هل يعلم ساكن قرطاج أن هذا الشعب يعيش المأساة…وترافقه المعاناة منذ أكثر من عشر سنوات؟ نحن على بيّنة كاملة من أن كل محاولات توفير دعم مالي ممن وعدونا ومن بعض الأصدقاء باء أغلبها بالفشل، وحتى وإن نجح بعضها في توفير بعض الموارد المالية لخزينة الدولة، فإنها لن تكون كافية كما نتمناها لإبعادنا عن حافة الهاوية التي بدأت تلوح من بعيد…
ساكن قرطاج وبعد أن أسمعنا ومنذ مائة يوم ويوم، كل ما احتوته كتب مقاومة الفساد، وكتب التهديد والوعيد، ومصطلحات الويل والثبور والعديد من عظائم الأمور، وبعد أن طرق أبواب جيوب أصدقاء تونس ومن وعدوها بجنات تجري من تحتها الأنفاق…عاد إلى الشعب…كل الشعب…وإلى المواطنين، وغير المواطنين يطرق أبواب جيوبهم أملا في إيجاد ما يُمَكّنه من تعبئة موارد الدولة…أسأل ساكن قرطاج ألم يقل عديد المرّات أن بلادنا غنية ومنهوبة؟ وأن لصوصها بعدد نصوصها…أسأله كيف يريد التعويل على جيوب هذا الشعب الفارغة، والمثقوبة لتعبئة موارد دولة يقول أنها نُهبت ممن لا يَغفل عن ذكرهم يوميا في خطبه وفي جلساته وفي تدخلاته…فهل تحدّث يوما ساكن قرطاج عن التنمية…وعن الاقتصاد…هل جاءنا ببدائل يخرجنا بها مما نحن فيه…هل وضع أسسا لمنوال تنموي جديد يصلح به وضعنا وأوضاعنا…هل وضع استراتيجية إنقاذ وإصلاح لما أفسدته السنوات العجاف؟ لا…لم يفعل شيئا مما ذكرنا …واكتفى فقط بشيطنة كل من كانوا يشاركونه الحكم قبل أن يحيلهم على التقاعد “الإجباري” بحبل دستوري مكّنوه هم منه… دون أن يعلموا أنهم هم من كتب قرار إبعادهم عن الحكم بفصل دستوري كانوا يتباهون به…
ساكن قرطاج لم يتحدّث يوما عن موارد الدولة دون أن يربط وضعها بالفساد … و الفاسدين … ودون أن يحرّك منصات صواريخه في اتجاه خصومه و من عارضوا مشروعه الغامض والمجهول… والمبني للمجهول…ألم يقل عديد المرّات أنه سيكون عادلا في توزيع الثروة؟ فعن أية ثروة يتحدث والبلاد من حملة تسوّل إلى أخرى…وأين هي هذه الثروة التي كثيرا ما سمعناه يتحّدث عنها…فبعد أن نجحنا في الحدّ من تقدّم وباء “الكوفيد” بحملات تسوّل خارجية واسعة النطاق، سنتوجّه قريبا وعبر مرسوم إلى الداخل في حملة تسوّل وطنية قد لا تنتهي قبل إفراغ جيوب كل أفراد الشعب…فهل هذا الشعب المنكوب على بيّنة مما ينتظره؟ هل يعلم أن البلاد ستمرّ إلى مرحلة “عريان يسلب في ميّت”…
هل من المنطق أن نطلب من فقير أن يتبرع ببعير لإنقاذ الدولة، فمن المحتاج وفي حاجة إلى الإنقاذ الدولة أم الفقير الذي لا يمتلك البعير؟ هل من المنطق أن نطلب من محتاج بأن يتبرع ببعض الدجاج لإنقاذ الدولة، فمن المحتاج الدولة أم صاحب الدجاج؟ العقل والمنطق يقولان إنه ليس من المعقول أن نطلب من الشعب ومن المواطنين حسب ما اسماهم ساكن القصر تطهير البلاد من الفاسدين ودولتهم عاجزة عن توفير مستلزمات عيشهم الكريم …ساكن قرطاج لم يع أنه وحده غدا، من سيتحمّل تبعات استحواذه على كل مقاليد الحكم والسلطة…فهو من سيتحمّل تبعات خروج الشعب عليه إن جاع…وهو من سيتحمّل تبعات غضب الشعب منه إن مرض ولم يجد الدواء…وهو من سيتحمّل تبعات انتشار الإجرام والفساد إن لم يجد حلا لتشغيل العاطلين عن العمل بجميع أصنافهم، فهو من وعدهم بالعدل والكرامة والحرية والمساواة، وهو من أوهمهم أيضا أن تونس غنية لكنها منهوبة…
هؤلاء سيطالبونه بنصيبهم بعد أن يخطب فيهم منتصرا بدحره لآخر معاقل وجحافل الفساد والفاسدين…نعم ساكن قرطاج هو من سيتحمّل تبعات ما سيجنيه من 25 جويلية، وتبعات ما سيجنيه من 22 سبتمبر…ولن يقبل أي ممن هم حوله مشاركته تحمّل “عواقب” ما أتاه…جميعهم بالأمس واليوم صفّقوا ويصفقون له طمعا في نصيبهم من كعكة الأحد الموافق لذكرى الجمهورية، لكنهم سيختفون عن الأنظار وسيدفنون رؤوسهم في التراب يوم الحساب…فالشعب إن جاع يحاسب…وإن بكى أطفاله سينتفض…
ساكن قرطاج أوصانا بالتقشّف قبل أن يعلمنا بأنه سيُفرغ جيوبنا من جميع محتوياتها ليضعها في جيب الحكومة لتعيدها إلينا في شكل أجور ومرتبات…فنحن من سيدفع لـــ”نحن” أجورنا…وكأني بمولانا يدرك أن تمويل وتعبئة موارد الدولة لن يترك في جيوبنا ما يمكّننا من العيش الكريم فأوصانا بالتقشّف…أي نعم…علينا بالتقشّف فمنافعه أكثر من تبعاته… فهو سيساعدنا على مقاومة السمنة…وأمراضها…وسيساعدنا على التخفيض من نسبة الكوليسترول في دمائنا…فقط علينا أن لا نأكل اللحم لسنة أو يزيد حسب مخطّط مولانا وما يريد…كما علينا أن نمتنع عن شرب القهوة فالقهوة في توترنا تزيد…وهذا ما لا لمولانا يفيد…وعلينا ونزولا عند رغبة مولانا أن نقتصد في شرب الماء …كيف لا والعالم يعيش الجفاف…فليشرب مولانا والقائمين على شؤون دولتنا ليعيشوا هم دون أمراض الكلى…فهم أولى بالعيش منّا…
كما علينا أن لا نأخذ الحافلة أو سيارات الأجرة حين نتنقل إلى مواقع عملنا، فلنقتصد في المحروقات ولنكتفي بالهرولة…وقد يقوم بعضنا بتأسيس شركة نقل من الأحمرة ويكون الركوب حسب حجم البردعة، والبردعة التي ستجلس على البردعة…ألم يقل الله عزّ وجلّ في سورة النحل ” وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ”…فالخيل ستكون للمسؤولين فهم أولى بها ولن تكون في حاجة إلى وصولات بنزين…والبغال لمن هم دونهم ورؤساء مكاتبهم…والحمير لبقية الموظفين…والعملة البسطاء يركبون أرجلهم، أو يركبون ظهر الحمار خارج حساب البردعة…فلا غرابة إن شاهدتم وأنتم تركبون أرجلكم أمام إحدى الوزارات “سيارة” الوزير بأربعة أرجل مربوطة بجذع شجرة… تتظلّل تحتها وتأكل بعض التبن والشعير، وعلى يسارها بغلة كاتبه الخاص وهي تنتظر بعض فتات التبن من “سيارة” الوزير عفوا من حصان الوزير…هذا مصيرنا في ظلّ حكم مولانا…وهكذا كان يعيش “سلفنا الصالح”…قبل أن يحكمنا “سلفنا الطالح” خلال العشر العجاف…