جور نار
هل يفعل المشيشي ما لم يفعله غيره… أم يدفن رأسه في التراب؟؟
نشرت
قبل 4 سنواتفي
من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrashيتساءل الجميع شارعا و دولة و مؤسسات، عن مدى قدرة رئيس الحكومة على إخراج البلاد من الوضع التي تعيشه…و يتساءل الجميع عن إمكانية تطبيق القانون و إعادة مواقع الإنتاج إلى سلطة الدولة بعد أن استوطنتها الفوضى و أصبحت خارج سلطتها…فهل ينجح المشيشي حيث فشل غيره يا ترى؟؟ وهل يمتلك الجرأة الكافية لإعادة فتح كل مواقع الإنتاج بالقوّة في صورة عدم الوصول إلى حلّ سلمي يرضي جميع الأطراف؟ و السؤال الأهمّ هل ستقبل المجموعة التي أغلقت مواقع الإنتاج البترولية بإخلاء المكان غدا بعد الإعلان عن جميع فصول الاتفاق، وهل سيكرر المشيشي ما فعله بملف “الكامور” مع بقية ملفات غلق مواقع الإنتاج في بقية “المستوطنات” الاقتصادية؟؟
في خروجه الإعلامي الأخير حاول المشيشي تبرير فشله المنتظر، باتهام كل الحكومات التي سبقت حكومته بالتخاذل في العديد من الملفات، و اتهمها بتصدير كل أزماتها إلى من سيمسك بدواليب السلطة بعدها … لكنه لم يكن شجاعا و لم يذهب إلى التشخيص الأسلم لمن كان سببا في كل ما تعيشه البلاد اليوم…و ستعيشه غدا و ربما بعد غد…فكل الحكومات القادمة سترث إرثا ثقيلا من المديونية و العجز و التضخم …و جميع الحكومات لن تنجح في إخراج البلاد من وحل الأزمة ما لم تكن لها الشجاعة الكافية في تشخيص سليم و واقعي لأسباب ما نحن فيه.
ما هو هذا التشخيص الذي غفل عنه كل رؤساء حكومات ما بعد حكومة قايد السبسي التي جاءت على أنقاض حكومة الغنوشي الثانية؟؟ التشخيص الذي يرعب البعض ذكره هو كيف رضخنا لسلطة الشارع بعد 14 جانفي 2011…و كيف فشلت الدولة في كبح جماح الخارجين عن سلطتها ….و كيف فرّطت في مفاتيح مواقع الإنتاج إلى النقابات و “بلطجية” الفوضى التي أتت على الأخضر و اليابس بعد 14 جانفي… فأسباب ما نحن فيه لم تكن كما يزعم البعض، اختيارات خاطئة للحكومات المتعاقبة و فشلها في إيجاد الحلول الكفيلة بإنقاذ البلاد…و لم تكن أيضا عدم استقرار الوضع و تداول عديد الحكومات على التسيير مما أفسد كل المخططات التي كانت تهدف إلى النهوض بالبلاد و الخروج من الأزمة…فكل هذه الحجج و التبريرات ليست هي أصل الداء…و ليست السبب الرئيسي في ما نحن فيه اليوم…
البلاد بدأت في الانحدار إلى أسفل منذ 14 جانفي 2011 حين أطلقنا العنان للمطالب و الترضيات و تسوية الوضعيات…فالزيادات غير المدروسة و الكرم الحاتمي للحكومات المتعاقبة على البلاد من سنة 2011 إلى سنة 2014 أفرغت كل خزائن الدولة و أغرقت البلاد في الديون… و كل هذا بسبب تعنّت الاتحاد و غطرسته و طغيانه على البلاد و انخراطه الأعمى في ابتزاز الدولة….ففي عهد عبد السلام جراد رأينا العجب في التعامل مع المطالبة بالزيادات في الأجور…فكل اعتصام و ايقاف للإنتاج تقابله من طرف الاتحاد )ضغطا( و الحكومة )تنفيذا( زيادة في الأجور لتهدئة الأمور و الهروب من سماع كلمة “ديقاج”….فالخوف حينها بلغ أشدّه من الشارع و دكتاتورية الشارع المدعومة باستبداد النقابات، فكان الحلّ الأسهل و الأمثل لمن كانوا يقودون البلاد و الاتحاد، تلبية كل الرغبات و المطالب على حساب موارد الدولة….فالزيادات التي تمّ توزيعها يمنة و يسرة لم تقابلها زيادة في الإنتاج بل انحدرت كل مؤشرات الإنتاج إلى أسفل…
و ما زاد الطين بلّة هو أغنية “العفو العام” التي جاؤوا بها لإنقاذ رؤوسهم من الفوضى العارمة التي حلّت بالبلاد…فالعفو التشريعي العام أفرغ جزءا من خزينة الدولة…ثم جاء فرحات الراجحي ليزيد الأمور سوءا و تعقيدا بإعلانه العفو عن آلاف الأمنيين المطرودين دون دراسة لملفاتهم، فغرقت البلاد في موجة من قرارات تسوية الوضعيات أثقلت كاهل الخزينة …فما أقدم عليه الراجحي أصبح ككرة الثلج بانخراط كل مؤسسات الدولة في حملات تسوية للوضعيات أنهكت خزينة الدولة و ضاعفت حجم كتلة الأجور…ثم تواصل العبث بمقدّرات البلاد حين أعلن علي العريّض حملة لتسوية وضعيات كل الأمنيين في محاولة منه لاستقطاب المؤسسة الأمنية سياسيا بجميع أسلاكها فسقطنا في منحدر يصعب الخروج منه…
و تواصل الأمر على هذه الحالة مع وصول حسين العباسي إلى ساحة محمد علي أمينا عاما ثم نور الدين الطبوبي…فتضاعف عدد الاعتصامات و تعطيل مواقع الإنتاج إلى درجة أصبح التصرّف في موارد البلاد يوميا كأي دكان أو حانوت حي…ما تكسبه اليوم تصرفه غدا…فكل المواقع الإنتاجية الحساسة و الهامّة كانت معطّلة من طرف النقابات …و بدأت الدولة تبحث عن حلّ لخلاص أجور موظفيها…و لم تجد غير الاقتراض للمحافظة على استقرار الوضع…و رغم ذلك، و رغم دراية الاتحاد بوضع البلاد الاقتصادي و بما عليه وضع خزينة الدولة واصل هذا الأخير خنق البلاد قطاعيا و بالتناوب….
لم تعش البلاد هدنة اجتماعية بمعنى الهدنة منذ 14 جانفي 2011 …فالإضراب تلو الإضراب و قطع الطريق تلو الآخر…هذه حالنا منذ 2011 الخوف من فقدان المواقع و المناصب جعل الجميع يتنازل و يفتح الباب واسعا أمام الفوضى… كلمة “ديقاج” أرعبت كل من كان يتمتع بخطّة وظيفية فانخرط الجميع في ابتزاز الدولة وتلبية كل مطالب التسويات و الترضيات، حتى أنهكت خزينة الدولة وارتمت كل الحكومات في أحضان الدول و المنظمات المانحة، فغرقت الدولة في وحل غير مسبوق من المديونية والعجز…
و اليوم كيف يمكن لحكومة المشيشي إيقاف النزيف و إنقاذ ما يمكن إنقاذه؟؟ و هل ينجح في جرّ الاتحاد إلى شراكة فعلية خالية من دسم الابتزاز تصاحبها هدنة طويلة الأمد رغم أن الاتحاد مقدم على مؤتمر قد يضطره إلى الدخول عنوة في حزمة جديدة من المفاوضات الاجتماعية تزيد الطين بلّة وتعكّر وضع خزينة الدولة … فهل يُقدم المشيشي على محاولة جدّية لكبح جماح الاتحاد وإيقاف النزيف أم يدفن رأسه كجميع من سبقوه في التراب لتسقط البلاد في قبضة المجهول… المشيشي يدرك جيدا أنه لن يعوّل على الأحزاب فهذه الأخيرة تخلّت عن دورها الاجتماعي وخيّرت البقاء على الربوة ومشاهدة ما يجري و مهادنة الاتحاد خوفا من سطوته التخريبية…
قد يخرج المشيشي من القصبة في صورة عدم نجاحه في جرّ الاتحاد إلى هدنة طويلة الأمد فالأحزاب لن تغامر بالدخول في حرب مع ساحة محمد علي لأنها لا تريد تحمّل تبعات أي فشل حكومي يوسّع الهوّة بينها و بين قواعدها …فالأحزاب لا تريد شيئا من المشيشي غير بعض المواقع و الخطط لمن سترشحهم لذلك، لكنها لن تغامر بتبني حكومة المشيشي و مشاركته تبعات أي فشل يغرقها في الوحل…و قد لا تهتم أصلا لو ذهبت حكومة المشيشي وذهب هو معها…فالأحزاب اليوم تبحث عن طريقة تبقيها على قيد الحياة وبعضها يريد البقاء خارج السجون حتى موعد الانتخابات القادمة…خاصة أنها على بينة كاملة من نوايا ساكن قرطاج تجاه جميع الأحزاب وتجاه بعض قياداتها…
خلاصة ما يجري في البلاد هو أننا مقدمون على أحلك فترة من تاريخنا الحديث…و ما لم تقع مراجعة العلاقة بين الدولة و الاتحاد لن ننجح في ايجاد حلّ و لو جزئي لما نحن فيه و إنقاذ البلاد من الوضع الذي تردّت فيه…فالدولة و من ورائها البلاد خسرت كثيرا بسبب الخوف…و الارتباك …و الغباء السياسي و الإملاءات و الترضيات التي فاقت كل الحدود…و اليوم يريد بعضنا إعادتنا إلى نفس مربع الفوضى و سلطة و قانون الشارع بحجة أن “الشعب يريد”…. حذار… فالقادم قد يكون أخطر من كل ما مر بهذه البلاد…
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
لم انس ما فعله معي المرحوم صلاح الدين معاوي في حلحلة المظلمة التي تعرضت لها بعد عودتي من فرنسا وانا احمل معي ديبلوم الدرجة الثالثة للعلوم السمعية البصرية سنة 1979 دون أن يشفع لي نجاحي اوّل في تلك الدفعة …
لم اجاز على ذلك الا بتلكؤ كلّ الادارت التي تعاقبت والتي وبخطأ منها رسمتني في قائمة المهندسين… وهذه كانت بالنسبة لي جناية في حقّ كل من ينتمي لذلك الاطار في الوظيفة العمومية لانّي لم ادرس يوما لاتخرّج مهندسا ..وامام رفضي لهذه الوضعية رغم اغراءاتها المادية وقع تجميد ملفّي 9 سنوات كاملة… حتى اقدم السيّد صلاح الدين معاوي على فتح ملفي من جديد وفي ظرف وجيز قام بالتسوية… لذلك وامام اقتراحه بتكليفي بمهمة الاشراف على اذاعة الشباب من اجل ادخال تطويرات عليها، خجلت من نفسي ان انا رفضت… ولكن وللشفافية المطلقة قلت له طلبك على عيني سي صلاح لكن بشرط ..ابتسم لي وقال (ايّا اعطينا شروطك يا كريّم .. اما ما تصعبهاش عليّ) ..
قلت له (اعترافا منّي بالجميل لك ولن انسى جميلك ساقبل الاشراف على اذاعة الشباب ولكن ضمن رؤيتي الخاصة لكيف يجب ان تكون اذاعة الشباب) .. لم يتركني اكمل واجاب على الفور ..انا اعرفك منذ سنوات ..واعرف ثوابتك ..ومن اجلها اخترتك لتكون مشرفا عليها وبنفس تلك الثوابت ولك منّي الضوء الاخضر والدعم الكلّي ..شكرته واردفت (سافعل كلّ ما في وسعي لارضاء ضميري ولاكون في مستوى ثقتك ..لكنّي لم اتمّ حديثي) .. ودائما بوجهه الباسم قال: (هات ما عندك) ..قلت اوّلا اشرافي على اذاعة الشباب يجب الاّ يبعدني عن المصدح ..المصدح هو عشق وانا لا استطيع التنفس لا تحت الماء ولا فوقه دون ذلك العشق…
ودون انتظار منّي قال سي صلاح ..واشكون قلك ابعد عن المصدح ؟؟ مازالشي حاجة اخرى يا كريّم ؟ … قلت له نعم هي حاجة اخيرة ..ساقبل على هذه المسؤولية بكلّ ما اوتيت من معرفة وجدّية وحبّا في بلدي لكن ساتخلّى عن هذا الدور بعد سنة للشروع في التوجّه الى الاعمال التلفزية كمنتج وكمخرج ..ضحك هذه المرّة سي صلاح وقال لي (يقولولي عليك راسك كاسح وما تعمل كان اللي يقلك عليه مخّك ..ويبدو انهم عندهم حقّ… المهمّ الان توكّل على الله ثمّ لكلّ حادث حديث) …
وفعلا شرعت بداية في الاستماع لبرامج اذاعة الشباب والتي تبثّ يوميا من الساعة السابعة الى التاسعة ليلا باستثناء يوم الاحد حيث تبدأ من الثانية ظهرا حتى السادسة مساء .. لآخذ فكرة عن واقعها ولاصلح ما يمكن اصلاحه… ولعلّ ابرز ما لاحظته في استماعي شهرا كاملا انّ عديد الاصوات التي كانت تعمّر اذاعة الشباب لا علاقة لها البتّة بالعمل الاذاعي ..ثم حرصت في نفس تلك الفترة على التعرّف على هويّة منشطيها فادركت انّهم في جلّهم من المنتمين الى التجمّع …وهنا عليّ ان اشير الى احترامي دوما لتوجّهات الفرد في اختياراته لكن شريطة ان لا يتحوّل المصدح الاذاعي لخدمات مصالحه الحزبية الضيقة ..المصدح كان وسيبقى في خدمة البلد لا في خدمة الاشخاص والاحزاب …
وامام هذه الحالة قررت ابعاد العديد من المنتمين لاذاعة الشباب انذاك امّا لاسباب مهنيّة بحتة (اي هم لا يصلحون للعمل الاذاعي لا صوتا ولا حضورا) او لوضوح مطامح البعض منهم وبشكل انتهازي لاجندة الحزب الحاكم ..وفي الاثناء كان عليّ ان اجد البديل ..اتجهت رأسا لبرامج الاطفال التي كانت تبث باذاعة صفاقس لدرايتي بالخبرة التي اكتسبها عديد براعمها مع منتجي تلك البرامج وعلى راسهم الكبير سي عبدالرحمان اللحياني حفظه الله ..وفعلا وجدت في تلك البرامج اسماء في بداية سنّ الشباب …وقمت ايضا بكاستينغ اخترت فيه اسماء جديدة قادرة على ان تكون ضمن اذاعة الشباب ..ووزّعت هذه الاسماء على فرق وكلّفت بعض الزملاء ذوي التجربة والكفاءة برئاسة تلك الفرق … وانطلقت مع الجميع في برمجة جديدة هدفها الاهتمام اليومي بمشاغل الشباب دون استعمال آلات الايقاع وعلى رأسها البنادر .. كان الشعار الذي اتبعناه انذاك (نحن معا نبحث عن الحقيقة كلّ الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة) ..ونجحت اذاعة الشباب في استقطاب جمهور عريض ..ونجح العديد من براعمها في نحت اسماء مازالت لحدّ الان تعمل بنجاح ..لانّها تعوّدت على الجدّية وعشق المصدح ..والالتزام بان لا شيء يعلو فوق الوطن ..
وبعد سنة يوما بيوم قدّمت استقالتي امام دهشة الجميع ..كان الجميع على علم بشرطي المتمثّل في مغادرة اذاعة الشباب بعد سنة ..لكنّ العديد منهم كان يتصوّر ذلك مجرّد تسويق كلام ..حتى حصل ما كان في الحسبان ..وكُلّف الزميل عبدالقادر السلامي رحمه الله بالاشراف عليها بعد مغادرتي حتى وقع حلّها عندما فُتح المجال لاذاعة الشباب بتونس لتصبح الضرّة التي قتلت ضرّتها ..وما اكثر ضرائرنا عندما يتعلّق الامر بصفاقس ..
قبل ان اصل الى التسعينات لابدّ من العودة الى نهاية الثمانينات لاشياء عشتها سواء اذاعيا او صحفيا ..في بداية جانفي 1988 كنت استعدّ للدخول الى الاستوديو لتقديم الكوكتيل في الاصيل… توقيتا كانت الساعة تشير الى الثالثة والربع ليتّصل بي موزّع الهاتف قائلا هنالك مستمعة اتصلت بك عشرات المرات لحاجة شخصيّة ملحّة ..هي معي على الخطّ هل امررها لك .قلت مرحبا ..جاءني صوت شابة يقطر حزنا وخذلانا ..لم تتأخّر عن الكلام وقالت بصوت متهدّج ..انا اسمي مروى من الساحل ..مشاكلي لا تُحصى ولا تُعدّ ولذلك قررت وضع حدّ لحياتي وسيكون برنامجك اخر شيء استمع اليه ..وانقطع الخطّ ..
للامانة انا كنت ومازلت اعوّل على احساسي بصدق الاخرين ..احسستها صادقة وكان عليّ ان افعل شيئا ما… قلبت البرنامج في محتواه المقرّر له… الغيت كلّ الاغاني المبرمجة مسبقا وعوضتها باغان تدعو للامل والتشبث بالحياة … كان سباقا ضدّ الساعة ..دخلت الاستوديو وبسطت الامر على المستمعين في سؤال للجميع ..هل باماكننا انقاذ مروى وثنيها عن قرارها ..وتهاطلت مكالمات المستمعين بكلّ حرقة وروح انسانية عالية… وقبل ان اغادر الاستوديو خاطبت صديقتنا مروى بقولي (انا ساغادر الاستوديو الان ولكن لن اغادر مقرّ الاذاعة حتى ياتيني هاتفك ليقول لي ولكلّ المستمعين انّك عدلت عن قرارك) …
نعم وكان ذلك…وبقيت متسمّرا في الاذاعة حتى منتصف الليل ليرنّ الهاتف بمكتبي وياتيني صوت مروى الباكي والمبشّر بشكرها وامتنانها للبرنامج وللمستمعين الذين اعادوا لها الامل في الحياة..ورجوتها ان تطمئننا من حين لاخر عن حياتها وفعلا فعلت… بل وهو الامر الذي اسعدني وأسعد المستمعين، حياتها استقرّت وتزوجت وانجبت اطفالا وهي تنعم بالسعادة والامان ..ما ذكرته لا يعني بالمرة استعراضا لبطولة ما وافتخارا بها، بل كنت ومازلت اؤمن انّ المنشط ان مات اوتجمّد في داخله الانسان لا يستحقّ وجوده امام المصدح .. ما قيمة الانسان ان مات في داخله الانسان .. انه اشبه بالدمية التي لا روح فيها ولا عطر ولا حياة…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
… من ذلك رأينا آلاف الاكشاك المنتصبة على الطرقات بصور مشبوهة و نشاطات هي أيضا خارجة على الذوق والصحة والقانون…
وفي هذا الإطار نجحت عمليات توسيع الترويج بكامل البلاد عن طريق عصابات جهوية ومحلية لم تتورع حتى عن مراودة تلاميذ المدارس الابتدائية. كما دخلت للسوق انواع جديدة من المخدرات زيادة عن القنب والتكروري والماريخوانا وشتى مستحضرات الهلوسة… ونظمت العصابات المافيوزية صفوفها بدعم متواطئ من أطراف فاسدة وتوسعت عمليات الترويج والاستهلاك تبعا لتوسع شبكات التهريب التي كانت مستقوية كما ذكرنا بسياسات لم تكن تعنيها مخاطر التهريب او الترويج او انتشار الاستهلاك في كل الأماكن مدنية او ريفية او مدرسية وربما جل الشرائح بنسب متفاوتة ومنها شريحة كبار السن…
جدير بالتذكير لإعطاء كل ذي حق حقه، ان والي اريانة الأسبق كان اول من تفطن إلى “خيوط العنكبوت” القذرة التي تحاول مد شبكات التهريب و تدمير الشباب و حتى أطفال تونس… وكانت له الشجاعة والوطنية لكنس جل الاكشاك المدرجة ضمن منهجية واضحة المعالم… فما كان من الانتشار الاجرامي المتمثل في ترويج عدد من أصناف المخدرات إلا أن انكمش في جحوره ..
اليوم هناك شعور جدي بأن الحرب على المخدرات قد انطلقت بفضل قرارات لا تقل صرامة عن مواجهة الإرهاب… لكن هل ان ايقاف بعض المروجين وحشرهم بالسجن سيقضي على الآفة بالبلاد؟؟ ان من يعرف بدقة عقلية المهربين و السلسلة الممتدة من الاباطرة المروجين إلى باعة التفصيل بالأحياء الشعبية والمرفهة وحتى الريفية كما ذكرنا، يدرك حجم الجهد الذي ينتظر الإطارات الأمنية و الجمركية و المصالح الاستخباراتية للانتصار على آفة هي الأشد خطورة بين كل الآفات… لذا، صار لزاما لإنجاح هذه المقاومة الباسلة التي تشنها أجهزتنا:.
اولا، ضرورة مراجعة التشريعات المتعلقة بالتهريب لا سيما في ما يتعلق بتهريب المخدرات والاسلحة والأموال، وهذه المراجعة المطلوبة يجب أن تستبعد منها اية صيغة صلحية.
ثانيا، تحديد عتبة دنيا للخطايا لا يقل عن 30 الف دينار ولو كانت الكمية صغيرة.
ثالثا، مصادرة كل أملاك المروّج او المهرب للمخدرات واملاك اصوله وفروعه وقرينه الا ما ثبت عن طريق قانوني.
رابعا، ترفيع الأحكام السجنية إلى اقصى ما في القانون الجنائي للأفراد، أما بالنسبة لمحلات بيع التفصيل فإنه يستوجب الغلق حال إثبات التهمة، زيادة على الخطايا الباهظة والعقاب البدني،
خامسا، تكثيف المراقبة على الحدود وتفتيش نقط العبور الرسمية وغير الرسمية وجمع أكثر ما يمكن من المعلومات حول شبكات إدخال المخدرات وترويجها ووضع المعنيين تحت المتابعة الأمنية مهما كانت صفتهم أو صفة من يحتمي بهم أو من يدافع عن “حقوقهم” تحت أي عنوان.
سادسا، إجراء رقابة صارمة على الأعمال الفنية التي تمجّد ترويج أو زراعة أو صناعة أو استهلاك المواد المخدرة، أو تطبّع مع هذه الظواهر أو تطنب في عرض مشاهدها أو سيرتها مهما كانت الذريعة التي يتم الاستناد إليها، وإجبار هذه الأعمال على اختصار تلك المشاهد أكثر ما يمكن والاقتصار غالبا على الإيحاء، مع إدانة ذلك بجلاء في الحوار والسيناريو، والحرص على عدم تحويل المروّجين والمدمنين إلى أبطال ونجوم يقتدي بهم الشباب.
سابعا، اي تخاذل من جهة رسمية أو توفير غطاء او تمرير للمخدرات يجب أن يقود إلى حبس الأعوان أو الإطارات المتورطة و قبله الطرد من الخدمة، مع تحديد خطايا موجعة ومتناسبة مع خطورة الجرم
وفي صورة توفر هذه العناصر واكتمالها، يمكن للبلاد أن تتخلص يصفة كبيرة من داء معشش بين ثناياها، وبذرة شيطانية تعاقبت على زرعها أجيال من أفسد الحكام وأبغض المحتلين… وكانت ذروة هؤلاء، المؤامرة العظمى التي فتكت بشعبنا بين سنتي 2011 و2022.
محمد الزمزاري:
التاريخ:
ترسخ وجود المخدرات منذ القرن السابع عشر وربما قبل ذلك بقليل وسجل مزيدا من التطور أيام الدولة الحسينية بأماكن عديدة من تونس والمغرب العربي في ظل تخلف حكم البايات الذي كان اهتمامه الأكبر بالجباية و محق كل قرية او قبيلة ترفض دفع الضريبة السنوية.
وقد جند البايات لذلك فرقا وقيادات دموية متوحشة. من ذلك تم تدمير بلدتين كاملتين بالجنوب التونسي رفض أو عجز أهلها عن دفع الضرائب المسلطة (طرة و جمنة من ولاية قبلي التي كانت تابعة إلى عمالة توزر)… في نفس الفترة ازدهر المجون لدى الطبقات الأرستوقراطية بالبلاد كما انتشرت زراعة “التكروري” في عديد الجهات وسط مزارع الطماطم والفلفل والتبغ… ولم يكن ذلك ممنوعا بل انه بداية من احتلال تونس سنة 1881 شجع المستعمر تداول واستهلاك التكروري في جميع الجهات بالبلاد وربما اهمها مناطق الوطن القبلي وبنزرت والجنوب التونسي، لكن الإدمان على”الزطلة” او الحبوب المخدرة او الماريخوانا او غيرها لم تصل إلى تونس وقتها …
موقف بورقيبة من المخدرات:
خلال سنة 1957 اي في بدايات الاستقلال اقترح بورقيبة وضع او تغيير تشريعات بخصوص استهلاك المخدرات وخاصة “التكروري” وهدد بالسجن لمدة خمس سنوات كاملة كل مروّج او مستهلك للتكروري إيمانا منه باضرار المخدرات على الاجيال التي ستصنع تونس. وقام بورقيبة بمبادرة ناجعة للقضاء او على الاقل للتقليص من زراعة التكروري او ترويجه او استهلاكه، عبر تكوين فرق جهوية ومركزية تجمع اطارات ومتفقدين من وزارة المالية و الداخلية (حرس وطني خاصة) وتقوم هذه الفرق بتفقدات وأبحاث فجئية للبساتين وحقول الزراعات الكبرى لاصطياد المخالفين ورغم ان آفة التكروري عندها لم تنقطع، فإن الخوف من العقاب المتعلق باستهلاك او زراعة التكروري قد عم البلاد رغم التجاء البعض الي زراعة المخدرات المذكورة بالابار والسطوح والجبال.
ماذا عن عهد بن علي؟
عرفت فترة حكم بن على عودة قوية لانتشار المخدرات و شهدت البلاد نقلة نوعية متمثلة في ولادة عصابات منظمة داخليا و خارجيا بالتعاون الوثيق مع المافيا الإيطالية. ولعل مقتل منصف شقيق بن علي كان في إطار ما نسب لصراع العصابات العالمية لدى البعض فيما يعتبره آخرون تصفية داخل هذه المافيات. ازدهرت المخدرات وتفاقم انتشارها و برزت عصابات منظمة للتهريب و الترويج و توسعت بؤر البيع عبر أنحاء البلاد الا انها تبقى محدودة مقارنة مع الوضع الذي وصلت فيه بعد ثورة 2011.
بعد بن علي:
خلال أيام الانتفاضة سنة 2011 سادت حالة الفوضى العارمة التي عمت البلاد و فتحت الحدود البرية والبحرية على مصراعيها أمام المهربين من كل الأصناف من استجلاب المخدرات إلى ترويجها بكل المدن و دخول كميات كبيرة من الأسلحة التركية من بندقيات الصيد التي تباع بصور شبه علنية بمئات الدنانير وبعض انواع المسدسات (بيريتا) رغم الجهود اللاحقة من المصالح الأمنية و الديوانية…. وشهدت أشهر ما بعد الانتفاضة عمليات ممنهجة لترويج السموم في كل مكان من البلاد في ظل ضعف السلطة التنفيذية و السياسية خاصة…
ـ يتبع ـ
استطلاع
صن نار
- ثقافياقبل 4 ساعات
صاحب دور “يوزرسيف” في تونس
- جور نارقبل 19 ساعة
ورقات يتيم … الورقة 86
- ثقافياقبل يوم واحد
الإبداع الأدبي والفكري التونسي في الصالون الدولي للكتاب بالجزائر
- صن نارقبل يوم واحد
الحوثيون يستهدفون قاعدة للاحتلال قرب حيفا
- ثقافياقبل يومين
كسرى: الدورة الثالثة لملتقى “سينما الذاكرة”
- جور نارقبل يومين
آفة المخدرات بتونس: التاريخ… والتوسع… والحلول (2)
- رياضياقبل يومين
معين الشعباني يواصل تصدر البطولة المغربية
- صن نارقبل يومين
اختتام المؤتمر الدولي للطب وعلوم الرياضة