جور نار
ورقات يتيم … الورقة 49
نشرت
قبل 5 أشهرفي
عبد الكريم قطاطة:
في حياة الواحد منّا ما يُسمّى باللحظة الفارقة ..وقتها لن يرحمك الزمن ولن يمكّنك من بونيس الانتظار… وقتها يجب ان تكون ..
كان جميع الزملاء التونسين متحلّقين حولي بعضهم برغبة جامحة في معرفة قراري وبعضهم بشفقة على هبلة من هبلاتي… اذ كيف لواحد مثلي يفرّط في مرتب شهري يتقاضاه من مؤسسته على امتداد سنتين ويُوضع مباشرة في دفتر ادّخاره البنكي دون المساس منه ولو بـ”دانقي” واحد، من جهة …ثم هو ايضا يتمتّع بمنحة جامعية من المعهد 130 د شهريا، علاوة على ما تجود به بعض الاعمال الاضافية كمركّب افلام في شركة خاصّة … و”الجود” الاضافي هذا مرموق جدا… من هذه الزاوية ترك كل هذه المغريات المادية تدخل حتما في خانة سوء التقدير للاقدار التي حبتني بهذه الفرص ..وهذا منطقي ومعقول ومهبول من يعمل ضد هذا التيار ..
لكن يا جماعة يا جماعة*…
… في تلك اللحظة الفارقة التي سآخذ فيها قراري حول مواصلة دراستي او اجراء المناظرة والعودة الى بلدي صفر اليدين من المنح والمرتب والعلاوات الخاصة، ارتسمت على شاشة فكري لوحتان اولاهما تعليق كتبته يوما على احدى صوري وانا ادرس بمركز تكوين الاطارات التابع للتلفزة التونسية: (لابد ان اصل يوما الى هيمالايا)… وارتأيت يوم اتمام الدراسة والولوج الى دنيا المهنة اني مازلت في حدود الشعانبي**…
..اللوحة الثانية والتي تابعتني طيلة حياتي، وعدي لعيادة بان اكون لها “راجل وسيدي الرجال” وانا ااهديها كل براهين الدنيا على انّ ولدها لن يخيّب آمالها فيه …انتفضت من مكاني بين زملائي دون الاعلان عن اي قرار وتوجّهت مباشرة وتوّا ..توّا..الى مكتب مدير المعهد ..اندهش من مجيئي وبادرني بالقول ..اهلا ..يبدو انك اخذت قرارك ..انا امهلتك اسبوعا فاذا بك تاتيني بعد نصف ساعة …قلت له نعم . لا فائدة في تأخير قرارا اليوم الى الغد… ساُنهي علاقتي بالدراسة في المستوى الثاني وانا مستعد لاجراء مناظرة المستوى الثالث والعودة الى بلدي في انتظارالنتيجة … صمت قليلا وقال: “انا فخور بقرارك ..لانه قرار شجاع ..الاسبوع المقبل سامكّنك من اجراء المناظرة وفي نهايته ستعود الى بلدك ..انه قانون اللعبة يا ابني” …
في الحقيقة انا ايضا كنت سعيدا جدا وفخورا بالقرار ..لم اكن يوما مثاليا في مثل هذه المواقف ولكن كنت دوما اعطي للجانب المادّي في حياتي الدرجة العاشرة من اهتماماتي …ولهذا يقول عنّي العديد ممّن يعرفونني وهم محقّون في ذلك (هاكة علاش قعدت طول عمرك منتّف)… في قراري كان كلّ همّي مزيد العلم والمعرفة حتى أقترب من هيمالايا … قلت اقترب ولم اقل اصل لأن الوصول الى هيمالايا فقط والاكتفاء بها كآخر محطّة من الطموح، هو يعني عندي الموت … حياة الانسان بالنسبة لي قطار لا يعرف التوقف الا عندما يشاء الله ذلك ..لذلك وبعد سنوات من العمر ضحكت من نفسي وانا اعتبر هيمالايا هي المحطة الاخيرة والهدف الاقصى ..بعد سنوات من عمري اصبحت اؤمن بان هيمالايا لا تساوي شيئا امام حدود السماء… نعم يجب ان نرسم يوما ما هدفا في الطموح نسمّيه حدود السماء والتي ننظر من موقعها الى كل العالم ليبدو لنا هيمالايا نقطة صغيرة جدا… ولنكتشف ان الحلم لم يكن كبيرا وهائلا كما رسمناه… وحتى عندما نحقق الوصول الى حدود السماء، علينا ان نتجاوز ذلك الى ما بعد حدود السماء …
الحياة بحلوها ومرّها علمتني ان لا حدود للطموح، تجسيدا لـ”لو تعلقت همة المرء بما وراء العرش لناله”… لكن المأساة في العديدين منّا انهم يطمحون ويعملون ويسعون الى العرش القذر ..سواء بافتكاك مكان الرب ليفتوا ويستفتوا ويمنحوا صكوك الجنة للغلابة البسطاء ..دون ان يفهموا انهم بفعلهم ذلك يشركون بالله الواحد الاحد ..اذ انه لا يزكّي الا الله …او اولئك الذين يسعون الى عرش الحكم اما سياسيا او ماديا… رغم انّ العلاقة بينهما قائمة على اقتسام عرش السلطة بما معناه (غمّض عينيك عليّ نغمّض عينيّ عليك… ناقف معاك وانت اوقف معايا … وتعرّي عليّ الستر نعرّي عليك الستر)… هل فهمتم ان المصالحة التي يُحكى عنها كذبة؟؟ هي فقط للاستهلاك ..هي فقط حربوشة . احيانا لتلهية عن امر ما وقع او سيقع …واحيانا للابتزاز السياسي كلما قرُب موعد انتخابي …اقول هذا لماذا ..؟؟.لان المصالحة وقعت من زمااااااااااااااااااااااان بين شياطين المال وشياطين السياسة وهذا هو المعنى الحقيقي للتوافق …
يوم اتخاذ قراري لم تكن المعادلة صعبة الحل عندي .. في الكفّة الاولى كان هناك الجانب المادي المهم جدا كمّا ..ثم كان هناك ايضا امكانية الفشل في مناظرة المستوى الثالث وهو امر وارد ..وفي الكفّة الثانية كان هناك وجه عيادة يوم توديعي بمطار تونس قرطاج بتجاعيده الرقيقة وبعينين كم هما الجمال والرهبة ..كم هما الخوف من مجهول مّا لولدها في بلاد الغربة والخوف من بنت الرومية ..وكم هما التوق الذي لا حدود له حتى يعود اليها ولدها سيد الرجال كما وعدها ..وهل هنالك كفّة اخرى تستطيع ان تغلب هذه الكفة؟ ..عندما انتفضت واسرعت لمقابلة مدير المعهد لاعلمه بقراري الذي لا رجعة فيه ما كان وقتها بشر في الدنيا قادر على اثنائي في قراري ..والله لو وضعوا الشمس والقمر وكل الكواكب في يدي لما عدلت عن قراري …وهكذا كنت طيلة حياتي ومازلت لن يردعني اي كان في اتخاذ قراراتي ..قد اخطئ واعتذر ولكن ابدا ان اندم ..لأني اتعلم ايضا من اخطائي ..وحده الذي لا يقرّر هو الذي لا يخطئ …
عدت الى زملائي لاعلمهم ايضا… نظروا اليّ دون اي بوح ..قرات في اعين بعضهم “ملاّ طلعة … يسلّم في النعيم ويمشي للجحيم”…وفي اعين بعضهم “هاكا ماهو يحب روحو موش كيف لخرين …توة يندم ويرجع ياكل في صوابعو” … هذه الفئة لم تفهم يوما انك عندما ترضى بان تكون كالآخرين فمعنى ذلك ان تكون دجاج حاكم… فمتى ينتفض الواحد منّا على ذاته كي يخلع عنه ريش دجاج الحاكم ويكون مختلفا لا متخلّفا ؟؟؟ .. صنف آخر في تعامله مع قراري .. اللامبلاة …اي “يدبّر راسو يخخي هو صغيّر اش دخّلني في امورو؟”…كنت وقتها اقول لهم بنظراتي فقط ..عندكم حق اللي ما يدريها يقول سبول …
في نهاية الاسبوع دُعيت لاجراء المناظرة وبشكل استثنائي ..هكذا قررت الادارة ..مناظرة استعجالية ثم عودة سريعة بعدها الى تونس … نوع من انواع الترحيل … ولانني قبلت بقوانين اللعبة اجريت المناظرة وبدأت الاستعداد بعد يومين منها للرحيل ..كان عليّ ان اتصل يوم الاثنين صباحا لارتّب اموري مع المركز الفرنسي للطلبة الافريقين و المكلف بكل شؤون وجودنا على التراب الفرنسي …كان عليّ ان اسلّم بطاقة اقامتي وان يمكّنوني من تذكرة طائرة العودة لتونس …
كانت الساعة تشير الى التاسعة صباحا عندما وصلت ..وكالعادة وبكل بشاشة الموظّفين الواعين بدورهم استقبلتني احداهن ..اعلمتها بموضوعي… تسلمت منّي بطاقة الاقامة ورجتني ان انتظر قليلا لترتيب اموري ….وانتظرت .. وطال انتظاري ..وقتها همهمت (اشنوة حتى في فرانسا يخلليونا نستناو ساعة زادة؟)… وفعلا انتظرت ساعة كاملة ..حتى تخرج اليّ الموظّفة بابتسامة صادقة وتقول ..اعرف جيّدا اني اثقلت عليك بالانتظار ولكن كل ما ارجوه ان تعذرني عندما تكتشف اسباب ذلك …دعتني الى داخل مكتبها ودعتني للجلوس قبالتها …اخذت مكانها على كرسيها الفاخر وبدات:
السيد عبدالكريم كنت ابحث مع المسؤولين في معهدك عن سبب رحيلك الى تونس وانت لم تُكمل” دراستك ..وابلغوني بكل ما حدث لك …وانا بقدر ما انا متفهمة لموقفك بل واقدّره بقدر ما عليّ اعلامك بالاتي: صلاحياتنا في هذا المركز لا تمكنك من التمتع بتذكرة العودة …لانك بالنسبة لنا انت طالب انقطع عن دراسته وعليه ان يتحمّل مسؤولياته ..نحن نمكّن الطلبة فقط عند اتمام دراستهم من تذكرة العودة ..وفي هذه الحالة انت لست منهم … الا انني وباجتهاد شخصي تحادثت مع نظرائي في المركز وفي المعهد في نفس الوقت… وحاولت ان اجد لك مخرجا من هذه الورطة ..وانت تستحق منّا جميعا هذا الاجتهاد …وعرفت بوسائلي وارجوك عدم توريطي وانا كلّي ثقة فيك، انك نجحت في مناظرة المستوى الثالث .. لذلك اعتبرنا في المركز انك أنهيت المستوى الثاني ومن حقك ان تتمتع بتذكرة طائرة لعودتك ..اهنئك وارجو ان يبقى امر نجاحك في صدرك لان النتائج ستعلن رسميا بعد ثلاثة اشهر من الان… وعودة ميمونة الى بلدك الجميل تونس …ونراك قريبا بيننا” …
ياااااااااااه يادي النعيم اللي انت فيه يا قلبي ….كيف يمكن لي ان اصف من انا ؟؟ اين انا..؟؟
اوووووووووووووووووف كم هي مستبدة وظالمة تلك اللغة التي تتمنّع دلالا وغنجا لتقسو عليك فلا تمنحنا ابجدية جديدة لنصف بها من نحن اين نحن … نعم في بعض حالاتنا فرحا او الما نحتاج الى ابجدية جديدة ..تصبح فيها جميع لغات العالم عاقرا او هي ان اعطتك البعض من احرفها فهي تافهة وسقيمة …نجاح في المناظرة خطوة اخرى نحو هيمالايا …عودة الى تونسي الحبيبة و الى …عيادة الاحب ….يا دي النعيم اللي انت فيه يا قلبي …
ـ يتبع ـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
*انا سبقت ذلك الاعلامي السوري في اتجاهه المعاكس والذي هو في الحقيقة “معاكس” باتم معنى الكلمة… لانه اتجاه مسبوق الدفع من مؤجّريه حتى يخدم اجندتهم كما يريدون… وما هو في الحقيقة الا بيدق رخيص لا ذمة له ولا موقف ولا ضمير رغم كل ما يبذله من تمثيل … وهو يجيد ذلك ليظهر بمظهر الاعلامي الفذ الذي يبحث عن الحقيقة كل الحقيقة دون تحيّز ..الا ان حقيقة ذلك الفيصل اكدت للعاقل منّا انه لم يكن يوما لا فيصلا يفصل بين الحق والباطل… ولا قاسما يقسم حرفته الاعلامية بعدل على ضيوفه…
**يوم كان الشعانبي شعانبي وقبل ان يتحول الى زريبة ذئاب تقوم بانشطة رياضية لازالة الكوليستيرول..، حسب رواية بعضهم وربي يفتقهم من بعضهم على بعضهم..، واذا بها تزرع كل الاورام في جسد تونس او هكذا توهموا ..ولم يعرفوا يوما ان تونس عصيّة عليهم وعلى جنرالاتهم الذين لهم خارطة طريق واضحة انتقاميّة ومخرّبة، عملت ومازالت تعمل في الخفاء .. قطّع الله اوصالهم!
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.
يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.
الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.
طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.
وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.
صن نار
- ثقافياقبل 7 ساعات
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 7 ساعات
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل 18 ساعة
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يوم واحد
الصوت المضيء
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 3 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 3 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟