سالم كرير المرزوقي إسم قد لا يعني شيئا للبعض، لكن في الوقت نفسه فإنّه يعني الكثير الكثير للكثيرين. هو أحد روّاد مهنة المتاعب بولاية توزر و قد انتقل إلى جوار ربّه منذ أيام و خلّف الكثير من الأسى لدى كل الذين عرفوه عن قرب و منهم كاتب هذه الكلمات. فقد عرفت الزميل الراحل منذ التحاقي بالإذاعة الوطنية و بالتحديد بقسم أخبارها باللغة العربية في بداية الثمانينات.
قصّة سالم كرير المرزوقي مع عالم الصحافة فيها من الغرابة و الطرافة في آن واحد فبالرغم من دخوله المدرسة في وقت متأخر إلاّ انّه أصرّ على تحدّي كل الصعوبات و الحواجز النفسية و أكمل دراسته الجامعيّة وتخرّج من معهد الصحافة وعلوم الإخبار و هو في سنّ متقدّمة نسبيّا، ثم دخل ميدان التأليف و ترك مجموعة من الكتب تتناول بالأساس جوانب إداريّة و قانونيّة، و هذا أمر لافت فمن كانوا في مثل ظروفه قد كانوا يختارون طريقا مختلفا و يكتفون بما اكتسبوه من درجة تعلّم دون بحث عن تطوير معارفهم و الاستزادة من العلم.
كان سالم كرير المرزوقي مكلّفا بالإعلام في ولاية توزر و من مراسلي الإذاعة الوطنيّة التي كانت تبث برنامجا يوميّا في حدود الساعة السادسة مساء عنوانه “عبر ولايات الجمهورية ” و هو عبارة عن جولة يوميّة في مختلف الولايات مع مراسلات صوتيّة لصحافيين محترفين بدرجة الامتياز، و قد تناوب على إعداد هذه الفقرة اليوميّة العديد من الزملاء في قسم الأخبار، و الهدف منها إطلاع المستمعين على مختلف الأحداث في الجهات في ميادين اقتصاديّة و سياسيّة و اجتماعية و ثقافيّة، و كان البرنامج مناسبة للتعرّف إلى كل هؤلاء الزملاء عن قرب و تكوّنت صلات صداقة متينة معهم فكانوا بالفعل أبناء جهاتهم و نجومها في المجال الإعلامي لكن أيضا أبناء الإذاعة الوطنيّة …
تستحضر ذاكرتي الزميل محمود الحرشاني من ولاية سيدي بوزيد و هو أحد روّاد الصحافة الجهويّة إذ أصدر مجلته الشهيرة مرآة الوسط و له مؤلّفات أخرى نشرها و معروف بنشاطه و حيويته في الميادين الثقافيّة و الإعلاميّة على الصعيدين الوطني و العربي و نشر بانتظام مقالات في صحف تونسيّة و مواقع الكترونيّة و له إسهامات عديدة في مجال الإنتاج الإذاعي و التلفزي، كذلك الزملاء الصحبي البكّاري من ولاية القصرين و المولدي الكنزيزي من ولاية سليانة و رشيد البكّاي من ولاية بنزرت و الهادي الحامّي في ولاية جندوبة و الميمون بربوش في ولاية الكاف و عمر عبد ربّة من ولاية أريانة و المبروك بلقاسم في ولاية المهدية و عبد العزيز الهمّامي في ولاية القيروان و بلقاسم سعد من ولاية زغوان و محمّد صالح بوترعة من ولاية قفصة و محمّد هديّة من ولاية تطاوين و كلا الأخيرين كانا من بين الذين أثثوا أقسام الأخبار و أنتجوا أولى البرامج الإذاعيّة عند بعث إذاعتي قفصة و تطاوين و أذكر كذلك الزملاء بلقاسم المترّب في ولاية قبلي و مسعود الكوكي في ولاية باجة و له اسهامات كثيرة في الصحافة المكتوبة و عمّار فرحات في ولاية سوسة و علي الشملي من ولاية المنستير و صاحب الكثير من الإنتاجات البرامجية المتنوّعة في إذاعة المنستير، و مسعود الزيدي في ولاية قابس و ميمون التونسي في ولاية مدنين..
و قد وجد أبناء الإذاعة والتلفزة من كل هؤلاء الزملاء الذين تميّزوا بأخلاقهم العالية المساعدة الثمينة عندما كانت فرق من المؤسّسة تنتقل إلى جهة من الجهات في إطار عملها الميداني… ثم بدأ برنامج “عبر ولايات الجمهوريّة ” في الاندثار تدريجيّا عند ظهور الإذاعات الجهويّة على غرار إذاعات قفصة و تطاوين و الكاف . و واصل الكثير منهم المسيرة في النشرة الجهويّة للتلفزة التونسيّة مع مدّ قسم الأخبار بمراسلات إذاعيّة كلّما طلب منهم ذلك… لقد كانوا بالفعل فرسان الصحافة الجهويّة إلى جانب روّاد آخرين في هذا المجال في الصحافة المكتوبة و معظم هذه الصحف اندثرت و طوى النسيان أصحابها و في هذا جحود لا مثيل له لهؤلاء الذين كرّسوا جهدهم وحياتهم و أموالهم من أجل صحافة جهويّة لها إشعاع وطني،
أذكر جريدة القنال التي كانت تصدر بمدينة بنزرت و شمس الجنوب بمدينة صفاقس و قد قرأت منذ أيام ورقة للأستاذ محمد الحبيب السلامي على موقع الصحفيين التونسيين بصفاقس يلفت فيها الانتباه إلى الظروف الصحّية الصعبة للزميل على البقلوطي باعث هذه الصحيفة، و لا يسعنا إلاّ أن ندعو له بالشفاء العاجل و الصحّة التامّة. و من بين الصحف الجهويّة الأخرى التي مازالت حاضرة في الذاكرة صحيفة مرآة الساحل بمدينة سوسة و الإتحاف بمدينة سليانة…
لقد كابد كل هؤلاء من أجل إعلام جهوي مشرق لا أعلم لما يلقى كلّ هذه اللامبالاة في بلادنا، و الحال أن هذا النوع من الإعلام يعرف ازدهارا في معظم الدول المتقدّمة، ففي فرنسا على سبيل المثال نجد 66 عنوانا لصحف جهوية أسبوعيّة و 254 عنوانا لصحف جهويّة يوميّة.
فتحيّة من القلب إلى كل هؤلاء الزملاء و رحم الله سالم كرير المرزوقي و كل الذين فارقونا، و هذا المقال هو محاولة بسيطة لرفع الغطاء عن الكثير منهم من خلال ذكرهم و الحديث عنهم و في ذلك القليل القليل من رد الاعتبار لهؤلاء الروّاد.