تابعنا على

جور نار

ورقات يتيم … الورقة رقم 3

نشرت

في

Avez vous déjà demandé à vos enfants s'ils trichent en ...

عبد الكريم قطاطة:

كان اليوم الاول للدخول الى التعليم الابتدائي في ذلك الزمن بمثابة اعلان ولادة جديدة لأي طفل … سنة 1955 وبمناسبة انعقاد مؤتمر الحزب الدستوري التونسي بصفاقس، وبالتحديد بالحي الزيتوني (معهد 15 نوفمبر حاليا) كانت سنة دخولي لمدرسة فرانكوآراب بساقية الزيت …

عبد الكريم قطاطة

ومما اذكره في تلك السنة خروج اهالي الساقية لاستقبال شعبي كبير ترحيبا بالزعيم الحبيب بورقيبة …انذاك كان والدي رحمه الله يحملني على ظهره لا فقط لاتمكن من مشاهدة الزعيم بل خوفا على ولده من ان يداس بين الاقدام وهو الذي كلو على بعضو لا يزن اكثر من 20 كلغ …كنت نحيفا جدا (وبقيت تقريبا على تلك الحال حتى يومنا هذا) وتلك النحافة عرضا وطولا كانت سببا في علاقة عاطفية جد متينة بيني وبين سائر المربين و “شاوش” المدرسة سي محمد الجلاصي هكذا كانوا يسمونه رحمه الله …كان تعاطفهم مع عبدالكريم الصغنن كبيرا (حنية وعطف كبيران) وحتى عندما انتقلت الى مدرسة الفتيات في وادي القراوة انذاك بموجب قرار الاختلاط في السنة الخامسة من التعليم الابتدائي (وانا واحد من التلاميذ العقلاء الدافئين اللي لا ينبشوا لا يخبشوا) … هكذا كان ظنهم وهم والله مخطئون لأنو اتعدى على واد هرهار وما تتعداش على واد ساكت …وياما تحت السواهي دواهي وستكتشفون ذلك في بقية الورقات …

حتى عندما انتقلت الى تلك المدرسة اوصى شاوش المدرسة بالساقية زوجته التي كانت تقوم بنفس المهمة في مدرسة الفتيات، برعاية عبدالكريم او “كريّم” بالشدة فوق الياء، وهو اسمي الشائع في كامل محيطي …حومة واهل واصدقاء واتراب التعليم في كل مراحله … فاطمة زوجة سي محمد الجلاصي رحمهما الله كانت اكثر حنية من زوجها ..كنت واحدا من ابنائها المدللين وكنت سواء معها او مع زوجها ذلك الذي ينعم بأيديهما في الشتاء القارس وهما يفركان يدي حتى يبعثا فيهما الحرارة …واذ احمد الله على شيء فإني وبعد عودتي من فرنسا سنة 1979 وانا احمل بين دفاتري شهادة عليا في العلوم السمعية البصرية اختصاص اخراج، لم اكن مختالا فخورا بما احرزت عليه متناسيا جاحدا لجذوري …بل كان مشروعي الاول ان اعود لهؤلاء وامثالهم لاقبل اياديهم ولاقول لهم لولاكم ما كنت ان اكون ….

وكانت اول زيارة بعد بحث دام اشهر عن عناوينهم كانت لسي محمد وللة فاطمة …وعثرت عليهما بعد لأي بنصرالله بولاية القيروان بعد تقاعدهما … حيث عادا الى مسقط راسيهما …. كان لقاء غير عادي لقاء الاحضان بين اب وام وابنهما بعد 20 سنة …كنت سعيدا بسعادتهما وكنت اكثر سعادة وهما يقولان ..(ربينا وما خبناش) … نفس بحثي عمن وضعوا حجر الاساس لشخصيتي …لحياتي …لنجاحي …كان هدفه اللقاء مع المربي الفاضل السيد بشير شراد معلمي بالثالثة ابتدائي …هذا وايضا بعد لأي وعناء كبيرين وجدته بأريانة …بتونس العاصمة ووجدته كما عرفته قمة الهدوء والبسمة الخفيفة التي لا تفارق محياه .. وهذا الذي كانت والدتي لا تطيق اجوبته وهي تشتكيه من قلة مذاكرتي فيجيبها بنفس الهدوء “خليه يلعب انا فرحان بيه” …

طبعا دون نسيان المربين الاخرين في الابتدائي (المرحومين على الشعري وعلي الطرابلسي) وفي الثانوي استاذي في الآداب العربية، الفاضل محسن الحبيب متعه الله بالصحة والذي اهداني احد مؤلفاته عن تجربته في التعليم وخصص جزءا منها للحديث عن ابنه عبدالكريم ـ الاذاعي ـ عندما كنت احد تلامذته المتفوقين في مادة العربية ….و كذلك استاذي الكبير محمد صالح الهرماسي، استاذ التاريخ والجغرافيا سنة الباكالوريا، والذي كان له تاثير كبير جدا على كل تلاميذ الباكالوريا في نهاية الستينات بمعهد الحي، والذي بحثت عنه في دمشق باعتباره يشتغل في منصب سياسي مرموق جدا …اذ اني لم انس عندما شاركت في دورة تدريبية للاتحاد العربي للاذاعة واللتيفزيون بدمشق سنة 1996، ان اسأل عنه لالتقيه … وذهبت حتى إلى مقر حزب البعث الذي ينتمي اليه ولاسفي الكبير كان في تلك الفترة في سويسرا في مهمة خاصة ..

و كذلك المرحوم رشيد الحبيب استاذ التفكير الاسلامي في سنة الباكالوريا، استاذ الكاريزما واستاذ الغيرة على رسول الله (ذات مرة وهو يقص علينا مآثر خاتم الانبياء لمح تلميذا “يتضيحك” فما كان من سي رشيد الا ان انهال عليه (بصفة شلبوق) لا يقرا لا يكتب، مزمجرا غاضبا صائح: “اتضحك على محمد بن عبد الله ؟؟؟” …. نفس سي رشيد وبعد سن متقدمة هو الذي كنت احيانا اصلي وراءه صلاة الجمعة كامام بجامع المنار … وبعدها وانا اذهب لاسلم عليه كان يلح دوما على ان اتوجه له بملاحظات نقدية حول خطبته …وكنت اخجل من مثل سؤاله …وارد عليه بـ (يا استاذ راني تلميذك وانت الاستاذ) .. .ولكنه كان يقسم باغلظ الايمان انه يريد ملاحظاتي وانه معتز بي كاحد تلامذته الذي اصبحت له مكانة مرموقة ـ حسب تعبيره ـ في المجتمع …

ثم اذ انسى فاني لا انسى معلمي الفاضل الشيخ الامام علي الشعري الذي درسني العربية في السنتين الاخيرتين من مرحلتي الابتدائية، والذي كان ذا كاريزما رهيبة ايضا ..كنا نرتعد خوفا منه ولكننا كنا نحبه كذلك بشكل لا يوصف خاصة عند تدريسه لمادة التاريخ ..هو قمة الروعة باسلوبه الروائي المشوق … ولعل من الاوسمة في حياتي يوم دعاني الى منزله في احد اعياد الفطر …يومها احضر لي كل اولاده وبناته واحفاده وقدمني لهم بقوله (هذا اخوكم الذي لم تلده امكم، هذا الذي يشرفني وافتخر به كلما سمعت نقشاته في المذياع ….وكم حدثتكم عنه) … وتراني اتصبب عرقا من كل ما ذكر واردف بالقول …العفو يا سيدي انتوما الساس وما نحن الا “ياجورة” متواضعة امامكم .ثم يدخل الى غرفته ليخرج لي ورقة (دوبلوفاي) … ويا لقمة سعادتي …انها واحدة من تمارين الانشاء التي كتبتها بخط يدي وانا في سنة السيزيام …وهاوهو سي علي الشعري يحتفظ بها ليقدمها لي كواحدة من اعظم الهدايا التي تحصلت عليها في عمري …

انا من اولئك الذين تألقوا جدا في مرحلتين من عمرهم …الابتدائي والعالي اما مرحلة الثانوية فكانت مرحلة غريبة وعجيبة في حياتي … تلميذ متوسط للغاية والبقية ستأتي …تألقي في الابتدائي كان منذ السنة الاولى من ذلك التعليم …لم ادرس سوى شهر واحد

وتمت نقلتي الى السنة الثانية ؟؟؟؟…….. هكذا قرر الاطار المدرسي انذاك …وكنت طيلة تعلّمي الابتدائي مرسما في كل امتحان الاول وفي اسوأ الحالات الثاني او الثالث … وكانت هديتي في كل شهر (الامتحانات كانت كل شهر) ربع خبزة بالطلوق من عند كوشة الفريخة التهمها التهاما (ڨدمة على ڨدمة) …وبعد اربعة اشهر يدفع ابي 20 مليما ثمن الخبزة .انذاك …والاغرب في كل هذا اني لم اكن (محراث خدمة) كما يعبرون عن اولئك الذين يذاكرون ليلا نهارا … وعلى ذكر محراث قراية اعرف واحدا من هؤلاء كان لا يمارس اي نشاط لا رياضي ولا ثقافي خارج اوقات الدراسةا همه الوحيد والاوحد الانكباب الكلي على حفظ كل ما يدرس عن ظهر قلب ….ومن المضحكات والتي هي فعلا مبكيات انه حتى في دراسته العليا (حقوق) كان يسهر ليلا نهارا لحفظ كتب القانون …نعم يحفظ الكتب عن ظهر قلب … __بهيم متاع قراية __وبما ان الاحمرة على بعضها تقع …. فانه تقلد فيما بعد اعلى المسؤوليات …ولكن ….اين الغرابة في ذلك ؟؟…اليست عديد المسؤوليات قديما وحديثا هي اقرب للاحمرة منها الى من يستحقون ؟؟؟….

كنت في الابتدائي اركز كثيرا في القسم … وهز ايدك من المرق لا تتحرق …وربما من هنا تتفهمون انشغال والدتي بمصيري وانا الذي لا اذاكر الا نادرا ونادرا جدا وهي التي عقدت آمالها على الولد الوحيد لا فقط في عائلتها بل في كامل قبيلة الحوش الذي نقطنه ..الوحيد الذي دخل للمدرسة، في العائلة … وحتى ابن عمي وهو الوحيد ايضا في عائلته الذي دخل المدرسة (في فلسفة القبيلة °المدرسة محرمة على الاناث)… ابن عمي لم يحالفه الحظ ولم ينجح في نيل شهادة السيزيام … كان كثير الاستمرار في كل فصل ..هو يكبرني بـ3 سنوات و ووصلنا معا في نفس السنة لنجتاز مناظرة السيزيام… دخلناها معا …ولم يكن من الناجحين …مما حول الحوش الى مأتم عوض الفرح نجحت انا حيث اخفق هو …اذن كيف نفرح وابن العم لم ينجح ؟؟؟…. وحتى جريدة الصباح (المصدر الاعلامي الوحيد للاعلان على نتائج السيزيام في ذلك العهد) كنا في عائلتي نخفيها عن الاعين حتى لا تبدو فرحتنا شماتة لعائلة عمي ….

في الابتدائي لم اكن من التلاميذ المشاكسين على عكس الثانوي وما تلاه …بل كنت اخاف جدا من المربين رغم حنيتهم معي …ذات يوم وانا في الثالثة ابتدائية (سنة ختاني) نعم اجهزوا على كريم بعد ان انتظروا اخا له حتى يتم ختان الاثنين معا … لم تكن العائلة ماديا قادرة على ذلك ولكن ماديا ثم وهو ربما الامر الايجابي الوحيد، العائلة كانت تدخر لمثل تلك المناسبات حتى يكون الاحتفال في قيمة الحدث … ونظرا إلى سني المتقدمة فاني اذكر تفاصيل تفاصيل الاحتفال بذلك اليوم الاغر والاغبر …فرقة سي محمد الدريدي رحمه الله التي انتصبت وسط الحوش تشدو باعذب الاغاني وابي يتمايل مع الاهل والاصدقاء من المولعين بشفيق جلال واغنيته البوز انذاك (اشلوننا) وخاصة بموالها الشهير (يا غدار يا زمن). واذكر جيدا الوليمة التي اعدت للضيوف والتي فيها ما لذ وطاب من مآكل يصح عليها القول (زوروني كل سنة مرة) … ظروف يا سيدي الرئيس… وهذا الاخ لم يات الا بعد ثماني سنوات من عمري … وصحة ليه رحمه الله لم يعش ولم يذق مرارة وقساوة والم ما عشته .وعلى كل ورغم قساوة الطهار العربي بن عبدالله رحمه الله … احمد الله على ان اخي لم يتاخر الى سن الخامسة عشر مثلا ..ربما انذاك قاموا بختاني وتزويجي في نفس المناسبة …. محظوظ اليس كذلك ؟؟؟

اعود الى ذلك اليوم وانا في الثالثة ابتدائي حيث شعرت بالحاجة للذهاب الى مراحيض المدرسة …كنت اتعصر واحاول ان اؤخر عمل اليوم الى الغد __اقصد غائط التو الى ما بعد __لأني كنت اخاف ردة فعل المعلم …رغم انه لا شيء يوحي بغلظته …وتعسفت على معدتي وجهازي الهضمي طالبا __بونيس __من الوقت في انتظار انتهاء الدرس …وخيل لي اني نجحت في جلب عطفهما …. الا اني فوجئت بشلال __هذه اقرؤها باللغتين العربية والعامية مع المعذرة للمتقززين __فوجئت بذلك الشلال يكتسح الحواجز ويبلل ويعطر سروالي القولف ……يا للفضيحة ….وانا كريم المدلل يعبق بتلك العطور امام الاتراب وسيدي المعلم ….نظرت حوالي وجمعت شجاعتي بكلتا يدي كما يقول المثل الفرنسي واستأذنت من سيدي الخروج الى بيت الراحة تركت محفظتي بالقسم وتسللت كجرذ ملوث الى هنالك …هنالك اكتشفت حجم المصيبة وعبثا حاولت بماء الحنفية ان انظف ما علق بالسروال من آثار جريمة لم ارتكبها قلت عبثا لانه ومن عيوبي وكم هي كثيرة وستكتشوفنها اني لا اجيد اطلاقا كل ما هو يدوي …فتحولت حملة التنظيف الى حملة تلويث لساقي وملابسي وكل ما يحيط بي …كيف اعود الى القسم وانا اشبه شيء ب __كنايفي __ وهو الذي كان يقوم بافراغ الكنيف __شبه فستقية صغيرة مغطاة ومتصلة بالمراحيض في الحوش عبر قنوات لتخزين الغائط ثم وعند الامتلاء يقوم الكنايفي باخراجه ليتم استعماله كسماد للغراسات …_عملا _بالقاعدة الذهبية في علم الفيزياء للافوازيه رغم انها ايمانيا لا تصح __ القاعدة التي تقول لاشيء يفني لا شيء يخلق من عدم __ كيف لي ان اخرج من مرحاض المدرسة وانا على تلك الحالة …__مرسي الزناتي اتهزم يا رجالة __ ارتأيت ان الازم مرحاضي __حتى اش يعمل ربي __ وانتهت الدروس …

وبارح التلاميذ المدرسة …وبارح المربون …وبارح المدير … وعادل امام يعيط ….وانا على عكس عادل امام … لابد.. صامد …هامد ….. تسللت الى قاعة الدروس وحملت محفظتي وغادرت المدرسة …كان الوقت __ظليمة مغرب __ وكنت اسارع الخطى حتى لا ينخلع قلب عيادة __والدتي __و انا الذي لم اتاخر يوما على عودتي في توقيتي المعهود ..وحتى لا ينخلع قلبي من خوفي الرهيب من الظلام ….ثم ماذا ارى ؟؟؟؟؟ انه والدي الذي خرج ليبحث عني __الاكيد بعد الحاح كبير و__تقرقير اكبر من والدتي __ وهي ملكة التقرقير __تشد ما تسيب __ …..ولي عودة لذلك التقرقير عندما __زعمة زعمة كبرت شوية __ماكاد يقترب مني حتى اعمت بصيرته روائحي العطرة المنبعثة مني …وبدأت الطريحة التي لم تنته الا وانا ادخل باب حوشنا … كل ثلاث خطوات لعنات مختومة بضربة هنا وهنالك __وين تصب تنفع __ في مدخل حوشنا انذاك افتكتني خالتي فطومة رحمها الله من يده الغليظة وهي تزمجر في وجه ابي باعتبارها لا فقط زوجة اخيه الاكبر واخت امي الكبرى ولكنها باعتبارها ايضا الخالة العجوز التي __يختشي منها الجميع __ كانت تزمجر وتصيح __والله عيب عليك يا محمد اش فيه ما يتضرب هالتنتوفة …__ واسرعت والدتي لبيت الاستحمام وسآتي في ورقة قادمة على تفاصيلها هي وكل كنوز الحوش….اسرعت لتسخين الماء وللقيام بغسلي في مرحلة اولى ثم لاطلاق عنان البخور __جاوي و وشق __ علهما يعطران الاجواء ….

الحادثة الاخيرة وقبل انتقالي لمرحلة التعليم الثانوي والتي بقيت عالقة في ذهني والتي كان لها تأثير كبير على مستقبل دراستي فيما بعد حادثة كانت مع معلمي في اللغة الفرنسية في سنة السيزيام __السادسة __هو فرنسي الجنسية __موسيو دوميناتي __ كان شابا في الثلاثين وكان وسيما جدا ويمتلك دراجة نارية __فاسبا __ وكان من المربين الذين لهم عطف خاص على كريم __تصوروا انه كان ينتظرني كل يوم بجانب __القنطرة __التي كانت وسط الساقية حتى اصل كي يحملني معه وراءه على الفيزبا للوصول الى مدرسة الفتيات بوادي القراوة . __واشكون كيفي عاد ؟؟؟ امير الامراء ..كان من ضمن مشمولاته البيداغوجية الرياضة علاوة على النحو والصرف والانشاء والاملاء والحساب باللغة الفرنسية وكانت الرياضة انذاك “الكرة السجينة ” (بالون بريزونييه) … وكنا مختلطين كما ذكرت آنفا وكانت جل الفتيات (الهسكة واختها) اعني مكتملات البنية الجسدية اذ انه مع اجبارية التعليم وقع تسجيل التلاميذ انذاك حتى وهم في سن الثانية عشرة في السنة الاولى ابتدائي …وتخيلوا فقط تلميذة في السادسة ابتدائي وهي في سن ال18 ….. لي ثقة في خيالكم حتى ادخر الوصف لامور اخرى ….

وكان موسيو دوميناتي ابدا ان يترك حصة الرياضة تمر دون لمسهن ومداعبتهن …والرغبة طبعا مشتركة …وكنت وانا __التنتوفة جسدا وعمرا __ ارقب ذلك بعين خجولة ….ولكن متفطنة …وكان موسيو دوميناتي يعرف اني اعرف وانا اعرف انه يعرف اني اعرف دون النبس ببنت شفة ….ربما كذلك لانه كان يحبني وينتظرني __ اي واحدة بواحدة انت تصمت وانا اجازيك .__..اقول ربما … لانه ربما ايضا لاني كنت متفوقا في دراستي باللغة الفرنسية عنده تماما كما اللغة العربية وهي التي شغفت فيها بمطالعة الكتب منذ الرابعة ابتدائي __ كامل الكيلاني عبدالمجيد جودة السحار في البداية ثم التدرج بعدها الى غراميات احسان عبدالقدوس في السادسة ابتدائي ….ذات يوم ونحن في تمرين حساب عند السيد دوميناتي من كتاب __الف وثلاث مائة مشكل __ كان ابن المدير السيد الدشرواي هو التلميذ الذي اتقاسم معه الطاولة الاولى في القسم …كان المشكل عسيرا بالنسبة لابن المدير فالتجأ خلسة الى الكتاب الاحمر لالف وثلاث مائة مشكل حيث فيه الحلول …قام بنسخ الحل واعدنا التمرين الى موسيو دوميناتي …يوم اعادة التمارين باعدادها نظر دوميناتي الى ابن المدير نظرة استغراب __انه يعرف تلاميذه جيدا و يعرف مقدرة وكفاءة كل واحد منهم __واستجوبه عن السر في التوصل الى الحل …

براف … اعترف التلميذ بفعلته ونال ما كتب له من عقاب __والعقاب انذاك ضرب بانماط مختلفة ولعل افظعها حسب ما اشاهده من توجع التلاميذ الضرب بالعصا على اطراف الانامل واليد ملتفة …بعدها نظر لي سي دوميناتي وسألني ..هل شاهدته وهو يستعمل الكتاب الاحمر ؟؟؟ ولاني لم اكذب يوما على اي معلم في الابتدائي__ على عكس الثانوي الذي اذا لم يوجد الكذب لكنا اخترعناه __اجبت اذن بصدق وعفوية نعم …نظر الى بغضب وقال .. لماذا لم تبلغني بفعلته ؟؟؟؟ لم اجبه ولكني لم اكن يوما قوادا ثم حتى اذا كان لي ذلك هل اقود بابن المدير ….ولم استفق من غفوتي الا و__داودي __يهبط على خدي ……….. كانت الواقعة بحجم الدمار دماااااااااااااار دمرني فتك بي اشقاني واتعسني …انا الذي لم تمتد اليه يد طيلة حياتي التلمذية …ثم من عند من ؟؟؟ من موسيو دوميناتي بالذات …..وكانت نقطة القطيعة مع مادة اللغة الفرنسية ومع مادة الحساب طيلة تعليمي الثانوي …

ياااااااااااااااااااااااااااااااااه كم هي جميلة تلك الايام وكم احس باليتم وانا اعود لروادها واضيف: رحمهم الله … …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 113

نشرت

في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عبد الكريم قطاطة:

من طباعي منذ كنت شابا انّ الله وهبني نعمة الصبر على كل شيء… وكان العديد من اصدقائي يغبطونني على (دمي البارد)… وعندما هرعت الى الله تعمّقت في داخلي القدرة على تحمّل كلّ المشاكل ومخلّفاتها… قد اكون واحدا من سلالة ايّوب، ولكن… واذا فاض كأس الصبر كما غنّى شكري بوزيان… واذا علا صوت ام كلثوم بـ (ما تصبرنيش ما خلاص انا فاض بيّ وملّيت)… وتختمها بـ(للصبر حدود يا حبيبي)… اردّ كأيّ بشر الفعل، لكنني كنت آخذ قراراتي ودائما باعصاب هادئة في ردّ الفعل…

عبد الكريم قطاطة

عندما اسرّت لي زميلتاي باذاعة الشباب بالحوار الذي دار بينهما وبين مديري سي عبدالقادر الله يرحمو… وفهمت انّ حدسي كان في محلّه بالشكّ في نواياه بعد الجلسة الصلحية مع زميلي الصادق بوعبان… تكسّر كأس الصبر… والكأس اذا تكسّر يستحيل لمّ شتاته…. ايقنت ان لا فائدة تُرجى من ايّ صلح بل وقررت ان تكون الحرب معه… اكاهو… وعليّ ان استعدّ لاوزارها… وليضحك كثيرا من يضحك اخيرا… انتهت السهرة الخاصة بتكريمي مع زميلتيّ وكانتا سعيدتين بها شكلا ومضمونا وعدت الى بيتي لاخطّط لحرب فعلية مع مديري…

وفي الصباح الباكر ذهبت لمكتبه… سلّمت عليه وسألته هل استمع الى حصّة التكريم البارحة… اجابني بالايجاب بل وشكرني على كلّ ما قلته في تلك السهرة… سالته باستعباط هل صدر منّي كلام او تعليق في غير محلّه لايّ كان؟.. اجابني: (ابدا ابدا، يخخي انت جديد عليّ نعرفك معلّم) … كنت جالسا فنهضت واقفا امامه واضعا كفّي يديّ على طاولة مكتبه وكأنّي تحوّلت من لاعب وسط ميدان الى مهاجم صريح وقلت له: (انا طول عمري كنت راجل معاك رغم كل الاختلافات والخلافات… ولم اقل في ظهرك كلمة سوء لكن وللاسف الذي حدث امس بينك وبين زميلتيّ في اذاعة الشباب ونُصحك اياهما بتغييري كضيف لهما اكّد بالدليل القاطع انّو بقدر ما انا كنت راجل معاك انت ما كنتش…..)

نعم هي كلمة وقحة ولكنّي قلتها لانّو فاض كاس الصبر… اندهش مديري منّي وانا اتلفّظ لاوّل مرّة بكلمة لا تليق به وقال لي: انت غلطت في حقّي راك.. قلت له: اعرف ذلك وانا جئت اليوم لاثبت لك اني ساعلن الحرب عليك ..ودون هوادة .. وصحّة ليك كان ربحتها وخرجتني قبل التقاعد مثلما قلت ذلك مرات عديدة، اما صحّة ليّ انا زادة كان خرجتك قبل التقاعد… وباش تعرف رجوليتي معاك ثمشي واحد يعلن الحرب على الاخر ويجي ويعلمو بيها ..؟؟ اذن اعتبرني من اليوم عدوّا لك ولكن ثق انّ الحرب بقدر ما ستكون شرسة بقدر ما ستكون من جانبي شريفة بمعنى ـ وربّي شاهد عليّ ـ لن الفّق لك ايّة تهمة لكن سافضح كلّ اعمالك)…

ولم انتظر اجابة منه… غادرت مكتبه وعزمت على التنفيذ… اتّصلت بالعديد من الزملاء الذين تضرروا من تصرفات مديري وسالتهم هل هم مستعدون للادلاء بشهادتهم كتابيا؟؟.. ولبّى العديد منهم طلبي… دون نسياني كتابة تقرير ل بكلّ ما حدث منذ قدومه على رأس اذاعة صفاقس… وللشفافية، كان هنالك ايضا تقرير على غاية من الاهمية وفي ثلاث ورقات كتبته احدى سكريتيراته وبتفاصيل مرعبة بعد ان ذاقت منه الويل… واعتقد انّ ذلك التقرير لعب دورا هاما في قرار اصحاب القرار…

اذن اصبح عندي ملفّ جاهز يحتوي على 30 ورقة ولم افكّر بتاتا في ارساله لا الى رئيس المؤسسة ولا الى ايّ كان… كان هدفي ان ارسله رأسا الى رئيس الدولة دون المرور عبر الرجل النافذ في الاعلام انذاك السيّد عبدالوهاب عبدالله الذي اعلم انه يكنّ لمديري ودّا خاصّا… وهذا يعني اذا يطيح بيه يبعثو لمؤانسة اهل الكهف (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد)… وكم هو عدد الكلاب في حاشية الحكّام… لكن كيف يمكن لي ارسال الملفّ على الفاكس الشخصي للرئيس بن علي؟ ووجدت الحلّ (عليّ وعلى هاكة الناقوبة)… الناقوبة هي كنية لزميل يعمل في الصحافة المكتوبة وماشاء الله عليه في اجندا العلاقات… نعم مع الولاة مع الوزراء مع عدد لا يُحصى… تذكّرت وانا ابحث عمن يوصلني الى الفاكس الشخصي لرئيس الدولة…

تذكرت ذلك الناقوبة وتذكرت خاصة يوم زفافه… كنت يومها ممن حضروا حفل زفافه، خاصة انّ علاقتي به كانت من نوع علاقة الاستاذ بتلميذه… اذ هو ومنذ كان طالبا كان من مستمعيّ وعندما بدأ يخربش اولى محاولاته في الكتابة الصحفية مددت له يدي وشجعته … ولكن في اجندا العلاقات تفوّق الناقوبة التلميذ على استاذه… وللامانة حمدت الله على انّ اجندة العلاقات في حياتي سواء العامة او المهنية خلت من مثل اولئك الكبارات، هكذا يسمّونهم… ولكن وحسب ما عشته، قليل منهم من يستحق لقب الكبير…

يوم زفاف ذلك الناقوبة اشار اليّ من بعيد وهو بجانب عروسه كي اتوجّه اليه… توجهت لمنصة العروسين واقتربت منه فهمس في اذني (ماشي نوريك ورقة اقراها ورجعهالي) .. ومدّ اليّ تلغراف تهنئة لزفافه وبامضاء من؟… بامضاء زين العابدين بن علي… رئيس الجمهورية… الم اقل لكم انه باش ناقوبة ..؟؟ اذن عليّ به ليصل الملفّ الى الفاكس الشخصي للرئيس بن علي… بسطت له الفكرة وبكلّ برودة دم ووثوق اجابني: هات الملفّ وغدوة يوصل للرئيس وفي فاكسه الشخصي…

كان ذلك وسط شهر جوان ..ولم يمض يومان حتى هاتفني المرحوم كمال عمران المدير العام للقنوات الاذاعية ليقول لي: (يا سي عبدالكريم الملفّ الذي ارسلته للرئيس بن علي احاله لي شخصيا وكلفني بالقيام بابحاث مدققة مع جميع الاطراف وانت واحد منهم… ما يعزش بيك هذا امر رئاسي وعليّ تنفيذه)… اجبت على الفور: (وعلاش يعزّ بيّ؟.. ونزيد نقلك اكثر ما نسامحكش قدام ربّي اذا تقول فيّ كلمة سمحة ما نستاهلهاش)… وانتهت المكالمة وقام السيد كمال عمران رحمه الله بدوره كما ينبغي مع الجميع وللامانة ليست لي ايّة فكرة عن تقرير السيّد كمال عمران الذي ارسله للرئيس بن علي…

وما ان حلّ الاسبوع الاوّل من شهر جويلية حتى صدر القرار…ق رار رئيس الدولة باقالة السيّد عبدالقادر عقير من مهامه على راس اذاعة صفاقس وتعيين السيد رمضان العليمي خلفا له… يوم صدور القرار ذهبت الى مكتب سي عبدالقادر واقسم بالله دون شعور واحد بالمائة من خبث الشماتة… استقبلتني سكرتيرته زميلتي فاطمة العلوي ورجوتها ان تعلن للسيد عبدالقادر عن قدومي لمقابلته… خرج اليّ مديري الى مكتب السكرتيرة… سلّم عليّ ولم اتركه للضياع وقلت له : (انا ما اتيتك شامتا ولكن اتيتك لاقول لك انّ قرار اقالتك انا عملت عليه وانا الذي ارسلت الى الرئيس ملفا كاملا حول تصرفاتك ويشهد الله اني لم افترِ عليك بتاتا… الآن جئت لاودّعك ولأتمنى لك الصحة ولاقول لك انا مسامحك دنيا وآخرة…

عانقني سي عبدالقادر والدموع في عينيه وقال لي: (انت هو الراجل وانا هو اللي ما كنتش راجل معاك وربي يهلك اصحاب الشرّ)… غادرت المكان وتلك كانت الحلقة الاخيرة مع السيد عبدالقادر عقير رحمه الله وغفر له… سامح الله ايضا الشلّة التي عبثت بالمدير وبمصلحة اذاعة صفاقس وبالعديد من الزملاء… وهذه الفئة ذكرها الله في القرآن بقوله عنها (الملأ) ووُجدت في كل الانظمة عبر التاريخ وستوجد حتى يوم البعث… انها شلّة الهمّازين واللمازين والحاقدين والاشرار وخاصة ذوي القدرات المحدودة فيعوّضون عن ضعفهم وسذاجة تفكيرهم بنصب الفخاخ للاخرين وبكلّ انواع الفخاخ…

انهم احفاد قابيل…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 112

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

في علاقتي بالاشخاص عموما كنت ومازلت اعطي اهمّية قصوى لنظرة العيون… لا ادّعي فراسة كبيرة في ذلك لكن ربما هو بعض مما جاء في اغنية الكبير محمد عبدالوهاب (حكيم عيون افهم في العين وافهم كمان في رموش العين)… طبعا مع بعض الاحتراز على كلمة حكيم…

عبد الكريم قطاطة

فقط نظرة العيون في مراحل عديدة من حياتي وفي علاقاتي كانت النافذة الاولى للتعرّف احساسا على ما تحمله تلك العيون من صدق او نفاق او من مواقف باهتة لا روح فيها… يوم التقيت مع زميلي وصديقي الصادق بوعبان ونظرت الى عينيه احسست بامرين… الاول انّ الصادق كان صادقا في إقدامه على محاولة الصلح بيني وبين مديري… والامر الثاني وهذا ما حدث بعد ذلك في اللقاء، انه اراد ان يكون محتوى لقائنا بعيدا عن التصعيد منّا نحن الاثنين… وقبل ان نجتمع رجاني (بالكشخي) قائلا: خويا عبدالكريم رجاء ما تصعّدش، وساقول نفس الشيء لسي عبدالقادر … اجبته: داكوردو اما بشرط انّو سي عبدالقادر يتحدّث عنّي باحترام ولا يفتري عليّ… طمأنني سي الصادق وذهب لمقابلة مديري في مكتبه قبل اللقاء الثلاثي…

بعد ربع ساعة تقريبا هاتفتني كاتبته في تلك الفترة (الزميلة فاطمة العلوي) بالقول: سي عبدالقادر يحبّ عليك في بيروه… فاطمة هي السكرتيرة الرابعة للمدير بعد ان قام بطرد ثلاث قبلها… وميزة فاطمة انها كانت تعمل مع رئيسها بكلّ انضباط واخلاص… وانا احترم هذه النوعية من السكرتيرات، وللامانة كذلك كانت سكرتيرتي وزميلتي سامية عروس بمصلحة البرمجة وزميلتي وسكرتيرتي نعيمة المخلوفي رحمها الله بمصلحة الانتاج التلفزي، كانتا في منتهى الوفاء والاخلاص لي رغم كلّ الاغراءات التي سلّطت عليهما ليكونا (صبابّة) لاعوان المدير …

دخلت مكتب المدير، صافحته بادب واحترام وبدا زميلي الصادق بخطابه متوجها لنا الاثنين… خطابه كان منذ البداية واضح المعالم ومبنيّا على عنصرين مفصليّين اولهما الاشادة بمحاسن كل واحد فينا وحاجة اذاعة صفاقس لكلينا… والعنصر الثاني تحاشي الجدال في كلّ ما وقع بيننا اذ لا طائل من ورائه… وكانت اخر كلماته وهو يتوجه لنا هل انتما مستعدان لطيّ ملفّ الماضي وفتح صفحة جديدة من اجل مصلحة الاذاعة لا غير؟.. وطلب مباشرة موقف مديري من رجائه كوسيط بيننا… سي عبدالقادر ودون تردّد كانت اجابته كالتالي: والقرآن الشريف ومنذ هذه اللحظة انا طويت صفحة الماضي وفتحت صفحة جديدة مع سي عبدالكريم… استبشر خويا الصادق بهذا الامر وقال لي: اشنوة رايك خويا عبدالكريم؟ صمتُّ للحظات وقلت: ارجو ذلك ان شاء الله…

لماذا كان ردّي مختصرا للغاية وفيه نوعا ما من الشكّ في ما قاله مديري ؟ اجيبكم… هل تتذكّرون ما قلته لكم في بداية الورقة حول نظرة العيون ؟؟ نعم كنت طوال الجلسة الثلاثية انظر واتفحّص جدا عينيْ مديري… نعم انّ بعض الظنّ اثم … ولكنّ نظراته لم تكن مُريحة وهو اقلّ ما يُقال عنها… تصافحنا جميعا وتمنّى لنا زميلي الصادق بوعبان تكليل محاولته الصلحية بالنجاح… وغادرت معه مكتب المدير وما ان ابتعدنا عن مكتبه حتى قال لي الصادق: علاش نحسّ بيك شاكك في نوايا سي عبدالقادر ؟ قلت له حدسي لم يرتح له وارجو ان يكون حدسي كاذبا…

ودّعت الصادق وذهبت الى مكتبي بوحدة الانتاج التلفزي… لم البث اكثر من ربع ساعة حتى اعلمتني سكرتيرتي نعيمة رحمها الله انّ منشطتين من اذاعة الشباب جاءتا لمقابلتي… استقبلتهما بكلّ حفاوة ويا للمفاجأة… اتضح أنهما مستمعتان ومراسلتان لعبدالكريم في برامجه منذ اكثر من 15 سنة… واليوم اصبحتا زميلتين في اذاعة الشباب… عبرت لهما عن سعادتي وفخري بهما وطفقتا تطنبان في فضلي عليهما حتى في اختيارهما لمعهد الصحافة وعلوم الاخبار بعد الباكالوريا تاثّرا بي وبرسالتي الاعلامية… وبلّغتاني تحيات بعض اساتذتهما لي وتقديرهم لمسيرتي المهنية (عبدالقادر رحيم، منصف العياري ، رشيد القرقوري، الصادق الحمامي…) وبعد يجي واحد مڨربع مللي قال فيهم المتنبي وهو يهجو ذلك الكافور المخصي (وقدره وهو بالفلسين مردود) ويقلك اشكونو هو عبدالكريم واش يحسايب روحو ؟؟ اي نعم هذا ما تبوّع به البعض عنّي… واقسم بالله اقول مثل هذا الكلام واخجل منكم جميعا لانّي لا احبّ والله ايضا لا يحبّ كلّ مختال فخور…

انا لم ادّع يوما انّي فارس زمانه الذي لا يُشقّ له غبار… لكن على الاقلّ اجتهدت وعملت ليلا نهارا وتعبت وكان ذلك في فترات طويلة على حساب زوجتي وعائلتي وارجو منهما ان يغفرا لي… وما قمت به في اذاعة صفاقس كان واجبي ولا انتظر عليه لا جزاء ولا شكورا… اما توجع وقت تجيك من انسان مديتلو اليد واحطت بيه ووقفت معاه وعلى مستويات عديدة وهو اصلا لم يصل الى مرتبة خُمُس منشط او هي لم تصل ثُمُن منشّطة، ويتجرّا يقول تي اشكونو هو عبدالكريم واعيد القول انا اوثّق للتاريخ لكن انا مسامحهم دنيا واخرة …

اعود للزميلتين من اذاعة الشباب طلبتُ منهما كيف استطيع خدمتكما في ما جئتما من اجله… ابتسمتا وقالتا جئنا من اجلك يا استاذنا… ولغة اعيُنهما كشفت لي عن حديث او احاديث لهما رايتها بقلبي قادمة في الطريق… ولم تخذلني مرة اخرى لغة العيون اذ عبّرتا عن سعادتهما بانّ ادارة اذاعة الشباب وافقت على سهرة خاصة من استوديوهات اذاعة صفاقس يقع فيها تكريم الاعلامي عبدالكريم قطاطة وموعد السهرة هو الليلة من العاشرة ليلا الى منتصف الليل… شكرت لهما حركتهما النبيلة معبّرا عن سعادتي وشرفي بنزولي ضيفا على مستمعتيّ… زميلتاي شكرتاني على كلّ شيء واستأذنتا الذهاب لمديري لشكره على منحهما استوديو وفنّيا لاتمام المهمة وودّعتاني على امل اللقاء في الموعد في الاستوديو… اي العاشرة ليلا لذلك اليوم …

الساعة انذاك كانت تشير الى منتصف النهار… كدت اغادر المكتب للعودة الى منزلي (واللي فيه طبّة عمرها ما تتخبّى، وين المشكل مادامني معروف عند مديري بعدم الانضباط في القدوم الى الاذاعة و في مغادرتها ؟؟ خاصة ونحن اليوم ومنذ سويعة ونصف بدأنا صفحة جديدة في علاقتنا… وبالقرآن الشريف زادة… لكن كان هنالك حبل سرّي خفيّ شدّني الى مقعدي في مكتبي… احسست بنوع من الانقباض لم ادر مأتاه… استعذت من الشيطان دون ان اغادر مكتبي… وماهي الا عشر دقائق حتى عادتا اليّ زميلتا اذاعة الشباب وعيونهما توحيان بامر ما قد حدث… كانتا واجمتين وصمتهما كان ثقيلا ايضا ولكنّه كان يحمل اشياء وسترون كم هي ثقيلة ايضا…

تقدّمت احداهما وهي ماسكة شجاعتها بيديها كما يقول المثل الفرنسي وسالتني… يخخي ما زلت متعارك مع سي عبدالقادر عقير مديرك ؟؟ قلت بهدوء وبكثير من الرصانة: لا في بالي توضحت الامور منذ هذا الصباح وطوينا صفحة الماضي ..وسالتهما: يخخي صارت حاجة بينكم وبينو توة وقت شفتوه ؟؟ نتبادلتا النظر وكأنّ كلّ واحدة تقول للاخرى (ايّا قللو اشنوة اللي وقع.. تي اتكلّم يا سخطة انا والله لتو لفهمت شيء)…تكلمت احداهما وقالت (شوف يا سي عبدالكريم انت عزيز علينا ومكانتك ما ياخذهاش لا سي عبدالقادر ولا غيرو… احنا طول عمرنا يستحيل ننساو فضلك علينا ولهذا نحكيلك شنوة اللي وقع بالضبط مع سي عبدالقادر… هو استقبلنا بكل حفاوة وترحاب وعندما اعلمناه بما نحن عازمتان عليه لتكريمك تغيّرت ملامح وجهه وسالنا يخخي لازم ضيفكم يكون سي عبدالكريم ؟ انا مستعد نوفرلكم اي منشط او منشطة عوضا عنه وانا راهو نحكي في مصلحتكم ومصلحة برنامجكم… انتوما تعرفو سي عبدالكريم من عيوبو انو سليط اللسان واشكون يعرف يقولشي حاجة او بوحاجة.. ويخليكم في ورطة… انا نعاود نقوللكم راني حريص انو برنامجكم يتعدّى من غير مشاكل…. فردّت عليه احداهما: احنا راهو جايين خصوصي لبرنامج الهدف منو تكريم استاذنا الاعلامي الكبير سي عبدالكريم اللي علّمنا فيما علّمنا تحمّل مسؤولية افعالنا وقراراتنا…

انذاك وحسب ما اضافته الزميلتان احسّ السيّد عبدالقادر عقير بخطورة ما قاله وكاّنه يقول اش عملت اش عملت… وفي رواية اخرى جمرة وطاحت في الماء، ولسان حاله يتساءل زعمة جيت نطبّها عميتها؟؟… ورجانا (تواصل الزميلة الشابة) ان لا نذكر لك ما حدث… تذكرتوها هاكي الخاتمة متاعو في لقائنا الصباحي وفي نفس يوم قدوم زميلتيّ من اذاعة الشباب مع الزميل الصادق بوعبان (والقرآن الشريف صفحة جديدة بداية من اليوم مع سي عبدالكريم)؟؟؟… ربي يسامحك ويغفرلك خويا عبدالقادر …

ومع مطلع جانفي 2025 اي غدا* ستكون الحلقة الاخيرة في الورقة 113 من حكاياتي مع مديري سي عبدالقادر . رحمه الله وغفر له كلّ شيء… و كتهنئة بحلول سنة 2025 ادعو للجميع بهذه الدعوة (الامن والامان لتونس العزيزة لفلسطين المحتلة وهي في قلب محنتها مع اعدائها من الداخل والخارج … لكلّ الشعوب الشقيقة والصديقة ولكلّ انسان لم يمُت في داخله الانسان ..الله لا يحرمكم من السلام الروحي في هذه السنة الجديدة… صدقوني انها من اعظم نعم الله)…

ـ يتبع ـ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*المقال منشور لأول مرة في 31 ديسمبر 2024

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 111

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

في مارس 2003 وكما ذكرت في الورقات السابقة انغمست انغماسا كلّيا في التعرّف على ديني… وبعد اشهر فهمت قول خالقي (وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُون)…

عبد الكريم قطاطة

نعم فهمت انّ خالقي اراد ان يعوّضني في تلك الفترة عن ما عشته من تجاذبات ومشاكل لا حصر لها مع مديري انذاك سامحه الله وغفر له… ورغم انّي غادرت مصلحة البرمجة كرئيس لها وغادرت قبلها المصدح رغم عشقي الكبير له ووقعت تسميتي على رأس مصلحة الانتاج التلفزي، لكنّ كلّ ذلك حزّ في نفسي وبكلّ ألم… الاذاعة والمصدح كانا بالنسبة لي عشقا لا يوصف… لكنّ الله اجابني وانا اطّلع على قرآنه العظيم بالقول (وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم) اذ انّ نقلتي مكنتني اوّلا من الاقتراب من خالقي ومكنتني كما ذكرت من سلام روحيّ داخلي عوّض عليّ كلّ ما اعتبرته خسارات…

وبقيت منذ مارس 2003 حتى يوم 23 اكتوبر من نفس السنة في قطيعة تكاد تكون كلّيا مع مديري… هو على حالو وانا على حالي لا واحد يجي على ساحة لوخر… يوم 23 اكتوبر 2003 مدّتني سكرتيرتي بظرف يحمل شيئا من مديري… فتحته فوجدت فيه السيد عبدالقادر عقير يستجوبني عن الاسباب التي جعلت من وحدة الانتاج التلفزي لا تنتج… في البداية اعتبرت انّ تساؤله مشروع جدا واجبت مفسّرا ذلك يثلاثة اسباب… السبب الاول انّ الوحدة لا تملك ضمن العاملين بها فريق اخراج اي على الاقلّ مخرجا وكاتبة مخرج… والانتاج طبعا يتطلب حتمية وجود هذين الاختصاصين… السبب الثاني انّ وحدة الانتاح غير مدرجة ماليا في ميزانية اذاعة صفاقس فكيف يمكن لها ان تؤمّن حتى الحدّ الادنى من نفقات الانتاج؟… والسبب الثالث انّي توجهت الى رئاسة المؤسسة بتقرير كامل عن وضعية وحدة الانتاج منذ الاسبوع الاول من مباشرة مهامي على رئاسة مصلحة الانتاج بها، لكن لا حياة لمن تنادي… و لتلك الاسباب اقتصرت اعمال الوحدة على بعض الريبورتاجات الاخبارية او نقل بعض المباريات الرياضية…

وتصورت انّي بردّي هذا اغلقت الملفّ… لكن ما ان حلّت سنة 2004 وبالتحديد في 3 فيفري حتّى مدّني الزميل الشاذلي الغريبي رئيس مصلحة الشؤون الادارية والمالية بنسخة من مراسلة ادارية وصلته من السيّد المدير مضمونها الآتي حرفيّا: من مدير اذاعة صفاقس الى رئيس مصلحة الشؤون الادارية والمالية …الموضوع حول مواظبة مسؤول… أما نصّ المراسلة فيقول: (وبعد… فانّ بعض المسؤولين يعمدون الى عدم احترام التوقيت الاداري، من ذلك انّ السيّد عبدالكريم قطاطة رئيس مصلحة الانتاج التلفزي يعمد الى الالتحاق بعمله متاخّرا ومغادرته له مبكّرا… ادعوكم الى وضع مواظبته تحت المراقبة وموافاتي اسبوعيا بتقرير مفصّل في الغرض وخصم ما يجب خصمه من رصيده في الاجازات السنوية والسلام)…

اشنوة معناها؟ تقولشي مجرم خطير يجب ان يوضع في غوانتنامو وتحت حراسة مشدّدة زادة… تتذكروا اني في ورقة ما، قلتلكم علاقتو بيّ منذ خلافنا معا يمكن تلخيصها في (قاتلك قاتلك) ؟؟.. هاكي هي … اذن هذا يعني انّ المدة الماضية كانت استراحة محارب فقط… بل والانكى انّ احد الزملاء اسرّ لي بانه توعّدني بالقول (والله اللي ما نخرّجو من الاذاعة قبل التقاعد)… للامانة وقتها لم اردّ الفعل بتاتا الم اقل لكم انّ الايمان العميق يمنحنا السلام الروحي؟… بل عندما اسرّ لي احد الزملاء بقسمه ذاك ضحكت وقلت له بالحرف الواحد: الله وحده هو من يُحيي ويُميت… وقررت وابتعادا عن مزيد من المشاحنات وتعكير الاجواء ان اتقدّم برخصة مرض لمدّة شهر علّني اُريح واستريح… وكان ذلك…

نعم لم اكن مريضا ولكن تعاطف الطبيب الذي هو يوما ما، كان احد مستمعيّ وواكب مسيرتي بهضابها وسهولها، لم يتأخّر لحظة واحدة في مدّي بتلك الرخصة المرضية لمدة شهر كامل… بل وابى بشكل بات ان يأخذ منّي ايّ ملّيم مقابل كشفه… وسلّمت الشهادة الطبية للمصلحة المالية والادارية تجنبا للقاء مديري في تلك الظروف… ولبثت في منزلي لا اغادره الا لشرب قهوة سريعة والعودة اليه… وفي اليوم الثالث من اعتكافي فوجئت بجرس المنزل يدقّ… خرجت لاستطلاع الامر فاذا به رجل محترم يقدّم لي شخصه كطبيب مرسل من ادارة اذاعة صفاقس للقيام بما يسمّى الفحص المضادّ حتى يقوم بعده بكتابة تقريره الطبي لادارة اذاعتي… ضحكت بكلّ هدوء وقلت له تفضّل وقم بعملك… كان صوتي الداخلي يقول (اكتب يا حسين انا متيقن من النتيجة)…

وتوجهت ادارة اذاعة صفاقس بمراسلة لرئاسة المؤسسة مرفوقة بتقرير الفحص المضادّ وكانت النتيجة ان رفضت المؤسسة رخصة مرضي وإن منحتني الحقّ في 13 يوما خُصمت مما تبقى لي من عطلتي السنوية وكذلك خصمت 17 يوما من مرتّبي الشهري… قبلت القرار بصدر رحب وقلت في نفسي وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير ولكم… والحمد لله بفضل صبر عائلتي وتآلف البعض من اهلي واصدقائي لم ابت وعائلتي ليلة واحدة وفي كلّ ازماتي مع مديري الاذاعة، دون عشاء… وصبرت على كلّ المحن… لكنّ مديري رحمه الله وغفر له واصل سلوكه معي ودائما من صنف قاتلك قاتلك… ومما زاد ألمي وحزني انه وعندما انتقلت عيادة الى جوار ربها يوم 30 مارس 2004 هو لم يكتف فقط بعدم زيارته لي لتقديم التعازي بل كلّف البعض بتسجيل اسماء كل من يحضر موكب العزاء… هم كانوا في نظره خونة له وانصارا لعبدالكريم …

ولعيّادة طبعا حضور مؤكّد في ورقتي القادمة… ايماني العميق بالله وبقضائه واقداره وبكل امانة كانت رافدا لصبري في فقدان عيادة رحمها الله… ولكن ألمي بعد فقدانها اوعز لديّ رغبة شديدة في اطلاع رئيس المؤسسة على كلّ ما عانيته… فكان ان قررت ارسال مكتوب لرئيسها انذاك اعلمه فيه بكلّ ما حدث مع مديري منذ توليه ادارة اذاعة صفاقس بحلوها ومرّها… والله يشهد على انّي لم اكذب عليه اطلاقا… واكّدت له انّي رئيس مصلحة الانتاج التلفزي على الورق فقط… وأن كلّ مكاتيب المدير لوحدة الانتاج التلفزي لا تصلني البتّة بل كان يرسلها لرئيس المصلحة التقنية… الاعداد التي يضعها رئيس المصلحة للمنضوين تحت مسؤولياته سواء المتعلقة بمنحة الانتاج او بالاعداد المهنية لم اعد مكلّفا بها… بل الادهى انّ اعدادي المهنية ومنذ كنت اشتغل في المؤسسة الأم في بداية السبعينات ورئيسي المباشر سي ابراهيم الغضاب اطال الله عمره شاهد على ما ساقول… اعدادي لم تنزل يوما عن 100 بالـ 100 .. لكن الآن ومنذ تعكّرت علاقتي بمديري سي عقير، اصبحت اعدادي المهنية من هواة الهبوط ودون باراشوت… الى ان وصلت الى 80 بالـ 100…

المكتوب كان طويلا ومطوّلا ولكن اردت من خلاله ان اقول لرئيس المؤسسة مادمت لا اقوم بايّ عمل في مصلحة الانتاج التلفزي فما الفائدة من وجودي هناك؟ اليس الاجدى تعيين زميل في مكاني حتى تستفيد الوحدة منه؟ واقسم بالله اني كنت صادقا في ذلك… للامانة ليست لي ايّة فكرة عن كيفية تعامل الرئيس المدير العام مع مراسلتي تلك… ولكن فوجئت يوما بالزميل والصديق صادق بوعبان يكلمني هاتفيا ويطلب منّي ان اقبل رجاءه والمتمثل في تدخله بيني وبين مديري كواسطة خير لرأب ما تصدّع… وقال انه مستعدّ للمجيء إلى صفاقس للقيام بهذه المحاولة شريطة ان يتلقّى موافقتي… الزميل الصادق بوعبان عرفته منذ عملنا معا في جريدة الأيام وعرفته كمنشط في اذاعة المنستير وعرفته عندما اشتغل بالمؤسسة الأم مديرا لقناة 21 ثم للتلفزة الوطنية الاولى… ليس بيننا سوى الودّ والاحترام وبيننا ايضا تقاطعات في عديد الافكار والمواقف…

ضحكت ضحكة مختصرة وصمتّ قليلا… فاردف خويا الصادق بالقول: (انا نعرفك ونفهمك اما اشنوة خاسرين كيف نعملو محاولة صلح؟ انت صديقي وسي عبدالقادر صديقي وانا نحبّ نصلّح بيناتكم)… قلت له (خويا الصادق رغم اني مانيش متفائل برشة بالنتيجة متاع القعدة، اما مرحبا بك طلبك غالي)… واتفقنا على اليوم والتوقيت… وجاء ذلك اليوم وشرفني زميلي الصادق بزيارته وكان اللقاء الثلاثي… نعم تمّ ذلك اللقاء ولكن ما تمّ بعده وفي نفس اليوم غيّر مجرى الاحداث تماما ..

يااااااه على اقدار الله ..نعم، قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا (سورة التوبة آية 51) …. لا تقلقوا كثيرا غدا باذن الله تتواصل الحكاية في الورقة 112… قولوا عاد ما نحبكمش ترا…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

صن نار