تابعنا على

جور نار

وكالات الأسفار العالمية تُفاوضنا على سعر الليلة المقضّاة … بثمن قهوة في باريس !

نشرت

في

كان لي حديثٌ مؤخرا مع أحد الرياديين التونسيين في المجال السياحي الذي أكّد لي أن وكالات الأسفار العالمية بصدد مفاوضة أصحاب النزل التونسية بشأن سعر الليلة المقضّاة في بلادنا التي لا يجب أن تتجاوز  16 يورو حسب تقديرها. ..

منصف الخميري Moncef Khemiri
<strong>منصف الخميري<strong>

نعم حوالي 50 دينارا لا أكثر… مقابل 3 وجبات أكل مُدعّمة (من عِظام التونسيين) ببيضها ولحمها وشوائها وشرابها ومائها وغلالها، ولِقاء مسابحها المكشوفة منها  والمغطاة، وبحرها وشمسها ومساحاتها التنشيطية وغرفها التي لا يجب أن ترقى إليها أدنى الشبهات على مستوى رفاه النوم ونظافة الأغطية والخدمات المنقولة في أية ساعة من ساعات الليل …وعاملين يُطلب منهم الابتسامة الموزونة الدائمة والعناية المسترسلة وإجادة التواصل بكل لغات العالم.

وإن هذا الوضع غير الطبيعي ليطرح جملة من الأسئلة المحيّرة والمُلحّة التي من المفروض أن تجيب عنها الدولة ووزارة السياحة والقائمون عليها بشكل خاص، منها :

ألا تندرج مثل هذه السلوكات والسياسات الأجنبية المتعجرفة في سياق انتهاك سيادتنا الوطنية والإمعان في استغلال ثرواتنا الوطنية دون أدنى مقابل تقريبا … بما يفرض إعادة النظر بشكل عاجل وعميق في سياساتنا المتّبعة في المجال ووضع جملة من المحاذير والضوابط الصارمة، في علاقة بأسعار البيع التي يتعيّن الالتزام بها وعدم النزول تحتها … مهما كان حجم المنافسة العالمية وحاجة تونس إلى مجلوبات ضخمة من العملة الصعبة ؟

تقول الاحصائيات الرسمية للحكومة التونسية لسنة 2019 أن معدل استهلاك “السرير السياحي في اليوم الواحد” من الماء الصالح للشراب لا يقلّ عن 611 لترا . والحال أنه يكفي بين 150 و 200 لتر فقط لتعبئة حوض الاستحمام، ففي فرنسا على سبيل المثال لا يتجاوز معدل الاستهلاك  148 لترا  في اليوم الواحد لكل مواطن (إحصائيات 2012) وفي انكلترا 149 لترا (إحصائيات 2018)، فأين تذهب بقية الماء المهدور ؟

كيف نسمح بكل هذا الهدر المُدمّر للبيئة وأخلاق المحافظة عليها في وقت تعلن فيه الحكومة حالة الجفاف كجائحة طبيعية وجب التصدي لها، من خلال اتخاذ إجراءات تقشفيّة وابتداع حوْكمة جديدة للتصرف في نُدرة المياه وانحباس الأمطار وعدم امتلاء السّدود، وعدم الانتهاء بعدُ من تشييد محطات التّحلية المبرمجة في المجال ؟

إن فلاحتنا أجدر بهذه المياه النادرة من سياحة لا نجني منها شيئا تقريبا وإن السائح الأجنبي ليس أقرب إلى قلوبنا من فلاحينا الذين أُجبروا على ترك أراضيهم بورًا هذه السنة أمام شحّة مياه الريّ … ولا ملاليمُهُ أكثر فائدة علينا من حاجاتنا إلى خُضرٍ أشاحت بوجهها الطازج عنّا، وغلالٍ متهالكة وشاحبة لكنها تجرؤ على تحدّي جيوبنا الأكثر شحوبا وثقوبا. 

تونس ثمنها غال لأن الهواء فيها دواء والماء في تجاويفها شفاء !

لو حاولنا اختزال الوِجهة التونسية وتقشيرها كما هي في ذهن عدد غير قليل من السيّاح الأجانب لاكتشفنا أن الصورة المنمّطة في مخيّلتهم لا تتجاوز رُقعة أرض مجهريّة تُطلّ على جنوب أوروبا وتترأس القارة الإفريقية، تؤثّثها بعض الكُثبان الرمليّة الصالحة لممارسة رياضة الكْواد، والكثير من الشواطئ والمسابح المحجوزة والمؤمّنة جيدا كأنها أملاك عائلية وخاصة لا يتطلب السّفر إليها لا جوازا ولا تلاقيح ولا إجراءات خاصة ولا أموالا طائلة.

والمعضلة أن هذه الصورة الدّونيّة البائسة حول تونس لم تشتغل دولتنا بما فيه الكفاية والحِرفيّة على وأدِها، لفائدة صورة جديدة تقوم على تثمين ما تتجمّل به بلادنا من عناصر ثقافية وتراثية ومعمارية ومناخية وتاريخية نادرا جدا ما تجتمع في بلد واحد. وهو تشكيل زُخرفي متفرّد يجب أن يستحضره جيدا السائح “المتعالي” قبل اتخاذ قراره بزيارة واحدة من أكثر البلدان عراقة وثراءً في كامل حوض البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي فإن الفضل يعود إلينا أولا كوننا فتحنا أبواب خزائن تاريخنا أمام الناظرين لا إلى جحافل جاهلة بتاريخنا بل ومحتقرة له في بعض الأحيان. وهو أمر طبيعي إلى حدّ ما لأنهم :

لا يعرفون أنه من المفروض ألاّ تطأ أقدامهم مدينة قرطاج ومتحفها وآثارها إلا بعد دفع ثمن يليق يمنزلة هذا الموقع (الذي يفوق في قيمته التاريخية وتفرّده أكبر المتاحف في العالم كالبرادو في مدريد أو اللوفر في باريس أو المتحف البريطاني في لندن) كونه سليل حضارة افترشت كامل المتوسّط مهدا لها وكانت رائدة في صناعة السفن وكانت مأهولة في أوج تطورها بما لا يقل عن 700 ألف ساكن حسب المؤرخ اليوناني سترابون لمّا كانت البلدان التي يأتي منها هؤلاء السيّاح مازالت لم تُكتشف بعدُ.

ولأنهم لم يقرؤوا أن أجمل لوحات الفسيفساء في العالم، نحن نؤويها وأن أرقى أنواع الرّخام، بلادنا تحويها.

ولأنهم لم يتعلّموا أن مدينة “غراس” الفرنسية المتخصصة في صناعة أجود أنواع العطور تعرف جيدا من أين تتزود بمستخلصات النيرولي (الزيت المستخرج من زهر الأرانج) والياسمين والفل وشتى أنواع الورود.

ولأن وكالات الأسفار وسائر منصّات الويب لا تجرؤ على تقديم حنبعل على أنه قائد تونسيّ تجرّأ على اعتلاء جبال الألب لترتعد فرائص روما أمام فيلته وجنوده الثمانين ألفا … مكتفية بالقول إنه قائد قرطاجني عُرف بخدعه العسكرية.

ولأنهم يتناسون أن كوليزيه الجم مسجل كتراث عالمي قبل كوليزيه روما وهو الوحيد في العالم  المبني بكامله من الحجارة المصقولة من الداخل والخارج، وأن رخام شمتو المحاذية لبيلاريجيا يُزيّن ما يتباهى به الطّلاين في روما.

ولأننا باختصار جعلناهم يجهلون أن المعالم التقليدية البارزة التي يزورونها لِمامًا خلال بعض السّويعات مثل متحف باردو وأسواق المدينة العتيقة وشط الجريد ووديان تامغزة وركوب الجمال في صحراء دوز… ليست سوى الجزء البارز من جبل الجليد التونسي المكتنز ثراءً وعمقًا ووهجًا لا ينطفئ.

السائح التونسي والجزائري… مثل “لحمة الكرومة”

على النحو الذي يشتري به السائح الأجنبي لياليه المقضّاة في تونس، من الواضح أن السائح المحلي يدفع بالدينار التونسي أو الجزائري أضعاف ما يُنفقه نظيره الفرنسي أو الرّوسي ومقابل خدمات مُثخنة بالأفكار المسبقة والنظرة الاستعلائية التي تضع دائما السائح القادم من وراء البحار في منزلة أعلى حتى وإن دفع ثمنا أدنى (ملاحظة : السائح الأجنبي لا يدفع مليما أبيض واحدا كإكراميّة لأي واحد من جيش العاملين الموضوعين على ذمّته). ويحاول بعض “السياحيّين” تبرير هذا التّفضيل بكون السياح المحليين يكونون في الغالب مرفوقين بأطفال صغار يُحدثون هرجًا ومرجًا داخل فضاءات النزل وأن السائح العربي بصورة عامة ميّال إلى التّبذير  ومُسرفٌ في تكديس الأكل على طاولته مدفوعة الثمن عاليا.   وعليه، يجدر بنا اليوم – والحال كما هو – تمتيع السائح المحلي بنوع من الاستثناء “الوطني” يُجيز له مساحة ولو ضئيلة من الاستجمام بأسعار تفاضلية وتسهيلات مختلفة تتعهّد بها المنظمات الاجتماعية والهيئات المختلفة كما هو معمول به بلدان مجاورة.

الدولة بوسعها تماما فرض استجلاب كامل الأموال المدفوعة في الخارج

الجميع يعرف الآن أن أقساطا كبيرة من الأموال التي يدفعها السياح الأجانب إلى وكالات الأسفار في الخارج لا تدخل البلاد وبالتالي لا يستفيد منها اقتصادنا الوطني بقدر ما يستفيد منها أصحاب النزل وعائلاتهم في تجوالهم وترحالهم وتسوّقهم في عواصم العالم…وفي ذلك هدر كبير للعملة الصعبة وتهريب “مقنّع” لأموال كم نحن في حاجة إليها حتى وإن ضُخّت في حسابات المستفيدين المباشرين أي أصحاب النزل والمؤسسات السياحية المختلفة.

ملاحظة أخيرة نسوقها في سياق تفعيل حقيقي للذود عن سيادة بلادنا: إن طوابير الاهانة والإذلال التي تمارسها بعض سفارات الدول الأجنبية على الراغبين في السفر من التونسيين لأجل الحصول على تأشيرة، يحقّ أن تردّ عليها دولتنا بفرض تأشيرات دخول على مواطنيها الراغبين في زيارة بلادنا في إطار المعاملة بالمِثل والعمل بالمَثَل الشعبي “فين تحطّ نفسك تصيبها”.

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 89

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …

عبد الكريم قطاطة

وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…

وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..

قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …

لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …

وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …

سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…

عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..

وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …

ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم ..الورقة 88

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …

عبد الكريم قطاطة

وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..

في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…

اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…

اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…

لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…

في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…

عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…

اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

التقصي عن أمراض السكري وضغط الدم… وليس عن أعوان التلفزة!

نشرت

في

محمد الزمزاري:

انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.

الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.

طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.

وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.

أكمل القراءة

صن نار