تابعنا على

جور نار

تعالوا إلى حيث لا يخجل أحفادنا من تاريخ أجدادهم…

نشرت

في

محمد الأطرش

حرق مقر حزب نداء تونس وسط مدينة تطاوين -

غدا نستقبل الليالي السود…وغدا قد يخرج علينا بعضهم… يهللون ويرقصون…ويفاخرون بما أتوه وأنجزوه…أقول سيخرج علينا هؤلاء وبعض هؤلاء يفاخرون بالحدث الأكبر وبيوم القربان…

محمد الأطرش

ألم يرسلوا “البوعزيزي” مخمورا ـ حسب ما يقوله البعض ـ إلى خالقه بهدف إسقاط بن علي من عرش قرطاج…واليوم وبعد أن احتضن الله بن علي قريبا من الحرمين… يسأل ربّه ليلا نهارا…اليوم وقد مكّن الله بن علي قبل وفاته من فرصة التوبة النصوح قريبا من ديار الأنبياء والرسل…أسأل هؤلاء ومن يولول وراء جحافلهم ماذا كسبتم بربّكم…وماذا كسب الوطن ؟؟؟

 لم أر شيئا مما كنتم تنتظرون…فأوضاع البلاد ساءت عن قديمها…وأكاذيب الوطن غلبت حقائقها…ألم يصبح الظلم والاعتداء حقّا وقانونا…ألم تصبح الحريّة هتكا للأعراض وسبّا وشتيمة…ألم تصبح الرذيلة والغرف المظلمة…والمؤامرات…والسفر إلى السفارات ديمقراطية…ألم يصبح جهل بعضهم حضارة وتاريخا…سيقول بعض هواة الهراء والبصاق على الأرصفة إنه زمن الحريّة والديمقراطية…وسأقول أين هي الحرية…وأين ترون الديمقراطية؟؟ هل رفعنا المظالم أم ضاعفنا عدد من يكتوون بنارها؟؟ هل أنصفنا من ظلمناهم وسلبناهم حرياتهم واتهمناهم بما ليس فيهم وبما لم يأتوه، أم أضفنا أجنحة أخرى إلى سجوننا؟؟ هل مكّنّا العاطلين عن العمل مما خرجوا من أجله يصرخون ويطالبون، أم أرسلناهم طعاما لحوت المتوسط؟؟ هل نسينا الأحقاد أم سقيناها واشعلنا فتيل الفتنة والكراهية والانتقام؟؟

عن أية ديمقراطية تتحدثون؟؟ ديمقراطية الحقد والثأر والانتقام وضرب الخصوم؟؟ أم ديمقراطية نقرأ عنها في الكتب ولا نعرف طعمها ولا رائحتها؟؟ ديمقراطية التفقير والتجويع…أم ديمقراطية الصراخ والهراء…ديمقراطية قبول الآخر ورأي الآخر…أم ديمقراطية رفض الآخر وكتم صوت الآخر والتخلّص من الآخر وعرقلة مسيرة الآخر؟؟ ديمقراطية الثأر ممن سبقونا في الحكم ونجحوا…ديمقراطية “القتل” دون بندقية ودون رصاص…القتل برصاص اليأس والحسرة والندم والإحباط وطول الانتظار…القتل بالتقسيط المريح دون سفك الدماء…أتعتبرون هذه ديمقراطية؟؟؟ أتدرون يا من تجاهرون بصراخكم أن الوجه الحقيقي لما تعيشونه اليوم وبالأمس ومنذ دخول الليالي السود من ذلك الشهر الذي شُهر بالفوضى والغضب، أسوأ من الوجه الذي كنتم تعارضونه وتطالبونه بالتنحّي…أتدرون أن وجعنا اليوم أكثر من ألم الأمس بكثير…

فاليوم وأنت تجوع… قد تذهب إلى فراشك خاوي البطن…فتتقلب يمنة ويسرة بحثا عن نوم هارب من ديمقراطية مزيّفة…وقد تتّهم من بعضهم بالتخطيط للانقلاب لمجرّد أنك انقلبت يمنة تحاول لمس زوجتك ليلا… ويسرة وأنت تحاول جاهدا الفوز بقبلة تعيد الروح إلى التي غلبها النوم وأنساها ما كانت تخطط له وهي تطبخ لك عشاء فاخرا مليئا بتوابل تحيي العظام وهي رميم ؟؟ أتدري أن بعض من يفاخرون بالديمقراطية قد يعتبرون حركتك تلك مشبوهة…وقد يعتبرون تأوهك جوعا، تحريضا على الفوضى وتأليبا للرأي العام…نحن لا نريد ديمقراطية وحرّية تقتلنا جوعا…نحن لا نريد حريّة الصراخ وبطوننا خاوية…نريد ان نفتح أفواهنا لنشبع من جوع…ونفتح افواهنا لنقول ما نريد في ما نريد ومتى نريد دون ان تُغلق أفواهنا بلجام من حديد…فقد نفقد القدرة على الصراخ يوم يشتدّ جوعنا…ونموت…من فرط استهلاكنا للديمقراطية…لا تظلموا التاريخ…فأنتم ولا استثني أحدا بصقتم على التاريخ حقدا…لأنكم لم تكونوا فيه…فعاقبكم حاضركم حين نسيتموه واكتفيتم بالالتفات إلى الوراء…فأنتم تفاخرتم بما ليس في  حاضركم وانتقمتم مما لم تنجزوه…فقليلا من الصمت وتعالوا معا نفكّر كيف نصنع مستقبلا أفضل…للوطن…ولنا جميعا…دون استثناء…

جميعنا ظَلَمْنَا التاريخ وظُلِمْنا منه أيضا…جميعنا حقدنا على بعضنا البعض وانتقمنا من بعضنا البعض…وأقصينا بعضنا البعض…وكتمنا أصوات بعضنا البعض…ولم نفكّر في تبعات ما اتيناه…لا أحد منّا أتى ما أتاه نلسون مانديلا وقال “يكفي حقدا تعالوا إلى حيث نتفق جميعا”…لا أحد منّا فكّر يوما في أن يقترب من الآخر ويعرف الآخر ومحتوى الآخر…اكتفينا بقراءة ما جاء في الغلاف…ولم نفتح لبعضنا وعن بعضنا الكتاب…أيعلم أحدكم أنه في الدانمارك توجد مكتبات لاستعارة الأشخاص عوض الكتب…اشخاص تجالسهم لمدّة ثلاثين دقيقة قد تستمتع…وقد تبكي….وقد تتألم وانت تستمع إلى قصّة حياتهم وما يعيشونه…من هؤلاء من يكون عنوانه في صفحة الغلاف “لاجئ” والآخر “عاطل ومعوز” والآخر “فقير مسكين” هؤلاء لو اعترضوك ما كنت تعرف ما يعانونه…وما كنت تعرف مأساتهم…وما كنت تعرف ما هو مكتوب على صفحاتهم…لأننا اكتفينا كما نكتفي ومنذ دخول الليالي السود بقراءة ما جاء في الغلاف…ولم نفتح الكتاب لنقرأ ما جاء فيه…فحكمنا على بعضنا البعض مما جاء في العنوان وصورة الغلاف ونسينا ان نعرف الحقيقة…كل الحقيقة من داخل الكتاب…هذا المشروع مبتكر ورائع وينشط اليوم في اكثر من خمسين دولة فهلاّ فتحنا مكتبات انسانية للاستماع إلى بعضنا البعض…لمعرفة بعضنا البعض…لقراءة وجع بعضنا البعض…عوض الحكم على بعضنا البعض من خلال غلاف شاحب وعنوان لا حياة فيه…

ختاما أقول ماذا فعلنا بما يسمونها ثورة؟؟ هل كنّا حقّا في حاجة إلى ثورة تُحيي الأحقاد وتشعل فتيل الفتنة والكراهية والتفرقة والانقسام…ألسنا شعبا واحدا لا يصل عددنا إلى من يدخلون القاهرة نهارا…أو من يقطنون شنغهاي في الصين؟؟ أهذا ما نريد ان نتركه ونورثه لأجيالنا القادمة…لأحفادنا…أهذا ما نريد حقّا ان يكتب في كتب التاريخ ليقرأه أحفادنا بعد مئات السنين؟؟ أهذا ما ورثناه نحن من أهلنا الذين قاوموا الاستعمار وتركونا شعبا واحدا يرنو إلى البناء والتشييد والتحديث والخروج من الجهل والخصاصة؟؟ ماذا سيقول أحفادنا غدا حين يعرفون ما أورثناهموه…؟؟

سيكتبون في صفحات كتبهم “لم نرث شيئا أكثر من الخسائر والمآسي والخراب…”، فهل التفتنا حقّا إلى مستقبل البلاد والعباد…لا…هل انشغلنا بالبناء عوض الانشغال بالهدم…لا…هل واصلنا البناء وإعادة الأعمار بعدما حصل في البلاد من دمار…لا…نحن، ولأن منسوب الحقد ارتفع عند بعضنا لم نلتفت لغير الهدم…فمنذ يومنا الأول من مرحلة الليالي السود التي طالت وانقلبت إلى سنوات من السواد لم نفكّر في غير هدم بناء من سبقونا وعدم الاعتراف باي منجز من منجزاتهم…وكأننا لم نعش تحت سقف ذلك البناء…وكأننا لم نصرف العرق والمال من أجل ذلك البناء…انشغلنا بالهدم ونسينا البناء…وأفرطنا في التخريب ونسينا الإصلاح….

حرقنا مراكز الأمن وكأن الأمن ليس أمننا…حرقنا مقرّات الأحزاب ومؤسسات الدولة…وكأنها ليست لنا ولم يبنها أهلنا…نهبنا مؤسساتنا التجارية وكأنها ليست في أرضنا…وشيطنّا ساستنا وكفاءاتنا وعلماءنا واسود امننا وجيشنا وكأنهم ليسوا من أهلنا…وظلمنا الآلاف من بعضنا وكأنهم من أعدائنا…واتهمنا الآلاف من بعضنا بما ليس فيهم فقط لانهم ليسوا من أتباعنا…واليوم ونحن نرى كل هذا الخراب…وكل هذا الظلم وتبعاته…هل بقي لنا ما نهدمه…هل بقي أحد لم نظلمه؟ هل حان الوقت لنستفيق من “سكرة” بعضنا… قبل أن يأخذنا حقدنا نحو حتفنا…ويسقط السقف على رؤوسنا جميعا…تعالوا نعد البناء…مع بعضنا…دون ظلم… دون أحقاد…دون اقصاء… تعالوا إلى حيث يكون “الحبّ” عنوانا لكتابنا…تعالوا ندفن أحقادنا فنحن لا نريد ان يقرا أحفادنا قصيدة نزار “مسافرون”…لا نريدهم أن يقرؤوا ما جاء فيها ولا يعيشوا ما جاء فيها…ولا يكتبوا مثل ما جاء فيها…ألم يقل نزار ذات يوم…

“نركض كالكلاب كل ليلة

من عدن لطنجة

ومن طنجة الى عدن

نبحث عن قبيلة تقبلنا

نبحث عن ستارة تسترنا

وعن سكن

وحولنا أولادنا احدودبت ظهورهم وشاخوا

وهم يفتشون في المعاجم القديمة

عن جنة نضيرة

عن كذبة كبيرة… كبيرة

تدعى الوطن

أسماؤنا لا تشبه الأسماء

فلا الذين يشربون النفط يعرفوننا

ولا الذين يشربون الدمع والشقاء

معتقلون داخل النص الذي يكتبه حكامنا

معتقلون داخل الدين كما فسره إمامنا

معتقلون داخل الحزن…وأحلى ما بنا أحزاننا

مراقبون نحن فى المقهى…وفى البيت

وفى أرحام أمهاتنا

لساننا…مقطوع

ورأسنا…مقطوع

وخبزنا مبلل بالخوف والدموع

إذا تظلمنا إلى حامى الحمى قيل لنا: ممنـــوع

وإذا تضرعنا إلى رب السماء قيل لنا: ممنوع

وإن هتفنا…يا رسول الله كن فى عوننا

يعطوننا تأشيرة من غير ما رجوع

وإن طلبنا قلماً لنكتب القصيدة الأخيرة

أو نكتب الوصية الأخيرة قبيل أن نموت شنقاً

غيروا الموضوع

يا وطني المصلوب فوق حائط الكراهية

يا كرة النار التي تسير نحو الهاوية…”

تعالوا لنكون فقرة جميلة…سعيدة في كتب التاريخ…تعالوا إلى حيث لا يخجل أحفادنا من تاريخ اجدادهم…

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 94

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

اواسط التسعينات وحتى بداية الالفية الثانية شهدت زخما من الاحداث في حياتي المهنية… تجربة قناديل كمخرج تلفزي تحدثت عنها في ورقة سابقة وتجارب اذاعية اخرى بعناوين اخرى…

عبد الكريم قطاطة

دعوني اعد بكم الى برنامج كوكتيل من البريد الى الاثير الذي كان اوّل برنامج انتجته في اذاعة صفاقس منذ اواخر السبعينات ولمدة تجاوزت الخمسة أعوام… البرنامج وهذا ما يعلمه الجميع لقي نجاحا هائلا… واصبح تعلّق المستمع به خرافيّا… و صدقا دافع عنه هذا المستمع كلّما حاول بعض الجزارين ذبحه ..ودفاعهم عنه سنة 85 كان وراء عودته للمصدح… ولكن يوما ما اكتشفت انّ تواصله سيكون ضدّ قناعاتي فاوقفته بل قتلته للأبد ودون ايّ ندم… اتذكّر جيّدا انّ زميلي صالح جغام رحمه الله هاتفني عندما سمع بقرار وأد الكوكتيل هائجا مائجا كما تعرفونه وبدأ حواره معي بالقولك (يخخي اشبيك هبلت توقّف برنامجك؟؟ تي انت بعقلك والا خرفت؟؟ برنامجك ضارب وقالب الدنيا تجي سيادتك وتوقفوا ؟؟ ايّا هات اقنعني بأسباب و مغزى قرارك يا ولد قطاطة)…

وهاكم اجابتي له ولكم حول قرار إنهاء الكوكتيل… لو تفطنتم للوصف الذي ذكرته حول تعلّق المستمع به لادركتم انّي استعملت عبارة خرافيّ… اي نعم هنالك يكمن سرّ قراري بايقافه… انا كنت احثّ مستمعيّ في ما احثّهم، على عدم تغييب العقل في ادارة شؤوننا في الحياة، وعلى الابتعاد عن كلّ ماهو خرافات واساطير… نعم تلك هي قناعاتي التي مازالت لحدّ يوم الناس هذا… وهنا وبعد اذنكم افتح قوسين في هذا المجال اي مجال تغليب الفكر على اعتناق الخرافات والاساطير…

انا ومنذ سنة 2002 اعدت النظر في العديد من امور كلّ ماهو ايمان ودين… وحرصت بدرجة اولى ان اقرأ القرآن ليكون نبراسي وانغمست في قراءات متأنية ولم اعلن ذلك يوما للاخرين… بل واسخر ممن يعلنون انجازهم للختمة رقم كذا… تي اشنوة تحسبوها مع ربي وزيد تتفاخرو ؟؟ يخخي ما قريتوش في ختمة من الختمات، الاية (انّ الله لا يحب كل مختال فخور)؟؟… لا والعديد منهم يزيد يبعثلك حديث او اية ويقلك اذا ما بتعثهمش لـ 11 صديق راهو يصيرلك كذا وكذا ..اوّلا علاش 11 وموش 15 وعلاش 15 وموش 5555 ,..؟؟ ثم نفس هالطائفة الكلبة ما قراتش في القرآن (قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا) ..؟؟….توة هذوما ما يصحش الواحد يقول عليهم (لكم دينكم ولي دين) ..؟؟…

في تلك الفترة قرأت القرآن كمتامّل وباحث عن الحقيقة والتي هي الايمان والامان… وامتلأت بما جاء فيه من درر وجواهر لم اجدها يوما في ايّ مؤلّف (بفتح اللام) آخر… وتاكدت انّه لا يمكن ان يكون كلاما لمخلوق بل هو تجسيد لعظمة الخالق… وانشرح صدري ووحدت نفسي في واحة من النور والسلام النفسي وذاك هو الايمان عندي… بعد ذلك وطمعا منّي في مزيد المعرفة معرفة ديني ودنياي واخرتي… ذهبت لما يقوله اهل الفقه وما يفتونه ويحلّون ويحرّمون معتمدين في ذلك على قال فلان عن فلان عن فلان، انّ رسول الله قال… واكتشفت انهم في جلهم ان لم يكونوا كلّهم، يكذبون على رسول الله… لانّ محمد ابن عبدالله ارقى من تاويلاتهم وخرافاتهم واساطيرهم …

لذلك اعملت عقلي ورفضت اولئك المفسرين والفقهاء واعتنقت القرآن كمصدر وحيد في حياتي ضاربا بعرض الحائط المصادر الاخرى، خاصة وهي كُتبت بعد وفاة الرسول بقرنين… وجاءت عديد الاحداث لتؤكد ان تلك الفئة تمثّل الفتنة… وانهم حتى في علاقاتهم ببعضهم البعض هم يكذّبون بعضهم البعض ويكفّرون بعضهم البعض ويقيمون الحدّ على بعضهم البعض ويقاتل ويقتل ويغتال بعضهم البعض… اذن اخرجتهم من دائرة اهتمامي وللابد… وانا سارضى بحسابي مع ربي سواء اثابني او عاقبني عن صنيعي هذا، لانه هو العدل…

هل فهمتم اني ومنذ نشاتي وحتى قبل ان هداني الله الى الحق والنور كنت ارفض كلّ ما هو خرافة واسطورة ؟؟ وعليّ ان ابدا بكنس بيتي الاذاعي من الخرافة والاسطورة ..والكوكتيل تحوّل الى اسطورة… اذن وتوافقا مع قناعاتي عليّ قتله …لتلك الاسباب وضعت حدّا نهائيا لحياة الكوكتيل وكان في داخلي شبه يقين انه لو كان الكوكتيل فقط هو مصدر نجاحي اذاعيا فسافشل حتما عند انتاجي لعناوين اخرى… فكان برنامج مساء السبت، وكان برنامج مواعيد مع زميلي عبدالجليل، وكان برنامج اصدقاء الليل، وكان مطلع حتى مطلع الفجر، وكانت البرامج الخاصة باعياد ميلاد اذاعة صفاقس وبالاعياد الدينية… نعم الدينية دون سواها… ثم وفي اخر محطة اذاعية باذاعة صفاقس كان برنامج اذاعة بالالوان … والحمد لله اني اثبتّ اوّلا انّ المنشط هو من يصنع الفترة وليست فترة الضحى او المساء او الليل من تصنع المنشط… وانّ المنشط الناجح هو الذي يخرج من جلباب برنامج ما الى برنامج اخر فيحافظ على نفس التوهج وعلى نفس الالتفاف الجماهيري… .والسبب بسيط قد يتغيّر الشكل ولكن تبقى الثوابت والقناعات هي نفسها..

في اواخر سنة 95… اقدمت اذاعة صفاقس على تجربة اعتبرها متميّزة جدا بل وفريدة انذاك في الفضاء الاذاعي تونسيا… تجربة هدفها تعويد الفرد على النقد البناء وبكلّ حرّية مسؤولة… هنا احكي عن المستمع وهي ايضا متميزة من زاوية علاقة المنتج الاذاعي بنقد المستمع… انها تجربة برنامج الراي الاخر …كنت المكلّف بهذا البرنامج وهو من اقتراحي… وبقدر ما تفهّم البعض جدوى ان نضع انفسنا امام المرآة لنكتشف نقاط قوتنا وخاصة نقاط ضعفنا…(وهنا لابدّ من تحية الزميل الحبيب الهدار رئيس مصلحة الاخبار انذاك الذي طلب منّي ان يضع البرامج الاخبارية ونشراتها ومواجيزها في عدد خاص من الراي الاخر وكان له ذلك)… بقدر ما اعتبر بعض صغار العقول الراي الاخر برنامج تصفية حسابات مع الزملاء… والله وحده شاهد اني كنت صادقا مع كل ما ياتيني في بريد المستمعين وناقلا امينا لنقدهم…

في نهاية سنة 95 عشت كذلك تجربة من اجمل تجارب عمري مهنيا امام دهشة البعض من صانعي القرار في ادارة اذاعة صفاقس وكان يديرها انذاك المرحوم النوري العفاس وممن اسميهم دوما (الملأ)… اي الشلّة التي تحيط بالمسؤول الاول في كل قطاع… هؤلاء همزا او لمزا ما يطيقوش يسمعوا اسمي.. اي نعم ..سامحهم الله ورحم العديد منهم وغفر له … اذن و امام دهشتهم جميعا، مؤسسة الاذاعة والتلفزة عينتني الوحيد من مخرجي التلفزة التونسية للسفر الى سوريا للقيام بتدرّب تكويني في البرامج الرياضية وبمركز دمشق لاتحاد الاذاعات والتلفزيون العربي…

كان صوتهم الداخلي (اعني الملأ) يقول: تي يخّي هذا قطّوس بسبع ارواح ؟؟ وين ما ياكل الضرب ونقولوا امورو وفات يخرجلنا كيف الجان الارقط ؟؟ واقسم لكم بالله الواحد الاحد اني لم اسمع بتلك الدورة بتاتا ولم استعمل صداقاتي حتى اؤثّر على اصحاب القرار في المؤسسة المركزية … ومرة اخرى وفي كلّ محطات حياتي المهنية لم اقم يوما بمثل تلك الوساطات ابدا… عزة نفسي وقناعاتي تأبى ذلك وبشكل قطعي… والقرار كان مفاجئا وسريعا… الطائرة ستقلع يوم الاحد صباحا من ذلك الاسبوع الى دمشق من مطار تونس قرطاج وانا يقع اعلامي يومين قبل المغادرة… اي يوم الجمعة…ويا للهول! اعددت كل شيء وتفطنت يوم الجمعة ليلا الى ان جواز سفري لم يعد صالحا للسفر… وكانت صبيحة السبت صبيحة الجري ومحاولة الانقاذ …وبارك الله في صديقي وجاري يوسف البهلول الذي كان يشتغل باقليم صفاقس للامن، وفي مدير الاقليم اللذين تدخّلا وفي اطار القانون وساهما باحضار جواز سفري عاجلا حيث تسلمته يوم السبت على الساعة الواحدة ظهرا…

وكان الامر كذلك وامتطيت الطائرة يوم الاحد ووصلت الى دمشق لاجد سيارة المركز التابع للاتحاد العربي للاذاعة والتلفزيون في انتظاري لايصالي حتى الفندق الذي يتعاملون معه… دعوني اقل لكم اوّلا انّ لي عشقا كبيرا ومنذ شبابي الاوّل لسوريا والسوريين… ربما تاريخهم العظيم ومنذ الدولة الاموية ورغم اني كنت وما زلت اعتبره تاريخا افسد الاسلام والمسلمين… ويكفي هنا ان اذكر عبد الملك بن مروان وتابعه الحجاج… لكن وفي المقابل كنت ومازلت اعتبر انّ افضل فترة عاشها الاسلام والمسلمون بعد وفاة الرسول هي فترة عمر ابن عبدالعزيز… فترة الرخاء والعدل… واذا اجتمع الرخاء والعدل فتلك هي اسمى معاني الحرية والديموقراطية والعيش الكريم… اه يا عمر قم وانظر ما يفعله دعاة الاسلام من جهة ودعاة الثقفوت من جهة اخرى الذين لم يهمهم يوما رخاء الجماهير ..المهم والاهم والاوحد حقوق الانسان والحرية والديموقراطية …البقية تفاصيل ..هككة ؟؟؟ وقت رب عائلة ما يلقاش عشاء صغارو “تفاصيل” …؟؟.. انتوما وقتها تعشيووه حرية تعبير وديموقراطية …؟؟

ووجدتموني في دمشق الفيحاء… ولانّ دمشق وسوريا ضاربان في عمق التاريخ ارى لزما عليّ ان تكون لهما ورقة خاصة بهما … يااااااه ساحدثكم عنهما ماضيا وحاضرا وعن الواحد وعشرين يوما التي قضيتها هنالك… مهبول اللي يحكي على سوريا وما مشالهاش… تقولشي واحد يحكي على خبز ومرقة وموبيلات زرقة وهو عمرو لا نهار جاء لصفاقس واكتشفها على حقيقتها… ويل للمنظّرين في كلّ شيء… تي على الاقلّ تواضعوا شوية وافهموا ولو للحظة في حياتكم انو لا احد منا يملك الحقيقة…

اكاهو… دمشق وما عشته فيها، سيكون محتوى الورقة 95 ..التقيكم…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

سوريا: تعددت الأهداف والجبهات… والمؤامرة واحدة

نشرت

في

محمد الزمزاري:

بعد هدوء نسبي دام بضع سنوات، تحركت مؤخرا طوابير الإرهابيين بمختلف انواعهم ومشاربهم… وليس من الصدف ان يتحرك معهم في وقت واحد مسلحو ما يسمى بالمعارضة السورية…

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

لعل المحلل اليوم لا يفرق بين جبهة النصرة الإرهابية وبين معارضة تقودها جهات لا تقل خطورة عن الإرهابيين… فبعض فصائل الإرهابيين يقودها النظام التركي لا سيما في أطراف مدينة حماه…وهناك فصائل مدعومة ومسلحة ومدربة على يد الجيش الأمريكي الذي يقبع على جزء من خارطة سوريا تحت ذريعة كرة لهب هو من أججها ودفع بها إلى اتون الحرب بسوريا… للروس والإيرانيين أيضا موضع أقدام على الجسم السوري…

كذلك عدد من العصابات ترتع تحت إمرة الموساد الصهيوني الذي يضرب على ثلاث جبهات متماسكة ومتوازية: الإرهابيين عن طريق دعمهم بالتعاون مع الامريكان من جهة، والأكراد الذين يحاولون الوقوف في وجه الإرهابيين وكسب انفصال لاقليم قادم تقوده الجهات الصهيونية والأمريكية بالاسلحة والدعم اللوجستي و الاعلامي… أما الجزء الأهم في مخطط الكيان الصهيوني فهو مواصلة تركيع الدولة السورية وضرب مسالك تحالفها مع إيران لقطع طريق إمداد الأسلحة (التي تتوجس منها اسرائيل) نحو حزب الله وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية الكامنة أيضا بلبنان…

ليس غريبا ان تشتعل نار المواجهات ضد الشعب السوري في هذه الفترة التي قد تحقق هدوءا محتملا في إطار اتفاق مخترق يوميا من الكيان الصهيوني …وراء كل فصيل جهته الداعمة ولكل جهة أهدافها الإرهابية التي لاتقل عن فظائع الإرهاب الذي عرفته افغانستان… فتركيا بذريعة مقاومة الأكراد تنهش في التراب السوري، واسرائيل تمارس نازيتها واحلام توسعها مستغلة مشاكل سوريا الداخلية… والامريكان رابضون على الأرض بقواعدهم واسلحتهمم لحماية ارهاب صنعوه… والروس و الايرانيون يبغون افتكاك موطىء قدم لحماية مصالحهم الاستراتيجية ودعم النظام السوري مقابل ذلك.

وليس صدفة أيضا أن تتصاعد الأحداث فجأة بهذه الكثافة بعد ضرب ذراعين من أذرعة “محور الممانعة” والمتمثلين في المقاومة الفلسطينية أولا عبر تدمير شيه شامل لغزة في اتجاه إعادة استيطانها … وثانيا المقاومة اللبنانية في اتجاه احتلال الجنوب وفرض وشيك للتطبيع على الحكومة اللبنانية… وها أن المرحلة الثالثة من المخطط تتجه نحو دمشق كآخر القلاع العربية الرسمية المتمنّعة على برنامج الشرق الأوسط الجديد… وكآخر خيمة يتظلل بها المقاومون المطلوبة رؤوسهم من التحالف الإمبريالي الصهيوني…

ولكن هذه المرة لم يكن ذلك بوسائل جيش الكيان المباشرة، بل بخلايا الإرهابيين النائمة منذ 2011 والملتحفة باطلا بلحاف الدين أو الحرية أو الديمقراطية وغير ذلك من الشعارات… ولو أن طيران العدوّ ما انفك يعتدي على المدن السورية طيلة هذه السنوات، وخاصة في الأشهر الأخيرة… كما أن أدلة عديدة أثبتت تواطؤ الجماعات المتأسلمة مع الكيان الغاصب، ليس أقلها التكفل بعلاج جرحاها داخل المستشفيات الإسرائيلية طوال عملياتها الإجرامية هذه السنوات، في كل من سوريا والعراق الشقيقين…

إن انفجار بؤر الإرهاب مجددا وتحقيق بعض المكتسبات الميدانية بمدينة حلب التي تعد ثاني اهم مدينة سورية واول مدينة اقتصادية تتصارع لاحتلالها كل القوى… من معارضة عميلة لتركيا او فصائل إرهابية ستدور فيها او حولها اهم المواجهات… ولن تكون الا بسحق فلول العملاء والإرهابيين المستثمرين في أوجاع الشعب السوري الذي أصبح مستهدفا من الأشقاء والأعداء مجتمعين او مفترقين…

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 93

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

علاقتي زمنيا بالتلفزة كمخرج لم تمنعني من حضوري اذاعيا امام المصدح العشق … وللعشق احكام لا تخضع لمنطق العقل… هذا يعني اني واصلت علاقتي بالمصدح العشق… وهو ما احدث اشكالا اداريا في كيفية التعامل ماديا في هذه الحالة…

عبد الكريم قطاطة

دعوني افسّر لكم كيف تتم معاملة الموظف في الاذاعة والتلفزيون… ايّ موظف وكسائر الموظفين وفي ايّ قطاع… له راتب شهري يتناسب وشهائده العلمية ..مع اضافة بعض المنح كمنحة الانتاج لكل الموظفين ومنحة المسؤولية لكلّ من تقلّد مسؤولية ما… لكن وفي صورة قيام الموظف بمهام اخرى خارج اختصاصه تتعامل المؤسسة بمنظومة عقود انتاج… مثلا عندما يكون الموظف مخرجا كحالتي او مهندس او او او ويقوم بانتاج برنامج ما، يصبح من حقه الحصول على عقد انتاج مكافأة على انتاجه… بالنسبة لي وعندما كنت اقوم بعملي الوظيفي كمخرج كنت وبشكل مواز اقوم بانتاج وتنشيط بعض البرامج الاذاعية كمواعيد ومساء السبت واصدقاء الليل…

عندما طالبت ادارة اذاعة صفاقس بتفعيل قانون عقود الانتاج… انذاك كان مدير اذاعة صفاقس المرحوم النوري العفاس وكان وللامانة مقتنعا بحقوقي وبحقوق بعض الزملاء امثالي… خاصة انّ الزملاء في الاذاعة الوطنية كنجيب الخطاب وصالح جغام رحمهما الله كانا يتمتعان بعقود انتاج… ووعدني السيد النوري العفاس بمراسلة الادارة العامة لتمكيننا من حقوقنا… فقط طلب منّي (شوية وقت) حتى يُنهي الامر… وفعلا كان الامر كذلك ..لكنّ (هالشوية بطا) … وبرشة زادة… وقتها عاد عبدالكريم المشوم خرج من القمقم متاعو… اعلنت التمرّد وهمست لاخرين للتمرّد معي (عبدالجليل بن عبد الله وكمال بوخضير)… وقرر ثلاثتنا الانسحاب من برامجنا الاذاعية…

وطبعا الصحف وكعادتها تهتم جدا بمثل هذه الاخبار… بعضهم بتعاطف صادق معنا واغلبهم تلك الاخبار وحسب تعبيرهم (تبيع) اي تجد قراء لشراء صحفهم .. حيث كتبت “الصدى” انذاك والبنط العريض (لهذه الاسباب توقف برنامج اصدقاء الليل) في 19 ـ 2 ـ 91 … وفي نفس الجريدة وبتاريخ 5 ـ 3 ـ 91 مقال بعنوان (ويتواصل الانسحاب)… وفي “الصباح” مقال بعنوان (متى يعود منشطو اذاعة صفاقس؟) 16 _ 3 _ 91 … وفي جريدة الصدى مقال بعنوان (انسحاب بسبب العقود) 30 ـ 7 ـ 91 … لكنني في المقابل تطوعت مع زميلي عبدالجليل وثلة من براعم مجموعة شمس لاعداد وتنشيط عيد ميلاد اذاعة صفاقس في الذكرى الثلاثين لتاسيسها 8 ديسمبر 1991 وعلى امتداد 14 ساعة ..نعم … على خاطر عين تتذارى ميات عين ..

ومما زاد الطين بلّة انه ورغم توقفي عن الانتاج وكما جرت العادة في جريدة البيان في استفتائها السنوى عن دنيا الاعلام، يحوز هاكة المشاغب اللي هو انا على جائزة افضل منشط …البيان 30 _ 12 _ 91… ونفس النتائج بجريدة الصحافة 31 ، 12 ـ 91 … ونفس النتائج بجريدة الصباح 15 ـ 1 ـ 92… وتواصل الامر على حاله دون حلحلة لمشكلة عقود الانتاج حتى شهر جوان 92… حيث كتبت الصدى مقالا بشكل استفهامي و بعنوان (عبدالكريم قطاطة يغتزل العمل الاذاعي؟) الصدى 20 ـ 6 ـ 92 … وكما عادة المسؤولين الاوائل على راس مؤسسة الاذاعة والتلفزة، يقلقون جدا من الاخبار السيئة التي تتناول المؤسسة، فكان التدخل من رئيسها انذاك السيد عبدالحفيظ الهرقام ..دعاني للحضور بمكتبه في المؤسسة الام ..وفعلا كان اللقاء معه ..

استقبلني بكثير من الجدية واللوم ايضا ..وكان مختصرا جدا في بداية لقائه معي ويمكن اختزال ما قال: (اما كان من الاجدر ان تكلمني في الاشكال عوض اللجوء الى الصحف والجرائد؟)… استاذنته في طرح المشكل بكلّ حيثياته واذن لي بالحديث ..كان مستمعا جيّدا للغاية ..حدثته عن كل مشاكل الاذاعة الجهوية وعن مشاكل عقود الانتاج طبعا ..اندهش جدا من الامر ووعدني بحلّ الاشكال وبالسرعة القصوى… ورجاني في خاتمة اللقاء بان يكون ما حدث في حواري معه داخلا في خانة الكتمان… ووعدني بزيارة في اقرب الاجال للاطلاع عن كثب عما تعيشه اذاعتنا الجهوية من مشاكل ومشاغل ..ووفى الحرّ بما وعد ..سبتمبر 93 …

وان انسى شيئا فلن انسى اني فوجئت صباح ذات يوم بالزميل المكلف بالاستقبال، يعلمني انّ الرئيس المدير العام حلّ باذاعة صفاقس هذا الصباح وانّه مجتمع بالموظفين والاطارات باستوديو التلفزة ..وماكدت الج باب الاستوديو حتى لمحني السيد عبدالحفيظ الهرقام وجاء لاستقبالي ..اخجلني فعلا بتلك الحركة والتي كانت مقصودة منه للتعبير عن تقديره لي والتعاطف معي ..وكان العديد من الاطارات تحت صدمة… وبّهت الذي كفر _ والبعض منهم كان يتساءل في داخله (تي اشنوة هالمخلوق ؟ يخخي عندو سبعة ارواح ؟؟ كل مرة يخرج مظفّرا من مشاكله التي لا تنتهي) ..

اختم بالقول شكرا سي عبدالحفيظ على الدعم وعلى الفعل خاصة لانه فعّل قانون عقود الانتاج… ولانه خاصة قام بتحويرات في المسؤوليات والمسؤولين والله شاهد انه ليس من اجل سواد عينيّ بل من اجل مصلحة المؤسسة .. وحتى مجلّة الاذاعة التي تتبع في خط تحريرها للمؤسسة، بادرت بنشر مقال عن عودتي للتنشيط الاذاعي 24 ـ 6 ـ 93… وكان بعنوان (بعد سنة من التأمل سيعود عبدالكريم قطاطة لجمهور المستمعين) ..سنة تامّلا يا كاتب المقال ؟؟ اتفهّم جدا العنوان… الم اقل لكم انّ المجلّة تخضع لخط تحرير المؤسسة ..؟؟

للتاريخ بدات افكّر في مشروع برنامج يحمل اسم اذاعة بالالوان حت ىكُتب له ان يخرج للنور ويكون اخر برنامج انتجته ونشطته في اذاعة صفافس …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

صن نار