جلـ ... منار

مفارقات تونسية (3)

تساؤلات حول اختبارات مناظرتي “السيزيام” والنوفيام” في تونس[1]

نشرت

في

بمناسبة إجراء اختبارات مناظرتي السيزيام والنوفيام، خلال الفترة الممتدة من 20 إلى 25 جوان 2022، نطرح مجموعة من “التساؤلات الحائرة”، التي استخلصناها من الجدل الذي صاحب نتائج اختبارات دورتي 2018 للسيزيام والنوفيام.  

<strong>د مصطفى الشيخ الزوالي<strong>

ونهدف من خلال هذه التساؤلات، إلى الكشف عن بعض المفارقات التي تُميّز المنظومة التربوية في تونس، وتساهم في هدر الكثير من الموارد والطاقات. عسى أن يساهم ذلك في تعزيز الرأي المطالب بإلغاء مؤسسات التعليم النموذجي في تونس، ضمن التصورات الجديدة للتربية والتعليم، التي نأمل أن ينطلق نقاش عام جدّي حولها في بلادنا، على غرار ما حدث في مختلف بلدان العالم مؤخرا [2].

  1. هل تقيس المناظرتان مستوى التلاميذ في التعلمات المختلفة كما هو متوقّع أن يكتسبوه خلال السنة الدراسية من مُدرّسيهم بالتعليم العمومي او الخاص، أم هي تقيس مستوى التدريبات المكثفة التي تلقوها على مهارات اجتياز الاختبارات من قبل خبراء المناظرتين في إطار الدروس الخصوصيّة؟
  2. أين يكمن الخلل عندما تكثر ’’ الأصفار’’ في اختبارات المناظرتين في المواد المختلفة بالنسبة لتلاميذ تعوّدوا الحصول على أعداد جيّدة خلال السنة الدراسية؟
  3. ما هي الآثار النفسية لحصول آلاف التلاميذ على أعداد ضعيفة جدا في اختبارات المناظرتين، وهم الذين قد تعودوا طيلة مسيرتهم الدراسية على أعداد مرتفعة جدا في أقسامهم؟ ( للتذكير فإن التلميذ الفنلندى، لا يخضع إلا لامتحان سنوي «موحّد» مرة واحدة فقط تكون فى نهاية المرحلة الثانوية. والفئات العمرية الصغيرة – الى حد 13 سنة-  لا تعرف أي شكل من أشكال التقييم الجزائي. وعندما يُشرع في إسناد العلامات بدءا من سن 13 فإن التلميذ يُنقّط من 4 إلى 10، و يمنع منحه الصفر حتى لا يشعر بالإحباط و الفشل.)
  4. مع التطوّر المطّرد في ارتفاع مستوى التميز الدراسي لعدد كبير من المترشحين للمناظرتين،على أي أساس سيتم فرز المترشحين؟ وما الذي سيصنع التميّز؟ كما يتضح من تجارب السنوات السابقة، سيتم ذلك أكثر فأكثر “على أساس إمكانيات حل المشاكل الرياضية“(ولا يفوتنا هنا، التذكير بأن التميز الدراسي في تونس، لم يعد مرتبطا بما تقدمه منظومة التعليم العمومي من خدمات بقدر ارتباطه بمجهودات عائلية فائقة، وتعبئة لموارد كثيرة لتأمين دروس خصوصية وبحث مستميت عن أحسن المدرّسين/المُدرّبين الخصوصيين.)
  5. ولكن مع تطور مستوى التدريبات على حل المشاكل الرياضية، تحت رعاية خبراء الاختبارات، كيف سيتعامل واضعو الاختبارات بوزارة التربية مع هذه الوضعية؟ يبدو أنه لا مفر من اللجوء إلى الاختبارات “التعجيزية” وأسلوب ’’وضع الفخاخ’’. ( نجد الكثير من المُدرّسين في كل مراحل التعليم من يستمد مكانته و”هيْبته“ من قدرته على تقديم اختبارات يقال عنها بالعامية : “كاسحة” “حجر”، “فيها برشة تعويج”).  وتنمُّ هذه الممارسات، في تقديرنا، عن استبطان الرؤية التقليدية للمدرسة ولوظيفة الامتحانات ولدور المدرس. في الإطار نفسه، نصنف التبرير المتكرر لهذه الممارسة بمثل شائع من الموروث القديم ‘’عند الامتحان يكرم المرء أو يُهان ’’ (وهو مثل فارسي قديم، أورده الحريري في مقاماته)، لا ينسجم مع “المدرسة الحديثة” ومنطق ’’الحداثة المنشودة’’ والنصوص الضامنة لحقوق الطفل في كل التشريعات الوطنية والدولية.
  6. هل احترمت بعض الاختبارات مبدأ الوضعيات الدالة للسياق الذي يعيش فيه التلميذ؟ وما هو التمثّل الضّمني لنموذج الطفل الذي يتوجه له الاختبار؟ في اختبار الإيقاظ العلمي لمناظرة “السيزيام” 2018 ، اعتبر واضعو الاختبارات أن الإجابة الصحيحة الوحيدة عن “سر طول عمر الجد الفلاح في سبيبة بالقصرين هو أكل السمك والبرتقال”؟!!  . وهنا استحضر مثالا آخر أقوى دلالة على ظاهرة إسقاط الوضعيات وضعف الاندماج مع المجتمع كجزء من ظاهرة استعلاء المدرسة على الأسرة والمجتمع [3]، ففي’’ امتحان ’’السيزيام” لسنة 1968، كان موضوع الإنشاء على هذا النّحو  “خلال القيام بنزهة عائلية تعرضت السيارة للعطب، صف الحادثة” وشكل الموضوع لغزا محيرا لجل التلاميذ في الأرياف فلا السيارة ولا النزهة تدخلان في نمط عيشهم ولا في امكانياتهم. في جانبه الإيجابي مثّل الموضوع حافزا استثنائيا لإعمال الخيال”.[4]
  7. كيف يمكن أن نفسر التنافر المُلاحظ بين الطريقة المطلوب استخدامها رسميا من المدرسين وهي المقاربة بالكفايات والتي يتدربون عليها مع المتفقدين، والطريقة التي يستند اليها واضعو الاختبارات في المناظرتين أي المقاربات بالموضوعات؟
  8. بينما يمثل إلغاء التعليم الخاص أو الحد من انتشاره، هدفا استراتيجيا منشودا يسعى إلى تحقيقه كل نظام تربوي ( على غرارا فنلندا التي لا يوجد بها تعليم خاص)، نلاحظ في تونس عديد المؤشرات الدالة على عكس ذلك تماما، إذ من هو المستفيد الأساسي من مناظرتي النوفيام والسيزيام غير التعليم الخاص ومقاولو التعليم؟ بشهادات التلاميذ وجميع الأطراف بالمؤسسة التربوية، تحولت الحصص المدرسية في التعليم العمومي،لدى “مقاولي التعليم” إلى تُكأة للضغط على التلاميذ وحشدهم للدروس الخصوصية وليس أمام الأولياء سوى الإذعان للأمر الواقع.
  9. تحقق بعض المدارس الابتدائية الخاصة نسب نجاح 100% بمناظرة “السيزيام” ونسب قبول مرتفعة نسبيا بالإعداديات النموذجية. فهل يرجع ذلك الى جودة خدماتها وتجسيمها لأهداف المنظومة التربوية أم لقدراتها و”حيلها” في التأقلم مع مقتضيات الاختبارات في مناظرة السيزيام؟ لقد بات معلوما لغالبية المهتمين بالشأن التربوي أن تلك المدارس تعتمد استراتيجيات متنوعة لضمان ذلك النجاح ‘‘الباهر”،من قبيل انتقاء المترشحين للمناظرة وعدم السماح بالتسجيل فيها لمن تعتبرهم ’’غير مطابقين للمواصفات”،حملات إعلامية من أجل تعبئة أو “انتداب’’ أفضل تلاميذ الخامسة ابتدائي بالمدارس العمومية وترغيبهم في الالتحاق بها بعرض خدمات إضافية  أو التسجيل المجاني كليا أو جزئيا، تخصيص الثلاثي الأخير من السنة الدراسية للتدريب على المواد الأساسية وعدم “إضاعة الوقت مع مواد خارجة عن  اختبارات المناظرة’، اللجوء إلى خدمات “خبراء الاختبارات” من المعلمين والمتفقدين المتقاعدين.

هوامش:

[1]  سبق أن نشرنا في جلنار بتاريخ 17 نوفمبر 2021، مفارقة تونسية أولى تحت عنوان” تساؤلات حول دور النقابات في تونس زمن الانتقال الديمقراطي”

ثم في مفارقة ثانية بعنوان “الجدل المتجدد حول التعليم النموذجي في تونس” منشورة يوم 28 أفريل 2022 

[2] اطلقت اليونسكو منذ سنتين، مبادرة ” مستقبل التربية و التعليم في أفق العام 2050 وما بعده”. وتوجت هذه المبادرة في نوفمبر 2021، بصدور  تقريرها بعنوان “وضع تصورات جديدة لمستقبلنا معا: عقد اجتماعي جديد للتربية والتعليم“. ومن المنتظر أن تنتظم نقاشات عامة حول هذا الموضوع في مختلف انحاء العالم.(في هذا الإطار  نظم المعهد العربي لحقوق الانسان، أكثر من 20 ندوة، خاصة بالمنطقة العربية)

[3] هي جزء من ظاهرة أشمل تناولناها في مقال منشور بالصحيفة الالكترونية “الزراع” بتاريخ 13 /11/2019 تحت عنوان” “إلى متى يتواصل استعلاء النخبة التونسية على مجتمعها؟”

[4]  أورده الباحث الصغير الصالحي في كتابه ’’الاستعمار الداخلي والتنمية غير المتكافئة منظومة التهميش في تونس نموذجا’’ تونس 2017. ص. 242

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version