تابعنا على

وهْجُ نار

ثلاث سنوات من عمر “جلنار” … ولم تفطم بعد !

نشرت

في

حين هاتفني الصديق الزميل عبد القادر المقري ثم محمد الهادي البديري وسالم حمزة قبل ثلاث سنوات ويزيد وفاتحوني في أمر جريدة الكترونية تجمع قدماء الأيام ومن جاورها من صحف ذلك الجيل الذي كان ذهبيا بكل ما تعنيه الكلمة، أقول حين هاتفوني عارضين علي أن أرافقهم في بناء هذا المشروع الجديد، قلت هل يمكن النجاح لجيلنا وسط هذا الحشد من الأصوات التي تحترف الصراخ والعويل منذ 14 جانفي 2011؟

محمد الأطرش
<strong>محمد الأطرش<strong>

هل يمكن أن نعيش بأقلامنا وحرفيتنا ومهنيتنا وصدقنا ومثابرتنا التي عشنا بها وتألقنا وتميزنا في زمن كان الأصعب من زماننا هذا على مستوى حرية الراي والتعبير مع أصوات تسبب الغثيان، فالأقلام لم يعد لها وجود في زماننا هذا؟ قلت، هل يمكن ان نزاحم وننافس منشطي “طشطرق طربق” والراقصين على أنغام “حوماني” في إدارة رقاب القارئين والمتابعين نحو مشروع جاد لا يحترف البصاق على المشاهدين والقراء؟ قلت، وبماذا يمكن ان نتميّز وسط هذا الحشد من “المتزلفين” (لا أقصد الجميع طبعا) الهاتكين لجميع الاعراض والبائعين للذمم بأبخس الاثمان والمتلونين كالحرباء والكافرين بالنعم؟ قلت، كيف سننجح واليوم الغلبة لمن يشتم الآخر أكثر…ولمن يفضح الآخر أكثر…ولمن يختلق الروايات والأكاذيب عن الآخر أكثر…ولمن يدمن سماع اغنية الشادلي الحاجي “ميحي مع الارياح وين تميحي…”…

كيف سننجح واليوم الغلبة لمن يتلوّن أكثر…ولمن يبيع ذمّته أكثر…ولمن يتماهى مع مزاج الشارع السياسي والثقافي فيقبل ما لا يقبل ويرفض ما لا يرفض ويكتفي برقصة البطن مع كل مزاج أغلبي في البلاد، فاليوم يعشق لحية الغنوشي ويقبّل رأسه ويقسم به على زوجته إن أخطأت يوما في أمر ما، ويحسبه من الصالحين والانبياء…وغدا يكفر بالغنوشي ولحية الغنوشي ويقسم انه منه براء ويعود ليقسم برأس لينين ويقرر الحجّ إلى قبر ستالين وويل لكل من ينعتهم بالسفاحين…إلى حين… فنحن اليوم نعيش على أنغام جيل مراهق من الصحافيين اغلبهم لم يكتب سطرا واحدا في يومية او أسبوعية، جيل يباع ويشترى دون حاجة إلى سمسرة أو مزاد علني ( طبعا لا اقصد الجميع)، جيل وجد ضالته في مواقع التواصل الاجتماعي دون رقيب ولا حسيب، جيل أكل من كل الصحون…وبصق فيها ولم يحمد الربّ …

 قلت كل ذلك…وأنا الذي أتعامل مع بعض الصحف العربية وغيرها بمقال اسبوعي وقد لا اجد الوقت الكافي لأكتب شيئا يليق بمقام ذلك الجيل الذي لا يزال بعض الذين فاق عمرهم الخمسين يذكرونه جيدا ويذكرون الكثير من الأسماء التي اثثت مؤسساته الإعلامية وبنت مجده ويذكرون حتى أركانه… ووافقت…نعم وافقت على أن أكون أحد الذين يرفعون بناء “جلنار” إلى أن تبلغ سنّ الفطام… وسنّ الفطام تعني بالنسبة لي أكثر من مائة الف متابع وقارئ جاد…

وكان مقالي الأول بأكثر من مائة سطر ليبلغ عدد المقالات (افتتاحيات ومقالات) طيلة الثلاث سنوات الأولى من عمر “جلنار” الـــ272 مقالا أقصرها بمائة سطر دون هذا الذي تقرؤون مما يجعل مجموع الاسطر التي كتبت في ثلاث سنوات بحساب المائة سطر فقط لكل مقال يناهز الـــ27200 سطرا لو وضعناها في كتاب من حجم أ4 وببنط 16 لأصبحت كتابا من 777 صفحة لم أجامل فيها أحدا…ولم اهتك فيها عرض أي ممن كتبت عنهم وذكرتهم في مقالاتي، لكن أيضا لم أعاد أي من الذين يؤثثون مشهدنا العام سياسيا وثقافيا واجتماعيا…رغم ما قد يذهب إلى ظنّ البعض من مجرّد قراءة العناوين …

من عناوين ما كتبت خلال السنوات الثلاث من عمر “جلنار”: “لا تصدّقوا الرئيس…و لا تصدّقوا الحكومة” و “هل قيس يسكن قرطاج…أم الحجاج…؟؟” و “كم نحن في حاجة إلى لفافة زطلة”!” و”نظامنا متّهم بانتحال صفة… (ديمقراطي) …” و”اتركوهم … إنهم يعيشون ورطة الحكم!” و”حرب القصور تصيب مفاصل الدولة بالقصور…” و“الرئيس يريد إسقاط النظام! …” و “رسالة من عاطل مؤبد إلى أمير المؤمنين وغيرهم … قيس بن المنصف بن محمد سعيّد” و” لا تتركوا قابيل يقتل هابيل … مرّة أخرى!” و”حدثني ابليس قال…” و “يا ساكن قرطاج لا تقل قول أبي العباس: (استعدّوا فأنا السفاح الهائج، والثائر المبيد!)” و “هشتكنا وبشتكنا يا ريّس … ده انت رئيس والنعمة كويّس!” و “منذ متى كان هولاكو ديمقراطيا؟” و “هل أصبح المشيشي خطرا على تونس؟؟”…وهنا نصل إلى السؤال الذي قد يسأله العديد من القراء والمتابعين للمشهد الإعلامي منذ الاستقلال لماذا يتميّزون علينا إعلاميا وصحفيا في الشرق العربي وبالذات في مصر؟

الأمر في غاية البساطة أولا ليس كل بلاد الشرق العربي من تتميّز علينا إعلاميا وصحفيا، هي فقط مصر ولبنان وربما سوريا سابقا وبعض الأسماء من بعض الدول العربية الأخرى، ففي مصر لهم تقاليد منذ بداية القرن الماضي وقبله في صناعة الكتاب فكل صحفي يصبح كاتبا بعد سنة او أكثر صحافة، فنسبة كبيرة من الكتب الصادرة في مصر خلال القرن الماضي هي لأقلام وأسماء كبيرة بدأت حياتها المهنية في الإعلام والصحافة سواء كان ذلك في مصر أو في بقية البلدان التي ذكرت…

هذه الأسماء الكبيرة عادة ما تكون أو كانت قريبة من السلطة، فعلي أمين ومصطفى امين هما أبناء ابنة أخت سعد زغلول وعاشا في بيت سعد وصفية أم المصريين…أما محمد التابعي أستاذ علي ومصطفى أمين وأستاذ محمد حسنين هيكل وغيره من كبار الأسماء الصحفية فقد بدأ حياته صحفيا باسم مستعار في الأهرام ثم كتب في روز اليوسف دون توقيع لأنه كان حينها موظفا في البرلمان المصري، نجح التابعي بمقالاته السياسية في احداث عديد الازمات بين الدستوريين والسعديين، وكان ذلك وراء زيادة توزيع المجلة واستقالته من الوظيفة للعمل بروز اليوسف كمحرر قار، وفي سنة 1937 وبعد أن أسس مجلة آخر ساعة وساهم في تأسيس جريدة المصري اختاره الملك فاروق ليكون الصحفي المصري الوحيد الذي يرافق العائلة الملكية في رحلة طويلة إلى أوروبا ومن هناك انطلق محمد التابعي في مسيرة صحفية جعلت منه أكبر صحفي عصره قبل الثورة وبعدها…

وهنا أسأل هل سمحت لبعضنا الظروف لنكون مثل هؤلاء في تونس؟ هل من يؤثثون منابر الصراخ اليوم يرتقون لمراتب محمد التابعي أو ناصر الدين النشاشيبي وهو صحفي فلسطيني اشتهر كثيرا حين عيّن رئيسا لتحرير جريدة الجمهورية المصرية؟ هل يمكن اعتبارهم من الصحفيين والمحررين الكبار أو من كتاب الافتتاحيات أومن المحللين الاستراتيجيين، أليس من المعيب لتونس أن نأتي ببعض هواة الصراخ من “لاعقي الأحذية” لبعض الساسة (لا اقصد كل من نراهم طبعا) ونصنع منهم جهابذة في التحليل واستشراف المشهد السياسي سواء كان ذلك بتونس او بالعالم؟…أليس من المخجل أن نسمع بعضهم ولن أذكر الأسماء يتحدثون عما يقع اليوم بغزّة وهم لا يفقهون ما يقولون وإن أعدت عليهم كلامهم سيسالونك ما هذا لم نفهم شيئا؟؟ لذلك لا تجوز المقارنة بين صحفيين عاشروا كبار الساسة في بعض الدول العربية ومكنتهم الدولة من محاورة كبار ساسة العالم، وبين اختيار مجموعة من الأسماء التي لم تكتب يوما سطرا واحدا في جريدة لتقف أمام مئات الآلاف من المشاهدين تصرخ في وجوههم وتقلب الحقائق وتزيف الأحداث لصالح مشغّلها ومن اختارها لذلك المكان…أيخدم هذا الأمر إعلامنا وصحافتنا؟ أيخدم هذا الأمر ساستنا ودولتنا؟ لا…

لنعد إلى مصر مثلا فمحمد حسنين هيكل الذي كان تلميذا لمحمد التابعي وعلي أمين وحتى مصطفى أمين كان قريبا من عبد الناصر ومن حكومات الثورة كما كان فكري أباظة قبلها…وكان شريكا في العديد من القرارات التي قررها عبد الناصر…وكما كان وراء العديد من القرارات الصائبة كان أيضا سببا في النكسة التي كان هو من اسماها كذلك…كما كان وراء سجن مصطفى أمين…وحين طلب منه أنور السادات بعد موت عبد الناصر ان يتعاون معه كما سبق وتعاون مع عبد الناصر كان ردّه كما رواه صديقه ناصر الدين النشاشيبي: حاضر … انا مستعد … ولكن على نفس الشروط والاسس التي كنت اتعاون من خلالها مع جمال عبد الناصر! وسأله السادات: ما هي هذه الشروط يا هيكل؟ واجاب هيكل: (مشاركة في الحكم وفي المسؤولية وفي السلطات وفي الحقوق!) وهنا يضرب انور السادات كفا على كف ويصيح: انت مجنون؟ انت بتقول ايه يا هيكل انا رئيس جمهورية وعايزني اتنازل عن سلطاتي علشان اشركك في الحكم؟!

وافترق الرجلان الصديقان القديمان اللدودان…واحد ذهب لكي يوقع اتفاقية كامب دايفيد..وواحد ذهب لكي يدق على ابواب دور النشر العالمية ويصبح اشهر كاتب ومؤلف سياسي وصحافي في الشرق الاوسط كان يكتب العربية بأسلوب الف ليلة وليلة ويكتب الانكليزية … اأو يكتب له الكاتب الانكليزي (تيدي هوتشكين) الذي كان كاتبا في مجلة “ايفنتس” وصاحبها سليم اللوزي في السبعينات… هكذا تحدث ناصر الدين النشاشيبي الذي اكتوى أيضا بنار محمد حسنين هيكل وحلمي سلام وغيرهما ويضيف النشاشيبي: “دخل هيكل السجن بأمر من انور السادات وخرج من السجن بطلا مصريا وتحداه مصطفى امين ثم موسى صبري شنودة ثم جماعات السادات بألف مقال والف تهديد والف منشور والف كتاب ضده وضد زعيمه عبد الناصر واستطاع ان يصمد امامها كلها وأن يرد عليها كلها وأن يجد وقتا كافيا يقضي فيه اجازة أيام الجمعة وعطلة الصيف في الاسكندرية وفي العزبة وزيارات متكررة الى ايران ولبنان والمجيء الى الاردن للبحث في موضوع زواج احد اقربائه من فتاة اردنية فلسطينية تعيش في عمان”…

هل عاش بعضنا في تونس سواء كان مع بورقيبة أو مع بن علي او مع من تداولوا على حكم البلاد بعد من يسمونها “ثورة” هذا الذي يعيشه كبار الصحفيين في مصر وفي لبنان وسوريا؟ لا…لو أتيحت له هذه الفرصة لكان وضع الإعلام أفضل بكثير مما هو عليه اليوم… فنصف السياسة صحافة… وكل الصحافة سياسة…كبار الساسة يصنعون كبار الإعلاميين والصحفيين…وكبار الصحفيين يكتبون مجد كبار الساسة…

لا غرابة إن نجح الساسة بما يقترحه وينصحهم به رؤساء تحرير بعض الصحف الكبرى…هذا يمكن أن يكون في مصر وفي لبنان …لكن هل لنا في تونس اليوم صحف كبرى…فالكاتب الكبير يولد من عنوان أكبر…والعنوان الكبير يكبر بمن يكتب فيه؟ لا، في تونس اليوم نعيش آخر أيام عمر ما بقي لنا من الجرائد الورقية …كل الحكومات التي تداولت على حكم البلاد بعد من يسمونها “الثورة” ساهمت في الدمار الذي طال الصحافة الورقية المكتوبة في تونس…في فرنسا مثلا تساهم الدولة سنويا بــ 130 مليون يورو لمساعدة الصحف اليومية الكبرى وحتى الصغرى في مجابهة مصاريف الطباعة وخلاص أجور من يكتب فيها…وفي تونس اليوم تُلوَى ذراع بعض الصحف لتنصاع إلى سياساتنا وإن لم تفعل تُحرم من نصيبها من الإشهار الحكومي…لو حافظت حكوماتنا على ما كان عندنا من عناوين وأسماء لكان حالنا السياسي والإعلامي والصحفي أفضل بكثير مما نحن عليه اليوم…ففي تونس هناك الكثير من الأقلام التي تقاعدت دون أن تأخذ حظها كاملا من الظهور في المشهد الإعلامي رغم قدراتها وكفاءاتها…جميعهم احيلوا على التقاعد وكان يمكن أن يكونوا من الذين شهدوا على العصر في العديد من الأحداث …فبعضهم كان قريبا من السلطة وعلى دراية ببعض كواليس الحكم…وكان يمكن أن يساهموا في كتابة العديد من السيناريوهات لأحداث عاشتها البلاد ولا يعلمها العامة…

أعود لما جاء على لسان وقلم ناصر الدين النشاشيبي الذي يقول:

” ليس همي أن أعود إلى الوراء وأكتب عن الأقلام المصرية “المعروفة” التي تطاولت على كل مسؤول عربي في خارج مصر، وجرحت أعراض عائلات عربية كثيرة في بغداد وبيروت ودمشق وعمان إرضاء للاستخبارات المصرية بالذات. ان كل همي أن أترك للقارئ العربي معرفة السر الذي أطاح بالصحافة المصرية وأصابها بالعفن وأدخل السوس والجراثيم إلى هيكلها وروحها! لقد استيقظ المشير عبد الحكيم عامر ذات صباح، وقرر ان يعثر لنفسه على صحافي مصري معروف يوظفه لحسابه ويحارب به عبد الناصر! واذا كان “هيكل” هو سلاح عبد الناصر في “الأهرام”، فلماذا لا يصبح “حلمي سلام” ـ الصحافي القادم من مجلة «الفن والاذاعة والتلفزيون» ـ هو سلاح المشير عامر في جريدة “الجمهورية”! وفعلاً، اصبح حلمي سلام رئيساً لدار التحرير، ولجريدة “الجمهورية” لسان حال الثورة المصرية..!! وشطب أسماء جميع رؤساء التحرير من “الترويسة” المنشورة على الصفحة الأولى، ووضع مكانها اسمه الغالي بالحرف البارز! يعني شطب أسماء طه حسين والشناوي وكاتب هذه السطور، واستبدلها باسم واحد ووحيد واستدعى معظم زملائه في مجلة “الاذاعة والتلفزيون” وأغدق عليهم المرتبات والسيارات وعينهم في دار “الجمهورية”.

وأدرك الناس ان عبد الحكيم عامر قرر ان يحارب رئيسه عبد الناصر، بأسلوب الصحافة والاعلام بالرغم من سوء الاختيار…

وكان ذلك في نهاية عام 1965 وبداية عام 1966. وعندما ذهب حلمي سلام وعرض اسماء الصحافيين المطلوب التخلص منهم من دار “الجمهورية”، أراد المشير أن يعالج الأمر بالدبلوماسية وقال لحلمي سلام:

ـ أنا موافق على هذه الاسماء ولكن لا بد من عرضها على الرئيس عبد الناصر.

وباعتراف حلمي سلام، نفسه، اعترض الرئيس عبد الناصر على نقل اسم واحد من دار “الجمهورية” وهو اسم ناصر الدين النشاشيبي..

وطالب حلمي سلام بحل مجلس إدارة دار “التحرير”، وتركيز السلطات كلها في يده مع حل جميع وحدات الاتحاد الاشتراكي الاربع الموجودة في دار التحرير والاستعانة ببعض الصحافيين العاملين بدار “الهلال” للعمل بدار “الجمهورية”..

ورفض عبد الناصر معظم هذه المطالب…ودخل حلمي سلام دار “الجمهورية” وهي مدينة بمبلغ 360 ألف جنيه وتركها وقد ارتفعت الديون إلى مبلغ 860 ألف جنيه! وهل عجز المشير عن العثور على صحافي مصري آخر يعهد له بـ “الجمهورية” بدلاً من حلمي سلام؟

لا أظن! ولكن المشير الذي كان غارقاً حتى أذنيه في حب الفنانة برلنتي عبد الحميد أراد أن يضمن سكوت حلمي سلام، القادم من مجلة “الاذاعة والتلفزيون”، والشاهد على الكثير من جوانب تلك العلاقة السرية بين المشير من جهة والفنانة برلنتي من جهة اخرى! وكان هذا كله وبكل فصوله المضحكة المبكية، يجري في شهور عام واحد فقط قبل أن تقع حرب عام 1967 ويصاب الجيش المصري بأكبر هزيمة في تاريخه… الحديث! أليس مما يدعو إلى العجب… وإلى الضحك معاً، ان يشغل عبد الحكيم عامر ورؤساؤه انفسهم في التفكير بمشاكل الصحافة المصرية وكيف يتولى احسان عبد القدوس تحرير “أخبار اليوم” ويرأس السباعي تحرير “آخر ساعة” ويرأس بهاء الدين مجلس إدارة “دار الهلال” وينتقل علي ومصطفى أمين من “أخبار اليوم” إلى “المصور”.. وكل هذا واسرائيل تستعد للحرب وتستدعي الاحتياط وتبني وتستورد السلاح وتنتظر ساعة المعركة! “

هذا ما حصل سابقا مع كبار الصحفيين والأسماء في مصر المحروسة التي مجرد ذكرها يجلب الاحترام ورفع القبّعة بشهادة أحد اكبر صحفيي القرن الماضي الفلسطيني ناصر الدين النشاشيبي رحمه الله…هل بمن نراهم اليوم في منابرنا التلفزية وهم من أدار رقاب القراء وابعدهم وحوّل وجهتهم عن قراءة الصحف الورقية للاكتفاء بمنابر كتبت سيناريوهاتها وحواراتها خارج استوديوهات بثها…أبتلك الأسماء التي تعرفون ولست في حاجة إلى ذكرها يمكن كتابة تاريخ جميل قادر على أن يتحوّل إلى صناعة تلفزيونية أو سينمائية تخلد ما عاشته بلادنا …أم أنكم تريدون تاريخا ساخرا كبعض الصور المتحركة لتضحك منه وعنه أجيالنا القادمة وأحفادنا؟؟

تونسنا اليوم في حاجة إلى الصحافي الوطني العنيد والنزيه الذي يحمي أنيابه من الكسر وتفكيره من البتر وعقله من الحجر…ولا حاجة لها بأقلام وأصوات إنكشارية مغسولة الدماغ ومقطوعة اللسان …وهذا ما نحاول أن نكون عليه في “جلنار” …يقول زكريا ثامر الكاتب والأديب والصحفي السوري…”من يعامل الكلمة على أنها بغيّ تستسلم لمن يدفع أكثر يحق له أن يحظى بشرف الانتساب إلى النقابة السرية للقوادين…”…وكل عام و”جلنار” تفوح برائحة الحرفية والمهنية والنزاهة …وعطرها عطر الحياد …لا تعادي ولا تجامل…ولا تتلون بكل ألوان الطيف….السياسي… لغاية في نفس يعقوب…واسحاق …والبعض الآخر…وغدا نحتفل بفطامها بإذن الله…

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

وهْجُ نار

كيف عشت 14 جانفي 2011؟… شهادة للتاريخ

نشرت

في

نجاة ملايكي:

كل المعلومات الواردة هنا سجلتها بنفسي ودونتها للتاريخ  في إبانها… وكل ما أكتبه هنا حقيقة عشتها كصحفية متابعة للشأن الوطني بكل دقة.

نجاة ملايكي Najet Mlaiki

سأنطلق ممّا عشته ورأيته بنفسي… كنت أمام مقر المسرح البلدي بالعاصمة في تمام الساعة الثامنة والنصف صباحا، في طريقي إلى مقر عملي بدار لابريس والصحافة بنهح على باش حامبة بالعاصمة… كان شارع الحبيب بورقيبة الذي شهد طيلة الأيام المنقضية تعبئة كبيرة، مليئا برجال الأمن في كل مكان وزاوية… وذلك في ظل وجود بعض التحركات من قبل بعض الشباب المتمركز هنا وهناك لكن بأعداد قليلة في ذلك الصباح… قررت أن أجوب الشارع يقودني فضولي الصحفي ووصلت حيث مقر وزارة الداخلية… كانت الحواجز الأمنية تملأ المكان محيطة بمقر الوزارة بشكل غير مسبوق… أحاديث ودردشات في كل مكان من الشارع لا يمكن سماعها إلا إذا اقتربت من المتحدثين…. هناك أمر ما سيحدث دون شك….

 التحقت بمقر الجريدة وقبل ذلك اتصلت بصديقة لي تعمل بدار التجمع بشارع محمد الخامس لأسألها عن الأوضاع فقالت كلمة واحدة واعتذرت عن مواصلة المكالمة الهاتفية (ولديها الحق في ذلك): “انتهى كل شيء!”… هل انتهت الاحتجاجات؟؟ هل انتهى العنف؟؟؟ هل انتهت الحكومة؟؟؟؟… حقيقة لم يخطر ببالي في تلك اللحظة ما سيحدث بعد ساعات قليلة… لكن كل الأمور باتت محسومة نتيجة خروج الأوضاع عن السيطرة….

التحقت بمقر الجريدة وباشرت عملي في أجواء مشحونة بالحماس وبالنقاشات وتبادل الآراء… كعادتنا في بداية كل يوم عمل محفوف بالأحداث والمستجدات… لكن ما من أحد منا توقع انتهاء بن علي بعد بضع ساعات فقط… كانت التلفزة تبث حوارات غير مسبوقة من حيث الجرأة ونقد الأوضاع حتى ان أحد المشاركين في هذه الحوارات قال في الساعة الثالثة مساء: “بن علي انتهى … بن علي مات…”

فعقب على ذلك أحد الزملاء: أكيد مخمور كعادته !.

شارع بورقيبة غص بالمحتجين والجميع ينادون بصوت واحد “ديڨاج… ديڨاج”! … إصرار ووحدة صف منقطعا النظير… وقرار محسوم بضرورة رحيل بن علي…

كان لابد من نقل هذا الواقع التاريخي الذي أعيشه مباشرة… عدت الى الجريدة من جديد وبدأت التحرير وكان ما نكتبه إما نلغيه أو نغيّره بتغيّر تواتر الأحداث والأخبار التي ننقلها بأنفسنا أو نجمعها من مصادرنا المتعددة… ثم على الساعة الثانية والربع بعد الظهر أعلن الرئيس بن علي آنذاك إقالة الحكومة وتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة في ظرف ستة أشهر… وبعد 45 دقيقة من ذلك الإعلان قرر إعلان حالة الطوارئ وتعميم حظر التجوال على كامل البلاد…

بعد هذه القرارات كان بن علي في طريقه إلى المطار وعلمنا في ما بعد أنه تم إعلامه بأن مسيرة احتجاجية بالآلاف في طريقها إلى قصر قرطاج وأن هناك خطرا على حياته وحياة عائلته…

على الساعة الرابعة و45 دقيقة أعلن الوزير الأول محمد الغنوشي أن الرئيس بن علي غير قادر على ممارسة مهامه… وأضاف الغنوشي أنه سيتولى رئاسة الجمهورية بصفة مؤقتة إلى غاية موعد الانتخابات المبكرة بناء على المادة 56 من الدستور (وذلك قبل أن يعلن المجلس الدستوري رسميا إقصاء بن على نهائيا من الرئاسة وتكليف رئيس البرلمان فؤاد المبزع برئاسة الدولة بناء على المادة 57 من الدستور)

كانت الساعة تشير الى الخامسة مساء عندما غادرت مقر الجريدة بعد كل هذه التطورات والأحداث السريعة… شارع بورقيبة خال من المارة وتتوسطه مدرعات الجيش الوطني… لا وسائل نقل ولا سيارات أجرة، عدا بعض السيارات الخاصة التي تعدّ على الأصابع تسرع نحو مقاصدها…

 كنت مع زميلين وكان لابدّ لي من الوصول إلى بيتي بحمام الشط حيث ابنتي الرضيعة التي لم تبلغ بعد شهرها الخامس… الوضع صعب… الطريق مليء بالعقبات… لا وجود لأي عون أمن… العديد من مراكز الأمن حُرقت… عجلات مطاطية تشتعل في الطرقات… لا أمن ولا أمان…  أخبار السلب والنهب تصل من كل مكان… كيف الوصول إلى ابنتي التي تحتاجني؟… أحمد الله أن زوجي قد نجح في الوصول إلى البيت وأحمد الله أن “فرح ” في عناية والدة زوجي رحمها الله التي كانت موجودة ببيتنا… لكن ابنتي لا تنام إلا في حضني… ما العمل؟؟؟

كان أقصى مكان يمكن بلوغه في ذلك اليوم هو ضاحية مقرين… في طريقنا شاهدنا مجموعة من الشباب تفوق العشرة أنفار يسوقون شاحنة جرار هاتفين بافتخار: “هذه أخذناها من البلدية”… حمدت الله أن فكرة سلبنا لم تخطر على بالهم من شدة فرحهم بما سرقوه…

الطريق بدا خطيرا جدا  والسير فيه مجازفة كبيرة… بعد أن نزلت زميلة في مدخل”المروج”، نجح زميلي مشكورا في إيصالي إلى بيت أختي بسيدي رزيق (مقرين) وهي أقصى محطة يمكن أن يصلها في ذلك المساء الذي بدأت فيه أسترة  الليل تنسدل… هناك قضيت الليلة ولم أرتح رغم حفاوة الاستقبال والاستئناس إذ أن عقلي مع ابنتي…. لم أفكر في شيء غيرها…..

مجريات الأحداث

لم يكن متوقعا شيء مما حدث بتونس قبل 17 ديسمبر 2010 يوم أقدم البائع المتجول محمد البوعزيزي  (من مواليد 29 مارس 1984) على حرق نفسه أمام عموم الناس على اثر حجز عون التراتيب آنذاك، فادية حمدي (من مواليد 1965)، لآلة الوزن التي يستعملها في عمله، وحصول مشادة بينهما اتُهِمت على إثرها فادية حمدي بصفع البوعزيزي… وهي التهمة التي أنكرتها وقضت المحكمة في شأنها بعدم سماع الدعوى بعد ثلاثة أشهر و28 يوما من الإيقاف… وثبت أن فادية حمدي مثلت كبش فداء للسلطات الجهوية والوطنية… فعلى المستوى الجهوي، لم يتم احتواء المشكل عندما لجأ البوعزيزي لوالي سيدي بوزيد آنذاك ومُنع من مقابلته وأطرد من المكان… وقرر على اثر ذلك الانتحار حرقا… أما على المستوى الوطني فقد اتخذ قرار سجن فادية حمدي في ليلة 17 ديسمبر على الساعة التاسعة مساء لتكون شماعة اندلاع الثورة من سيدي بوزيد.

في ذلك الوقت كانت المناشدات اليومية للرئيس بالترشح لولاية رئاسية أخرى في 2014  من قبل الكثير من المنظمات والمؤسسات والمسؤولين من مختلف القطاعات والمجالات، على أشدها… وكانت عائلة الطرابلسية تشكل أخطبوطا حول الرئيس الأسبق… جاه… ومال… وإصدار أوامر وفرض قرارات تهم  بالخصوص قطاعات التجارة والاقتصاد… ومنها  الأراضي والعقارات والبنوك  والمطارات والموانىء والشركات الكبرى والبلديات وحتى في الرياضة… وكان الشعب التونسي قد سئم عنجهية هذه العائلة التي حشرت أنفها في كل دواليب الدولة والاقتصاد أمام معاناة الشباب التونسي من تفاقم البطالة وغياب فرص التنمية وتنامي الفقر وعدم تكافؤ الفرص بين الجهات… كما سئم ضعف الرئيس مع العائلة وسكوته عن ممارساتها… مما سهل اندلاع المظاهرات  والاحتجاجات ككرة الثلج… وقد انطلقت من سيدي بوزيد عند قيام الباعة المتجولين وعدد كبير من العاطلين عن العمل والمهمشين، بمهاجمة مقر الولاية…

يوم 19 ديسمبر 2010 استعملت الشرطة – لأول مرة منذ تلك الواقعة – الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين

يوم 24 ديسمبر 2010 امتدت الاحتجاجات إلى معتمدية منزل بوزيان والشرطة تطلق النار لأول مرة… وشهد ذلك اليوم وقوع قتيل في صفوف المتظاهرين… ثم توسعت  دائرة المظاهرات والاحتجاجات الى بقية الولايات وأولها القصرين وسليانة.

يوم 27 ديسمبر 2010 التظاهرات تمتد الى تونس العاصمة لكن تم تفريق للمتظاهرين بالقوة وكانوا آنذاك في أغلبهم من أصحاب الشهائد المعطلين عن العمل.

يوم 28 ديسمبر 2010 ألقى رئيس الجمهورية آنذاك أول خطاب منذ اندلاع الاحتجاجات والمظاهرات وتوسع دائرتها بشكل ينذر بفقدان السيطرة الأمنية… وكان الشعب ينتظر من الرئيس قرارات تذيب كرة الثلج التي تسارع حراكها… لكنه عوضا عن ذلك وصف المتظاهرين بـ “أقلية من المتطرفين الملثمين الذين يعملون لصالح الغير ضد بلدهم”.

هذا الخطاب أجج الأوضاع وشحن الجميع للخروج الى الشوارع… فقد كانت كلمة واحدة من الرئيس ضد “الطرابلسية”  أفراد عائلة زوجته وإعلانه محاسبتهم، كافية لإخماد غضب الشعب… حتى وإن كان وراء هذه الأحداث أطراف خارجية قررت قلب أنظمة الحكم في العديد من البلدان العربية تحت مسمى “ثورة الربيع العربي”

خسر بن علي هذا “الشوط” خسارة كبرى.

يوم 29 ديسمبر 2010 الوزير الأول آنذاك محمد الغنوشي يعلن عزل أربعة وزراء منهم وزير الاتصال أسامة رمضاني الذي فشل اتصاليا وحُمّل مسؤولية فشل خطاب الرئيس.

يوم 30 ديسمبر 2010 تولى بن علي زيارة الشاب محمد البوعزيزي بمستشفى الحروق البليغة ببن عروس

يوم 31 ديسمبر 2010 يخرج زين العابدين بن علي مرة أخرى للشعب التونسي عبر التلفزة الوطنية ويعلن أن 300 ألف عاطل عن العمل سينتدبون قبل موفى سنة 2011. لكن لم يصدق أحد هذه الوعود باعتبار أن طاقة استيعاب سوق الشغل السنوية لا تتجاوز 75 ألف شخص على أقصى تقدير.

واستمرت المظاهرات والاحتجاجات بنسق أقوى وأعنف وانتشار أوسع مع المناداة بسقوط النظام…

يوم 4 جانفي 2011 الإعلان عن وفاة محمد البوعزيزي وتأجج نيران المظاهرات خاصة بسيدي بوزيد  والقصرين وبالعاصمة

في نفس ذلك اليوم اندلعت احتجاجات بعاصمة الجارة الجزائر ومدينة وهران على إثر ارتفاع في الأسعار لكن سرعان ما تم احتواؤها.

يوم 6 جانفي 2011 ألاف المحامين يُضربون تنديدا بالقمع البوليسي مع تواصل المظاهرات.

يوم 7 جانفي 2011 سلطات الولايات المتحدة الأمريكية تستدعي سفير تونس بواشنطن محمد صالح تقية الذي عيّن في 18 أكتوبر 2010، وتعرب له عن انشغالها بقمع المتظاهرين من قبل البوليس.

وقال أحد الدبلوماسيين الأمريكيين في هذا الشأن :”ذكّرنا السفير أيضا بمسألة تدخل الحكومة التونسية في الإنترنت ومراقبتها للحسابات الفايسبوكية” (محرك التعبئة والتأجيج).

وفي نفس  ذلك الأسبوع التقت وزيرة الخارجية الفرنسية آنذاك “ميشال أليوماري” بنظيرها التونسي كمال مرجان ولم تصدر أية معلومة عن فحوى اللقاء.

يوم 9 جانفي 2011 أعلنت السلطات التونسية عن وفاة 14 شخصا خلال مواجهات جدّت في الليلة السابقة بين متظاهرين ورجال أمن في تالة بالقصرين وفي الرقاب بسيدي بوزيد

وذكر سمير العبيدي بصفته وزير الاتصال  والناطق الرسمي للحكومة في ذلك الوقت: “الرسالة وصلت، سنتفحص ما يجب تفحصه وسنصلح ما يجب إصلاحه، لكن العنف يمثل خطا أحمر”

10 جانفي 2011 الرئيس يندد بـ ” الأعمال الإرهابية”  ويؤكد وجود أياد أجنبية وراء هذه الأحداث ويعلن غلق المؤسسات التربوية في البلاد حتى إشعار آخر

11 جانفي 2011 وزير الاتصال سمير العبيدي يعلن عن وفاة 21 شخصا منذ بداية “الاضطرابات” ويقول “كل الأرقام الأخرى التي قدمتها التلفزة والوكالات والتي تحدثت عن 40 و 50 وفاة خاطئة كليا”

12 جانفي 2011 رئيس الدولة آنذاك يصدر قرار إقالة وزير الداخلية رفيق الحاج قاسم ويقرر حظر التجوال بالعاصمة وأحوازها

بعض المواقف الفرنسية كانت تبدو في صف بن علي، ومنها وزير الفلاحة آنذاك “برونو لومار” الذي قال: “الرئيس التونسي ورغم الانطباعات السيئة التي تحملها عنه، قد أنجز الكثير من الأشياء”.

كما ذكرت وزيرة الخارجية ميشال أليوماري أن الأولوية يجب أن تذهب للتهدئة لكنها اقترحت على الرئاسة والحكومة التونسية الاستعانة بخبرة قوات فرنسا الأمنية وهو ما رفضته تونس.

الخطاب الشهير

يوم 13 جانفي 2011 نددت فرنسا لأول مرة بالاستعمال المفرط  وغير المتكافئ  لـ”العنف” من قبل قوات الأمن

في مساء ذلك اليوم توجه بن علي للمرة الثالثة بخطاب بثته القناة سبعة استعمل خلاله ولأول مرة اللهجة التونسية وقال مطمئنا المتظاهرين بأنه لن يترشح لولاية رئاسية أخرى في 2014 وقال كلمته الشهيرة “غلّطوني” وأمر قوات الأمن بعدم استعمال السلاح قائلا “نرفض رؤية ضحايا جدد. كفى عنفا” كما وعد بحرية الإعلام.

وكبادرة حسن نية تمت دعوة معارضين لمائدة مستديرة على نفس القناة.

وخرجت مجموعة من الشباب للشارع بالليل للترحيب بهذه الوعود رغم وجود حظر التجوال وقد كانت في حقيقة الأمر منظمة من الحزب الحاكم.

14 جانفي 2011  على عكس انتظارات الرئيس احتدت المظاهرات مطالبة بالرحيل الفوري لبن علي وكانت كلمة “ديڨاج” الصوت المسموع وسط شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة.

وختامها،

عندما انتشر خبر رحيل بن علي أعلنت فرنسا أنها لا تنوي استقباله على ترابها وذلك قبل أن تعلن المملكة العربية السعودية عند منتصف يوم 15 جانفي، عن وجود الرجل وعائلته على أراضيها

. وبعد يوم 15 جانفي رفع شعار ” ديڨاج” بشكل هستيري في وجه “الطالح والصالح” على حد سواء، وأصبح عنوانا للفوضى والتشفي وتصفية الحسابات. قبل أن نشهد عشرية سوداء قاتمة قادها راكبون على “الثورة” وصلوا على “ظهور” الطائرات وبروح الغنيمة والسطو على مقدرات الشعب التونسي.

أكمل القراءة

وهْجُ نار

خليفة ولد عمّي والانتخابات المحليّة … وحمار سعد زغلول (2)

نشرت

في

كانت الساعة تشير إلى الرابعة فجرا حين تمّ قصف باب منزلي طرقا من مجهول …فالطرق كان أشبه بالقصف الذي نسمع صوته في نشرات أخبار القنوات العربية الإخبارية التي تنقل إلينا مباشرة مشاهد الخراب والموت والدمار في جنوب فلسطين…الحمد لله أني لم أكن نائما في تلك الساعة فأنا تعودت على ترك الفراش باكرا جدّا لإعداد فطور صباح قططي والقطط الصديقة والشقيقة واللاجئة من الأنهج المجاورة الباحثة عن بقايا أكل لإطفاء جوعها…

محمد الأطرش
<strong>محمد الأطرش<strong>

خرجت مسرعا إلى الباب الخارجي لأرى من الطارق، فكان خليفة صاحب الحمار… لم يفاجئني حضوره في تلك الساعة فنحن في ليلة فرز أصوات الانتخابات المحليّة والأكيد أن “خلفون” لم ينم إلى حدّ الساعة وجاءني مباشرة من مركز فرز الأصوات ليبشرني…

ارتمى عليّ خليفة صاحب الحمار واحتضنني أقصد عصرني يمنة ويسرة حتى كاد يكتم أنفاسي فصرخت بأعلى صوتي وقلت: “سيبني قتلتني يا منجوه…” …فردّ: “ربحت يا ولد عمّي ربحت…جبت أكثر من خمسين بالمائة مالاصوات…صرفڨتهم وهردتهم جبتهم يدورو وخليت الكوني والشعلاء يلعبوا في الزربوط والبتشي…وينها الحاجة باش نعلمها …؟؟” أجبت على عجل: “لا لا الحاجة؟؟؟ لا تحضنها لا تمدلها ايدك يا جلف… تحب تكسرلها ضلوعها…قوللها من بعيد راني ربحت وسكر جلغتك…”…

نظرت إليه وسألته أين الحمار يا صاحب الحمار؟؟ فقال كالعادة خلف شجرة “الكلاتوس” يتنفس الصعداء بعد حملة انتخابية أرهقته وكسرت ظهره من كثرة ما جاب بي كل أرجاء الدشرة …قلت لحظة أذهب إلى الحمار أهنئه بهذا الفوز الساحق وأعود…نظر إلي وقال “اشنوة تهني الحمار …تي شكون ربح انا والا هو…؟؟؟ مخيبك ولد عمّي” قلت: “هو من كان سببا في فوزك اليوم لو لم يكن هو إلى جانبك وسندك الأكبر وداعمك الوحيد المصاحب في كل أيام الحملة لما فزت بهذه النتيجة الساحقة؟؟”…

 جاءت الحاجة مسرعة وهي تقول: “اش ثمّة شنهي هالحس يا ولد عمي…وشكون ها البغل اللي يدق في الباب هكاكه يعطيه مدفع ان شاء الله…” سمعها السيد النائب وأقصد خليفة فقال: “أنا يا حاجة …سامحيني جيت طاير مالفرحة حبيت نعلمكم انتو الاولانين لأنكم انتم الاولانين اللي ما شككتوش في قدرتي على الفوز بالأغلبية المطلقة…توه أنا بغل يا حاجة حرام عليك…؟؟ وعلاه يا حاجة تدعي علي بمدفع…؟؟” نظرت إليه المرأة ضاحكة وقالت: “سامحني خلفون نائبنا التحفون …نسخايله واحد آخر…ايا امالا نضربلها زغراطة بالقوي خلي الدشرة الكل يفيقوا يا خلفون..” قاطعتها وقلت: ” لا..لا…تزغرط توّه فاش قام الناس راقدة وانت تزغرط…اش يقولوا علينا الناس؟؟؟” 

اختنقت الزغروطة في حلق الحاجة ونظرت إلى النائب صاحب الحمار وقالت: ” تي وينه البهيم يا خلفون…خليني نهنيه مسكين اش عانى منك وهزّك على ظهره…؟؟” نظر إليها غاضبا وقال: ” اشبيكم انتو الكل عالبهيم …تهنوه يخي قولولي أنا والا هو النائب؟؟”…نظرت إليه ضاحكا وقلت:” اشنوة خلفون تغير مالبهيم…يخي موش هو السند متاعك وأكبر داعم لحملتك…يخي ما هزكش على ظهره ايامات وليالي…شبيك اليوم باش تنكر فضل البهيم عليك…موش حرام عليك راهو بكمة…؟؟” فرك خليفة ذقنه بيده اليسرى وقال: “صحيح هو اللي عانى معايا وهزني على ظهره…وما ننكرش فضل البهيم واش خصّ لوكان عندنا برشة بهايم كيفو…لكن موش لدرجة تنسوني جملة…راني جيتكم نحب نتفاهم معاكم كيفاش باش نعمل زردة واحتفال وحفل استقبال على شرف هذا الفوز العظيم يا أولاد عمّي..”.

اقتربت من الحاجة وطلبت منها إعداد فطور صباح “قمقوم” للنائب صاحب الحمار فالرجل متعب من سهرة فرز الأصوات ثم توجهت لخليفة وقلت: “تعال رتّح فخّار ربي…ونقعدوا نبرمجوا الحفل وشكون تستدعاله؟؟” جلس خليفة إلى جانبي مرهقا شارد الذهن وكأنه في مكان آخر ليس بيننا …وكأنه يحمل أوزار كل الدنيا…قلت له: “شبيك تخمّم لاباس أمورك فسفس هاك وليت نائب…وتوه عاد باش تاخذلنا كرهبة تطنطن وتولي اجتماعات وسفرات للعاصمة ولقاءات مع المسهولين الكبار…” ضحك وقال: “لا…كرهبة لا…بهيمي هو نصف ديني …هو اللي هزني وقت اللي ركايبي فرغوا …بهيمي عشيري ما نبدلاش بخردة حديد لوكان يعطوني مال الدنيا…” ضحكت وتمتمت خوفا من أن يسمعني النائب صاحب الحمار “وعلاه انت اش تسوى من غير البهيم…يا بهيم..” نظر إلي خليفة وقال ” اش اتمتم…بربي؟؟” قلت: ” لا لا لا شيء …”.

جاءت الحاجة بفطور الصباح فنظرت إليها قائلا: “ما تنسيش فطور البهيم يا حاجة؟؟” أجابتني: “اشنوة حتى هو قهوة وحليب زادة…؟؟” قلت: لا لا لكن شوية ڨرط هوكه شريت على ما يواتي بالة ڨرط محطوطة وراء الڨاراج مساهمة مني ودعم استراتيجي ولوجستي لخلفون…وصُبيلَه شوية ماء راهو عطشان مسكين اش عانى من بلاء”…أنهى خليفة فطور صباحه النيابي فبالأمس كان خليفة مولى البهيم واليوم أصبح النائب صاحب الحمار…ونظر إلي وقال: “اعطيني فكرة على البرنامج ولد عمّي تعرفني جهلوت ما فاهم حتى كعبة ولوكان موش البهيم هزّ معايا ثقل الحملة كاملة راني توّه نجر في أذيال الخيبة…”.

فكرت قليلا وقلت: “اسمعني جيدّا…أولا يلزمك تكتب كلمة ترحيبية بالحضور باهي…وتنادي العمدة يحضر وكان لزم المعتمد…باهي…(كان خليفة يهزّ راسه كلما سمع كلمة باهي …فيعيدها محركا رأسه خلفا وأماما…ويضيف: حاضر..)…ثانيا يلزمنا نعرفوا قداه من واحد صوتوا في الدشرة الكل…باهي…ونعرفوا نسبتهم من عدد الناخبين …ويلزمنا نعرفوا اشكون صوتولك انت والبهيم بالذات…باهي”…هنا قاطعني خليفة في حالة غضب وقال: “اشنوة صوتولي انا والبهيم.. بصراحة كثرتولها ولد عمّي…أنا المترشح راهو…والبهيم مساند رسمي وداعم…وعضدي الأيمن…اكهو…” نظرت إليه وقلـت: “يا خليفة بربي قلّي موش الناس الكل في الشارع وعندهم مدّة يقولوا شوفوا النائب خليفة والبهيم متاعه يخي انتو قاسمين…انت وليت معروف ببهيمك…نهار اللي يشوفوك وحدك باش يسالوك عالبهيم وينه…ونهار اللي يشوفوا البهيم وحده ما نتصورش باش يسألوه عليك…خاطر هو ولى اشهر منّك بصراحة…باهي…وخليني نكمل البرنامج حسب وجهة نظري باهي..”

نظر إليّ خليفة وقال: “باهي ولد عمّي كمّل …كملّ…” وهنا تدخلت الحاجة لتقول: ” يا خلفون خلّي ولد عمّك يكمّل راهو طيارة في تنظيم الاستقبالات وحفلات التوسيم والانْتِخَيْبَات…” ضحكت وقلت للحاجة “انتخابات…انتخابات يا حاجة موش انتِخَيْبَاتْ…باهي” حركت رأسها كالنائب وقالت: أوكي…وضحكت… نظرت مرّة أخرى إلى النائب صاحب الحمار وقلت “نسألك وتجاوبني أوكي خلفون..” قال نعم …

قلت: كم عدد الناخبين المسجلين الكلّ في الدشرة حسب ما أعلموكم هناك في مركز الفرز؟

خليفة: 112 ناخب…البقية ثمة اللي ماتوا وثمة اللي حرقوا العام اللي فات وثمة اللي ما حبوش يسجلوا…

أضفت: كم صوّتوا ؟؟

خليفة: 10 صوّتوا…والبقية ثمّة اللي ما فيبالهمش…وثمة اللي ممتنعين…وثمّة اللي نسوا…

قلت: كم صوّتوا لك وللبقيّة…

خليفة: 8 صوّتوا لي …علي ولد حفصية…واحمد ولد مغلية…وحمّه ولد العمياء…ومرت عمر ولد الحفيانة…وسعد ولد شوشانة…وأنا صوتت لروحي …وأنت والحاجة…

قلت: كيفاش عرفت اللي هما صوتولك انت؟؟

خليفة: ماني اتفقت معاكم اللي يصوتلي يدخل صبعه للأخر في المحبرة…

قلت: يا مهف… وضحكت وضحكنا معا…

قلـت: هذوما نسموهم “المنعوتون بالصبع”…هوكه صوابعهم فيها الحبار لتوّه باهي…وشكون صوت للكوني وللشعلاء؟؟

خليفة: كل واحد صوّت لروحه…

قلت: اذن موش مشكل حتى هما يجوا في الحفل باهي…باش الناس الكل تتوافق وتتصالح بالمناسبة باهي خلفون…

خليفة: باهي ولد عمّي…والكلمة شكون باش يكتبها؟؟

قلت: انت النائب وانت المعني الأول بكتابة نصّ الكلمة برّه ارتاح شوية وبعد قوم حضر أمور الحفل…واشري اش لازمو الكل…حلو ومشروبات…واعمل عشاء خاص بــ”المنعوتين بالصبع”…أذبح فيه كان تحب علوش والا حتى جدي باهي…

خليفة: بااااااهي ولد عمي اما انت مهف في البرمجة…

قلت: استناني أولا انت اش ناوي حفل استقبل على شرف الكل والا كان على شرف “المنعوتين بالصبع”؟؟

خليفة: لا لا الكل أنا مع المصالحة الشاملة…أما “المنعوتون بالصبع” نقَعْدُوهُمْ في بقعة باهية ومع بعضهم…خاطر ناوي نعطيهم قفيفة فيها حثيويلة صغيرة مللي كتبه ربي…شوية فارينة وسكر وقهوة وروز وزيت زيتونة وزيت الحكومة…ودبيبزة كونوليا جابهملي ولد خوي من سوق ليبيا …باهي…انت فاهمني …تي من كل زوجين اثنين…باهي…

قلت: أيا امالا برّه روّح وبعد طل عليّ نقروا كلمة الترحيب ونصلحهالك وتحفظها من راسك خير مالورقة باهي خلفون…وبالله ما تنساش ترتّح شوية البهيم راهو تاعب مسكين…وحتى هو راهو فرحان بالنتيجة خاصة وهو أكثر واحد تعب عليها…هنا نظر لي خليفة معاتبا بعيونه…وقال اَيَّه بَهْنَاكُمْ…

خرج خليفة مسرعا نحو الحمار وغادر المنزل إلى مقرّ سكناه لإعداد مراسم الحفل وكتابة كلمة الترحيب…فنادتني الحاجة وقالت: “برّه شوف تلقاش هدية باش نهزوها معانا لخلفون راهو نائب محلي محطوط على كريمة…(قاطعتها وقلت: شنوّه…) ثم واصلت الحاجة لتقول…لا لا نفدلك…وبالنسبة للبهيم تو نهزوله شوية من بالة الڨرط اللي جبتها كمساهمة في الحملة الانتخابية لخلفون التحفون…

خرجت مسرعا بعد ان ارتديت معطفا فالطقس بارد بعض الشيء…وقصدت السوق، وأنا في طريقي اعترضني الحاج أحمد ابن خالتي فاحتضنني قائلا: “مبروك على خلفون…وربي يخليله البهيم ..” ضحكت وقلت: “يبارك فيك يا حاج…أما البهيم امشي هنيه وحدك…” ورويت له كيف أن حمار خلفون كان الأكثر حماسا والأكثر دعما لخليفة فلولاه لما نجح خليفة في تجاوز خصومه…

واصلت طريقي وتركت الحاج أحمد صحبة رفقة طيبة من أهالي الدشرة …وكنت كلما اقتربت من مجموعة في مقهى أو في الشارع يتحدثون …أقول كلما اقتربت من مجموعة أسمعهم يتحدثون عن “بهيم النائب” وفطنته ورؤيته السياسية ونجاحه في لمّ شمل سكان الدشرة…اقتربت من بعضهم وسألتهم ما الأمر يا جماعة فقال أحدهم: “هاتفنا منذ قليل السيد النائب خليفة ودعانا إلى حفل استقبال الليلة ولم يستثن أحدا من أهالي وسكان الدشرة حتى أولئك الذين لم ينتخبوه ولم يذهبوا لمكتب الاقتراع…وسنذهب جميعنا صراحة إلى منزل السيّد النائب وكلنا شوق لرؤيته ورؤية الحمار الذي أوصله إلى نيابتنا في المجلس المحلّي…وعلينا جميعا أن نفاخر بما أتاه هذا الحمار وصبره خلال شهر كامل من الحملة الانتخابية، كيف لا ونحن عشنا معه كامل مدّة الحملة ورأيناه يجوب الدشرة طولا وعرضا دون أن يشتكي مما يحمله على ظهره ودون ان يطالب بأجر أو بامتيازات كبيرة…هذا ما يمكن اعتباره صراحة نضالا…فحمار النائب ناضل من أجل إيصال صاحبه إلى المجلس المحلّي وقد يناضل من أجل إيصاله إلى مراتب اكبر وأعلى …فنعم الحمار هذا…إنه البهيم الوطني الذي وجب أن نفاخر به”

نظرت إليه وقلت: أنا الآن هنا لأشتري هدية صغيرة للحمار أو للبهيم كما نسميه…وهدية أخرى لصاحب الحمار نائبنا العزيز خلفون التحفون…واخترت أن تكون الهدية ربطة عنق ما رأيكم؟؟” نظر إلي جميع من بساحة السوق وقالوا “نحن أيضا سنفعل مثلك يا ابن عم صاحب الحمار…” قلت متمتما…”حتى أنا وصلني اللقب واصبح يتذيّل اسمي…يا لبخت هذا البهيم وصاحبه..” فكّرت في ما يمكن أن أهديه آخر لخليفة فقلت لا شيء يحتاجه اليوم غير ربطة عنق جميلة من مغازة عمّ الجيلاني قشّابية…وكان الأمر كذلك ثم مررت بأحد باعة العلف واشتريت “بالة” ڨرط لبهيمنا المناضل والمساند الرسمي لنائبنا المحلّي…على أن أسدّد ثمنها على قسطين…

عدت إلى المنزل بعد أكثر من ساعتين بالسوق فوجدت النائب في انتظاري وهو يمسك ورقة بيضاء وليست بالبيضاء وكأنه ذلك الورق الذي عند الجزار الخاص بلفّ اللحم…اقتربت منه وقلت: “هل كتبت شيئا للترحيب؟” قال: “لا، صراحة لم أجد الكلمات…” قلت: “هات الورقة سأكتب الكلمة، فقط عليك حفظها…” وكتبت…

إخوتي الحضور…أهالي دشرتنا الكرام…

أتوجّه إليكم أنتم يا من انتخبتموني وأقصدكم أنتم “المنعوتين بالصبع” …أقول أتوجه إليكم وأنتم بقية من جاؤوا ليشرفونني في هذا الحفل الكريم وهم لم يكونوا هناك في مكاتب الاقتراع، بالشكر والثناء على دعمكم ومساندتكم طيلة أيام الحملة الانتخابية…كما لا يفوتني أن أنوّه بدعمكم ومحبتكم لي ولحماري العزيز وسندي الأكبر في هذه المعركة…فلولا مساندتكم لما أمكن لي ولحماري العزيز والمناضل مواصلة مشوار الحملة…فهو الذي كان يسجل في ذاكرته كل المنازل التي زرناها وكان يرفض الذهاب إلى منازل زرناها سابقا…فحماري هو ذاكرتي وذاكرة سكان الدشرة الكرام وهو سندي وملهمي في هذه الرحلة السياسية الشاقة…وهو الذي وجب أن أفاخر بما أتاه وما فعله من أجل أن أكون انا هنا …وبهذه المناسبة أجدّد تمسكي بالشرعية الدولية في ما يخصّ ما يقع الآن في جنوب فلسطين المحتلة…وأندّد بالإبادة التي يتعرّض إليها الشعب الفلسطيني…وأندّد أيضا بالقتل الممنهج للصحفيين…كما لا يفوتني أن أندّد بما تتعرّض له الحيوانات الأليفة وخاصة الحمير من قتل وتهجير في العديد من الأماكن في العالم العربي وبعض الدول الأخرى…أخاطبكم نائبا عنكم في مجلسنا المحلّي الموقّر…

عاشت دشرتنا…عاش سكان دشرتنا

وعاش حماري سندي وأخي في الكفاح…

والسلام عليكم

نظر إلي خليفة وقال: ” لماذا أتيت على ذكر الحمار في الكلمة الترحيبية؟” قلت: “أنا كنت في السوق وسمعتهم يتحدثون بإطناب عن الحمار ونضاله معك لإيصالك حيث انت يا خليفة فذكر الحمار في الكلمة الترحيبية أصبح ضروريا حتى لا تُنعت بناكر الجميل…أليس كذلك؟؟” ضحك صاحب الحمار وقال: “لست ناكرا للجميل…سألقي الكلمة على الحضور بعد حفظها عن ظهر قلب…”

تناولنا طعام الغداء ثم قلت للنائب لنذهب إلى منزلك فمراسم الحفل تبدأ بعد ساعتين، وصلنا إلى منزل النائب المحترم، ربط خليفة حماره بشجرة وراء المنزل بمكان يبعد عنه قرابة العشرين مترا ثم دخلنا المنزل لنعدّ العدة وليحفظ خليفة كلمته الترحيبية ليلقيها على ضيوفه في حفل الاستقبال…

خرجنا أمام المنزل حين حانت ساعة استقبال الضيوف…بدأ “المنعوتون بالصبع” يتوافدون على منزل خليفة…وصلوا جميعهم وأدخلهم السيّد النائب إلى بهو المنزل الذي فرش بأجمل الزرابي يتجاذب معهم أطراف الحديث…ونوّه جميعهم بالحمار ونضالاته وحرصه الشديد على إنجاح صاحبه وإيصاله إلى حيث ترشح، ووصل الأمر بأحدهم إلى اقتراح تمثال تخليدا لموقعة الحمار أمام مغازة عمّ الجيلاني قشّابية لتكون في واجهة الساحة مدخل الدشرة ولتكون شاهدا على العصر وعلى “التوافق” والتعايش اللذين تعيشهما دشرتنا…فجأة سمعنا تصفيقا حارا لا أحد منّا يعلم مصدره…قلت للحاجة “بره شوف منين هالحس ووين التصفيق هذا…”

أسرعت الحاجة وراء منزل خليفة لتجد حشدا من أكثر من مائة شخص من نساء ورجال الدشرة حول حمار النائب يصفقون ويتغنون بنضالاته…عادت الحاجة إلينا وهي في حالة من الذهول وقالت “يريدونكم هناك حول الحمار …يريدون الاحتفال هناك…” التفتّ إلى خليفة وقلت…تعال إلى حيث الحمار ألم أقل لك إن الحمار هو الذي أدار رقاب كل سكان الدشرة…ذهبنا إلى حيث ينتظرنا أغلب سكان الدشرة…هناك وجدنا أغلب السكان بهواتفهم النقالة يخلّدون الذكرى في صورة “سلفي” مع الحمار المناضل…ولا أحد منهم فكّر في أخذ صورة مع النائب المحتفى به…نظرت إلى يمين الحمار فرأيت يا لهول ما رأيت، رأيت سورا مبنيا ببالات الڨرط التي أتى بها سكان الدشرة لحمار النائب…وقلت في خاطري: يا بختك يا حمار…

اقتربنا من الحشد الكبير من ضيوف الحمار…عفوا ضيوف النائب… رفع خليفة يده طالبا بعض الهدوء وقال هل تسمحون لي بإلقاء كلمة ترحيبية بهذا الحضور الكريم…وبدأ خلفون في إلقاء كلمته وكان كلما ذكر الحمار صفّق كل من هم هناك وزغردت كل النسوة الحاضرات …ووصل الأمر ببعضهم بالهتاف بالحياة للحمار وصاحب الحمار…وطالب أحدهم الآخر بأن يرفع الحمار على الاعناق…حينها وفي تلك اللحظة وكأني بالحمار يفهم ما يقال حوله نهق نهقتين بأعلى صوته فتفاعل الجمهور معه بالتصفيق والهتاف والتفت إليه مصفقا داعيا له بطول العمر …وأسرع بعض الشباب من الموجودين بين الحضور إلى الحمار ورفعوه على الأعناق وسط تصفيق حار من جميع من جاؤوا لهذا الحفل…

التفتّ يمنة أبحث عن خليفة وجدته حزينا باكيا يتمتم كلاما لم افهمه…مسكته من يده وقلت: “ما بك يا ابن العمّ…شبيك تبكي؟؟” قال: “من جاؤوا لتكريم الحمار أكثر ممن ذهبوا لانتخابي…وفي الأخير رفعوا الحمار على الاعناق وأنا أخطب فيهم…أتريدني ان اصرخ معهم “يعيش الحمار… يعيش الحمار…فمن النائب ومن الحمار هو أم أنا؟؟”…

غادرت منزل النائب أنا والحاجة بعد انتهاء الحفل وبعد أن ودعت ابن عمّي وضيوفه الكرام …في الصباح قصدت السوق باحثا عن بعض احتياجات المنزل ثم قصدت سوق الدواب للسؤال عن ثمن خروف فوجدته…من؟…أي نعم وجدته…ابن عمّي متنكرا في لباس فلاّح عارضا حماره المناضل للبيع…ومعه كمية الڨرط التي غنمها من سكان الدشرة في غزوة الانتخابات المحلية… فصرخت في ابن عمّي قائلا:” تهون عليك العشرة؟؟؟…”…

أكمل القراءة

وهْجُ نار

أتأتون اليوم ما كنتم تنهون بالأمس عنه؟؟

نشرت

في

الإقرار بتزوير الانتخابات في الأردن - سواليف

غريب أمر هذه البلاد وبعض شعب هذه البلاد وخاصة بعض من جعلوا من هذا الفضاء وسيلة لتصفية حساباتهم والانتقام ممن لا يتفقون معهم…

محمد الأطرش
<strong>محمد الأطرش<strong>

فمجرّد ألاّ تكتب مادحا لما يسمونها “ثورة” بمناسبة حلول ذكراها يقذفك بعضهم بأقبح الكلام…دون أن يبدأ حديثه بالسلام…أسأل ألستم أنتم من يشتكي اليوم من اسقاطات ما تعتبرونها ثورة وتبعات كل من جلسوا على كراسي الحكم بعدها…ألستم أنتم اليوم من تنعتون سنواتها بسنوات الخراب؟؟ إذن…ما ذنبي إن لم يكتب قلمي حرفا واحد يمجّد فيه ما يسمونها “ثورة” فكيف تريدون منّي أن اشكر الخراب ومن أتى بالخراب ومن صنع الخراب؟؟ ألم تكتبوا في أوراقكم أن “ثورة” تونس كما تقولون هي من صُنع الغرب وعرّابها تعرفونه وأهدافها تعلمونها…فلم تريدون منّي أن أحتفل بذكرى حلول سنوات الخراب وما أتاه العرّاب؟؟ ألم ترفعوا أصواتكم كثيرا وطويلا منادين بالديمقراطية؟؟ أليست الديمقراطية هي أن يسمح لي بأن أصفق لمن أريد وأمدح من أريد وأن أرفض ما اريد وأختلف مع من أريد وأختار من أريد ليحكمني؟؟ فهل عدتم يا جماعة الديمقراطية عمّا كنتم تصرخون وتطالبون به وتدعون إليه؟؟ وهل أصبحت الديمقراطية عيبا ومن الكبائر وستعاقبون عليها يوم الحشر؟؟

 يا عجبي على نسبة الغباء المرتفعة في رؤوس بعض أغبياء الوطن من الذين يركضون أحيانا على “حافرين” ويصفّقون دون وعي منهم…في تونس بعد حادثة “صاحب البرويطة” إن التحيت سيقولون عنك “نهضاوي”…إن استمعت لمدح الرسول سيقولون إخواني…إن سكرت يقولون عنك ماركسي ملحد…إن شكرت القديم يقولون عنك “زلم” ويهجرونك…إن شتمت القديم سيقول البعض عنك خائن وعميل ومتلون كالحرباء…إن كتبت يوما عن مآثر الماضي سيقولون عنك مستبد وتعشق الجلاد وسياط الجلاّد…إن كتبت سوءا عن منظومات ما بعد من يسمونها “ثورة” سينعتونك بالعمالة لفرنسا وبعض الدول الشقيقة والصديقة…وإن انتقدت رئيس البلاد أو حكومة رئيس البلاد سيصرخون في وجهك ويقولون أنت ضدّ الحكومة وأنت من دعاة إسقاط الحكومة ووجب جلدك إن لزم الأمر، فانتقاد الحكومة ومن يرأس الحكومة ومن يعمل بالحكومة من الذنوب التي لن يغفرها لك الاتباع …

ألم يفعلوا هم ذلك سابقا ولا أحد رفع صوته ليقول لهم ما أنتم “فاعلون”؟؟ اليوم إن التقيت أحد خصومهم وأقصد من يرون أنهم أرفع منك درجة وأقرب منك إلى الصواب وأنهم على حقّ وأنت على باطل…و”باطل يا حمّة باطل”…سيقولون عنك لست منا فأغرب عنّا…إن شكرت أحد من يكرهون سيقولون عنك “مرتزق وبائع لذمته” وربما يتهمونك بالخيانة والتآمر…إن انتقدت أحد من يشيطنون سيقولون عنك كل موبقات الدنيا ولن تسلم من القصص الخيالية…إن انتقدت الاتحاد سيقولون عنك ما لم يقله مالك في الخمر…وإن شكرت الاتحاد سيقولون عنك ما لم يقله مالك في الخمر أيضا…فلن تسلم إن شكرت مما عاناه مالك…ولن تسلم إن انتقدت مما تكبده مالك…هم يتعاملون معك بسياسة “ڨاتلك … ڨاتلك”…وفي تونس أيضا إن شاهدوك كئيبا سيقولون “من عمايله”…وإن شاهدوك ضاحكا سيقولون “يضحك وحده هبل”….وإن شاهدوك تعرج سيقولون “محلاها فيه”…وإن شاهدوك سعيدا سيقولون “الأكيد تحيّل على احدهم”….في تونس لن تسلم من ألسنتهم أبدا حتى وأنت تحت التراب…

في تونس اليوم إن تأففت من عدم توفر السكر سيقولون عنك معارض ووجب ردعك…وإن تألمت لغياب الحليب سيقولون عنك تبحث عن خرابها…وإن قلت أين الزيت يا أصحاب الزيت فسينعتونك بالخائن الذي لا يحب البلاد كما لا يحب البلاد أحد…لذلك لم أعد أستغرب كل الضجيج الذي يقوم به بعض من لم يعوا إلى يومنا هذا ما تعنيه حقّا كلمة “ديمقراطية”…ولن أستغرب حجم الاستهبال والاستحمار والاستغباء الذي يعتري المشهد ….فالاستغباء والاستحمار في أيامنا هذه طغى على كل مفاصل…وتفاصيل الحياة، فظلال بعض من يؤثثون المشهد الاتصالي والتواصلي اليوم أولئك الذين خرجوا علينا رافعين لواء الديمقراطية وهم اليوم يرفضونها…وأولئك الذين خرجوا علينا رافعين لواء الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ويرفضون ما كانوا عليه… ويأتون اليوم مثله ويمنعونك من رفض ما كانوا هم يرفضونه…

هؤلاء ومن معهم وزبانيتهم وبعض من يحسبون على الإعلام والبعض من فصيل “الخرونيكارات” والبعض من رجال الإعلام وغيرهم من الذين يسبحون في فضاءات التواصل، أقول ظلال هؤلاء جميعا أصبحت ظلاًلا طويلة الأذنين… هؤلاء “المستحمرون” في الأرض… “الملهمون” في هتك أعراض الناس حسب الطلب وبعد دراسة الجدوى… سيخلدون في ذاكرة التاريخ “بغالا وحميرا”…فلكل تاريخ بهائمه ولكل مرحلة بغالها… وفي تونسنا العزيزة سجّل لنا التاريخ الكثير منهم…منهم من قضى نحبه ومنهم من لا يزال ينهق…هؤلاء هم رموز الجهل والنهيق النشاز…هؤلاء هم رموز الكذب والخداع…هؤلاء لا ينطقون صدقا…بل ينهقون كذبا…

لأمثال هؤلاء أقول… إن البدلة “المشحوطة” لن تظهر أناقتك بل ستظهر تلك التي يقال عنها “وحدة توزن ووحدة تقرطس” وأقصد المصون “المؤخرة”…وربطة العنق لا تصنع من كل من يلبسها رجلاً …بل قد تصنع حمارا بربطة عنق وسروال يثقبه ذيل يتدلى…وأضيف أنا لست من جيل الأغبياء والمغفلين…أولئك الذين باعوا ملابسهم الداخلية…مقابل كأس نبيذ في خمارة شارع الحريّة او شارع قرطاج…أنا ممن يحبون البلاد كل أيام الأسبوع…وحتى يوم الاحد كما قال شاعرنا رحمه الله “أولاد أحمد”…أنا ممن يحبونها اليوم…وغدا وبعد غد…أنا لست من الذين يتسلقون السلم …نحو الأسفل…أنا من الذين يؤمنون ان تونس قادرة أن تعود تؤنس كما كانت لو فقط نزعنا من صدورنا ما علق بها من أدران الحقد والكراهية…نحن شعب واحد وسنبقى…وإن حاول بعض “الذرّي” الإيقاع بيننا وبين بعضنا…بنشرهم لثقافة الحقد والفتنة…تعالوا نعِشْ معا…ونختلف معا…في وطن واحد يجمعنا في الخير وللخير معا… تعالوا ففي اختلافنا حاضر أجمل…ومستقبل لأحفادنا أفضل…

فلم كنتم تصرّون على النهي عن شيء…وتأتون اليوم مثله؟؟ أتأتون اليوم ما كنتم تنهون بالأمس عنه؟؟

أكمل القراءة

صن نار