جور نار

هل تضرب الفاشية “الترامبية” أوروبا على قفاها…؟؟؟

نشرت

في

محمد الأطرش:

هل يعيش العالم اليوم انقلابا تاريخيا في التحالفات الدولية، وهل يمكن اعتبار ما يفعله ترامب “ظاهرة ترمبية” تكشف ولو جزئيا عن الفاشية الأمريكية؟

فبالعودة إلى ما جرى سنة 2021 فإننا نلاحظ أن أوروبا أو الدول المكوّنة للاتحاد الأوروبي عاشت حالة إنكار تام للحرب التي يمكن ان تندلع بين روسيا وأوكرانيا… أغلب دول القارة العجوز لم تصدّق بوجود حرب وشيكة وكانت تعتقد أن بوتين لن يتخذ القرار “الساخر” بإعلان الحرب على كييف لأن ذلك سيضرّ حتما بروسيا… وهو نفس الخطأ في التفكير الذي وقعت فيه الدول الأوروبية قبل عام 1914 والذي كتب عنه نورمان انجيل في كتابه الشهير “الوهم الكبير” فالناس في ذلك الوقت كانوا يعتقدون أن الحرب بين القوى الأوروبية مستحيلة…

منذ سنة 2021 عاش العالم نفس الاعتقاد وجاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتدحض حالة الانكار والاعتقاد الخاطئ لأغلب سكان القارة العجوز، وحالة الإنكار تحولت من إنكار الحرب الطويلة إلى شبه يقين بأن سوء الفهم يمكن أن يحلّ بالمفاوضات… واليوم نعيش إنكارا آخر من أغلب الدول الأوروبية الداعمة لكييف فهذه الأخيرة تعيش حالة إنكار لهزيمة كييف وانتصار الدب الروسي فهم يدركون ان هزيمة كييف هي هزيمتهم أيضا فهم من يقف وراء كييف…  وهزيمة كييف اليوم تتجسد في الإعياء الكبير والخطير لقواتها، فالقوات الأوكرانية استُنزفت أكثر من قوات روسيا وفقدت 20% من أراضيها، وأصبحت الوضعية “دراماتيكية” في ظرف زمني قصير، بسبب ما صرّح به وقرّره ترامب وبسبب توقف إمدادات الأسلحة الأمريكية ووقف تزويدها بالمعلومات الاستخباراتية، مما جعل الجيش الأوكراني أعمى فاقدًا للبصر والبصيرة وفاقدا للسمع…

حالة الإنكار التي عاشتها أوروبا تعود جذورها إلى القرن الثامن عشر ومشروع السلام الأبدي لكانط وتعززت بعد الحربين العالميتين، من خلال فكرة إقامة عالم تُستبعد منه الحرب من العلاقات الدولية بين الدول، بمعنى آخر تجاهل قاعدة كلوزفيتز الشهيرة القائلة بأن “الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى”… واليوم ومع تخلّى الماما عن أوروبا وتعنّت ترامب في إيقاف الحرب على طريقته منفردا في التفاوض مع فلاديمير دون العودة إلى حلفائه القدامى فإن الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا بدأت تبحث عن حلول أخرى تغنيها عن تحالفها مع الماما بعد أن كشف ترامب عن أنيابه وعن نوايا لا تعجب حلفائه في القارة العجوز…

 ماكرون اليوم أصبح يلمّح إلى أن هناك ولو بعد حين حرب قادمة وأنه على أوروبا أن تعوّل على نفسها بعد تخلّي الماما عنها وان تستعد لاحتمالات الحرب بالعتاد والعدّة والمال، وأنه على الدول الأوروبية الإسراع باتخاذ قرارات عاجلة بشأن التعويل على نفسها وامكاناتها وتسليح كل دولها وربما إنشاء قوة مشتركة تغنيها عن الحلف الذي قوّض أركانه ترامب بسياساته الفاشية والشعبوية… وقد كشف ماكرون في هذا الإطار ان المعدات العسكرية الحالية لدول أوروبا المكوّنة لحلف الناتو ضعيفة في مواجهة روسيا إن تخلت الماما عن دورها والتزاماتها تجاه الحلف وانسحبت منه.

ماكرون أكّد من خلال تحركاته الأخيرة أن أغلب الدول الأوروبية ومع الصعود الخطير لليمين الداعم لسياسات ترامب الشعبوية في العديد من الدول الأوربية أصبحت اليوم على وعي تام باستحالة أن يكون السلام الأبدي واقعيًا في عالم تتداخل فيه المصالح الوطنية مع التوترات الجيوسياسية… ورغم أن العديد من الفلاسفة والسياسيين في أوروبا عملوا طويلا على نشر فكرة السلام الدائم بعد الحربين العالميتين، فإن الواقع اليوم يعكس أن الحروب قد تظل جزءًا هاما من العلاقات الدولية، خاصة عندما تتصادم المصالح الاقتصادية والسياسية… ولا يعني هذا أن السلام ليس ممكنًا، بل يعني أنه يتطلب بناء مؤسسات وتفاهمات وتحالفات جديدة أكثر توافقا وتناسقا ومرونة وتعاونًا دوليًا…

خلاصة القول فشلت الدول الأوروبية في إدراك خطورة الحرب الأوكرانية بشكل جاد في وقت مبكر وتجاهلت الواقع الجيوسياسي المتحوّل… ومع هذا الفشل اصطدمت الدول الأوروبية بالظاهرة الترمبية الجديدة فدونالد اليوم ليس دونالد الذي عرفه العالم خلال ولايته الأولى في المكتب البيضاوي… فدونالد كشف عن وجه آخر هذه المرّة وجه عنيف ومتهوّر وحاد كله قسوة وإصرار عليها، وجه يعلن ضمنيا ولادة وظهور فاشية أمريكية خاصة، فاشية ظهرت ونمت وكبرت بين الولاية الأولى والثانية لترامب. وهي فاشية نوعية رغم تشابهها مع الفاشية التاريخية. ومع ذلك، توجد صعوبة في تشخيص مثل هذا الأمر بسبب عدم اتساق مواقف ترامب…

من خلال كل هذا أدركت دول القارة العجوز أنه من الضروري ألا تضيع الوقت في محاولة التفاوض مع ترامب أو محاولة تهدئته أو تغييره، لأن هذه المحاولات ستفشل كلها… في الأخير، ماذا يريد حقّا ترامب بنسخته الفاشية، هل يريد جرّ العالم إلى حرب لن يكون طرفا فيها لإضعاف الجميع أم هل سيعمل على توسيع رقعة اليمين المتطرّف في بقية الدول الأوروبية ليكون كبيرها ومنظّرها الأكبر ويكون الجميع من توابعه يدعون له بطول العمر صباحا مساء وفي أيام الاعياد؟… وما حقيقة “الترامبية” وارتباطها بالفاشية… وماذا يريد ترامب من العالم، هل سيضرب الجميع على قفاهم ويبتزهم بدعوى حمايتهم من أعدائهم؟؟… وماذا لو تجاهلت أوروبا ترامب وتهديداته وأعادت بناء قوتها الاقتصادية والعسكرية بعيدا عن تهديداته وابتزازه المفضوح… ثم ماذا لو اقتربت أوروبا من فلاديمير وبيكين واعادت المياه معهما إلى مجاريها…؟؟

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version