جور نار
ورقات يتيم … الورقة 72
نشرت
قبل 3 أشهرفي
عبد الكريم قطاطة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
…وعاد الكوكتيل !
كانت فرحة المستمعين عارمة وكان صدى عودته صحفيا كبيرة… ولم تدم عودته بالصيغة المسجّلة طويلا ….بضعة اسابيع وعاد الى شكله المباشر …
الاّ انّ الملأ لم يُلق السلاح بل تجاوز المقصورات الخفيّة ليتحوّل الى المصدح في بعض البرامج بالهمز واللمز … لم اردّ وقتها على مثل تلك الاستفزازات لكن مرة اخرى تكفّلت بذلك بعض الاقلام في الصحافة المكتوبة… وهنا وللامانة والله شاهد على ما اقول لم اطلب يوما وفي كل حياتي المهنية ان يكتب عنّي ايّ زميل لا دفاعا ولا مدحا … رغم انّ مثل هذه الاشياء كانت ومازالت متواترة بكثرة في علاقة الاذاعيين او الفنانين بالاقلام المأجورة (مسّني ونمسّك)…
من جملة ما كُتب انذاك عن استفزاز بعض الزملاء بعد عودة الكوكتيل هذا المقال الصادر بجريدة الاعلان وبتاريخ 22 جويلية 1983 وتحت عنوان (لا تجرحوا كرامة عبدالكريم قطاطة)… يقول صاحب المقال: (بعد عودة برنامج من البريد الى الاثير إثر زوبعة لعبت فيها عدة اياد خفية غير نظيفة، وبعد طيّ صفحة الماضي واستبشار المستمعين بهذه المبادرة الجديرة بالتنويه والتي قامت بها الادارة الحالية لاذاعة صفاقس ونخصّ بالذكر السيد التيجاني مقني مديرها، يبدو انّ الايادي التي ابعدت المنشط الممتاز عبدالكريم قطاطة عن العمل الاذاعي عادت من جديد لتُسمّم الاجواء امام الميكروفون وتكيل له شتّى انواع الثلب والشتم والاهانة وذلك باحدى حصص مطلع جويلية … ونحن نعجب من هذا الموقف المُخزي والذي يتنافى وابسط قواعد الزمالة .. وعلى ايّة حال انّ حكم الجمهور وحده كاف للتعبير عن مدى تعلّق المستمعين بهذا المنشّط الذي سحر الالباب… وقد بلغ الى علمنا انّ رسائل استنكار عديدة وصلت الادارة للتعبير عن استيائها من هذه الاعمال وتناشد المسؤولين ان يضربوا بشدة على ايدي هؤلاء، حتّى يكفّوا عن عرقلة عبدالكريم الذي اثبت للجميع انّه الافضل والاحسن والانظف)…
وللتاريخ لم يُعمّر ذلك البرنامج المعني طويلا واندثر …وللتاريخ ايضا طُويت صفحة الخلاف مع صاحبه بعد 10 سنوات …الكوكتيل بعد توقفه وعودته شهد ألقا كبيرا … في تلك السنوات اعتبر المتلقّي والناقدون في الصحافة المكتوبة وحتى بعض الزملاء في اذاعتي تونس والمنستير… اعتبروا عودة الكوكتيل انتصارا لنهج اذاعي جديد، اذ رأوا فيه نفَسا ذا جرعات من الجرأة مضمونا وفيه شيء من الامتاع شكلا … ودائما للتأريخ وليس من باب استعراض العضلات، يكفي ان اعرض عليكم موقفا من قامة من قامات التنشيط انذاك، المرحوم نجيب الخطاب، عندما صرّح في استجواب صحفي بجريدة البيان وبتاريخ 4 جويلية 83 وهو يُجيب عن سؤال حول اذاعة صفاقس، بالقول: (بالنسبة لاذاعة صفاقس لا اضيف شيئا عندما اقول انّي معجب بعبدالكريم قطاطة الذي عرفته كفنّي ممتاز وذكيّ جدا في تركيب الافلام بالتلفزة التونسية، واملي ان انتج في يوم ما، برنامجا اذاعيا مشتركا بيني وبين عبدالكريم)…
هذه شهادة من جملة العديد من الشهادات التي لم اذكرها والتي فقط اردت من خلالها التذكير بانّ النجاح ووهجه قد يسير بنا الى الهاوية اذا لم نضعه في مكانه الطبيعي … اي وجب على ايّ نجاح نحققه في حياتنا ان يكون دافعا للافضل … للأجود … للارقى … والا تحوّل وهج النجاح الى نار تحرق في داخلنا الارادة لمواصلة الطريق باكثر حماسا ورغبة في التجاوز … من ثمة اصبحت مسؤوليتي في الكوكتيل مضاعفة… بدرجة اولى المحافظة على ثوابته، وبدرجة ثانية البحث عن اشكال اخرى لاخراجه من التحنيط… لذلك يبقى العمل الاذاعي الناجح رهين التجديد والخلق والبحث … من هذه الزاوية ومن زوايا اخرى كان عليّ ان لا اكتفي بالمثابرة اليومية بل اتجاوز ذلك الى ابعاد اخرى …قلت من زوايا اخرى وهاكم التفاصيل …
اوّلا انا جُبلت على الاعتراف بالجميل مهما كان حجمه … ومن خلال تعاملي مع السيد التيجاني مقني احسست الى حد اليقين انّ الرجل كان نزيها جدا معي … هو لا يتكلم كثيرا نعم …ولكن للصمت ولنظرات الاعين مفرداتها الرشيقة ايضا … وكان واجبا عليّ ان اقول له وعلى طريقتي شكرا لك يا رجل … هذه زاوية اولى … الزاوية الثانية كيف عليّ ان اتعامل مع الملأ الذي كان وسيكون ؟؟؟ من طباعي ايضا انني لا اغضب سريعا ولا اردّ الفعل سريعا وحتّى ردود افعالي كانت ومازالت مغايرة للسائد … انا اصمت كثيرا واردّ الفعل بالعمل…
هذه الزوايا الثلاث التي تحدثت عنها جعلتني افكّر في عمل غير مسبوق… اذاعة صفاقس على بعد بضعة اشهر من الاحتفال بعيد ميلادها الثاني والعشرين (8 ديسمبر 1983)… اذن الفرصة مواتية لفعل شيء ما يرتقي الى مستوى الحدث … ماذا لو كان الاحتفال في شكل سهرة اذاعية مباشرة حتى الصباح ؟؟؟ اعرف ان مثل هذا لم يحدث سابقا في تاريخ الاعلام الاذاعي التونسي؟؟؟ … ايه وين المشكل ؟ … لماذا لا نكون سباقين في ذلك باذاعة صفاقس ؟؟ وقفزت سريعا الى مكتب المدير …. استقبلني ببشاشته التي اصبحت جزءا من لقاءاتنا وقال: اشنوة شكون تسلّط عليك هذي المرّة ؟؟… انا لم اكن اشتكي من ايّ كان ولكن هو يعرف انهم متسلطون … اي اصبح مدركا لما يجري في الكواليس …
ضحكت وقلت: لا لاباس اما عندي فكرة مشروع نحب نعرضها عليك … اصلح جلسته وقال: ان شا الله خير… قلت له: اذاعة صفاقس ستحتفل بعيد ميلادها الثاني والعشرين عن قريب … اجاب ايه نعرف والمطلوب ؟؟ … قلت له ما رايك لو يكون الاحتفال حدثا هاما بالنسبة لمؤسستنا … قال لي: هات اشنوة المطلوب منّي، اما راهو الخزينة نهاية عام وما فيهاش برشة فلوس … قلتلو: لا الفكرة من نوع البلوشي… تهلل وجهه وقال: ايّا هات اش عندك … طرحت عليه فكرة برنامج اذاعي بما يّسمّى (نون ستوب) اي بث ليلة كاملة دون انقطاع ….لم يردّ للحظات ثمّ قال لي سافكّر في الموضوع … خرجت من مكتبه دون ان افكّ شفرة (سافكّر في الموضوع) … كنت واثقا من انّ “الملأ” لن يوافق… ولكن كان هنالك بداخلي احساس انّ سي التيجاني بمقدوره ان (يتملّح) من الملأ …
يومان فقط وبعدها دعاني السيّد التيجاني الى مكتبه … وكعادته وبنظّارته التي تحجب عنّي قراءة ما بداخله قال لي: اقعد سي عبدالكريم…جلست ولم يمهلني طويلا حتى سأل: انت واثق من قدراتك على ننفيذ المشروع اللي حكيتلي عليه لعيد ميلاد اذاعة صفاقس ؟؟؟ اجبته نعم وبكل حزم … ابتسم وقال في دعابة: معناها ما كذبوش عليك اللي قالو انّك مغرور …. قلتلو هذا كلام نعرفو وما يقلقنيش …. فما كان منه الا انّو زاد تفّحّها يقوله: اما هوما قداش يحبّوك (طبعا بلهجة ساخرة) …. فرددت عليه بنفس اللهجة: لو كان تشوف انا ! … عاد الى جديته وقال لي: اشنوة يلزمك لتحقيق الفكرة متاعك؟ … قلتلو: موافقتك …. قللي اعتبرني موافق نحكي ماديا … قلتلو باستثناء تخصيص استوديو للمونتاج واخرين للبث لا شيء لانني ساعمل وكل الفريق مجانا هدية منّا لاذاعتنا …
نظر اليّ بكلّ عمق وقال: (اخدم على روحك وانا عندي ثقة فيك) … بكلّ صدق خرجت من مكتبه كطاووس … وبكلّ صدق اعتبرت موافقته دفعا ايجابيا لي وضربة قاصمة للملأ … وبدأت في نسج سيناريو البرنامج … اوّل ما عملت عليه ان يكون التنفيذ جماعيا لذلك دعوت العديد من الزملاء للخوض في الموضوع ولتمكينهم من المساهمة في البرنامج ….لكن وبكلّ صدق ايضا كنت حاسما في اختيارات محتوياته … انا هكذا متسلط جدا عندما اتبنّى فكرة ما … لا يزيحني عنها الا من يقنعني بالافضل منها … وشرعت في العمل … كنّا خليّة نحل في اعداد ومونتاج الاركان المسجلة والريبورتاجات … ثم قمت بعدها بتوزيع الادوار بين كامل اعضاء فريق المنشطين في استوديوهين وانطلقت السهرة الحدث …
احتفظ منها باشياء عديدة ولكن اهمّها انني يومها اكتشفت مدى تناغمي مع زميلي عبدالجليل بن عبدالله في التنشيط الثنائي… وثانيهما ونحن على بعد هنيهات من اختتام البث، وباب استوديو البث يُفتح ليدخل منه السيّد التيجاني مقني وكلّه سعادة وليشدّ على يديّ بكل حرارة وعمق … وليقول برافو ربحنا جميعا الرهان… وكنت اكثر سعادة وانا اقرأ رجع الصدى في الصحافة المكتوبة لعلّ اطرف ما جاء فيها ما كتبه احد الزملاء في جريدة البيان بتاريخ 13 فيفري 84: (سهرة عيد الميلاد التي تواصلت الى الصبح شدّت آلاف المستمعين، فمن ذلك فتاة صغيرة تدرس بالمدرسة الابتدائية سهرت مع الحدث ولما كانت في القسم داعب النوم جفنيها فسألها المعلم عن السبب، قالت: عبدالكريم وعيد ميلاد اذاعة صفاقس… ردّ المعلّم: انت اشجع منّي… انا لم استطع متابعة البرنامج للصباح) …
… وانا اكتفي بما كتبته في الورقة 72 منذ الصباح …
ـ يتبع ـ
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
من ضمن ما تعلمته في دراستي بالمعهد الوطني للعلوم السمعية البصرية بباريس، قاعدة اعتبرتها ذهبية في الانتاج السمعي البصري الا وهي نجاح اي برنامج يعتمد اساسا وبدرجة 80 بالـ 100 على الاعداد الجيّد… نعم والاعتناء بتفاصيل التفاصيل… وهذا ما حرصت عليه منذ وجدت نفسي امام المصدح فما بالكم ببرنامج يمتدّ على مساحة زمنية بـ24 ساعة دون توقف…
اذن وجب الاعداد الجيّد شكلا ومحتوى لهذا البرنامج… لذلك حرصت قبل تنفيذ البرنامج على تكوين فرق للاعداد معي لهذا الغرض: فريق خصصته لآراء المستمعين بمدينة صفاقس وضواحيها حول مسيرة اذاعة صفاقس ومدى تجاوب المتلقّي معها طيلة 35 سنة… فريق آخر كلّفته بآراء المستمعين الشباب الذين لم يواكبوا الاذاعة الا في سنواتها العشر الاخيرة وخاصة نقاط ضعف الاذاعة التي علينا تلافيها ونقاط قوتها التي وجب تعزيزها… وكلا العملين كان ضمن ريبورتاجات … فريقان اثنان يواكبان السهرة مباشرة مع مستمعينا خارج ولاية صفاقس بداية من الساعة العاشرة صباحا ليوم 7 ديسمبر، حيث ينطلق الفريق الاول في رحلة ماراثونية من بنزرت حتى صفاقس طيلة البرنامج، ليلتقي بعديد المستمعين في منازلهم وفي مدن مختلفة وليفسح لهم المجال للتعبير عن آرائهم سلبا او ايجابا حول ما تقدمه اذاعة صفاقس من برامج…
وفريق ثان يقوم بنفس المهمة انطلاقا من بن قردان الى صفاقس… على ان يكون وصول أفراده الى صفاقس وبالتحديد الى مقرّ الاذاعة يوم 8 ديسمبر على الساعة الثامنة صباحا… حيث يكون اللقاء مع هذين الفريقين مباشرة من الاستوديو للتعبير عن رحلتهما كيف كانتا، وعن انطباعاتهما حول كلّ ما عاشاه في تلك الرحلة… لم انس كذلك مستمعينا عبر الهاتف حيث خصصت طيلة السهرة نصيبا من الوقت لمداخلاتهم… ودعوت صديقي وزميلي عبدالجليل بن عبد الله لمشاركتي في التنشيط الذي حرصنا فيه معا على اضفاء روح الدعابة فيه… وتداول على الكونسولات العديد من التقنيين الذين هبوا وبكل طواعية لياخذ كل واحد منهم نصيبه من الحدث… وقبل 24 ساعة من انطلاق البرنامج كان دليل البرنامج مُعدّا بكل تفاصيل البرنامج وبتوقيت المداخلات وبكلّ اغانيه…
ودليل البرنامج عندي من الاشياء المقدسة رغم انّ ظاهره عمل عسكريّ قاس لانّه مفصّل بالدقائق والثواني وهو ما يعتبره البعض عملا شاقا ثم هو لا يفسح المجال للارتجال… وحجة هؤلاء في مفصل الارتجال انهم يعتبرونه هامشا هاما من الحرية لا استغناء عنه… بينما ارى الارتجال في تقديري هروبا من مسؤولية تنظيم العمل بدقّة اي هو تعلّة كاذبة… لانّ العمل المنظم لا يتعارض مع الارتجال ان لزم الامر… امّا ان يدخل المنتج الى الاستوديو دون اعداد جيد تاركا الحبل على الغارب للفنّي الذي يتولّى اختيار وتمرير الاغاني التي تروق له، فذلك عندي (تخلويض وكسل)… اذ كيف لمنتج ومنشط لا يقوم هو باختيار اغانيه التي تتلاءم والمواضيع المقترحة في برنامجه ؟؟ وفي رواية اخرى نعم للحرية والارتجال اذا كان ذلك يخدم مصلحة المنتوج ولا للعبث والتهاون..
عندما قدمت دليل البرنامج للسيد عبدالقادر عقير للاطلاع عليه وامضائه.. اندهش من دقة التفاصيل وللامانة امضى عليه دون ايّ اطلاع… واضاف مرّة اخرى: (يخخي انا نعرف خير منك؟)… اخذت دليل البرنامج بعد ان امضاه واغتنمت الفرصة لتذكيره بالجائزة… تلفزة من الحجم الصغير… طمأنني بالقول (صاحبك راجل)… اتفقنا وتمنى لي النجاح والتوفيق… ارتأيت ان تكون الجائزة لافضل مداخلة في البرنامج سواء كان ذلك من الريبورتاجات المسجلة او من مستمعينا في مداخلاتهم من خطّي بنزرت وبن قردان او من مستمعينا عبر الخطوط الهاتفية واعلنت عن ذلك منذ بداية البرنامج …
وانطلق قطار البرنامج كما هو محدّد له يوم 7 ديسمبر 1996 على الساعة التاسعة صباحا لينتهي يوم 8 ديسمبر 1996 على الساعة التاسعة صباحا… واقسم بالله انّ دليل البرنامج وقع تنفيذه بنسبة 99 في الـ100 دون ايّ خطأ او خلل .. اذن لماذا 99 في الـ 100 ؟ اين ذهب الواحد في الـ100 ؟؟ على الساعة الخامسة صباحا من يوم 8 ديسمبر فوجئنا جميعا بالسيّد عبدالقادر عقير يحلّ بيننا بالاستوديو… كان في قمّة السعادة والفرح… هنّأني وهنّأ الجميع بنجاح التجربة وطلب منّي دون ازعاج ان يقول كلمة ليعبّر فيها عن شكره وامتنانه لفريق البرنامج على نجاح المهمّة… لبّيت طلبه ولمدّة لم تتجاوز الثلاث دقائق اردفت كلمته باغنية من الاغاني الاحتياطية التي ابرمجها في كل انتاج اقدّمه لمثل هذه المفاجآت…
عنصران اخيران اختم بهما هذه الورقة الخاصة بالحدث… عيد ميلاد اذاعة صفاقس الخامس والثلاثين: العنصر الاوّل مآل جائزة البرنامج … للامانة كنت مركّزا جدّا على تدخلات المستمعين في الريبورتاجات المسجّلة وفي خطّي بنزرت وبن قردان مع اهالينا هنالك وفي المكالمات الهاتفية… وللامانة ايضا، عديد المداخلات كانت متميّزة جدا من هنا وهناك…و كان عليّ ان اجتهد وان اكون عادلا في اختياري للفائز… ثمّ هلّت مكالمة هاتفية وبالتحديد من مساكن ومن مستمعة اذاعة صفاقس السيّدة فاطمة بيّة والتي يعرفها الجميع باسم امّ غسّان… وهل يُعقل ان لا تكون (فطّوم) كما يحلو لي تسميتها غير حاضرة في مثل هذه المواعيد ؟؟ فطّوم هي بنت اذاعة صفاقس بل هي صنيعة اذاعة صفاقس…
فطوم وهذا يعرفه جلّ الناس نشأت من رحم اذاعة صفاقس… القدر جعل من اذاعة صفاقس لها المدرسة التي لم تدخل قبلها ايّة مدرسة… نعم وبإرادتها وعزمها نحتت الصخر… صخر الجهل والظلام… وخرجت الى نور العلم وهي تخطّ اوّل حروف الابجديّة لتكتب اوّل رسالة في حياتها الى (سِيدها) كما يحلو لها ان تسميني دائما… وكان لزاما عليّ وهو من واجباتي مهنيا وانسانيا ان آخذ بيدها وان اعينها على كسر حواجز كهف الجهل… وبفضل ارادتها وعزيمتها وبشيء قليل من تشجيعي تعلّمَت وشقّت طريقها لمزيد المعرفة والنور… واقسم لكم باصدق الايمان انّ فطوم حاليا تكتب شكلا ومحتوى افضل من الكثيرين الذين يحملون شهائد عليا وهي التي لم تدخل المدرسة يوما… هنيئا لي ولنا جميعا بك…
ليلتها تدخلت فطوم كعادتها عبر الهاتف لتدلي بدلوها في البرنامج الحدث وفي مدرستها اذاعة صفاقس… ولولا حرصي الشديد على تمكين كلّ المستمعين من نفس الحجم الزمني في مداخلاتهم لما توقفت شهرزاد الفطومية عن الكلام المباح حتى الصباح… في نهاية المكالمة دغدغني صوت وليدها انذاك مهران… وما اجمل دغدغة صوت الاطفال… في تلك اللحظة قفز لذهني من هو صاحب افضل تدخل ولمن ستؤول الجائزة… ستكون لمهران ولا لغيره لاني اعتبرت تدخله افضل تدخل من حيث الصدق والبراءة… هكذا اجتهدت… هكذا قررت… وهكذا اعلنت عن حصول مهران على الجائزة في نهاية البرنامج… وهكذا تسلمت فطوم وزوجها ومهران الجائزة في احتفال خاص بالحدث جانفي 1997 …
خاتمة البرنامج كان ايضا مسرحا للقرار… نعم قرار فاجأ الجميع… لم اعلنه لاحد قبل يوم 8 ديسمبر 1996 … لا احد على الاطلاق … حتى عائلتي التي كانت حاضرة بالفضاء الخاص بالتقني صباح 8 ديسمبر فوجئت به… قلت امام المصدح وللجميع: (هذا اخر عيد ميلاد اقدم فيه برنامجا خاصا بالحدث)… وتحول الفرح بالنسبة للبعض إلى دموع … فوجئوا جدا بقراري… فكيف لمنشط مثلي في (طمبك) نجاحه ونجاح الحصص الخاصة باعياد ميلاد اذاعة صفاقس التي قدمتها، أن يعلن الانسحاب ؟؟ خاصة وهم يدركون جيّدا انّي عنيد في قراراتي وندُر جدا ان تراجعت فيها.. وها انا اجيب عن (لماذا كان ذلك القرار)…
انا وبعد انتاج هذا البرنامج الحدث محليا ووطنيا وعربيا وعالميا اكون حلّقت في اعلى درجات السُلّم انتاجا… اذن على الانسان ان يعرف موعد مغادرة السُلّم… ثمّ ما ذنب ذلك الكمّ الهائل من الشباب الذي ينتظر فرصته ليتسلّم المشعل؟… اليس من واجبي ان اتنحّى لاتيح الفرصة لهم ؟؟… وتاكدت من واقعيّة قراري خاصة بعد ان دُعيت للعودة للمصدح بعد جانفي 2011 … نعم دُعيت للعودة ولم اجر وراءها… وساعود لذلك الزمن الارعن في ورقات قادمة… عندما لبيت دعوة الواجب وعدت لمصدح اذاعة صفاقس قال بعضهم (تي يخخي هالسيد يحب ياخذ زمانو وزمان غيرو ؟؟ تي يمشي يشدّ دارو ويشدّ سبحة خيرلو) … سامحهم الله …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
توضيح: العمر يجري .. وها انا احاول السباق مع الزمن حتى اختم هذه السلسلة والتي في تقديري ستكون قفلتها سنة 2022* … أرجو من الله ان يمدّ لي في العمر حتى اختتمها …
الورقة 96 ستكون خاصة بما عشته وعاصرته في اذاعة صفاقس في اواخر سنة 1996 … تلك السنة عشت فيها حدثين اولهما تعيين السيد عبدالقادر عقير مديرا لاذاعة صفاقس خلفا للسيد النوري العفاس رحمهما الله… والحدث الثاني هو الاحتفال بعيد ميلاد اذاعة صفاقس الخامس والثلاثين وذلك نظرا الى خصوصيات ذلك الحدث… دعوني اوضّح فيما تعلّق وسيتعلّق بايّ زميل غادرنا، لن اسمح لنفسي بذكر بعض التفاصيل عنهم احتراما لـ(اذكروا موتاكم بخير)… لكن وللتوثيق وهي القاعدة الاساسية في الورقات هنالك احداث لابدّ من ذكرها ولو بشيء من الاقتضاب…
عندما عُين الزميل عبدالقادر عقير مديرا لاذاعة صفاقس كان الامر غير منتظر بالمرّة… اذ انّ تعيين مدير لاذاعة صفاقس غير منتسب للجهة أمر يحدث لاوّل مرّة… وفهمت بعدها انّ ماكينة عبدالوهاب عبد الله اصيل المنستير وامبراطور الاعلام انذاك بدات تشتغل… فعيّنت العديد من اصيلي اما المنستير او الساحل في عديد المراكز الاعلامية الحساسة… والزميل عبدالقادر عقير مسيرته الاعلامية كانت متواضعة جدا ..اذ هو عمل باذاعة المنستير كمنتج ومنشط لمدّة قصيرة للغاية ..وبعدها دخل سلك المعتمدين حيث اشتغل كمعتمد بقرقنة ثم بعقارب… دون ذلك وقبل ذلك اشتغل كمعلّم في المدارس الابتدائية في تونس وفي ليبيا كواحد من المتعاونين انذاك…
يوم تعيينه وبعد انتهاء المراسم الرسمية فوجئت بحاجب الادارة يبحث عنّي ليقول لي (سي عبدالقادر يحب عليك) فاستجبت لدعوته … وكلّ ما اتذكره عن سي عبدالقادر انه يوما ما كان هنالك برنامج مشترك بين اذاعتي صفاقس والمنستير كنت انا امام مصدح اذاعة صفاقس وكان هو امام مصدح اذاعة المنستير… وقبل بداية البرنامج بنصف ساعة هاتفني ليقول لي انّ تجربته متواضعة في التنشيط ورجاني ان امدّ له اليد ووعدته بذلك… وتعدّى البرنامج لاباس… دون ذلك لم يكن لديّ عنه ايّة فكرة لا سلبا ولا ايجابا … وتلبية لدعوته وجدتني بمكتبه كمدير .. كان استقباله لي على غاية من الحرارة والصدق… هنأته بمنصبه وتمنيت له النجاح … ودون مقدمات قال لي: (انا لا اعرف ايّ احد في اذاعة صفاقس باستثنائك… اريدك ان تقف معي فهل اعوّل عليك ؟)… اجبته دون تردّد وبكلّ شفافية وصدق: (يشرّفني ذلك متى عملت من اجل مصلحة اذاعة صفاقس… ولكن سأكون اوّل من يقف ضدّك ان عملت من اجل مصلحتك وعلى حساب مصلحة اذاعتي)… واضفت (هذا هو انا ولك الاختيار)… فاجاب دون تردّد او حتى لحظة تفكير: (وانا اخترتك انت بالذات لاني عرفتك من خلال مسيرتك وكلّي ثقة في آرائك ومواقفك ولن تجد منّي الّا ما يرضيك ويرضي المجموعة…
ولم تدم جلستنا طويلا حيث دعاني للخروج معه في نزهة على سيارته وليته ما فعل… مدير جديد يهزّ عبدالكريم معاه في كرهبتو نصف ساعة بعد مراسم التعيين ؟؟؟ والف لسان يتساءل: (تي من اوّل نهار عبدالكريم كلالو عقلو ؟؟)… وهذا كالعادة لا يعجب الملأ … ساعود في ورقات قادمة لما فعله هذا الملأ والذي انتصر في معارك عديدة ولكنه خسر الحرب… هذا الملأ حوّل علاقتي بالزميل عبدالقادر عقير من علاقة ودّ وانسجام لما فيه خير للدار واهل الدار (والله شاهد على ما اقول)… الى علاقة حرب بدأت خفية واصبحت مع مرور الوقت معلنة بيني وبينه وانتهت باقالته من منصبه وبتعويضه بالسيد رمضان العليمي… وستأتي اهم التفاصيل كما اسلفت في ورقة قادمة. ..
الحدث الثاني الذي عشته سنة 96 كان عيد ميلاد اذاعة صفاقس الخامس والثلاثين… مما عودت عليه المستمع اني طيلة السنوات التي انتجت فيها حصصا خاصة بعيد ميلاد اذاعتي كنت دائما ابحث عن بصمة خاصة لكلّ عيد ميلاد… وعندما بدات في التفكير في عيد الميلاد الخامس والثلاثين ومنذ بداية شهر سبتمبر 96 كان هاجسي ان يكون البرنامج مختلفا تماما شكلا ومضمونا عن كلّ ما سبق محليا ووطنيا وعربيا ولم لا عالميا… ولم تطل مدّة التفكير والبحث طويلا… نعم قلت في نفسي لم لا يكون البرنامج على امتداد 24 ساعة تنشيطا دون انقطاع… وامتلأت بهذه الفكرة صدقا بكثير من النرجسية ايضا ..اذ انّي سانجز ما لم يقع انجازه على الاطلاق ..شكلا وحجما … ثمّ اعتكفت لمدة اسبوع ابحث عن محتوى لهذا البرنامج اذ لا يكفي ان يكون الشكل مبهرا فذلك يذهب مع او نسمة رياح… المحتوى يجب ان يكون مقنعا ومدروسا بعناية وبفريق كامل يؤمن معك بالمشروع… واخترت مكوّنات هذا الفريق وكنت واضحا مع الجميع ..من يقبل بالمشاركة عليه ان يقبل بالعمل تطوّعا كاهداء لاذاعتنا في عيد ميلادها الخامس والثلاثين… وللامانة قبل الجميع بالفكرة وبكلّ سعادة…
وبدات اعقد اجتماعات دورية مع الفريق بعضها في صفاقس واخرى في تونس مع البعض الذي كان يزاول دراسته الجامعية هنالك… ومع نهاية شهر اكتوبر اصبح كل شيء جاهزا وحتى دليل البرنامج جاهزا بالدقيقة والثانية… وانا المعروف عني اني لا اترك للحظ او للصدفة او لايّ عائق ان يقف ضدّ اعدادي لتفاصيل التفاصيل… وعندما عرضت المشروع جاهزا للسيد عبدالقادر عقير كان في قمة السعادة والرضاء ..كيف لا واذاعة صفاقس وفي عهد ولايته عليها ستحقق رقما قياسيا عالميا ..وكيف لا والمشروع لن يكلّف حزينة الاذاعة ايّ مليم باعتبار تطوّع كامل الفريق… وعندها اغتنمت الفرصة لاقترح عليه ان تخصص اذاعة صفاقس جائزة في حجم الحدث… ودون ايّ تردد اجابني: (الغالي طلب على الرخيص؟)… قلت له جهاز تلفزة من حجم صغير … ضحك بقهقهة سي عبدالقادر وقال لي: (جهاز تلفزة ضربة وحدة يا خويا عبدالكريم ؟؟) قلت له نعم ..وتأتي على قدر الكرام المكارم… مدّ يده لي بحرارة وقال: اطمان ستكون الجائزة كما اردت… وللامانة لم يطلب منّي السيّد عبدالقادر عقير ايّ شيء عن تفاصيل البرنامج بل اضاف: (عندي فيك ثقة عمياء، هو انا نعرف خير منّك ؟) حييته واجبت: لن اخذلك…
وجاء يوم 7 ديسمبر 1996 وجاءت الساعة التاسعة صباحا وانطلق قطار البرنامج الذي لم يتوقف الا على الساعة التاسعة صباحا ليوم 8 ديسمبر 1996 … يااااااااااه وعلى طريقة سعيد صالح، المسافة طوييييلة قوي … ولكنها ممتعة للغاية عشتها وعاشها الفريق بكل سعادة وجدية وعاشها معنا المستمع من بنزرت لبن قردان كذلك بكثير من الذكريات… اذن دعوني استرح لاعود اليكم في الورقة 97 بعديد تفاصيلها اعذادا وتنفيذا…
ـ يتبع ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*ونحن الآن في نهاية 2024 وما زال النيل يجري والورقات تتوالى وتتوالد… حفظك الله مبدعنا الدائم (التحرير)
محمد الزمزاري:
لماذا يتردد الإعلام الوطني في الإشارة إلى تراجع الغلاء الذي شهدته الأسواق ومنها خاصة الأسبوعية؟ بالإضافة إلى كل ذلك نلاحظ صمتا مطبقا عن بداية توفير المواد المعروضة بنسبة كبيرة (مثل الكسكسي وخاصة الفارينة والسميد وبقية أصناف العجين الغذائي) فيما مواد اخرى في طريقها إلى العودة مجددا مثل القهوة والسكر بصفة تدريجية كما ان بعض المساحات التجارية والدكاكين تعرض القهوة والسكر رغم بعض التهافت …
إن النقص في مادة القهوة قد شجع بارونات هذه المادة والمساحات التجارية على عرض النوعيات الباهظة الثمن فوق طاقة المواطن لتحرير بيعها في غياب عرض القهوة المعتادة المطلوبة… كما تم تسجيل انخفاض نسبي في أسعار جل الخضروات وشهدت الأسواق أيضا أسعارا معقولة في البرتقال بأنواعه والتمور بصورة اقل كما لاحظ المستهلكون عرض كميات وافرة من الموز بصنفين بين اسعار تصل إلى 7 دنانير للكيلو للصنف الكبير و 5 دنانير للصنف الاقل…
وعلى مستوى بيع زيت الزيتون يبدو أن الأسعار شهدت انخفاضا بسيطا لا يشجع المستهلك على اقتناء كميات هامة للعولة التقليدية… ذلك ان القوارير سعة لتر واحد من المعروضة بالمغازات الكبرى، حافظت على سعرها (15د) ولم تعرف اقبالا كبيرا من المستهلكين أملا في تنزيل مفترض لسعر اللتر… خاصة أن رئيس الجمهورية قد أكد اول امس على ضرورة تمكين المواطنين من اقتناء الزيت بأسعار معقولة، تتماشى مع الطاقة الشرائية… فهل سينزل السعر إلى 10 او 12 د؟ هذا ما سنراه قريبا لانه سيكون في النهاية لمصلحة الفلاح والمستهلك معا…
من ناحية أخرى هناك مؤشرات على اعتزام شركة الكهرباء والغاز إجراء تخفيض مشروط على الفواتير الاقل استهلاكا للطاقة (اقل من 300 كيلوواط في الشهر) مما يعطي سعرا إجماليا منخفضا نسبيا نهاية الشهرين لمن استهلاكهم اقل من 600 ك.و… ويعد ذلك طريقة ذكية قد تأتي بنتائج محفزة وجهود عامة للتحكم في استهلاك الكهرباء والغاز…
ونتمنى أن يقع تطبيق هذا القرار دون أية تعطيلات محلية او جهوية او مركزية باعتبار بناء على تركيز منظومة متطابقة مع هذا الهدف.
“التربية والأسرة” تحتفل بذكرى تأسيسها
بعد توغله داخل أراضيها… جيش الاحتلال يخطط لبقاء طويل الأمد في سوريا
الاحتلال يلتهم الضفة الغربية… بؤرة استيطانية جديدة بالمعرجات غرب أريحا
جزيرة “مايوت” في المحيط الهندي… كارثة إنسانية بعد مرور إعصار
شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي مكثف على صنعاء
استطلاع
صن نار
- اجتماعياقبل 15 ساعة
“التربية والأسرة” تحتفل بذكرى تأسيسها
- صن نارقبل يوم واحد
بعد توغله داخل أراضيها… جيش الاحتلال يخطط لبقاء طويل الأمد في سوريا
- صن نارقبل يوم واحد
الاحتلال يلتهم الضفة الغربية… بؤرة استيطانية جديدة بالمعرجات غرب أريحا
- صن نارقبل يوم واحد
جزيرة “مايوت” في المحيط الهندي… كارثة إنسانية بعد مرور إعصار
- صن نارقبل يومين
شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي مكثف على صنعاء
- صن نارقبل يومين
في سابقة لم يفعلها أي مطبّع آخر… المغرب يسلّم شابّا فلسطينيا إلى سلطات الاحتلال
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم … الورقة 97
- بيئة و زراعةقبل 3 أيام
ندوة حول دور بنك الجينات، في تحقيق الأمن الغذائي