جور نار
ورقات يتيم … الورقة رقم 19
نشرت
قبل 8 أشهرفي
… وجاءت الرابعة آداب او كما يلقبها سي احمد الزغل مدير “معهد الحيّ” الرابعة عذاب، لانّنا اتعبنا العديد من الاساتذة والقيّمين … وربّما ما كان يشفع لنا انه بقدر عفرتتنا بقدر تميّزنا …
توجّهي الى شعبة الآداب كان اختيارا وامنية نعم بالنسبة لي… ولكنّه كان ايضا الامكانية الوحيدة، فانا كنت في تعلّمي “كرارطي” … عبارة كم اجدها جميلة ومعبرة اي نكركر والقسم على الله من الكرّيطة في المعدل العام تكركير … فمعدلاتي في المواد العلمية وخاصة الرياضيات لا تتجاوز الخمسة على عشرين .. ومعدلاتي في المواد (متاع التمحريث) التاريخ والجغرافيا والتربية الدينية والمدنية، فوق المتوسط بقليل ..اما في الفرنسية “ما قال حد لحد” منذ داودي مسيو دوميناتي عام السيزيام ..ماذا بقي ..؟؟ العربية وكنت متميزا فيها كذلك الانكليزية ومواد الترفيه …الرياضة والموسيقى … و حتى الرسم وكما تعرفون كنت “شلاكة” ومن النوع البلاستيكي … اذن اين المفر ..؟؟
شعبة الرياضيات امامكم وشعبة العلوم وراءكم وحتى شعبة ترشيح المعلمين اعتبرها نوعا من “المحقرانية” وانا الطموح الى هيمالايا في احلامي .. ثم جانب الولع بالادب والشعر والاغنية والمسرح والموسيقى والجنون والهبال لا مكان له خارج شعبة الاداب … كنّا نحن تلاميذ شعبة الاداب نسخر جدا من جماعة شعبة الرياضيات خاصة وننعت شعبتهم بـ “علوم البهائم” … وكنا نتفنن في التهكم على اختياراتهم ونكتب لهم معارضات شعرية من نوع “قل لمن يدّعي في المات فلسفة وجدت ايكسا وغابت عنك ايغراكو… { x y …المات هي الرياضيات } كنّا نعتبر انفسنا اسياد القوم دون منازع …البقية كانوا في جلّهم “محارث خدمة” بينما نحن الفن والوعي والجمال …وهذا يعني في سنّنا تلك وفي الحقيقة الهرج والمرج والعفرتة ..كنا اكثر التلاميذ شيطنة قرابة الاربعين تلميذا لا يمكن وصفهم الا _مقطّرين ……من …….الكلاب …(خاطيني ذلك هو ما يقال عنا)…
انذاك بمعهد الحي كان لكل شعبة قسم واحد يجمع تلاميذها اذن لا وجود لاداب واحد واداب 2 وكذلك بالنسبة للشعب الاخرى … وشعبة الاداب انذاك هي طليعة الشعب في عديد الانشطة المدرسية، وحتى في النشاطات غير المدرسية بتاتا … في بداية تلك السنة تغيّرت كثيرا نوعية الاساتذة ..ومنذ تلك السنة بدأنا نحن تلاميذ الاداب خاصة ندخل نقلة نوعية في فكرنا وسلوكنا ووعينا ..فعلاوة على اهمية المحاور التي ندرسها في كل المواد والتي ستعدّنا للسنة المقبلة لتجاوز الجزء الاول من البكالوريا… حيث كانت الباكالوريا في ذلك الزمن نمتحن فيها على جزأين جزء اول سنة خامسة والجزء الثاني سنة سادسة … علاوة على ذلك كنّا محظوظين جدّا جدا جدّا …. لا مقارنة بالشعب الاخرى في معهد الحيّ فقط بل مقارنة بكل المعاهد الاخرى بصفاقس وهي اربعة: الحي ّ الليسيه، هادي شاكر، التكنيك 9 افريل و”ليسيه دي جون في” معهد الفتيات المحاذي للبلدية الكبرى الان…
كنّا نتميّز بظاهرة كانت موجودة فقط في الحيّ: الاساتذة المسيّسين جدا، ومن فصائل مختلفة ..الدستوري وهل يخفى الخروع ؟؟ مع احترامي للشرفاء منهم ولكن اعني بالخروع “القوّادة” القذرون، لان القوّادة العاديين موجودون في كل الاحزاب منذ معركة الاحزاب …بل ووجودهم طبيعي ويجب ان يكون لانه لم يخلق لحد الان نظام دون شرطة رسمية وشرطة سريّة ..والقوّادة القذرون هم من يبيعوا الاب ..الام ..الاخ ..الشرف ..من اجل حفنة من المال او من الجاه …وهؤلاء ايضا موجودون وتزايد عددهم بعد نكسة 14 جانفي …
اعود لفصائل اساتذتنا انذاك حيث كان فيهم اليوسفيون ..القوميون ..الناصريون ..البعثيون ..جل اساتذة المواد الرئيسية (عربية تاريخ جفرافيا فلسفة في مرحلة لاحقة) هم خريجو دراسات جامعية بسوريا والعراق خاصة …لذلك كانوا ومنذ السنة الرابعة آداب يبثون فينا الوعي بواقعنا التونسي وبالواقع العربي عموما …وتخيلوا (كريّم واترابه) ينصتون الى هذه النغمات الجديدة في دراستنا وهم مزبهلّون بمعارف سياسية جديدة … تخيّلوا الان ونحن نلتقي في ساحة المدرسة وفي استراحة العاشرة صباحا او الرابعة ظهرا كيف ننظر الى رعاع القوم في الشعب الاخرى ..كان الواحد منا يلبس جلباب عبد الناصر (روح الامة العربية) كما تقول احدى الاغاني المصرية … فيتصدّر الحلقات وبالكاد يحفظ بعض المقولات للريّس وبعض المواقف ليبرز عضلاته …
منذ السنة الرابعة آداب بدأنا عملية التماهي مع كل من هو نجم في ميدانه ..ففي الفن مثلا كنت كثيرا ما اقف امام المرآة لاردد اغاني العندليب خاصة.. وفي المسرح كنت اتماهى مع حسين رياض رغم فارق السن بيننا… وفي العشق والغرام كنت اتماهى مع ابطال احسان عبدالقدوس خاصة ….فكنت اكتب قصصا وهمية لحكايات غرام لم اعشها ابدا ..وكنت اتفنن في تصوير كريّم العاشق الولهان، ولكن المعذّب دوما .. ولست ادري لماذا اقرن كل قصصي بالنهايات غير السعيدة على عكس الافلام المصرية … وحتى تلك الافلام المصرية لم تعد تقنعني ربما لاني اكتشفت سذاجتها وتشابه قصصها ..بداية حب ..صدّ من الحبيب ..ثم نهاية سعيدة …لذلك بدأت اتحوّل الى باحث عن الوان سينمائية اخرى …انذاك اكتشفت افلام القوة والبطولة الجسدية (هركيل وماسيست)…
هل هو تعويض للجانب الجسدي (اللي على قدّو) في عبدالكريم ؟؟ هل هو التماهي مع البطل الذي لا يهزم ؟؟ هل هو بحث عن اثراء العالم السمعي البصري ..؟؟؟ ربما هي تلك الاسباب مجتمعة مع بعضها البعض..وكنا انذاك نتفنن في تغيير اسماء الممثلين النجوم فنقول عن “ستيف ريفز” سطا فريفش… ونقول عن “ايدي كونستاتين” هادي قسمطيني… ونقول عن “جيوليانو جيمّا” جيلاني بوجمعة ….تقولون سخافات ..؟؟ ومن قال اننا لم نكن سخيفين ايضا …؟؟؟
في بداية السنة الرابعة آداب بدأت اولى مصائبي مع الاداب العربية ..كان انذاك مدرّسنا الاستاذ محسن الحبيّب في اول سنة له بمعهد الحيّ ..استاذ شاب ومتميّز جدا وندين له جميعا بأنه واحد ممن اثروا فينا ايما تاثير في المرحلة الثانية من التعليم الثانوي ..كان على درجة كبيرة من الكفاءة من جهة وكان صديقنا جميعا اي “بحبوح” بالحاء وليس بالجيم …وكان الفرض الاول لاختبارنا جميعا وجاء يوم اعادة الفروض بعد اصلاحها … وصل الى اسمي وقال… 6 على عشرين …ولانه كان شديد الملاحظة انتبه الى اترابي بالقسم وهم ينظرون اليّ بدهشة … عبدالكريم ….6 على عشرين ..؟؟؟ كانت الصدمة انذاك بالنسبة لي موجعة … انا 6 على عشرين ؟؟ هذا تخربيش كرامة … وغبت تماما عن بقية الدرس …اصبت يومها بصمم لا مثيل له … تماما كذلك الذي ينزل فجأة في اعماق بئر من الغيبوبة فلا يسمع شيئا على الاطلاق …الاصوات تتحوّل الى ازيز …
كانت المشاعر مختلطة ..كنت اتصوّر بعض اترابي القادمين من فصول اخرى يتهامسون سخرية: “موش هذا عبدالكريم اللي ضاربو في روحو وبتباهى بأنو ما كيفوش في العربية ؟؟؟” …كنت اتصوّر الم وخيبة البعض من زملائي ممن عاصرونى في القاعة رقم 6 من الاولى حتى الثالثة ثانوي وعبدالكريم قائدهم في مادة العربية… يشبه تماما ذلك الطاهر بن حسن البطل التونسي في الملاكمة والذي تحلّق حوله التونسيون وطاهر نا يتبارى مع غاني اسمه بوازون (سمّ عافاكم الله) على بطولة افريقيا وما ان بدأت الجولة الاولى في ثوانيها حتى سقط الطاهر بضربة قوية من ايدي بوازون السامة ..والمعلّق التونسي ابراهيم المحواشي رحمه الله يستجدي الطاهر ويقول يا طاهر قوم ..يا طاهر في طولك ..يا طاهر في عرضك ..يا طاهر ما تخليناش ضحكة قدام اللي يسوى واللي ما يسواش ..ولكنها كانت القاضية …
وعشت حالة فقدان الوعي بكل ما يدور حولي انذاك ..رغم اني لم افقد الوعي ..ورنّ جرس الحيّ المزعج جدا وكانه صافرة الدعوة الى الالتجاء في المخابئ بفعل غارة قد تحدث …وهذا الجرس الغبي لم يفهم ان الغارة حدثت وسقطت شهيدا لها بصاروخ جو ارض عيار 6 على عشرين ..رن الجرس اذن معلنا انتهاء ساعة سي محسن الحبيّب وهممت بالخروج وبلعن الساعة التي عرفت فيها محسن الحبيّب ..الا انه فاجأني بقوله ..عبدالكريم ما تخرجش …عندي ما نحكي معاك …انصعت على مضض ولولا طاقة الصّبر التي عمّرتني طوال عمري لكنت “سبّيت قراقر جدّ والدين بو محسن الحبيّب والعربيّة والعالم بكلوّ” { اما ما ياخذكمش الهلس تبقبيق وبرّة …لست سبابا مطلقا وانا لحد الان قضّيت مع زوجتي وابنائي 36 سنة ولم اتفوه يوما بسبّة واحدة او بكلمة بذيئة، وهذه الاخيرة كانت بيني وبين اصدقائي زادنا اليومي في عمر ما .. وفي زمن ما . وبكل تفنّن واتقان}…
انزوى بي سي محسن الحبيّب اطال الله عمره وقال: شوف يا ولدي انا نعرف راهو انك كنت الاول في العربية مانيش راقد على اوذاني شفت نتايجكم الكل في السنة الماضية …اما توة راك في مرحلة جديدة متاع كتابة ..يلزمك تفهم انو كتابتك يلزمها تبعد عن الجانب الوصفي وتولّي كتابة تحليلية نقدية وانا عندي ثقة فيك وناكدلك من هنا لاخر السنة توصل تاخذ 12 على عشرين .. …نعم 12 على عشرين، وهو على فكرة افضل عدد انذاك لتلميذ متميّز عند سي محسن الحبيّب … في حياة الواحد منّا اوسمة لا نعرف مكنونها الا بعد مرور سنوات العمر …ذات يوم وبعد ان انتهيت من عملي امام مصدح حبيبتي اذاعة صفاقس (رغم انف من يحبّ ولا يحبّ) اعلمني زميلي المكلّف بالاستقبال في مدخل الاذاعة ان شخصا ما يريد مقابلتي ..خرجت ….فاذا بي امام جبل الاساتذة في الاداب العربية …سي محسن الحبيّب…
كنت انذاك احمل سيجارتي بين يديّ ودون ادنى شعور منّي رميتها وكأنني اتخلّص من اداة جريمة … احشم يا عبدالكريم تتكيّف قدّام استاذك ؟؟؟ وشكونو؟؟؟ سي محسن بكلّو … رغم انّي لم اشاهد استاذا يدخّن كما سي محسن كمّا ونوعا ..هو يلتهم السيجارة التهاما ويشعلها من اختها .. نظر اليّ سي محسن وقال ..اتكيّف يا ولدي توّة انا ما نعرفكش تتكيّف من وقت الرابعة ثانوي؟ …اما بوك محسن راهو بطّلو ان شاء الله تبطّلو كيفي … قلت له: اه اه ..ما يصيرش..العين ما تعلاش على الحاجب .._ثم وبعناق لم يخل من الطبطبة سلمت عليه بحرارة وقلت …حاجتك بحاجة سي محسن ؟؟؟ اجاب حاجتي بيك ..تفضّل سي محسن على عيني وراسي ….اخرج من محفظته كتابا وقال هذا هديتي اليك ..انت فخر لي .. وللحيّ …
ياااااااااااااااااااااااااااااااااه في حياتنا قد نمرض قد نعتلّ قد نشقى …قد نفتقد البعض من اكسيجيننا ولكن مجرّد حركة قد تكون كلمة قد تكون صورة، قد تكون عذوبة العذاب تحلّق بنا في عالم سحري فتحولنا بين لحظة واخرى.. بين ساعة واخرى …بين يوم وليلة ….من النقيض الى النقيض من الضياع الى وجود الوجود ….فمابالكم بكتاب يؤلفه سي محسن الحبيّب الاستاذ المميّز فوق العادة بحق (موش بترضيات سياسوية) ويهديه لتلميذه الذي صفعه يوما بستة على عشرين، ليعود به في نهاية السنة الى موقعه الحقيقي 12 على عشرين ثم ماذا لو علمتم بفحوى كتابه يااااااااااااااااااااااااه ازّاي ازّاي اوصف لكم حبّي وسعادتي ازّاي … …
ـ يتبع ـ
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.
يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.
الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.
طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.
وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.
صن نار
- ثقافياقبل 9 ساعات
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 10 ساعات
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل 20 ساعة
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يوم واحد
الصوت المضيء
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 3 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 3 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟