التوتّر والقلق والحيرة… وهو في حدّ ذاته مؤشّر إيجابي حسب رأيي لأنه ينمّ عن حرص وجديّة في التعاطي مع “تقرير المصير”.

أردت من خلال هذه الورقة التقدّم بجملة من التوصيات المُساعدة على تبديد هذه الحيرة ولو بشكل نسبي أولا وتوضيح عدد من المسائل التي قد تكون خافية عن بعض التلاميذ وسائر المهتمين بهذا الشأن.

أوّلا :

إن توجيهك الجامعي الذي ستتحصّل عليه يوم 01 أوت ليس إلا نقطة انطلاق أوّلية نحو آفاق جديدة ستُتاح خلالها فرص ومُمكنات متعددة أخرى، وبالتالي، فإن المسار الجامعي الواحد في البداية يُصبح متعدّدا أثناء الدّراسة وبعد التخرّج. فلا تنزعج من البدايات مهما بدت متضائلة وأدنى مما تطمح إليه.

ثانيا :

عند اختيارك لشعبة ما، يتعيّن عليك الانتباه إلى “التخصّصات” التي تُفضي إليها تلك الشعبة الجامعية بعد السداسيّات المشتركة الأولى لأن نفس المسلك الذي تُدرّسه عديد المؤسسات بتسمية موحّدة لا يُفضي بالضرورة إلى نفس التخصّصات هنا وهناك. فعلى سبيل المثال إجازة علوم التصرف بالمعهد الأعلى للتصرف بباردو تُفضي إلى تخصصات إدارة الأعمال والتسويق والمالية والمحاسبة والتصرف في الموارد البشرية (كمسالك توجيه ممكنة تُلوّن الشهادة النهائية في علوم التصرف) بينما نفس هذه الإجازة بمعهد الدراسات التجارية العليا بصفاقس لا تُتيح إلا الهندسة الاقتصادية والمالية … والإجازة في الحقوق التي تدرّسها عديد المؤسسات تُفضي إلى تخصصات القانون العام والقانون الخاص باستثناء صفاقس وقابس حيث يُدرج القانون العقاري كتخصص ممكن مع القانون العام والقانون الخاص بعد السداسيات الأولى،  إلخ …

ثالثا :

التطبيقة الإعلامية المخصّصة لمعالجة اختيارات الطلبة الجدد على درجة عالية من الإتقان بحيث تسمح بترتيب كل الناجحين في الباكالوريا والمترشحين للتوجيه الجامعي في كل باكالوريا على حِدة وفي كل الاختيارات التي عبّروا عنها (أي بعض مئات الآلاف من الاختيارات) قبل الشروع في أي تعيين. ثمّ يُنظر إلى كل شعبة مطلوبة على حِدة وإلى مجموع من طلبها في المقام الأول ثم من طلبها في المقام الثاني…إلى غاية المقام العاشر. تُعطى الأولوية بطبيعة الحال إلى من رتّب تلك الشعبة كاختيار أول ولكن بعد مُقارنته بمن طلبها في الاختيار الثاني على سبيل المثال. ويتحصل عليها هذا الأخير في حالتين اثنتين : إذا كان مجموع من رتّبها كاختيار أول أدنى من مجموع الذي رتّبها في المقام الثاني وإذا لم يتحصل صاحب الاختيار الثاني على اختياره الأول. بمعنى أنه على المترشح للتوجيه الجامعي أن يستغل كل حظوظه مهما كانت جزئية في الاختيارات الأولى ويترك “المؤكّد” إلى نهاية الترتيب لأنه في كل الحالات لا يمكن أن ينتزعه منه من رتّبه في بداية بطاقة اختياراته بدون توفّر شرط مجموع النقاط المُقارن.

رابعا :

في إطار “حماية المُشرّع لنفسه”، تضاعف هذه السنة التضييق على المترشحين للتوجيه الجامعي من خلال “احتفاظ وزارة التعليم العالي لنفسها بالحق في عدم الاستجابة لمطالب إعادة التوجيه حتى وإن توفّر شرط مجموع نقاط آخر موجّه (لسنة 2022) “بتعلّة استنفاد طاقة الاستيعاب” (وهو في رأيي منطق مردود على أصحابه سنعود على تفاصيله في ورقة أخرى). وهذا المُعطى الجديد والجائر يُحتّم على الطلبة الجدد مزيد الانتباه والتدقيق في ترتيب اختياراتهم ووضع كل شروط الحصول على تعيين منذ الدورة الرئيسية إلى صفّهم درءًا لأيّة مفاجآت قد تحصل في دورة إعادة التوجيه.

خامسا :

بالنسبة إلى الذين ينوون ـ لسبب أو لآخرـ  إهمال التوجيه الجامعي التقليدي لفائدة الدراسة بالخارج أو الدراسة بمؤسسات التعليم العالي الخاص، يُنصح بأن تتمّ المشاركة في دورات التوجيه الجامعي العادية والحصول على تعيين ثم القيام بإجراءات الترسيم بشكل طبيعي في مفتتح السنة الجامعية قبل التقدّم بمطلب في تأجيل الترسيم في ظرف شهر من انطلاق الدروس، والاحتفاظ بشهادة التأجيل القابلة للتمديد سنة أخرى ريثما تستقرّ وضعية الطالب المعني في الوضعية الجامعية الموازية ومواصلة دراسته فيها أو العودة إلى المسار الأصلي.

سادسا :

المجهود الذاتي مطلوب جدا وبشكل مضاعف مقارنة مع ما بذله التلميذ من جهد للحصول على الباكالوريا وذلك في مستويين على الأقل :

  • الاطلاع على أدق التفاصيل المتصلة بملامح عروض التكوين في التعليم العالي وآفاقها العلمية والمهنية وضوارب المواد فيها والقواسم المشتركة مع شعب أخرى في تونس والخارج (الفرق بين شعبة أجهزة جراحة العظام وأدواتية قاعة العمليات الجراحية على سبيل المثال، والفرق بين الصحافة والاتصال، والاختلاف بين المرحلة التحضيرية العادية والمرحلة التحضيرية المندمجة، وبين السياحة والفندقة الخ…).
  • الجامعة لا تكوّن تماما بل تؤطّر التكوين وتوجّهه وتؤسس لمنهجية البحث وتفتح آفاقا للمتكوّنين وتُنير سبيلهم في كيفية تمتين تكوينهم القاعدي … لذلك يقول بعض الجامعيين المطلعين جيدا على ما نُدرّسه مقارنة بما يُدرّس في الجامعات العالمية إن الجامعات التونسية تعطي ما يعادل نصف ما تعطيه الجامعات الأخرى في نفس الاختصاص المعني وفي إطار الوحدات التي تدرس داخل ذلك الاختصاص…بما يعني أن المضامين والمهارات الفالتة والتي يتعين تداركها كبيرة جدا يما يفرض على الطالب التونسي أن يدعم تكوينه بصورة ذاتية من خلال عمليات الإشهاد (المُكلفة ماديا أحيانا) ودراسة الوحدات المجانية المفتوحة على شبكة الويب والمُتوّجة بشهائد رسمية من الجامعات العالمية التي تُسديها واستغلال المراكز الثقافية الأجنبية ببلادنا وما توفره المكتبات المختلفة من مصادر ومراجع ذات قيمة نادرة…

سابعا :

ما هي إمكانيات تعديل المسار بعد الحصول على توجيه جامعي ؟ في حالة عدم تلاؤم التوجيه المتحصّل عليه مع ميولات الطالب الجديد ورغباته ومشاريعه، تتوفّر عادةً الإمكانيات التالية لتجويد هذا المسلك المتحصل عليه أو استبداله :

  • المشاركة في دورة إعادة التوجيه والنّقلة بناء على مجموعه الأصلي (وتسمى حالات إعادة التوجيه لأسباب عادية، أي لا تتطلب وثائق مُرفقة) أو بناءً على ملف طبي أو ملف اجتماعي أو ملف مهاري (بالنسبة إلى شعب الصحافة والإبداع الفني والسينمائي عموما).
  • بعض المقاعد التي تفتح (بشكل متغيّر من سنة إلى أخرى) بعد الإعلان عن نتائج الدورة الرئيسية في جامعات أجنبية (إفريقية ومغاربية في إطار التعاون الدولي وتبادل الطلبة) في اختصاصات الطب وطب الأسنان والصيدلة والهندسة وبعض الاختصاصات الأخرى، وتتمّ عملية الانتقاء على قاعدة مجموع النقاط وتعمير استمارة في الغرض بعد صدور بلاغ رسمي في الغرض.
  • الاستعداد بشكل مبكّر لاجتياز مناظرات إعادة التوجيه بالاختبارات الكتابية التي يتمّ الإعلان عنها خلال شهر جانفي من كل سنة ويقع تنظيمها خلال شهر مارس (باستثناء المراحل التحضيرية للدراسية الهندسية)، وهي فرصة حقيقية لتعديل المسار لأن طاقة الاستيعاب المفتوحة أمام المترشحين لهذه المناظرة مهمّة نسبيا (في حدود 15% من عدد المسجّلين بالسنة الأولى من كل شعبة) ولأن اختبارات السنوات الماضية متوفّرة بعديد المواقع للاستئناس بها، خاصة أنها مُستلهمة من البرامج الدراسية لسنوات الرابعة ثانوي.

ثامنا وأخيرا :

احذر اللغات الأجنبية المختلفة والثقافة العامة. التكوين الخصوصي الأساسي مهمّ ولكن مهما كان مستوى اقتدارك في المجالات الخصوصية قويا وعتيدا فستكتشف عندما تبدأ بالتعامل مع مواقع أو منصّات متخصصة أو جامعات أو مراكز بحث أجنبية، أن “وحيد اللغة” و “المتنصّل” من سعة الاطلاع على ما يجري في العالم وما يحدث من تطورات واكتشافات (يتعين عليك التعبير عنها في لغة سليمة تشد اهتمام سامعيها) لا مكان لهما في اقتصاد المعرفة الذي سيسود العالم مستقبلا.

وبالتوفيق للجميع

تعليق واحد

صن نار

Exit mobile version