جور نار
نتائج الباكالوريا بين التفسير والتبرير
نشرت
قبل سنتينفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiriالباكالوريا مفتاح أوّلي مهم يجعل صاحبه يبتعد نهائيا عن “ساحة الخيارات المُظلمة” ويلجُ ساحات أخرى هي أقرب إلى الخلاص واكتساب المناعة والمرور إلى الضفة الأخرى.
كانت جدّتي رحمها الله منتبهة حدّ الهوْس إلى خطر أن نصل أنا وأخي الأكبر متأخرين إلى المدرسة البعيدة وخاصة في فصل الشتاء الذي كان عبوسا وضروسا أكثر من اليوم، فكانت تُلحّ في استعجال خروجنا حتى لا تدركنا السحب والأمطار في الطريق قائلة “أوصلو للمدرسة حصّلو المْنع” أي كونوا هناك وتحصّنوا بقاعات المدرسة وملاذاتها على نُدرتها…. في وعي فطري بأن البقاء “هنا” لا يُسمنُ ولا يُغني من جهل وتخلّف وأن المدرسة بُقعة ضوء يتعيّن مطاردتها.
فبعد الباكالوريا يجد الطالب الجديد نفسه أمام ساحات أوسع مما كان فيه وتعوّد عليه تتطلب هي الأخرى مفاتيح جديدة لمعالجة أقفالها. لكن القاسم المشترك بينها هي أنها مُتاحة لمن يتمتّع بحدّ مقبول من القدرة على “بذل الجهد المُضني” والتعرف على ميولاته وحسن إدارة التفاوض مع “قصار الطرق” إذا تعذّر مُغالبة الأمواج العاتية.
باكالوريا 2022 لم تشذّ عن القاعدة وأعادت لنا صورتنا المشوّهة التي نخجل من مواجهتها وذكّرتنا خاصة بأن لنا دولة تعشق تهشيم المحرار حتى لا تفوح رائحة تقرّحاتها وتبدع في تحييد المرايا حتى لا ترى صورتها القبيحة.
وقد برز منذ الإعلان عن نتائج الباكالوريا اتجاهان كبيران لدى الرأي العام في التعاطي مع هُزال النتائج هنا وبدانتها هناك يمكن تلخيصهما على النحو التالي :
اتجاه يُحيل حدّة الاستقطاب في النتائج (أي وجود أقطاب فشل واسعة تشمل الولايات الداخلية بصورة عامة مقابل جيوب نجاح تقليدية تقترب فيها نسب النجاح من المعدلات المأمولة) إلى الموروث الاجتماعي والاقتصادي ولا شيء سواه وفق ثنائية الفقر يقابله الفشل المدرسي والرفاه الاجتماعي يمنح نجاحا بالضرورة.
ومنزع يحاول إرجاع انخرام المشهد التربوي إلى اعتبارات الجدارة والاستحقاق والبذل والمثابرة ولا شيء سواها، (وهو استنساخ لا واع لتيّار إيديولوجي يجد صدى كبيرا له لدى الأمريكان بصورة خاصة الذين يُنظّرون لكون “التميّز المدرسي هو مُستحقّ وليس موروثا” mérité et non hérité وأنه في الحياة بصورة عامة “لكل واحد حسب جدارته“.
وفي تونس، قرأت تعليقات تبريريّة تقترب ـ لولا بعض الحياء ـ من المنطق الاستعماري الذي يقسّم شعوب الأرض إلى شعوب متخلفة تقع على “هامش مظاهر الحضارة وتفتقر إلى أبسط أشكال العيش الكريم” وأخرى متقدّمة كُتب عليها أن تضطلع بمهمة شبه ربّانية تتمثل في إنقاذ هذه الشعوب وإلحاقها بركب الحضارة. أي أن الولايات التي تتدنّى فيها نسب النجاح في الباكالوريا تستحق فشلها بالنظر إلى كسلها وضعف عقلية الجهد لدى أبنائها وأن الولايات التي ترتفع بها نسبيا مؤشرات النجاح لا يمكن أن تكون إلا كذلك لقدرة شبه جينية متأصلة فيها.
أقول منذ البداية إنني أومن جدا بمجهود الفرد وقدرته على قهر الظروف القاهرة وأن الأمل يولد أحيانا من رحِم اليأس وأن العوْز حاجز متغوّل لكن يمكن اختراقه… إلى نهاية السرديّة التي نجد لها مدافعين ومريدين كثر في ساحات التنمية البشرية المُبشّرة بالجنة والناس في الدّرك الأسفل من الجحيم… ولكنني متيقن في ذات الوقت وواثق تماما من أن كارثية النتائج في جهات بعينها (وفي مناطق بعينها في الجهات التي حققت نتائج إيجابية أدعو شخصيا إلى مزيد تطويرها) ليست قدَرا محتّما ولها أسباب عضوية متصلة مباشرة برصيد استثمارات دولة الاستقلال هنا وهناك … وأن الإقرار بهذا يؤكد أن الإصلاح مُمكن والعلاجات مُتاحة ومفاتيح الخروج من النفق المظلم موجودة في الأرض لا في السماء.
لذلك ـ وبالأرقام والإحصائيات ـ كلّما تدنّى مؤشر التنمية، تدنّت النتائج على كل المستويات الدراسية، وكلّما اضمحلّ مستوى العيش اضمحلّ الأداء الدراسي لأبنائنا، وكلّما علا المستوى الدراسي والثقافي العام للوالدين (والمحيط العائلي الأوسع) ازدادت فرص النجاح والقدرة على تخطي العقبات.
المسألة في رأيي بسيطة ومعقّدة في نفس الوقت. معقّدة لأنّ أسبابها متعددة ومنتشرة في كل الروافد المحيطة بالفعل المدرسي والنتائج الراهنة هي المآل المنطقي لمسار طويل جدا من رحي الشعوب وطحن المُعدمين، وبسيطة لأن الإصلاحات الموضعيّة الصغيرة غير المُكلفة وذات النتائج المنظورة على المدى القصير والمتوسط مُمكنة تماما ولا تستدعي خِبرة أو عِلما أو واسع اطلاع على ما يصنع مجد الأنظمة التربوية الرياديّة في العالم.
خُطاف واحد لا يصنع الربيع… ربيع الأقاليم المنسيّة
إن وجود بعض المعدلات المتميّزة جدا في الجهات الداخلية بشكل استثنائي لا يعني أن ذلك قابل للتعميم أو أنه دليل قطعي على “كسل” من لم ينجح أو من نجح بمعدلات متوسطة (وهم الأغلبية)، كما أن هزالة نتائج معاهد منوبة على سبيل المثال لا يعني إسقاط كل جهة تونس الكبرى من أعلى سلّم أفضل النتائج في الباكالوريا. .. بمعنى أن الاستثناءات لا يجب أن تحجب عنّا الطابع العام المُهيمن في كل جهة ولا ينبغي أن تتحوّل إلى شجيرات تغطي الغابة التي هي العنصر الأهم.
وعليه، فإنني أحلم بِدُويْلة تسعى إلى (لا أقول تبني مشروعا مجتمعيّا يليق بعظمة التونسيين ومهجتهم الراقية لأن ذلك يستوجب دولة جديرة باسمها) أو تتبنّي وصفة بسيطة لا تُكلّفها الشيء الكثير وتتمثل في :
أولا : التخلّي عن شبكة المؤسسات التربوية النموذجية الكاذبة وبعث نموذجيات للمتروكين لحالهم ونموذجيات للوافدين من بؤر المهارات الخارقة في الرياضيات أحيانا وفي الرياضة أو الإعلامية أو اللغات والفلسفة أحيانا أخرى.
ثانيا : الشروع فورا في إعادة هيكلة المسالك والشعب في التعليم الثانوي بما ينسجم مع اشتراطات التعليم العالي ويُوقف النزيف الذي تشهده بعض الباكالوريات (الآداب والاقتصاد والإعلامية بصورة خاصة).
ثالثا : إقرار إجبارية امتحان التاسعة أساسي (للقطع مع مهزلة 13 سنة دراسية مسترسلة دون وجود أي محطة تقييمية وسطى) بما يُحفّز تلاميذ الإعدادي على مزيد بذل الجهد لمواجهة هذا الاستحقاق الدراسي وإجراء التعديلات الضرورية التي تُمليها نتائج هذا التقييم المرحلي في السياسة التربوية العامة.
رابعا : خلق المعابر المكثّفة والمغرية والمُثمّنة مباشرة بعد التاسعة أساسي، مع التعليم المهني بالنسبة إلى التلاميذ الذين يمنعهم مستوى مكتسباتهم الأساسية من الانخراط في مسارات طويلة عامة… مع ترك الباب مفتوحا على مصراعيه أمام من تميّز في المسارات المهنية الموازية لاجتياز امتحان الباكالوريا إن رغب في ذلك.
خامسا : تحفيز الأساتذة والمتفقدين في الجهات التي تشكو من ضعف ضارّ في مواد أصبحت تشكل حاجزا حقيقيا لنيل شهادة الباكالوريا (الرياضيات واللغات خاصة) وتمكينهم من دورات تدريبية خاصة في تونس والخارج باتجاه التأثير في مشهد النتائج وتحويله.
سادسا : إجادة توزيع الموارد البشرية وحوكمتها باعتبارها عاملا حاسما في طبيعة النتائج النهائية، ويكفي أن نستحضر كون آلاف التلاميذ التونسيين يصلون إلى مستوى الباكالوريا دون التمتّع بحصة دراسية واحدة يُؤمّنها معلم أو أستاذ “غير نائب”.
هذه بعض الإجراءات البسيطة التي لا تكلّف ميزانية ضخمة ولا تتطلب حوارا وطنيا شاملا ولا تستدعي برلمانا مؤشِّرا أو مُريدا مفسّرا… تنتظر فقط بعض الجرأة والإحساس الوطني الصادق بأن الأذى بلغ “اللحمة الحيّة”.
تصفح أيضا
جور نار
العراق: هل يستبق الأخطار المحدقة، أم سيكتفي بتحديد الإخلالات؟
نشرت
قبل يوم واحدفي
22 نوفمبر 2024محمد الزمزاري:
ستنطلق الحكومة العراقية في تعداد السكان خلال هذه الأيام والذي سيأخذ مدى زمنيا طويلا وربما. تعطيلات ميدانية على مستوى الخارطة. العراقية.
ويعد هذا التعداد السكاني مهمّا ومتأخرا كثيرا عن الموعد الدوري لمثل هذه الإحصائيات بالنسبة لكل بلد… فالعراق لم يقم بتحيين عدد سكانه منذ ما يزيد عن ربع قرن، إذ عرف آخر تعداد له سنة 1997… ونظرا إلى عوامل عدة، فإن قرار القيام بهذا التعداد سيتجنب اي تلميح للانتماءات العرقية أو المذهبية عدا السؤال عن الديانة ان كانت إسلامية او مسيحية… وقد أكد رئيس الحكومة العراقية أن التعداد السكاني يهدف إلى تحديد أوضاع مواطني العراق قصد رصد الاخلالات و تحسين الخدمات وايضا لدعم العدالة الاجتماعية.
لعل اول مشكلة حادة تقف في وجه هذا التعداد العام، هو رفض الجانب الكردي الذي يضمر أهدافا و يسعى إلى التعتيم على أوضاع السكان في كردستان و في المنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد و التركمان… خاصة أيضا ان اكثر من ثمانية أحياء عربية في أربيل المتنازع عليها، قد تم اخلاؤها من ساكنيها العرب وإحلال الأكراد مكانهم…
هذا من ناحية… لكن الأخطر من هذا والذي تعرفه الحكومة العراقية دون شك أن الإقليم الكردي منذ نشاته و”استقلاله” الذاتي يرتبط بتعاون وثيق مع الكيان الصهيوني الذي سعى دوما إلى تركيز موطئ قدم راسخ في الإقليم في إطار خططه الاستراتيجية.. وان مسؤولي الإقليم الكردي يسمحون للصهاينة باقتناء عديد الأراضي و المزارع على شاكلة المستعمرات بفلسطين المحتلة… وان قواعد الموساد المركزة بالاقليم منذ عشرات السنين ليست لاستنشاق نسيم نهر الفرات ! ..
أمام الحكومة العراقية إذن عدد من العراقيل والاولويات الوطنية والاستشرافية لحماية العراق. و قد تسلط عملية التعداد السكاني مثلما إشار إليه رئيس الحكومة العراقية الضوء على النقائص التي تتطلب الإصلاح و التعديل والحد من توسعها قبل أن يندم العراق ويلعنوا زمن الارتخاء وترك الحبل على الغارب ليرتع الصهاينة في جزء هام من بلاد الرافدين.
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
استطلاع
صن نار
- منبـ ... نارقبل 10 ساعات
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
- ثقافياقبل 13 ساعة
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
- اقتصادياقبل 17 ساعة
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
- اقتصادياقبل 21 ساعة
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
- صن نارقبل 21 ساعة
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
- داخلياقبل 22 ساعة
النفيضة: وقفة احتجاجية لأهالي “دار بالواعر”… على خلفية سقوط تلميذ من حافلة
- صن نارقبل 22 ساعة
حرب أوكرانيا… رسالة روسية في شكل صاروخ قادر على الدمار الشامل
- صن نارقبل 22 ساعة
لندن.. “طرد مشبوه” يتم تفجيره قرب السفارة الأمريكية