شهدت منطقة ‘العين السخونة’ منذ صباح أوّل أمس السبت 12 ديسمبر 2020 مناوشات و اشتباكات بين عدد من متساكني معتمديتي بني خداش من ولاية مدنين و دوز من ولاية قبلي … وقد أسفرت المناوشات عن إصابة ثلاثين شخصا من بينهم ثلاثة في حالة صحية خطيرة وحرق 3 سيارات بالكامل و مقهى …
و تعود أطوار الأحداث إلى طلب أحقية ضم منطقة العين السخونة و هي منطقة إستشفائية تشهد توافد الآلاف من الزوار خلال هذه الفترة للتداوي، و مطالبة متساكني كل من المعتمديتين بضمها لها دون غيرها … و يذكر أنّ هذه المنطقة المتنازع عليها هي منطقة إشتراكية و لم يتم فض النزاع القانوني فيها إداريا .. لكن الغريب في هذه المواجهات أن 12 مصابا من الذين استقبلتهم المؤسسات الإستشفائية بالجهة تعرضوا إلى إصابات بالرش في مناطق مختلفة من أجسادهم، و هو ما يعني أنّ نيّة القتل قد صاحبت هذه “العركة” و لم تقف عند نيّة “تأديب” الطرف المُقابل …
كل هذه الأحداث المؤسفة تُحلينا إلى موضوع “العروشية” الذي كنّا نعتقد أننا تخلّصنا منه إلى الابد و أزيل من عقلية التونسي منذ إرساء الدولة الوطنية مع بورقيبة، مما خلق حالة من التجانس بين جميع المواطنين … و لكن بعد ثورة 14 جانفي طفت المسألة مجددا على السطح، فعدد منّا يتذكّر ما وقع في ولاية قفصة في مارس 2011 من صدامات دامية بين مجموعات من الأهالي بكل من المتلوي و المظيلة و السند خلفت عددا من القتلى والجرحى بينهم تلميذان من المعهد الثانوي بالسند توفيا خلال أحداث عنف جدت بين مجموعات من أهالي مدينة السند و منطقة عليم … كما تسببت تلك الأحداث في إلحاق أضرار كبيرة بعدد من المؤسسات التربوية و خلّفت إصابات كثيرة في صفوف المواطنين الذين شاركوا في المعارك الضارية التي دارت بين عديد “العروشات” بالجهة و عددهم بالآلاف و صاحبها تراشق بالحجارة و استعمال للزجاجات الحارقة وبنادق الصيد.
حصل ذلك بين عرشي أولاد بويحيى و الجريدية بالمتلوّي من ولاية قفصة و حصل كذلك بين الجبنيانة و المساترية بجبنيانة من ولاية صفاقس في أوت 2011. و لسائل أن يتساءل : لماذا يشتعل فتيل العنف بين أبناء المنطقة الواحدة لأسباب غير ذات شأن في أكثر الأحيان؟ هل هي مشيئة المتقابلين في المعركة أم هي مشيئة أطراف أخرى تُحرّك الخيوط في الخفاء؟ كُنّا إلى فترة ما قبل الثورة بقليل نعتبرُ بأن مفهوم المُواطنة قد تجذّر فينا جميعا بحيثُ صارت النعرات الجهويّة في حُكم المُندثرِ …
غير أنّ الأحداث التي تنفجر هنا أو هناك و بين الفينةِ و الأخرى تدعونا إلى كثيرٍ من المُراجعات و تُحتّم علينا إعادة النظر في ما إعتبرناه لعُقودٍ من الزمن من المسلّمات… كما أنه يتعيّنُ على عُقلاء البلاد – إن مازال فيها عُقلاء – أن يُهدّئوا الخواطر و يكونوا صوت الحِكمة خاصّةً أمام طوفان شبابٍ ناقمٍ على كلّ شيء، و سياسيين من سِقطِ المتاعِ يصُبّون الزيتَ على النّار ثمّ يتظاهرون بالسعي لإيجاد الحلول … شأنهم في ذلك شأنُ الذين يصدُقُ فيهم المثلُ التونسي ” يشعّلو النار و يقولو الدّخان منِين؟”