جور نار

هل من “تدابير استثنائية” … ضد الابتزاز الفرنسي؟

نشرت

في

لا أدري لماذا كلما أردت الكتابة عن علاقتنا الملتبسة بفرنسا أتردد قليلا … و مبعث التردد أن بيننا فئة مّا، يعتبر فيها الحديث بالسلب عن تلك الدولة خطّ نار لا خطّا أحمر فحسب … نعم … فينا أناس بالجنسية التونسية و الملامح التونسية (سمرة تميل أحينا إلى الزُرقة) و معدّل القامة التونسية (تحت 1.75 م) و حتى كلامهم بلغة فولتير يغلب عليه النطق التونسي و المغاربي الذي يتندّر به أحيانا فكاهيو الضفة الشمالية للبحر المتوسط …

<strong>عبد القادر المقري<strong>

فينا أناس من هذا الجنس، يرفعون الموضوع إلى درجة القداسة … و قد يصِمونك بالرجعية حتى لو كنت من حمَلة الفكر التنويري، و يحسبونك على اليمين الديني حتى لو كنت مقتنعا بالاشتراكية العلمية، و ينعتونك بالجهل حتى لو كنت قادرا على تدريسهم اللغة التي يعبدونها و يعبدون عاصمتها … هل يمكنك ذمّ الفاتيكان أمام كاثوليكي؟ هل يمكنك هجاء النجمة السداسية أمام عبريّ؟ هل يمكنك نقد الحرمين الشريفين أمام مسلم؟ هل يمكنك هشّ بقرة أمام هندوسي؟ هل يمكنك قول الصراحة أمام متعصّب لأحد أنديتنا الرياضية؟ … لا، لا يمكنك و انْس خرافة التسامح و حرية التعبير … بنفس المقياس، تعرض نفسك للخطر و أنت تتساءل عن جدوى علاقتنا بفرنسا، و يكون قبالتك أحد التونسيين المومأ إليهم أعلاه …

يا ربّاه … البارحة فقط أصدرت الدولة الفرنسية قرارا بالتضييق على تأشيرات الدخول إليها إذا تعلق الأمر بمواطنين من ثلاثة بلدان فقط من دون مائتين… و البلدان الواقع عليها هذا القرار هي تونس و الجزائر و المغرب … ما السبب يا ترى؟ التعليل الذي قدمته خارجية فرنسا هو “رفض هذه البلدان قبول مواطنين يحملون جنسياتها ترغب باريس في ترحيلهم” … و “المواطنون” المقصودون ليسوا سوى جموع الإرهابيين الذين صدّرتهم فرنسا إلى المحرقة السورية لإسقاط الدولة السورية… و عندما فشل الدواعش في هذه الغاية و هرب الناجون منهم من هناك، كان لا بدّ لفرنسا و أخواتها من إبعادهم عنها بشتى السبل.. ففتشت في أصولهم القديمة و طلبت من دولنا استقبال هؤلاء نفاية أخرى من النفايات الخطرة التي تعافها أرض أوروبا اليوم …

شخصيا لا تهمّني فرنسا و لا تأشيراتها و لا أرى فيها الجنة الموعودة التي تسكن مواطنينا مثل الجنّ … و لكن وقاحة الابتزاز تجعلك تعود إلى تساؤلات أصليّة … ماذا يعني لنا الدخول إلى أراضي فرنسا من عدمه؟ بماذا استفدنا من علاقتنا بتلك البلاد؟ ما هذا القدر المحتوم الذي يجبرنا على تفضيلها على جميع بلاد العالم؟ كيف نقاطع كل اللغات المتحضرة و نتشبث كالمرضى بلغتها التي لا يفهمها تقريبا أحد في القارات الخمس؟ لماذا في مدارسنا نبجّل تلك اللغة على لغتنا الوطنية حجما و ضوارب و أداة تعليم؟ لماذا نضعها ـ و من بعيد ـ قبل لغة شكسبير و هي مفتاح التخاطب مع الدنيا كلها بما في ذلك أجوار فرنسا؟  بأية صفة تتحكم تلك الدولة في كل حركة نتحركها بينما جهازنا الرسمي يردد أننا مستقلّون عنها و عن غيرها؟ ما معنى “علاقات تاريخية” كلما جاءت سيرة تلك الدولة على لسان مسؤولينا قبل مسؤوليهم؟ هل قرن إلا ربع من الاحتلال و النهب و الإبادة يسمى علاقات تاريخية؟ هل يمكن لعلاقة اغتصاب و مفاحشة بأن تكون مدعاة فخر تاريخي لنا؟

من المفروض أن لا تسكت دولتنا عن هذا الاستفزاز الذي طال أمده و جاوز مداه … بالتنسيق مع أجوارنا لو أرادوا أو دون ذلك، لا يمكن أن نبقى على الدوام فريسة خوف لا مبرر له و لا فائدة منه … و لا أظن أن بلدا خارجا من دمار كامل مثل دمار رواندا، بأشجع منا و نحن الذين في كل عشر سنوات نقلب الدنيا على ما أقل من ذلك و نحكي عن ثورة … رواندا نظرت بواقعية جديدة إلى ما حدث لها و ما ينتظرها، و خيّرت مصلحتها الوطنية على أوهام أو مصالح بعض أفرادها و نقلت بندقيتها من كتف إلى كتف … غيّرت لغتها الأجنبية الأولى، نوّعت من مبادلاتها التجارية بدل الانغلاق في شريك واحد … أما نحن، فيمكن أن نبدأ جوابنا بإلغاء هذه الفضيحة التي سنستقبلها ببلادنا في نوفمبر القادم … القمة الفرنكوفونية، أو قمة الخاضعين لدولة لا تحترمهم إطلاقا …

اللهمّ إلا إذا كان ساستنا و حكّامنا جميعهم، طابورا خامسا في خدمة الأجنبي و تحت أضراسه … مهما كانت أجيالهم و تعددت شعاراتهم …

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version