تابعنا على

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 40

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

من عيوبنا الكثيرة اننا في مطالعاتنا نهرع دوما للاسماء المعروفة والذائعة الصّيت في عالم الكتابة …في البداية يوجّهنا المدرّسون الى اسماء معيّنة نظرا لارتباطها بدروسنا وهذا منطقي ..ثم نكتفي عادة بملاحقة كل ما كتبه المشاهير الاموات منهم واللهفة على كل ما يصدر للمعاصرين منهم ..

عبد الكريم قطاطة

كنت في بداية عهدي بالمطالعة (رابعة ابتدائي ألتهم كل ما صدر عن محمد عطية الابراشي وكامل الكيلاني وعبدالحميد جودة السحار …وفقط …وفي بداية دراستي الثانوية انهمكت في سحق ومحق مجموعة جرجي زيدان ثم بعدها ومع بداية المراهقة احسان عبدالقدوس، ثم الكبير نجيب محفوظ… ولعلّ الرابط الذي يجمع بين مطالعاتي لهؤلاء، قصص الحب والغرام في رواياتهم …ثم جاء انتقالي لشعبة الاداب الذي حتّم عليّ الاهتمام بالمنهج الدراسي واعني بذلك وحسب الترتيب الشعر الجاهلي ثم عصر الاسلام والشعر الاموي ثم العباسي ثم الحديث والمعاصر …

كثافة المواد في سنتيْ الباكالوريا لم تكن تسمح لنا في تلك الحقبة بتجاوز ما هو مقرر في البرنامج الدراسي ..الا ان الاشكال ياتي بعد الانخراط في دنيا اخرى بعيدة عن الدراسة ..جلّنا امّا ينقطع عن المطالعة تماما او يبقى في منظومة المشاهير اي في كهفهم ..ولأنني كنت من زمرة اولئك الذين يمقتون الكهوف وينادي دوما بتكسير جدرانها وبفتح ان لم تكن الابواب فعلى الاقل النوافذ لنور الشمس.. فاني كنت شديد البحث عن الوان اخرى الوّن بها خزينتي المعرفية في كل مشارب الحياة عموما وفي الشعر والادب بالتحديد …

فتحت زوايا المعرفة على العديد فاكتشفت الطيب صالح وحنا مينة ودرويش والماغوط ذلك القلم الرهيب والقاسم (ليس عرّاب الجزيرة ذلك الذي باع ذمذته بالبترودولار القطري بل سيّده سميح) وابنة الجزائر الكبيرة الرائعة المذهلة بنت المستغانمي …والقائمة طويلة وعريضة …من ضمن تلك الاسماء وقعت يوما ما عيناي على اديب مغربي يُدعى محمد الصبّاغ ..في الحقيقة عنوان كتابه هو ما شدّني ..في برنامج من البريد الى الاثير كان لي ركن عنوانه شموع على الطريق ..كنت استقبل فيه المواهب الفنية الشابة والتي لم يسبق لها ان غنّت لأفسح المجال لهواياتها ..وتخرج منه العديد من الاصوات التي شقّت طريقها في عالم الغناء وحتى لا انزل الى خانة الفخر والمنّ بما ومن قدمت، اكتفي فقط بذكر فرقة البحث الموسيقي بقابس و..هيلا هيلا يا مطر.. التي بُثت لاول مرة في برنامج من البريد الى الاثير .

عنوان الركن في برنامجي هو نفس عنوان الكتاب الذي الّفه محمد الصبّاغ …شموع على الطريق …في البداية كان حبّ الاطّلاع هو ما دفعني لاقتناء ذلك الكتاب ..ويا لروعة ما اكتشفت …قلم جميل جدا ينثر في جمل قصيرة نوعا جديدا من الكتابة الرمزية الانيقة جدا .. الكتاب لم يكن من النوع القصصي او النقدي او البحثي ..هو مجموعة خواطر عن اشياء عديدة في شكل فقرات وجمل احيانا لكن (طريزة ابدع قلم صاحبها في طرزها) ووجدتني استشهد بها في عديد برامجي او كتاباتي الصحفية نظرا إلى رمزيتها …لبلاغتها ..وخاصة لاسلوبها الجميل جدا … هاكم قرنفلة بنفسجية منها : “ما اجمل ان نكون كالميزان لا يهمّه ان ارتفع باللحم ام بالفحم …بالتبر ام بالتبن ..ام بهبّة ريح” …

ياه كم جميل ان نعبّر عن العدل بهذا الشكل ..اليس هو من اجمل الدروس للقضاة حتى لا يسقطوا في خانة الرشوة ومقاضاة مَن وزنه من ذهب وهو يلصق الجريمة والعقاب بمَن وزنه من فحم …؟؟؟ سيغضب حتما بعض القضاة من هذه التهمة …فقط اهمس في آذانهم ..يا سادتي القضاة انتم اكثر من يعرف ان فيكم مرتشين وفاسدين ومجرمين ..واذا اغمضتم اعينكم عن الحقيقة الابدية لا وجود لأي قطاع يسكنه الملائكة .. فانتم مدعوون الى فتح اعينكم على هذه الحقيقة ودعكم وكل من ماثلكم من الانخراط الاعمى للدفاع عن منظوريكم ..وفي كل القطاعات دون استثناء ..وحاولوا مرة واحدة ان تفهموا المقولة (انصر اخاك ظالما او مظلوما) هذه تعني ان كان ظالما قف معه وان كان مظلوما حسّسه بخطئه حتى يثوب الى رشده …

وبكل ألم اقول هذه واحدة من افظع مشاكل تونس بعد 14 جانفي …تحركات لم تكن يوما قطاعية من اجل قطاع ما ..بل قطيعية ..والفارق بين القطاع والقطيع مهول ومقرف ..من ضمن ما كتب الصبّاغ كتب: “الشمس تشرق كل يوم لتقدّم لنا مجموعة من الهدايا فماذا قدمت انت ايها الانسان ردّا على هداياها …؟” يوم بدأت العمل في الدراسة التطبيقية لفن المونتاج (تركيب الافلام)مع السيد جوزيو، احسست بان هنالك اشعة شمس بدات تسطع في كياني ..هنالك وميض لاشعة فيها النور ولكن فيها الدفء ايضا ..وكم هي حاجة الواحد منّا كبيرة في ايّ عمل ان يشعر ويستشعر ذلك .. بيداغوجية المؤطر يجب ان تكون من تلك الزاوية دفئا ونورا… المؤطّر عموما وفي أي ميدان عليه ان يمنح الاخر نور العلم وهذا واجبه كمدرّب ولكن وهو الاهم، عليه ان يعطي الاخر كثيرا من الدفء الانساني ..في نظرته ..في زفرته ..في ابتسامته ..وحتى في غضبه ..غضب الانسان يمكن ان يتحوّل الى نسيم سلام وامان ..

غضب المؤطّر كانسان هو حتما سيكون من فصيلة (ضرب الحبيب زبيب) وهذا ما عشته وتعلمته من مؤطّري الايطالي السيد جوزيو .وحاولت عندما اصبحت بدوري مؤطرا ان اتماهى معه ..وارجو ان اكون وُفّقت …ربّما ارضيّتي ساعدته على ان يكون كذلك معي، لأني كنت في بداية خطواتي معه استمع اليه باعجاب… نعم وانا الذي كنت ومازلت مزبهلاّ بالايطاليين لحركيّة كل شيء فيهم …تقاسيم وجوههم… حركيّة ايديهم …تلوين نطقهم للكلمات غاضبة احيانا ومعجبة احيانا اخرى …هذه الفصيلة من العباد هم لا يتكلمون… هم يُغنّون ..هم يعزفون … هم يرقصون …كنت مزبهلا به وانا استمع اليه ولكن ابدا ان فقدت تركيزي في الاستماع بعمق ..وهذا اول ما شدّ انتباهه تجاهي ….

ما لاحظته ومنذ الاسبوع الاول في الدراسة التطبيقية ونحن نلمس لاول مرة الشريط السنمائي بايدينا (لأنه في تلك الحقبة كان مونتاج شرائط الافلام هو السائد مهنيا وحتى الفيديو في بداية السبعينات كانت آلياته ثقيلة جدا وامكانية الجودة في مونتاجها كانت محدودة جدا،. كما أن العالم السمعي البصري بدا مع الاخوين لوميير بفيلم التصوير Pellicule و تواصل على تلك الحالة عشرات السنين وحتى الثورة التكنولوجية الحديثة لم تستطع اطلاقا ان تصل الى روعة المونتاج على الفيلم الفوتوغرافي ..ما لاحظته انه كان ينظر اليّ دون ان ينظر …كان يسترق النظر.. كنت مدركا تمام الادراك حسّيا انه لم يهمل احدا منّا (وما ابشع ان يهمل ايّ مؤطّر احد تلاميذه) …ولكن لم اكن افهم لماذا كان ينظر دون ان ينظر .. وتماما مثله تعلّمت ان استرق النظر على طريقته ..كنت اغتنم فرصة حديثه مع احد الزملاء ونقاشه معهم حول قواعد علمية ثابتة في المونتاج، كيف يردّ الفعل ..هو غاضب احيانا مع البعض راض عن آخرين صامت معي …

هكذا كانت مدّة الدراسة التطبيقية مع السيد “جوزيو”… وجاء الشهر الاخير لاعداد مشروع ختم الدروس … كان على كل واحد منّا ان “يتكوبل” مع احد زملائه المختصين في التصوير التلفزي ليقوم الكاميرامان بتصوير الموضوع ويتولّى المركّب المونتاج ….وعلى كل فريق ان يختار الموضوع الذي يريده ..واخترت انا الموضوع ..ريبورتاج حول حديقة الحيوانات بالبلفيدير …السيد جوزيو تساءل: هل تتصور ان هذا الموضوع هام؟ ..اجبته: اريد ان آخذه من زاوية معيّنة ..تبسّم وقال اوكي ..وهذه لا فرنسية ولا عربية ولا حتى امريكية انها عالمية ..وكان عليّ ان اثبت لمؤطّري السيد “جوزيو” اني في مستوى “اوكاه” …كان في مخططي ان اصوّر واخرج واركّب يوما ريبورتاجا عن موضوع ما، دون تعليق دون حديث دون ثرثرة كما يقع في جل قنواتنا الان …وارتايت ان اقدّم لمؤطّري عملا لا شيء فيه باستثناء الصورة وهي مركّبة بشكل فنّي على الموسيقى وفقط يا فقط …

قمت بدراسة المكان وقمت خاصة بالسؤال عن اصل وفصل كل الحيوانات اي جنسياتهم …وذهبت صحبة زميلي المصوّر ..لم يدم التصوير اكثر من يوم واحد ..ارسلت الاشرطة للتحميض وشرعت في اختيار موسيقى من نفس بلاد كل حيوان …ةضعت الاسيوين في مجموعة والاوروبيين في مجموعة ثانية والافريقيين في مجموعة ثالثة ..واخترت لهذه القارات الثلاث لا فقط موسيقاها بل تلك التي تتناسب مع الموضوع (الحيوانات)… انتهى التحميض وبدات عملية المونتاج … وسي وخينا هاكة الطلياني، مازال ينظر دون ان ينظر …صدقا كنت “شايخ بروحي” وانا اعيد قراءة مونتاج ايّة فقرة اتممتها …ولكن لم افهم ما معنى ذلك الطليان السمح الذي ينظر ولا ينظر ..صدقا لم احس يوما في التربص التطبيقي بالخوف من النتائج التي ستعلن بعد اسبوع ..كان كلّ همّي ان اكون انا … وياما اوقعتني في اشكالات ومشاكل ان اكون انا …وبدرجة ثانية ان اكون عند حسن ظن سي الباجي … ما تمشيوش لبعيد.. لقرطاج ..لانه لم يهمني يوما ان اكون عند حسن ظن لا قرطاج ولا مونبليزير وطززززززززززز فيهم جميعا ..بل عند حسن ظن السيد الباجي صانصة مدير مركز التكوين لدار التلفزة التونسية …

وحان وقت الحصاد ..زعمة ينڨزها كريّم …؟؟؟ يومها وقبل اعلان النتيجة النهائية للحصول على الديبلوم وهو الذي وقعت معادلته بسنة ثانية جامعة فيما بعد، جاء ذلك الجوزيو الايطالي الجميل الانيق وجذبني اليه وقال “قهوة معا ؟”… وبكل سرور وسعادة وشوق كبير لمعرفة اسرار هذه الدعوة، وجدتني كعندليب طائر استبق المسافات والعندليب الاسمر يغني في كياني (وخذتني ومشينا والفرح يضمنا، ونسينا يا حبيبي مين انت ومين انا) …يكب سعد الوقت …يستمعون الى انا موش مريڨل ..وانت موش مريڨلة …وهف.. يريڨلهم تريڨيلة ماهياش ..وينسون (وخذتني من ايدي يا حبيبي ومشينا… تحت القمر …غنينا وسهرنا وحكينا… وف عز الكلام سكت الكلام )…يومها وفي مقهى الاذاعة ذلك الذي ينظر ولا ينظر، نظر بكل تأمل إلى طالبه وفي عز الكلام بدأ ولأول مرة الكلام وقال بفرنسية عرجاء لكن كم هي جميلة: انتبه مليح كريم انت فنان وفنان جدا وانا واثق انك ماشي تُولّي مركّب كبير …وانا كنت نتبّع فيك منذ اول يوم وعندما شفت الـ”سي في” متاعك خلال دراستك اندهشت من ترتيبك في الامتحان النهائي وانت الاخير في دفعتك ..ولكن ولانك تستحق …انت الان ناجح وبامتياز وشريطك حول حديقة البلفيدير عمل محترف ويجد مكانه في اية تلفزة …

لم انتظر جدا الاعلان الرسمي عن النتيجة ..شكرته وودعته وذهبت الى رضا لاعلمه …وكانت ليلة ليلاء حمراء ..بكل مفاهيم الاحمرار… من مقرراتها الى قواريرها شديدة البراءة الى حد الاحمرار، لشلة الاصدقاء في تونس دون ان اكون مشتركا معهم في شرابها فشرابي مختلف .. انا لم اذق يوما الخمر بكل اصنافه في حياتي …هكذا قررت منذ بداية شبابي وادمنت على ذلك القرار رغم تعدد الاغراءات ..لم يكن الواعز الديني انذاك السبب ابدا … ربما هو جبن منّي …ربّما هو الخوف من عواقبه لاني في العشق لا اخاف من الغرق بل لا عشق عندي دون غرق ..وهذا امر اسعد جدا عيّادة ..التي لم تشك يوما في اني لم اذق الخمر ..هي لم تسالني يوما عنه ..هي تنظر اليّ وتعرف بالضبط ماذا فعلت وماذا لم افعل ..هل تتصورون اني لحد يوم الناس هذا عندما ازورها في قبرها احسّ لا فقط انها تسمعني وتسمع بكائي ..وما اروع البكاء على قبرها .بل هي تنظر الى عينيّ وتقرأ فيهما امّا اماني او ضياعي …

وبدات في الغد رحلتي مع مؤسسة الاذاعة والتلفزة التونسية كمركّب افلام ..وفوجئت في الاسبوع الاول بالسيد الهادي المزغني احد منتجي الدار يطلب منّي شريط الحديقة العمومية ليدمجه ضمن برنامجه الاسبوعي (من هنا وهناك) وهو برنامج يهتم بالاخبار الطريفة والعجيبة، ويبثه في موعده المقبل.. كان اليوم خميسا من اواخر سنة 72 يوم موعد برنامج من هنا وهناك ..تربعت امام الشاشة قبل الاخبار بكل نرجسية وزهو ..لاشاهد اول عمل تلفزي قمت بمونتاجه في حياتي المهنية …شعور لا يوصف …شعور…من خبايا العندليب ..(وخذتني يا حبيبي ورحت طاير طاير …واه مالهوى يا حبيبي اه مالهوى ….يا حبيبي) …

ما احلاه ذلك الشعور و خاصّة ..ما احلاه الهوى … باهي والا موشو باهي ؟… اكيد يتبع… راهو الهوى …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

سير يا لزرڨ سير !

نشرت

في

محمد الأطرش:

كانت الساعة تشير إلى منتصف الليل حين اختارت احدى القنوات الاذاعية التي أدرت الزرّ اليها صدفة ودون سابق اضمار ولا اشعار لأجد مطربنا علي الرياحي رحمه الله في احدى أجمل أغانيه…

الرياحي كان يقول ويمتعنا بـــ “علاش تفكر في ماضينا ما تفكرشي… ما تفكرشي …سلم ّأمرك للحنان …و قووووول ان شاء الله زينة زينة” وكأني بالمسكين يعيش بيننا اليوم فأغلب سكان هذه البلاد يئنون …يتوجعون… يبكون… ويشتكون من سوء أحوال جيوبهم وعدم قدرتها على الحفاظ على من يزورها من أوراق المرتّب كل آخر شهر… وكأني به يقول لنا لا تأبهوا للمال والأموال فالأحوال بيد خالقها وقولوا لمرتبكم إن خيّر مغادرة جيوبكم والهروب برّا وبحرا وجوا من سوء الأحوال فيها “ان شاء الله زينة …زينة“…

المسكين لا يعلم بأننا نغني هذه الأغنية كل شهر ومع حلول اليوم العاشر منه فمرتباتنا خفيفة الروح لا تثقل علينا البقاء في جيوبنا فتختار مغادرتنا مبتسمة سريعا على المكوث في جيوبنا ودفء جيوبنا مكشّرة عن أنيابها ودون دعم ومساندة…قلت في خاطري وكأني بسيدي علي يعرف من زمان ما سنعانيه وما سنعيشه نحن الأجيال التي جاءت بعده…ألم يغن للعاطلين عن العمل “عايش من غير أمل في حبك…تعذيبي ودمعي من أجلك” وهم يناجون العمل الذي لم يزرهم ولم يأبه لأوجاعهم ومعاناتهم وهم يعيشون البطالة لعشرات السنين…وهم يسمعون الوعود من كل الحاكمين بأمرهم يسارا ووسطا ومن أحزاب الخراب إلى أحزاب اليمين…

ألم يغن “ياللي ظالمني …والروح معاك” وكان يقصد بها الموظف المسكين الذي عانى الأمرين وهو في خدمة مديره وحين وجب تكريمه بخطة وظيفية أهداها “مولاه” لمن بايعه وصفق له واستثناه…ألم يغن “تكويت وما قلت أحيت هزيت الجمرة بايديا”  وأظنه كان يقصد بعض من فقدوا فلذات أكبادهم بحرا وهم يبحثون عن وطن يعوضهم وطنا خذلهم في توفير لقمة عيش تغنيهم عن ترك ارضهم وأهلهم ووطنهم…وكأن سيدي علي رحمه الله يعرف أيضا معاناة الكوني ابن عمّتي مع خطيبته ألم يغن له “احترت آش نهديلك يا حلوة يوم العيد قرب…أجمل ما في الدنيا عندك آش ما زلت تحب”  فالكوني ابن عمّتي وعد خطيبته أم الخير بأن يهديها كيلوغراما من “الغْرَيْبة” يوم عيد ميلادها ورطلا من “محشي” تطاوين فخذله مشغّله “الشاف شانطي” ولم يمكّنه من راتبه إلا بعد مرور عيد ميلاد خطيبته أم الخير…ما أروع سيدي علي يفكّر حتى في معاناة الكوني أبن عمّتي يا لإنسانيته وطيبته ويا لحظك يا كوني المنتِّفْ…”الله يرحمك يا سيدي علي”…

والغريب في ما غناه سيدي علي قصّة الحب بين الرئيس قائد السبسي رحمه الله والنهضة حين أوعز إليها بأن تختاره رئيسا عوض المرزوقي بعد تركه “دار الباي” وبعد انتخابات التأسيسي فاختارت المرزوقي… فكيف علم سيدي علي بأمر تلك القصّة وغنّى للباجي حين نجح في انتخابات 2014 وحين راودته النهضة عن التوافق معه والعمل معا اليد في اليد “جريت وراك وخنتيني تبعتك حتى للأخر واليوم حبيت ترضِّيني لكن توا خلطت موخِّرْ…” يا لغرابة ما غنيت يا سيدي علي…فجأة  ودون سابق إنذار يتغيّر الصوت الذي يصلني من مذياعي الصغير الذي يرافقني أحيانا لأجد صوت الهادي الجويني رحمه الله وهو يشدو بـــ”لو كان موش الصبر يطْفي ناري” وكأني به يخاطب فريق كرة قدم من العاصمة غابت عنه التتويجات لسنوات، يا سلام سي الهادي كان يتابع المشهد الكروي في تونس بشغف وأطربنا بعد وفاته بأغنية عن فقير الحال الفريق الذين يمكن اعتباره من ذوي الاحتياجات الخاصة ومناطق الظلّ الكروي…واصل الهادي الجويني رحمه الله تمتيعي بما يطربني فبعد أن غنى لفريق من العاصمة وكأني به أراد ان يتوجّه لحركة النهضة بأغنية يذكرها فيها بانها فشلت في ما اختارته حين مسكت بتلابيب الحكم فغنى “كي بغيت تطير يا حمامه…” ثم لم يقف عند النهضة فغنى متوجها لمنظومة الاستقلال بأغنية جميلة “اللي تعدّى وفات…زعمة يرجع…“…

لم أدر زرّ المذياع…ولم ألمسه حتى… لكنه فاجأني بطرب آخر ليس تونسيا وكأن أحد من لا أراهم بالعين المجرّدة أدار زرّ المذياع ليطربني ويمتعني بما جاد به من ماتوا ممن كنّا نستمع إليهم وهم احياء من المطربين…فجأة يصلني صوت نجاة الصغيرة أطال الله عمرها وهي تغنّي “مهما الأيام تعمل فينا… مابنستغناش عن بعضينا” وكأني بها تغني لإخوتنا في المغرب وهم يتغنون بالصحراء الغربية التي عادت جزءا لا يتجزأ من أرضهم… غريب أمر أغاني زمان جميعها مستوحاة من زمان جاء بعد زمانهم… ويواصل مذياعي تمتيعي بما جادت به ذاكرته وهذه المرّة وكأني بعبد الوهاب رحمه الله أراد ان يتوجّه للعرب…كل العرب بلوم عن خذلانهم لأهل من خُربت ديارهم وشردوا ونكل بهم وبصغارهم بأغنية “أيها الراقدون تحت التراب…” يا سلام يا عبد الوهاب حتى انت…

بعد متعة عبد الوهاب رحمه الله …شعرت بهزّة أرضية خفيفة وأنا استمع إلى زياد غرسة وهو يغني “طهّر يا المطهّر صح الله يديك…لا توجع وليدي لا نغضب عليك…طهر يا المطهر بالموس الرقيق…لا توجع وليدي …قلب أمه رقيق…” يا سلام يا مذياعي الطيب…فزياد غرسة يتوجه إلى جميع من خطبوا فينا أثناء الحملات الانتخابية منذ أربعة عشر سنة وهو يعدون ويتوعدون بالتطهير…تطهير المؤسسات…تطهير الوزارات…تطهير الصحة…تطهير التعليم…تطهير الاقتصاد…تطهير الرياضة…تطهير كل القطاعات…وجميعنا ومن كثرة ما استمعنا إلى هذه الكلمة “وضعنا ايادينا لنحمي مناطقنا الحساسة كما يفعل جدار المدافعين في كرة القدم حين ينفّد روبرتو كارلوس مخالفته…يا الله…

ومن كثرة استماعنا إلى خطاب التطهير خلال انتخابات التأسيسي، أخذت الشعلاء أخت الكوني ابن عمّتي ابنها غير المختون إلى المترشح الذي رفع شعار التطهير لغاية ختانه… فالمسكينة كانت تمنّي النفس بأن تختن ابنها دون تكاليف وأن يتحمّل المترشح المعني بالأمر عناء ووزر ختان ابنها في إطار برنامجه الوطني للتطهير…وهي نفسها أيضا التي أرسلت بمراسلة إلى هذا المترشح طالبة منه ربط منزلها بشبكة التطهير…وكان الكوني ابن عمّتي يداعبها بقوله “سير سير سير …سير يا لزرڨ سير” …

أكمل القراءة

جور نار

نحن الشعب الذي لم يقرأ الدرس جيّدا…

نشرت

في

محمد الأطرش:

اليوم هو ذكرى شرارة الثورة الوطنية الحقّ… الثورة التي أهدتنا الاستقلال: ثورة الثامن عشر من جانفي 1952…

تلك الثورة التي نسيناها في زحمة موجة الحقد والكراهية التي طغت على أغلب سكان هذا البلد وجعلتهم يبحثون عن مسح كل ما صنعه أجدادنا وأهلنا من أجلنا… لا أحد يمكنه أن ينكر على من قدموا أنفسهم فداء للوطن لنعيش بعدهم أحرارا في وطننا، تضحياتهم ووطنيتهم… أقول لا أحد يمكنه أن ينكر على آبائنا وأجدادنا ما فعلوه من اجل هذا الشعب، وحده الحاقد على كل شيء قديم والذي يرى أن كل شيء دونه لا شيء… ينكر ذلك ويرفض الاعتراف به… لذلك علينا أن نشكر كل جيل وكل عهد ومرحلة عاشها شعب هذه البلاد فلكل مرحلة دروسها ولكل مرحلة فشلها ونجاحاتها وزلاتها وذكراها وبانيها وصانعها وظالمها ومظلومها وسجانها وجلادها ومستبدها وعادلها وفاسدها وحاميها و”حراميها”…

علينا جميعا نحن من لا نزال نذكر ما عاشته هذه البلاد أن نراجع أنفسنا… ونراجع بعض احكامنا… وأقوالنا وشهاداتنا… فلسنا من الملائكة ولا أحد منّا معصوم من الخطأ… فجميعنا أخطأ في حق جميعنا أو بعضنا… وجميعنا ظلم بعضنا أو بعض بعضنا… وجميعنا استبد على الآخر… وجميعنا سرق عرق ومجهود الآخر… وجميعنا رفض الحقّ للآخر… وجميعنا رفض الآخر وأقصى بعض الآخر… وعلينا اليوم قبل ان نغرق في موروث صنعناه بأحقادنا وسنتركه فتنة غدا لأبنائنا، أن نقتنع أن المراجعات والاعتراف بالخطأ ليست ضعفا ولا يمكن اعتبارها هزيمة بل هي في خلاصة القول عودة إلى العقل… وصحوة ضمير… فجميعنا شئنا أم أبينا أخطأنا من بورقيبة ورفاقه، وصولا إلى لحظتنا هذه من ساعتنا هذه من يومنا هذا من شهرنا هذا من عامنا هذا… لا احد معصوم من الخطأ ولا أحد كتب اسمه في قائمة الملائكة ولا أحد يمكنه أن يفاخر بأنه أجدر واقدر واشرف من غيره…

أربعة عشر سنة مرّت منذ أرسل إلينا العمّ سام باقة أشواك خالها بعضنا ورودا من ربيع سيُنْسي العرب كل العرب صيفهم الحار وشتاءهم القارس وخريفهم الذي تساقطت فيه كل أوراق اشجارهم… نعم أرسل إلينا العمّ سام باقة أشواك جرحت أيادينا حين احتضنّاها فرحا وطعنتنا بخناجر أشواكها من قرطاج إلى دمشق مرورا بطرابلس والقاهرة وصنعاء حين ائتمنّاها على أنفسنا ومصيرنا ومستقبل أبنائنا… باقة أشواك خلناها فرحا فأوجعتنا وأيقظت قابيل الذي يسكننا وأبكت مرّة أخرى هابيل الذي لا يزال بعضنا يلاحقه ليقتله مرّة ومرّات… ومنذ ذلك اليوم ونحن نقرأ الدرس تلو الآخر… ونعيش الوجع تلو الوجع…

بعضهم قرأ الدرس جيدا… وبعضنا يرفض ولا يريد ان يقرأ عمق الأشياء وخلاصة الدرس ومعانيه… وبعضنا قفز على اللحظة وخرج علينا فاتحا شاهرا سيفه صارخا مولولا “أنا ربكم الأعلى ودوني أنتم الأخسرون”… وإلى يومنا هذا يواصل بعضنا ايهامنا أنهم أقدر ممن سبقهم… وأنهم أشرف ممن حكم قبلهم… وانهم أجدر ممن ينافسهم…وأن الجميع أهل فساد وأنهم “الواحد الأحد” الذي لا يمكن ان يضاهيه احد ولا أن ينافسه احد… هكذا نحن… وهكذا غرقنا في بئر تعنتنا ورفضنا لبعضنا البعض… وعدم اعترافنا بأننا لسنا من الملائكة وأن خصومنا ومنافسينا والآخر ليسوا أعداء لنا وليسوا حتما من الشياطين…

لذلك أقول إنه حان الوقت لنعلن على الملأ وامام الجميع وعلى مسمعهم جميعا أن هذه المرحلة تتطلب منّا جميعا واعي ما أقول جميعا، ولا استثني أحدا… أقول وأكرّر، تتطلّب منّا مراجعة كاملة لما عشناه وما أخطأنا فيها وما فعلناه… علينا ان نعترف جميعا بما اتيناه من خير… ونعترف جميعا بما فعلناه من سوء… فمن نحن حتى لا نقول أننا أخطأنا في أمر ما؟… أخطأنا في قراءة الدرس… وفي قراءة التاريخ… اخطأنا في حق بعضنا البعض… اخطأنا في تاريخ البعض… أخطأنا في حكم البلاد…

من نحن حتى لا نعترف بأننا ظلمنا… وبأننا أقصينا بعضنا البعض… وأننا رفضنا الآخر وبعض الآخر… من نحن حتى لا نقول ونعترف بأن ما اتيناه يمكن اعتباره استبدادا… وظلما… وانتقاما… علينا ان نترك “الجبن” جانبا… فمن الشجاعة أن نراجع ما أخطأنا فيه… ومن الشجاعة أن نعترف بحق البعض علينا… ونعترف باننا أسأنا قراءة التاريخ وما يعنيه… والأحداث وما تستدعيه… ومن حقّ الوطن علينا، والشعب والأجيال القادمة أن نراجع بعض ما أخطأنا فيه … وما اسأنا فيه… كما وجب أيضا أن نفاخر بما نجحنا فيه… وما تميزنا فيه… وما يمكن ان نكبر به…

لذلك وأكثر من ذلك علينا ولأول مرّة شكر هذه المرحلة من يوم تلقينا باقة أشواك العمّ سام التي طعنتنا من قرطاج إلى دمشق… إلى يومنا هذا وجراحنا تنزف حقدا وكراهية وسوء تسيير وضعف تدبير… فأنا اليوم اقولها عاليا شكرا للعمّ سام فلولاه لما عرفنا حجمنا الحقيقي ولما عرفنا حجم العملاء والخونة في هذه الأمة… شكرا للعمّ سام فلولا باقة اشواكه لما كشفنا وجوهنا الحقيقية تجاه بعضنا البعض… فجميعنا طعن جميعنا وجميعنا ظلم جميعنا وجميعنا يحقد على جميعنا وجميعنا يحسد جميعنا وجميعنا يتآمر على جميعنا… شكرا للعمّ سام فلولا باقة اشواكه لما عرفنا أن بعض هذا الشعب مريض ولا يحتاج إلى أسباب ليحقد ويكره بعضه الآخر…

شكرا للعمّ سام فلولا باقة اشواكه لما عرفنا حجم الفساد الذي يعيشه العرب من المحيط إلى الخليج مرورا بالخاصرة وأفخاذ العرب ومؤخرتهم ايضا… شكرا للعمّ سام ولباقة اشواكه التي أيقظتنا من سباتنا فعرفنا من الظالم ومن المظلوم… من الوطني ومن الخائن… من المستبد ومن العادل والديمقراطي… شكرا للعمّ سام وباقة اشواكه فلولاه لما عرفنا أن العرب كل العرب يبدعون في صناعة جلاديهم ويعشقون الضرب على قفاهم… شكر للعمّ سام وباقة اشواكه فلولاها لما عرفنا أن بعضنا لا يمكن ان يعترف بك ويحبك ولا يقبل بك أبدا… شكرا للعمّ سام فلولا باقة اشواكه لما عرفنا أننا شعوب أصابها الجهل في مقتل… واننا شعوب تفكّر بنصفها الأسفل… وأننا أشدّاء على بعضنا رحماء على الآخرين…

أخيرا أقول… شكرا للعمّ سام وعائلته وأصهاره ومن يخدمونه من الخونة والعملاء وباعة الأوطان… فلولا باقة أشواكه لما أيقنت أن الحقّ وإن طال سباته لا بدّ أن يستيقظ يوما على أنين حَمَلَتهِ، وأنّ الإنسان مهما عاش على ظهر الأرض فمصيره في بطنها… وكفاك حقدا وكرها وقتلا يا قابيل … فنحن الشعب الذي لم يقرأ الدرس جيّدا…

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 102

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

في علاقات الواحد منّا مع الاخرين في محيطه وبقليل من الحدس بعد المعاشرة، يتفطّن الى نوعين من الاحاسيس ..فهو مع البعض يشعر بالتناغم بالراحة بالصدق حتّى بمجرّد تحيّة او نظرة او ابتسامة ..وفي المقابل يشعر مع البعض الاخر بنوع من التوجّس والريبة …

عبد الكريم قطاطة

منذ بداية سنة 2001 احسست ببداية تغيير في علاقة المرحوم “عبدالقادر عقير” بي… ولانّني من طبعي اعتمد دوما قناعة نصف الكأس الملآن في تعاملي مع الاحداث والاشخاص، فسّرت ذلك التغيير كما اسلفت بعوامل ظرفية قد يمرّ بها الشخص في حياته فتعكّر مزاجه مع الاخرين … لكن وفي نصف الكأس الفارغ لاحظت ومنذ سنة 2000 دخول زميلين في محيطه بشكل متواتر… ومن واجبي تجاهه، نبهته لأمرهما لاني اعرف معدنهما وخاصة محدوديّة كفاءتهما… شكرني على النصيحة ولكن لم يعمل بها بتاتا… بل كان موقفه عمليا مفاجئا جدا لي … وكنت اشتمّ رائحة الغدر بالنسبة لما سيحدث في نهاية المطاف …

وجاء التاكيد عندما اعلمني زميلي في مكتب الاستقبال بانّ احدهما كلفه وبامر من المدير ان يمدّه يوميا باسم وطبيعة كل شخص يريد مقابلتي… وجاء التاكيد الثاني من زميل في غرفة الهاتف ليقول لي إن احدهما اتصل به وطلب منه ودائما بامر من المدير ان يمدّه يوميا بقائمة كل المتصلين هاتفيا بعبدالكريم… ورجاني الزميلان ان لا اوقعهما في شراك الادارة خوفا من ايّ عقاب محتمل… ووعدتهما بالكتمان ولم يعرف ايّ كان ولحدّ هذا اليوم شيئا عنهما… عندما علمت بالامر استبقت الاحداث برسالة كتبتها للسيد عبدالقادر عقير هذا نصّها:

وحده الله يشهد انني اكتب لك لا خوفا ولا طمعا ولكن عشقا سرمديا لاذاعتنا الحبيبة اذاعة صفاقس… سيّدي الكريم عبدالقادر عقير… عديد المرات حاولنا معا ان نضع اليد في اليد من اجل خير هذه الاذاعة رغم بعض الاختلافات… لكن يبدو وحسب ما يصلني من اصداء يبثها اتباعك انّ الاختلاف قُدّر له ان يصبح خلافا وللاسف… اتباعك يشيعون انّ راس الحيّة هو عبدالكريم وانّ مخططا جاهزا لاقصائه واقصاء من لهم صلة به… ويشيعون ايضا انّ امرا رئاسيا ورد لايقاف برنامجه في الشبكة القادمة… ويشيعون ويشيعون وانا اجيبك: لماذا تجهدون انفسكم في وضع مخططات لاقصائي ؟ الم اقل لكم انني مستعد لاراحتكم من هذا العناء وذلك بالانسحاب من دفة المسؤولية ان كان ذلك في صالح اذاعتنا؟ ثم تتحدثون بواسطة اتباعكم عن امر رئاسي بايقاف برنامجي… هل ليس للرئيس مشاغل لهذا البلد سوى اقصاء برنامج اذاعي ما ؟ الم تدروا انكم بما يبثه اتباعكم تصنعون منّي بطلا رغم انفكم وانتم الذين تريدون القضاء على راس الحيّة ؟ …

وها انا اجدّد لكم طلبي… ان كنت مقلقا وخطيرا لهذه الدرجة فعلى عكس ما يخيّل لكم وبشرف عزّة نفسي وعزّة شرف زيتونة الاثير، انا دوما مستعدّ للتخلّي عن المسؤولية من اجل صالح الاذاعة وبكلّ جدية وصدق … ولكن دعني اسالك … هل بموقفي هذا سيتم القضاء على المنزلقات التي وصلت اليها اذاعتنا تسييرا وانتاجا وعلاقات ..؟ هل يضمن انسحابي هذا تفادي عديد التجاوزات لاتباعك التي اصبح يعرفها الخاص والعام ؟ هل يضمن انسحابي تطورا ايجابيا لبرامجنا التي شهدت تراجعا كبيرا على عكس ما يروجه لك البعض ..المصدح وقعت استباحته بمن هب ودبّ وبنفس الاسماء التي تلقى التشجيع على عكس اخرى التي لا تلقى الا التنكيل؟ هل يضمن انسحابي تطوير العلاقات بين ابناء المؤسسة التي اصبحت تكتلات وقبائل نتيجة لما يزرعه اتباعك من حقد وضغينة واكاذيب واراجيف في صدرك؟

سيدي الكريم اعيد عليك القول هذه المرة كتابيا .. جلّ المنتسبين للاذاعة ينتظرون رحيلك على احرّ من الجمر لانّك وللاسف اعتمدت على (شلّة) لا تحظى بالاحترام والتقدير واصمّت مسامعك عن الحقيقة … هم لاحظوا انك منذ مدة اصبحت المعاملات بين الموظفين لا تتسم بالعدالة في رخص غيابهم .. في اوقات دخولهم وخروجهم للادارة .. في اعداد منح الانتاج والاعداد المهنية ..فهل وراء هذه الحالة عبدالكريم ايضا ؟ ان كان كذلك فهذا يعني انّ عبدالكريم خطير ولكن يعني ايضا انهّ قدير ومستطيع ..

سيّدي الكريم لنكن صرحاء ..كم مازل بيننا ؟ شهر ؟ سنة ؟ 5 سنوات ؟ ليس مهمّا ما سيقوله الناس وانت بيننا .. المهم ما سيقوله الناس عندما تغادر هذه القلعة .. ولكن بحقّ فلذات كبدك لا تدع الاخرين والمحسوبين على عبدالكريم يدفعون حساب عبدالكريم … عبدالكريم في الخمسين من عمره وسيكتب عني التاريخ كما سيكتب عنك… ولكن ما يعرفه عني الاخرون وانت منهم اني احب بلدي لحدّ النخاع واحب اذاعتي لحدّ النخاع وهذا يعرفه الكبير والصغير ولا يمكن لايّ كان ان يمسح تاريخي بجرّة قلم .. رجاء لا تقرا خطابي لك على انه تهديد ووعيد ..اقرا خطابي على انه كلمات من صديق يريد ان ينبهك لعديد الاشياء والتي اهمها أني لست ماكرا شريرا كما يصوره لك البعض… ولكني لست غبيا ايضا ولست شيطانا حتى افجّر ما بحوزتي من حقائق لاني مازلت مؤمنا بانّ الاصلاح ممكن.. ساواصل بذل جهودي كي تبقى اذاعة صفاقس اعلى من الجميع… وساواصل سعيي الدؤوب للوقوف ضدّ كل الكلاب التي تريد نهشها…

اختم بما انطلقت به في رسالتي هذه اكتب لا طمعا ..فانا لا تهمني الطموحات السخيفة التي رمتها على مسامعك تلك الشلة والتي مفادها اني اعمل على ازاحتك لتولّي منصب ادارة اذاعة صفاقس… والغريب انك بدات تصدّق مثل هذه الحماقات… واكتب لا خوفا لاني لا اخاف الا الله .. اخيرا ارجو ان اجد فيك صوت العقل وانت تقرا مخطوطي بخطّ يدي حتى يبقى شاهدا عليّ وعليك… وفقنا الله جميعا فيما فيه خير اذاعتنا وهي على بعد امتار من الاحتفال بعيد ميلادها الاربعين…

صفاقس في 20 نوفمبر 2001

ولم اتلقّ ردّه لفترة طويلة بل جاء في مكتوب رسمي وبتاريخ 24 ديسمبر 2001 وياله من ردّ ..بل يا لها من ردود… كان مسلسلا باتمّ معنى الكلمة… غفر الله له ولكل من غادرنا وعاصرنا في تلك الحقبة…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

صن نار