جور نار
قل أعوذ بربّ الناس… من شرّ الوسواس !
نشرت
قبل سنة واحدةفي
من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrashالانحراف الخطير الذي أخذته الحرب المشتعلة بين أصحاب الأرض في غزّة والكيان المحتلّ جعلني أسأل نفسي ما الحكاية، ما الذي وقع؟
فاليوم يُباد سكان قطاع غزّة من الرضيع إلى الشيخ دون شفقة ولا رحمة، وكل العالم يشاهد ولا يحرّك ساكنا لإيقاف المذبحة وإيقاف المأساة…فالمعركة انقلبت من ردّ على هجوم تجاوز الخطوط الحمراء من الحركة الغزّاوية، إلى إعلان حرب إبادة شاملة على الأرض ومن عليها وعلى البناء ومن بداخله وانقلبت إلى إعلان شبه علني للبدء في تغيير خارطة الشرق الأوسط والتنصّل من كل الاتفاقيات السابقة بين دولة فلسطين ودولة الكيان…
تعالوا لنتحدث بعقل ومنطق، ما هي الضمانات التي أعطيت للحركة الغزّاوية قبل أن تجتاز حدود القطاع وتعلنها حربا على الكيان بطريقة لم تخطر على بال أحد لم نعرفها ولم تغامر بها جيوش العرب سابقا أبدا، فما بالك بأن تفعلها حركة لا تمتلك من الأسلحة غير بعض الرشاشات والصواريخ محلية الصنع؟؟ هل نسيت او تناست الحركة الغزّاوية أنها ستكون في مواجهة جيش مدجّج بكل وأخطر أنواع الأسلحة، وأنها قد تجد نفسها وحيدة في مواجهة الموت؟ هل كانت على بيّنة من الخطر الذي يحدق باهلها سكان غزّة وأطفالها ونسائها وبناتها ورجالها وشيوخها ومرضاها وحتى كلابها وقططها لو أعلن الكيان حرب إبادة شاملة عليها؟ هل كانت على بيّنة من أنه لا يمكن أن تعوّل على العرب ولا جيوش العرب في معركتها هذه…؟
تعودنا سابقا ببعض المناوشات وإطلاق لصواريخ هنا وهناك في اتجاه بعض المستوطنات، لكن لم ننتظر أبدا حربا شبه شاملة وتجاوزا لكل الخطوط الحمراء من رجال الحركة الغزّاوية؟ فمن أوعز لهذه الأخيرة التحرّك بذلك الشكل الواسع والخطير وهي التي تعلم حجمها العسكري وحجم جيش الكيان المغتصب جيّدا، هل ضمنت حماية أهلها إن تحركت نحوهم آلة القتل التي يمتلكها الكيان، هل ثمة من أوعز لها بأن “افعلي وسنكون معك”، أم هل ثمة من أوقعها في فخّ أخر أكبر حجما من مجرّد مناوشات بين صاحب أرض ومحتلّ أو مجرّد إطلاق لبعض الصواريخ على مستوطنة لا تبعد أكثر من عشرين كيلومترا عن وسط غزّة؟
هل من العقل والمنطق أن تعرّض الحركة الغزّاوية أهلها وأطفالها وكبارها وشيوخها ونسائها لكل هذه الإبادة وهذا التنكيل الذي لم نعرفه سابقا ابدا؟ هل وصل “الغباء” أو لنقل “السذاجة” والتهوّر بالحركة الغزّاوية للتورط في حرب غير متكافئة وهي تعلم خيانة دول المواجهة العربية ورغبة أغلب دول المنطقة في الارتماء بحضن تل أبيب في إطار اتفاقية “ابراهام” التي أدارت رقاب أغلب دول المنطقة؟ وهل “أعدّت للعدو” وهنا أقصد الكيان ما استطاعت له من قوّة؟ فإن فعلت فكيف تسمح بإبادة شعبها بتلك الصورة التي لم ير العالم أبشع وأفظع منها في تاريخ الحروب؟
شخصيا أصبحت وبعد ثلاثة أسابيع من الإبادة أرى وأقرأ أمورا أخرى قد تكون بالنسبة للبعض غير منطقية ولا يقبلها العقل وقد يكون من الجنون التفكير فيها، وقد يكون فيها من المنطق والواقعية الكثير… فكأني بالحركة الغزّاوية وقعت ضحية مكيدة من أحد أطراف النزاع الذي يعيشه العالم اليوم…فقد تكون المكيدة من الكيان عن طريق بعض عملائه في غزّة أو في الدول العربية لتوريط الحركة الغزاوية في صناعة مبررات الإبادة التي يعيشها سكان القطاع منذ ثلاثة أسابيع…وهنا وجب أيضا ان نحكّم العقل فقد يكون كل ما روجت له “ماكينة” الإعلام التابعة للكيان ومن يدعمها من دول الغرب و”الماما” من مجازر وتنكيل بالمستوطنين من آليات صناعة مبررات ما يحدث اليوم وما سيحدث غدا في خارطة المنطقة عموما…
فكيف نفسّر سرعة إعلان تحويل الدعم غير المشروط للكيان حتى قبل معرفة ما وقع بالضبط…؟ ألم يكن هذا الدعم موجها بالكامل لأوكرانيا في حربها مع روسيا من كل دول أوروبا؟ ولمن نترك أوكرانيا يا ترى؟ وكيف نفسّر إعلان الماما الحرب “ضمنيا” إلى جانب مدللتها من خلال إعلان الرئيس بايدن إرسال حاملتي طائرات إلى سواحل الأراضي المحتلة وشرق المتوسط، وتوفير كل ما يحتاجه الكيان من ذخيرة وهذا أمر لم يقع منذ عقود من الزمن من أجل حماية الكيان، وكيف نفسّر سرعة قرار ضخّ مليارات من الدولارات في خزينة الكيان كتعبئة لموارد الحرب التي لم تعلن منذ حرب أكتوبر 73…وكأني بالأمر دُبّر بليل…وكأني بالماما على علم بما سيقع لمدللتها قبل أن يقع ولم تُعلمها لغاية في نفس “المستر بايدن”؟
أوصلني “الوسواس” رغم أني قرأت فجرا “قل اعوذ بربّ الناس من شرّ الوسواس…” إلى أمر أخطر أيضا…فالصمت الغريب لبعض الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط يثير ظنوني أحيانا وشكوكي أحيانا أخرى…فأغلب هذه الدول لا تريد خيرا بالحركة الغزّاوية، وبعضها يريد إبعادها تماما عن المشهد الشرق أوسطي فالحركة أصبحت حجر عثرة امام عديد التوافقات مع الكيان أمام البعض …وهي خصم سياسي من رحم خصم سياسي لدى البعض الآخر…فحين يصل الجبن ببعض قيادات المنطقة إلى عدم الاعتراض عن ضرب الحركة الغزّاوية، والاكتفاء بالمطالبة بعدم تعرّض المدنيين إلى القصف وعدم المساس بالمرافق الحياتية الأساسية، فهذا يعني ان هؤلاء ومن يرفعون هذه المطالب لا يريدون خيرا بالحركة ولا يهمهم إن أبيدت على آخرها من قبل جيش الكيان…
لا أظنّ أن العرب مرّغت رؤوسهم وكرامتهم في التراب كما يقع معهم اليوم…ولا أظنّ أن العرب ضعُف عودهم كما هم عليه اليوم…ولا أظنّ ان العرب تشتّت شملهم كما تشتّت اليوم…ولا أظنّ ان العرب انطفأت شعلتهم كما انطفأت اليوم وهم يشاهدون إخوتهم ورضّع إخوتهم ونساء إخوتهم وشيوخ إخوتهم يُقتلون وينكّل بهم أمام العالم…فالعرب اليوم في الحضيض ووصلوا إلى القاع بسبب خذلانهم لإخوتهم واكتفائهم بالفرجة…والتزام الصمت…فالعرب اليوم يتجرعون الهزائم والفرقة والذل والاستعمار السياسي والاقتصادي بسبب عمالتهم وخيانتهم لبعضهم البعض ولأهمّ قضاياهم…ففلسطين أصبحت ملهاة لكل قيادات العرب يخرجون ملفها يوم يحتاجونه انتخابيا وسياسيا ويساومون به دول الغرب لغاية في نفس مصالحهم…
فما أتته الحركة الغزّاوية هو شرف لكل العرب حتى وإن كان غير مدروس أو بـ”إيعاز” من طرف آخر مستتر تقديره “هو” له مصلحة في ما يقع اليوم…ما اتته الحركة الغزّاوية يعتبر حقّا إنجازا تاريخيا مقارنة بتاريخ الدول العربية في مواجهتهم للكيان سابقا…وما أتته الحركة الغزّاوية يمكن أن نفاخر به جميعا رغم حجم الدمار والمأساة التي عاشها ويعيشها أهل غزّة، ورغم الألم والتنكيل والفقدان واليتم والقهر والتشريد الذي عانته وتعانيه غزّة وأهل غزّة …فلا أحد من جيوش العرب التي تكدّس السلاح منذ عقود خوفا من الكيان وشعبها يموت جوعا، أقول لا احد غامر بالدخول مترا واحدا داخل الأراضي المحتلّة من الكيان…فبعضهم لا يعرف من الردّ حين تقصف مطاراته غير جملة واحدة تذاع في وسائل الانباء الرسمية “نحتفظ بحقّ الردّ…” فكم من مرّة وإلى يومنا هذا احتفظت بعض دول المواجهة بحقّ الردّ وهي تُدَكُّ بصورايخ الكيان ليلا نهارا؟
والسؤال الذي وجب طرحه اليوم هل يمكن مقارنة جيوش نظامية مدججة بكل أنواع الأسلحة، مع مجموعات مسلحة بأسلحة فردية وبصواريخ من صنع محلي وقع تطويرها رغم الحصار والمراقبة المستمرة والغارات التي أصبحت خبزا يوميا لأهل غزّة؟…هذه المجموعات محاصرة منذ أكثر من عشرين سنة ونجحت في تخطّي حاجز الخوف من كيان غاصب وهاجمته في عقر داره لتقلب كل المفاهيم وتخلط كل الأوراق داخليا وخارجيا ولتصبح الرقم الصعب في فصائل تحرير الأرض من مغتصبها…فالحركة نجحت داخليا في كسب تعاطف كل الفصائل الفلسطينية ونجحت في افتكاك موقع متقدّم في المشهد السياسي والعسكري الفلسطيني… ونجحت خارجيا في فرض نفسها كرقم لا يمكن استثناؤه من كل حوار أو اتفاقية مستقبلا…
أغلب البلدان العربية التي هللت فعلا لما أتته الحركة الغزّاوية لا مصالح لها في ما يقع وتبعد آلاف الكيلومترات عن حدود فلسطين المحتلّة…ولا تبحث عن غير صالح الشعب الفلسطيني …أما من التزموا الصمت ولم يسعدوا ولم يرفعوا ساكنا ولم يصرخوا في وجه الكيان أن “أوقف الحرب وإلا…” ولم يستدعوا سفراء الكيان للمساءلة حفظا لماء الوجه…هم من لا يريدون خيرا بالحركة الغزّاوية ولا بقضية الشعب الفلسطيني…هم على حدود الأرض المحتلّة…ولهم من السلاح ما يشبع كل الشعوب العربية من جوع… لكن وللأسف، هم من ارتموا في حضن الكيان وهم سبب الهزائم والخذلان…هؤلاء ملوك ورؤساء العرب الذين بنوا أسوارا عالية بينهم وبين شعوبهم…وبين ما تريده شعوبهم فلا أحد منهم استمع إلى ما يطالب به شعبه…جميعهم نكّلوا بشعوبهم وأرغموها على الانصياع لمزاجهم وما يريدون…
هؤلاء يذكرونني بقصّة عجوز روسي سأله احد الصحفيين بعد خروجه من السجن: “لماذا اعتقلتك الحكومة ثلاث مرات؟” قال العجوز: “كنت شاباً حين انضممتُ إلى الحزب، وكنتُ أرافِق مفوض الحزب الشيوعي وهو يشرح تاريخ الحزب ومبادئه، وعند مرورنا أمام الكرملين قال لي المفوّض: (إن سور الكرملين عالٍ جدا؟) سألته: (لماذا هو عالٍ؟) فأجاب: (كي لا يقفز الحمير من فوقهِ)…قلت له: (من الخارج للداخل أم من الداخل للخارج؟) فاعتقلوني ولم يفرجوا عني حتى مات ستالين…وحين أفرجوا عني فَرِحتُ، ووضعتُ صورة خروتشوف بجانب صورة ستالين، فجاءني مفوض الحزب وسألني:(هل لا زلتَ تضع صورة هذا الحمار؟) سألته: (أيّ منهما؟) فأعادوني إلى السجن، ولم يفرجوا عني حتى مات خروتشوف…وفي المرة الأخيرة كنتُ أحتفل بعيد ميلاد أحد أحفادي، فاتصل بي مفوض الحزب وقال لي: (لماذا لم تأتِ إلى اجتماع الحزب الأخير؟) أجبته: (لو علمتُ أنه الأخير، لكنت جئت مع كل عائلتي واحتفلنا… فاعتقلوني للمرة الثالثة)”…
هذا ما تعانيه بعض الشعوب العربية من حكامها…يُعتقلون في كل العهود وكأنهم ولدوا ليكونوا سكانا للسجون ووقودا للمعتقلات …فماذا تنتظرون من حكام يستبدون بشعوبهم ولا يستمعون إلى انتظاراتهم وما يريدون…هكذا هي شعوب دول المواجهة التي تفوق تكاليف تسلحها تكاليف كل غذاء العرب…كل العرب…
لهذا ولأكثر من هذا علينا ان نعلم حقيقة ما جرى ويجري…هل تصرّفت الحركة الغزّاوية بمفردها ودون التشاور مع أي طرف آخر؟ وإن كان ثمة أطراف أخرى في هذا الذي يجري فمن هي…أهي إيران…روسيا… بعض الدول العربية…العمّ سام…أم هو الكيان الذي دبّر كل شيء واوقعنا في هذه المأساة لغاية في نفسه ونفس الماما…أم هو الكيان الذي جنى ثمار ما أقدمت عليه الحركة الغزّاوية بإيعاز من أحدهم…فمن يكون الـ “أحدهم”…إن وُجد…؟؟ وأعود لأقول في كل الحالات ما أقدمت عليه الحركة الغزّاوية فخر سيسجله التاريخ في الوقت الذي نسمع فيه شخير بعض حكام العرب على بعد آلاف الكيلومترات…من بلادنا…وعلى بعد أمتار من حدود الأراضي المحتلّة…
والسؤال الأهمّ من كل ما وقع من همّ وغمّ…لماذا يصرّون على تزوير حاضرنا…ألم يكفهم تزوير كل تاريخنا…؟؟ فصبرا يا أهل غزّة…وإلى بعض حكام العرب…ألا تبّت اياديكم…وانفجرت دمعا مآقيكم…
تصفح أيضا
جور نار
العراق: هل يستبق الأخطار المحدقة، أم سيكتفي بتحديد الإخلالات؟
نشرت
قبل 12 ساعةفي
22 نوفمبر 2024محمد الزمزاري:
ستنطلق الحكومة العراقية في تعداد السكان خلال هذه الأيام والذي سيأخذ مدى زمنيا طويلا وربما. تعطيلات ميدانية على مستوى الخارطة. العراقية.
ويعد هذا التعداد السكاني مهمّا ومتأخرا كثيرا عن الموعد الدوري لمثل هذه الإحصائيات بالنسبة لكل بلد… فالعراق لم يقم بتحيين عدد سكانه منذ ما يزيد عن الثلاثين سنة، إذ عرف آخر تعداد له سنة 1991… ونظرا إلى عوامل عدة، فإن قرار القيام بهذا التعداد سيتجنب اي تلميح للانتماءات العرقية أو المذهبية عدا السؤال عن الديانة ان كانت إسلامية او مسيحية… وقد أكد رئيس الحكومة العراقية أن التعداد السكاني يهدف إلى تحديد أوضاع مواطني العراق قصد رصد الاخلالات و تحسين الخدمات وايضا لدعم العدالة الاجتماعية.
لعل اول مشكلة حادة تقف في وجه هذا التعداد العام، هو رفض الجانب الكردي الذي يضمر أهدافا و يسعى إلى التعتيم على أوضاع السكان في كردستان و في المنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد و التركمان… خاصة أيضا ان اكثر من ثمانية أحياء عربية في أربيل المتنازع عليها، قد تم اخلاؤها من ساكنيها العرب وإحلال الأكراد مكانهم…
هذا من ناحية… لكن الأخطر من هذا والذي تعرفه الحكومة العراقية دون شك أن الإقليم الكردي منذ نشاته و”استقلاله” الذاتي يرتبط بتعاون وثيق مع الكيان الصهيوني الذي سعى دوما إلى تركيز موطئ قدم راسخ في الإقليم في إطار خططه الاستراتيجية.. وان مسؤولي الإقليم الكردي يسمحون للصهاينة باقتناء عديد الأراضي و المزارع على شاكلة المستعمرات بفلسطين المحتلة… وان قواعد الموساد المركزة بالاقليم منذ عشرات السنين ليست لاستنشاق نسيم نهر الفرات ! ..
أمام الحكومة العراقية إذن عدد من العراقيل والاولويات الوطنية والاستشرافية لحماية العراق. و قد تسلط عملية التعداد السكاني مثلما إشار إليه رئيس الحكومة العراقية الضوء على النقائص التي تتطلب الإصلاح و التعديل والحد من توسعها قبل أن يندم العراق ويلعنوا زمن الارتخاء وترك الحبل على الغارب ليرتع الصهاينة في جزء هام من بلاد الرافدين.
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
النفيضة: وقفة احتجاجية لأهالي “دار بالواعر”… على خلفية سقوط تلميذ من حافلة
حرب أوكرانيا… رسالة روسية في شكل صاروخ قادر على الدمار الشامل
استطلاع
صن نار
- اقتصادياقبل 10 دقائق
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
- اقتصادياقبل 4 ساعات
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
- صن نارقبل 4 ساعات
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
- داخلياقبل 4 ساعات
النفيضة: وقفة احتجاجية لأهالي “دار بالواعر”… على خلفية سقوط تلميذ من حافلة
- صن نارقبل 5 ساعات
حرب أوكرانيا… رسالة روسية في شكل صاروخ قادر على الدمار الشامل
- صن نارقبل 5 ساعات
لندن.. “طرد مشبوه” يتم تفجيره قرب السفارة الأمريكية
- صن نارقبل 5 ساعات
بعد وقف الإجراءات الإدارية ضدهم… الاحتلال يطلق أيدي المستوطنين في الضفة الغربية
- صن نارقبل 6 ساعات
الجنائية الدولية تأمر بإيقاف نتنياهو، والكيان يتهمها بمعاداة السامية!