جور نار

و في أثناء ذلك … عن الرقابة ملحق للتوضيح (4)

نشرت

في

اقوى عازفين المزود في تونس (ربوخ و قفلة هبال) نادر طرشونة - YouTube

تكلمنا أول أمس في ما تكلمنا، عن الرقابة و ضرورة وجودها … و لكن سؤالا من بعض المتابعبن جعلني أعود للحكاية حتى لا يلتبس الصواب بالخطإ، و كل شيء نسبي … السؤال كان: قبل 2011، كانت لدينا رقابة صارمة على كل ما يبث و ما ينشر، فهل تطلب عودة ذلك؟ … و الجواب: لا، بالقطع لا …

<strong>عبد القادر المقري<strong>

ما كان عندنا سابقا لا يدخل في باب الرقابة الوجيهة على المصنفات الفنية، بل كان شكلا من ممارسة السلطة القاهرة و المحافظة على ثقافة الخوف لدى المتساكنين … و كانت في معظمها حريصة على الأشخاص أكثر من حرصها على البلاد … كما أنها لم تستقر على حال معينة أو قيم بذاتها، بل تنغلق و تنفتح بحسب أمزجة و تقاربات و تخاصمات لم نكن نعرف جلّها … تقول كلاما يقبلونه منك هذه السنة، و بعد سنة أخرى أو أقلّ يحاسبونك عسيرا على نفس الرأي … و ما أكثرها كانت لعبة الفوازير و نحن نبحث عن تفسير لإيقاف صحيفة ما، أو برنامج ما، و خاصة إقالة ذلك المسكين الدائم: مدير الإذاعة و التلفزة … هذا المنصب الشبيه بقيادة طائرة، عبارة عن كرسي مقذوف لأقل هزّة … لذلك يكثر عندنا فعل “طار يطير” في مسيرة كل من شغل تلك الخطة في يوم ما …

 مثال آخر و لكن أكثر نبلا … إلى حدود آخر الثمانينات، كان هناك موقف رسمي من بث الفن “الزندالي” (أو فن سجون الحق العام) مثل المزود على قنوات الإذاعة و التلفزة … و كان الهدف من ذلك تعويد أذن السامع على الأغنية الراقية لحنا و كلمات، أما الفن الشعبي فقد كانت تخصص له مساحات معيّنة و كان هناك حرص على تهذيب كلماته بأيدي فطاحل كعبد المجيد بن جدو و مختار حشيشة … و فجأة و في نهاية تلك الثمانينات، بدأ المزود في اقتحام التلفزة و الإذاعة، ثم لحقته النوبة و الحضرة أول التسعينات، ثم انهار البناء بكامله في ما بعد … بل صار لا يُسمع في إذاعاتنا سوى هذا النوع من الفنون، و زاد عليها الراب و الراي مع الإذاعات الخاصة، فضلا عن سقط المتاع من أغاني الدول الشقيقة و الصديقة …

لغة الإذاعة و المذيعين وضيوفهم شهدت هي الأخرى “تطوّرا” في اتجاه الانفلات من أية رقابة … كانت تلك اللغة من قبل مضبوطة بقواعد الأدب و الاعتدال و التحفّظ … و كان استعمال لغة أجنبية أو هجينة أمرا مستهجنا، و كثيرا ما كان مقدمو برامجنا أو مستجوبونا يترجمون العبارات الدخيلة التي يتلفظ بها الضيوف … إلى درجة أن كن من تخاطبه الإذاعة صار يضع نفسه في قالبها و يفرض على لسانه أدبها و لم يكن ذلك عسيرا … بعد ذلك أفلت العقال، و صارت لغة أكلوني البراغيث و الزرازير هي القاعدة إلى هذا اليوم … و هو ما لا يحصل في إذاعات بلاد محترمة بل و حتى في إذاعتنا الدولية المحافظة على سلامة اللغة الفرنسية من أي خلط … و هذا ما يحسب لها وسط غاب الرداءات …

إذن رُفعت سلطة الرقيب عن نوع الأغاني المذاعة، و عن نسبة الإنتاج التونسي في تلك الأغاني، و عن صفاء لغة الكلام و رقيّ مستواه، و عن كل البذاءات في البرامج و الاعتداءات على القانون في الأعمال الدرامية  … و شهدنا في ذلك حرية و تحررا إلى أقصى الدرجات … و لكن تلك الحرية لم تصل إلى نقل الأخبار، و إبداء الرأي، و نقد السياسات، و فضح الحقائق …

لا … فهذه كانت مشطوبة بسيف الداخلية قبل 2011، و صارت بميليشيات الأحزاب القوية بعد 2011 …

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version