تابعنا على

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 45

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

من الاشياء التي حفظناها عن ظهر قلب منذ نعومة اظافرنا (العلم نور)… وحتى الفنان الفكاهي المورالي في جيلنا انذاك تغنى بها على طريقته واستمعنا اليها عديد المرات في الاذاعة الوطنية، حيث كانت تخصّص ساعة اسبوعية كل يوم احد بداية من الثامنة يتداول عليها انذاك اشهر المونولوجيست… صالح الخميسي، حمادي الجزيري، الهادي السملالي والمورالي والجراري الى اخر القائمة… رحمهم الله جميعا ..

عبد الكريم قطاطة

والاغنية الفكاهية انذاك كانت تلقى رواجا كبيرا لدى المستمعين… وحتى اذاعة صفاقس في بدايتها لم تشذّ على القاعدة وتألّق فيها منذ افتتاحها بو الشنب (مبروك الغرايري) عم لاعب النادي الصفاقسي “غازي” .. العلم نور نعم ولكن هو نار ايضا …شباب تلك الحقبة من امثالي الذين تعلّموا وتصوروا انهم تثقّفوا، وجدنا انفسنا في مرجل… تراكم المعرفة جعلنا تائهين بين المُثل والواقع، فبقدر ما تعلّمنا اشياء بقدر ما زاد ضياعنا يوم القرار ..نحن جيل نهل من الايديولوجيات السياسية الكثيرة باستثناء الاسلامية منها… وحتى بروز النفَس الاسلامي انذاك والذي شجّع على ظهوره نظام بورقيبة لكسر شوكة اليسار فاذا به في الثمانينات ينقلب فيه السحر على الساحر …ذلك النفس لم يكن مُخيفا بالمرّة لانّ حجمه لم يكن في السبعينات ليُؤثر على موازين القوى اذ انّ الساحة كانت تعيش صراعا دائما بين اليساريين بمختلف تشكيلاتهم وبين الدساترة… وكان اليساريون الطرف الابرز في النضال لانّ الانتماء الى الشق الدستوري الحاكم في الجامعة مثلا كان بشكل خجول ومتخفّ (ويا ويح اللي يطّرفوا بيه دستوري في اجتماع طلاّبي)… هو بمثابة البوليس الذي يستعمله النظام لالتقاط اخبار الفصائل المعارضة الاخرى…

وفي هذا الباب اتذكّر حادثة وقعت لاحدهم عندما تفطّن الرّفاق لوجوده …نال عقابا شرسا جدا ..لم يمسّه احد بسوء بل وقع جلبه الى ساحة الكامبوس وقام احدهم وعلى الطريقة الداعشية بوضع عصابة على عينيه وتم حلق جزء من راسه حيث رسم عليه بالفرنسية حرف ٌأف” (اي “فليك” اي بوليس الحزب الحاكم)… واضحكوا معي قليلا ..هذا الشخص واصل عمله برتبة (قوّاد 5 نجوم) ليُصبح يوما زميلا اعلاميا ومسؤولا ومنظّرا لنظام بن علي بعد ان كان “فليك” لنظام بورقيبة …والاكيد انّه قلب الفيستة ليصبح نهضاويا في انتخابات 2011 ثم ندائيا سنة 2014 ثم هو مع النظام القادم حتى لو صعد “حمّة” لسدّة النظام… رغم انّ هذا من باب الاحلام المراهقة له ولاتباعه، لانّ هؤلاء الجماعة ما ادركوا يوما ان اسلافهم من منابع اليسار العالمي اصبحوا يتبرؤون من يسارهم بينما جماعتنا هم ملوكيون اكثر من الملك ماركس والامير لينين …واللذين لو عاشا لهذا الزمن لهمسا (باطل يا حمّة باطل)…

اذن وعلى طريقة تخريجات جيل اليوم الماسطة في اغلبها (فيق يا شفيق!)… ذلك الكمّ الهائل من التعاطي مع الايديولوجيات جعل عددا منّا يقرّر اتجاهه… بعضهم عن قناعة والبعض الاخر كموضة وجل البقية كالقطيع ..كنت من جماعة الموضة ولكن المتامّلة في كلّ ما يحدث ..كنت غير راض عن ايّ فصيل لانّي كنت شاهدا على الممارسات التي تختلف جذريا عن المبادئ …كان اغلبنا يعيش انفصاما في الشخصيّة فالخطابات شيء والسلوكات شيء مختلف تماما ..كنا في جلنا نؤمن بحرية المرأة في كل شيء حتى في جسدها بل كنّا نشجّعها على ممارسة تلك الحرّية دون حدود ..وعندما تحين الساعة الصفر للاقتران بشريكة عمر، تظهر فجأة فينا صورة سي السيد بوعي او دون وعي… ونبحث عن بنت العيلة التي لم تخرج يوما من كهفها ولم تر النور… وعندما احيانا نستشير بعضنا البعض في بعضهن، كثيرا ما نُلفت الانتباه الى (رد بالك هاكي عينها محلولة)… او (اشبيك هبلت تاخذ فاضل العباد ؟؟) …او (هاكي تعدّى عليها مائة ريح)… في حين وبكل انانية الرجل الشرقي المريض، لم يلتفت لحظة واحدة الى ماضيه الاسود وهو يعاشر وبكل تفاخر ثويري نفس تلك اللي عينها محلولة وتلك اللي تعداو عليها الف ريح ..هل هو نور العلم والمعرفة ام ناره ..؟؟؟

والامر يصبح اكثر تعقيدا في اختيار نوعية جمال المرأة ..جيلنا انذاك كان ومن خلال نور المعرفة يبحث عن امرأة تجتمع فيها عديد النساء ..فهي في البداية عبلة في وفائها لذلك الزنجي عنترة ..وهي بثينة جميل او ولادة ابن زيدون ..وهي كل قصائد نزار قباني في المرأة …وهي سامية جمال في رشاقة جسدها عندما ترقص ..وهي شادية في دلعها ..وهي بريجيت باردو في انوثتها الصارخة.. وهي جين فوندا كيسارية مناضلة ..وهي اورنيلا موتي في سحر نظرتها ..وهي امّه في عفّتها وشرفها … اي انّ الواحد منّا يبحث دون وعي عن امرأة مستحيلة لانها مركّبة من كل ما شاهده في الافلام ومن كل ما قرأه في ثلاثية نجيب محفوظ وغيره من القصص … ثم ينتهي بجلّنا المطاف للعودة الى المربّع الاول (بنت دار واللي تعرفوا خير مللي ما تعرفوش) .. السنا نحن جيل المعرفة النور والنار ..؟؟؟..

من ثمة وبعد تلك المحادثة الموجزة مع خالتي حول موضوع الزواج … وهذه الاخيرة لم يسعفها الموت لترى ابن اختها يوثّق لها حلمها اذا انها ماتت في تلك السنة بمرض عضال … بعد تلك المحادثة، بدأت جدّيا اضع الامر في اطار (علاش لا؟)… خاصة انّ عيادة ستكون اسعد مخلوقات الله لا فقط باختيارها لابنة اخيها بل وخاصة لطفلها الذي بدا يعود الى رشده …قلت في اطار علاش لا، لانّ هدفي الاهم ومنذ سنة 74 كان هل وصلت فعلا يا عبدالكريم الى هيمالايا ..؟؟ وكنت كلما ذهبت الى شاطئ اميلكار صيفا مع الشلّة انظر من هنالك الى جبل بوقرنين في الافق ..انظر باستهزاء وانا اقول له في صمت (ما تلعبنيش)… هيمالايا او لا شيء… انا بالنسبة لعائلتي ولاصدقائي في صفاقس عموما وفي ساقية الدائر خاصة اصبحت رقما ممتازا في تقديرهم لي والذي يصل الى حد الافتخار بعبد الكريم ..كان كلما اعترضنا احد اقرباء صديق يقدمني كنجم من نجوم التليفزيون … (هذا عبدالكريم اللي يخدم في التلفزة يخخي ما تشوفوش ساعات ؟؟؟ ما تقراش اسمو ؟؟؟)… والتلفزة في بداية السبعينات كانت الصندوق السحري العجيب لاغلب التونسيين والذي يعمل بها هو لا ينتمي لكوكب الارض ..الا انّي وفي قرارة نفسي ورغم تفانيّ في عملي وتالّقي وبشهادة كبار نقاد التليفزيون في ذلك العصر وعلى راسهم عبدالكريم قابوس وهو اكثر الاقلام دراية بالميدان واقذعهم هجاء للاعمال التافهة (اينك يا قابوس اليوم لتُدرك ان الاعمال التافهة في ذلك الزمن هي روائع امام ما يُبثّ اليوم من زبالة الزبالات؟) …

رغم كل ذلك… حلمي لهيمالايا لم ينقطع بل كان يؤذيني بجلده لي وبشكل دائم ..لكن كيف العمل ..؟؟؟ الى اين وانا الذي يريد محصولا اخر من المعرفة في العلوم السمعية البصرية ..؟؟؟ تونس ليست بها معاهد مختصة في الدراسات العليا في هذا الباب ..وحتى المعهد الوطني للعلوم السمعية البصرية بباريس لا يمكنني ان اتعلّق بوهمه ..فهو اولا يفتح ابوابه كل سنتين لعديد طلاب المنح من كافة الدول الافريقية اي ان المترشحين لثلاثين منحة فرنسية عليهم ان يكونوا الاوائل من ضمن تلك الآلاف ..وكيف لي ان اشارك في مناظرة باللغة الفرنسية وانا الذي انقطعت علاقته بموليير منذ السادسة ابتدائي بعد”الشلبوط” الشهير لمدرّسي الفرنسي “دوميناتي” ؟؟؟… وهيمالايا يا عبدالكريم ..؟؟ هل انتحر حلمك لانك عاجز حتى عن تكوين فقرة موجزة باللغة الفرنسية دون ارتكاب عشرة اخطاء (راني نكذب عليكم ..العدد اكبر) ..

ذات يوم وفي نفس شاطئ اميلكار بعد ان قضّينا يوما مُمتعا في السباحة، كان الجميع يتاهب وكعادتنا للذهاب الى سيدي بوسعيد عبر الطريق الجبلية الوعرة ولكنّ ميزتها انّها تكاد تكون خالية من الاعين الرقيبة الا من يشاركنا نفس مرامينا (وقتها عاد اتشلّق نشلّق)… يومها لم انهض من على رمال الشاطئ ..اندهش الجميع عندما قلت لهم: “اسبقوا توة نلحق نحب نقعد وحدي شوية”… ودون نقاش ولكن باستغراب اذعنوا للامر ..باستثناء رضا الذي اقترب منّي وقال: “اشبيك يا سخطة لاباس ؟؟” … نظرت اليه وقلت: “توة نحكيو” …

انتظرت دخولهم الى منعرج تستحيل منه رؤيتي ولبست ادباشي وامتطيت قطار الـ”تي جي ام” وعدت مسرعا الى مقرّ سكنانا بنهج كندا ..دخلت ودون حتى ان استحم اخذت دفتر مذكّراتي وكتبت: “يا عبدالكريم يا بهيم هيمالايا امامك وانت تلوّج اشبيك سكّارة”… بعدها قمت بفرح طفولي لاستحم ولانتظر رضا والشلة ..وما ان سمعت نغم المفتاح وهو يبسبس للكوبة ..الستم معي في انّ لموسيقى المفاتيح الوان؟؟ عندما نكون في انتظار يعلوه البشر والفرح ومهما طال الانتظار، ياتي على نغمة اسبقني يا قلبي اسبقني ع الجنة الحلوة اسبقني ..وعندما يكون الموقف النفسي ضياعا وتوهانا ياتي من صنف “لوكان بخاطري انا”… المفتاح يبسبس بالكوبة لانه قرأ حالى المنتظر الجذلان.. وما ان هلّ الجمع حتى صحت (اوريكا) وجدتها …اندهش الجميع وقال رضا بنبرة متهكمة: “اشنية ها الطلعة الجديدة زادة واشبيك مرڨت فينا ما خلطتش ..محسوب انت الخاسر يا من حضّرك على اش عملنا” ..

ضربته بقبضة يدي وبقوة على كتفه وهي في قوتها لا تؤذي نملة فكيف تؤذي كتف ابن آدم .. وصحت: ..”هيمالايا يا مدكّ” ..نظر بجدّ هذه المرة وقال: “ايّا هات يا انشتاين زمانك” …جلسنا معا وقلت له قررت ان اشارك في مناظرة المعهد الوطني للعلوم السمعية البصرية بباريس … رضا كان يعرف ضعفي الفادح في تلك اللغة .ضحك مني وقال: “ترى قول هذي الجملة اللي مازلت كيف قلتهالي باللغة الفرنسية” …لكزته بمنكبي واجبت: “كي نقللك مدكّ راك مدكّ … وما المانع من ان اتعلّم اللغة الفرنسية؟؟؟”… طأطأ رأسه وقال: “علاش لا ؟؟؟ اما تحبلها مصيرفة” …ضحكت منه واردفت: “اينعم بمعدل 200 مليم اسبوعيا” ..”كيفاش هذي زادة ؟؟ يخخي انت شارب حاجة ؟؟”.. هكذا رد عليّ فاشرت له باصبعي له وقلت: “انت وامثالك من اصدقائي هم من سيكونون اساتذتي، هذا من جهة، ومن جهة ثانية وبما اني محب جدا لعالم الكرة ساقتني كل اسبوع جريدة الرياضة المُحررة باللغة الفرنسية لاقرأ الاخبار الرياضية وفي نفس الوقت اتعلم بمعيّتكم اللغة الفرنسيّة” …ضحك رضا وقال: “جو، ياما ماشي تاكل طرايح”…نظرت اليه بعين ثاقبة وحازمة وقلت: “فعلا وهذا ما اطلبه منكم …لا ترحموني ولا بد ان انجح” …

ورسمت لنفسي سنة ونصفا تقريبا لتعلّم اللغة الفرنسية حتى اتمكّن من المشاركة بحظوظ قد لا تكون وافرة ولكن ابدا ان استقيل.. وتوكلت على الله… كليت من عندهم ما كتب من ربّي وعبّرت لعيادة عن رغبتي في مواصلة الدراسة بفرنسا اذا نجحت ..كانت مُبعثرة بين شعورين اولهما الرغبة في ان يكون ولدها سيد الرجال، وثانيهما الخوف من فرنسا ومقرراتها وكانت كلما سمعت الاغنية الجزائرية “يا ربّي سيدي” وفي رواية اخرى “ياااااا رببببببببببببببببي(بكل وجعها) اش عملت انا ووليدي ..ربيتو بيدي ..وخذاتو بنت الرومية”… كانت تتنهد الى حد البكاء وتنظر إلى طفلها وتسرد عليه معجما من مفردات الالم والوجيعة والشك والموت البطيء …وقتها فكرت في ان اهديها اجمل رسالة طمأنة لها …وضعت يدي على كتفها والاصح اني وضعت قلبي على كتفها وقلت: “ايّا اش قولك يا عيادة تمشي تتكلملي على منية بنت خوك وكيف ما تقول انت نقرطسو عليها باش اذا نجحت وخرجت لفرنسا تطمان على ولدك؟” …وبعين الحكيمة ردّت: “باهي… اما اشكون قال انك بعد ما تحشمنيش على روحي مع خويا ..؟؟ نقرطسو عليها باهي اما راهو ما هواش لعب صغار ..انا دڨني في عيني وما تدڨنيش في سيدي الطيب ..والله لا عاد انجم نغزرلو في عينيه لو كان هكو والا بوهكة”… ادرتها بكلتا يديّ الى وجهي حتى اصبحنا متقابلين وقبلتها في جبينها وقلت: “شوف يا عيادة انا حتى مع اللي عرفتهم الكل ما كنتش واطي، كيفاش نكون مع بنت خوك العزيز ؟؟..وانهمرت امطار عيادة دعاء ..

كان ذلك في بداية سنة 75 وكانت ابنة خالي لا تفقه في كل هذه الامور شيئا ويوم قيل لها جايك عروس يخطبك واللي هو سيادتي، هربت الى غرفتها تبكي وترفض سماع اي شيء … كنت كامل السنة اشتغل كعادتي مركب افلام وريبورتير في بعض الحصص الثقافية كما اسلفت، ولكن كان كل همي ان التهم التهاما قواعد اللغة الفرنسية ومفرداتها …وكنت في المناسبات الكبرى الدينية خاصة اعود الى العائلة واذهب الى دار خالي متلصّصا عن تلك البنيّة …وبدأت الاحظ ان البنيّة في عالم الهوى بدات تُحضر احيانا صديقة لها كلما علمت بزيارتي لمنزلهم ..وهذا يعني انّها بدأّت تحتمي بعنصر امان في وجودها معي … وانّها تحكي لها عنّي كسائر الفتيات ..وبدأ فارس الاحلام يتشكل في مخيلتها …حتى جاءت امها يوما رحمها الله وعبّرت عن موافقتها للاقتران بسيادتي…

كان جميع اصدقائي يشجعونني على الامر وباعجاب ولسان حالهم يقول (ربي يرشنا منين بلّك)… ليس الجمال هو المفصود بدرجة اولى بل العقالة والرزانة، خاصة ان منية في ذلك الزمن وما بعده ولسنوات كانت علاقتها بالحديث عدائية جدا جدا جدا ….وتقرر ان يكون يوم الخطوبة 30 جويلية 75 وكان …اطمأن كل محيطي لهذا الامر وعاج الشقي على رسم يسائله وعاجت الشلة تبحث عن خمّارة البلد ..لم يكن الرسم طللا من اطلال ابي نواس بل كان الرسم عندي الدرس ..لابد من حفظ الدرس باللغة الفرنسية فجانفي يقترب وهو الموعد المقرر لاجراء الامتحان ..كانت الايام والاسابيع تتلاحق وانا اقول وهذه المرة في نفسي فقط دون اشعار اقرب الناس لي ..سانجح ..يا ربي سانجح …

عندما دخلنا قاعة الامتحان في المؤسسة كنا قرابة الخمسين وجاء المهندس الطاهر النجار وهو يحمل ظرفا من المعهد الفرنسي مختوما بالشمع الاحمر ووزع علينا اوراق الامتحان ..صدقا لم يكن الامر عسيرا بالنسبة لي في فهم اسئلته وصدقا ايضا لم افهم سؤالا واحدا حول زوايا التصوير… وكان بجانبي زميلي الهادي ملاك وهو من افضل المصورين التلفزيين كفاءة وسلوكا ..فاسترقت النظر الى ورقته ووجدت الاجابة التي ابحث عنها باعتبارها من اختصاصه …واقسم لكم باقدس المقدسات انها المرة الوحيدة طيلة دراستي (من الزاوية الى فرنسا) التي حدث فيها ذلك …لم احاول ابدا ان اسرق في اي امتحان …

خرجت من قاعة الامتحان يملؤني شعور بامل كبير للغاية ..وصدقا ثالثة لا ادري مأتاه ..كنت اعرف وكالجميع ان المترشحين لتلك الدفعة في كامل افريقيا بالآلاف وكنت اعرف وكسائر البقية ان فرنسا تُخصّص 30 منحة فقط ..وكنت اعرف ان حظوظ بعض الافارقة السود افضل منّا (السينيغاليين خصوصا) في اجادتهم للغة جان جاك روسو … ولكن كان صوت وديع يقول هم لهم اللغة وانت لك التميّز في عملك .. ثم ما يطمئنك ان الاصلاح ما فيهش اكتاف ..نعم مواد الامتحان تاتي من المعهد الفرنسي وتعود اليه ليصلحها الاساتذة هناك ..ولم يمر شهر واحد حتى وقعت دعوتنا انا وثلاثة اخرين الى الادارة العامة التقنية ..

يااااااااااااااااااااااااااااااااه ويا رببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببي ما احلى ان تتحدى تتمرد على ذاتك وتنتصر .نعممممممممممممممممم انتصرت على اعاقتي اللغوية ..تلك التجربة وما سيليها هي التي عندما وجدت نفسي امام المصدح او على مدارج الجامعة جعلتني اردد للمتلقّي (الارادة تقهر المستحيل) وكنت ومازلت اردد لهم دوما … هيمالايا هي الهدف ويوم تصلون لا تكتفوا بذلك بل ارسموا حلما آخر لما بعد حدود السماء …لولا الحلم ما كان في الدنيا ولا انسان …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

ورقات يتيم .. الورقة 81

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

من خلال ما عشته سنة 87 وفي تجربتي مع عصابة الايام الجميلة في جريدة الاعلان ثمّ من بعدها ومع نفس المجموعة في جريدة الاخبار، ساحاول ان الخّص تجربتي وقناعاتي التي سكنتني ومازالت تسكنني مع الصحافة المكتوبة في حلّها وترحالها …

عبد الكريم قطاطة

قبل الخوض في تجربتي مع اصدقائي في جريدة الايام والاعلان والاخبار ثم انفرط عقدنا بعد هذه التجارب الثلاث (رغم محاولة عبدالقادر المقري لمّ الشمل في الجريدة الالكترونية جلّنار وفينا من استجاب وفينا من خيّر الابتعاد)، لابدّ ان اشير إلى انّ ولعي بالصحافة المكتوبة ابتدأ منذ مطلع السبعينات… كنت ساهمت ببعض المقالات في جلّ العناوين تقريبا (الصباح، الصدى، الراي العام، الشروق…) وكانت في أغلبها مقالات نقدية للاعمال التلفزية او السنمائية ..ولانّ القانون الاساسي لمؤسسة الاذاعة والتلفزة التونسية يمنع ايّ موظف فيها من المساهمة في الصحافة المكتوبة بمقال مّا مهما كان محتواه الا بترخيص مُسبق من الادارة العامة، التجأت انذاك للكتابة باسماء مستعارة، لعلّ اكثرها تداولا (ابن الزيتون)…

وجاءت التجربة الرسمية الاولى في جريدة ترأسها المرحوم محمد مصمولي وكانت تحمل كعنوان “الهدف”… وبدعوة منه وهو الزميل المنتج الاذاعي والتلفزي الذي يحظى بتقدير كبير من ادارة الاذاعة والتلفزة، تمتعتُ بالحصانة ..واذكر جيّدا انّ اوّل مقال لي كان حول زيارتي الرسمية للمغرب سنة 1974 كواحد من بعثة التلفزة التونسية لتغطية نشاط الزعيم بورقيبة في القمة العربية تلك السنة بالرباط… الا انّ عمر جريدة الهدف كان قصيرا جدا فعدت بعدها الى الكتابة باسماء مستعارة … وجاءت سنة 1982 سنة تعرّضي لايقافي الاوّل وابعادي عن المصدح… فاغتنمت تلك الاحداث لارسل مقالا طويلا حول عمليّة الايقاف احتلّ صفحة كاملة بجريدة البيان وكان العنوان (زوبعة باذاعة صفاقس).. وكانت تلك مناسبة ليتعرّف عليّ رئيس تحرير البيان نجيب الخويلدي، خاصة انّ المقال احدث تفاعلات غير مسبوقة من المستمعين الذين اصبحوا قرّاء ..اذن من الطبيعي ان امثّل للجريدة رقما هاما امام الكمّ الهائل من ردود الافعال ..

وتوالت الحوارات ليس فقط في جريدة البيان بل في عديد الجرائد الاخرى… لانّه وبمفهوم البيع والشراء عبدالكريم (ولّى اسمو يجيب) وهي نفس المنهجية الان في سائر الاذاعات …حتى ولو كان العديد من منشطيها هم سقط المتاع… (وقت تتكلّم مع احد المسؤولين وتقللو يا ولدي شنية هالشلايك اللي جبتهم يقلك اسمهم يجيب …وقيّد على هذي اللوبانة المُرّة) … نرجعو وين كنّا ..يوم فكّر نجيب في التكفّل برئاسة تحرير جريدة الايام فكّر في اسماء لا اعرف الكثير منها وعنها وفكّر في عبدالكريم ..وربّما ايضا لانّ (اسمو يجيب)… وكانت تجربة الايام والتي مازلت اؤمن بانّها افضل تجربة صحفية في ذلك الزمن لسبب اراه مهمّا جدا في العمل الصحفيّ ..

ما ميّز جريدة الايام انذاك انّ جلّ الاقلام ان لم اقل كلّها لم تكن دجاج حاكم .. كان لكلّ قلم اسلوبه نعم …ولكن الرابط المشترك بيننا اننا فكريا كنّا نرفض ايّ تدخّل سلطوي، سواء كانت سلطة التحرير وصاحب الجريدة او سلطة النظام … لذلك كان التآلف مع قرائنا كبيرا ورائعا … في المقابل عيون الرقابة كانت تترصدنا… ويوم حاولت السلطة الضغط على الجريدة وعلى خطها التحريري قدّمنا استقالتنا الجماعية وكنت انا من قام بتحرير نصّ الاستقالة (زعمة زعمة زعيم العصابة) …

وما كادت تنتهي علاقتنا مع جريدة الايام حتى اغتنم المرحوم نجيب عزوز مدير جريدة الاعلان الفرصة ليتمكّن من اصطيادنا نحن عصابة الايام ..الاعلان انذاك كانت اسبوعية وكانت متخصّصة في جلّ صفحاتها للاشهار … ولكن كانت هنالك صفحة تحت اسم (آلو الاعلان)… الو الاعلان كانت تمثّل عمودا فقريا لقرّاء هذه الجريدة… ومن يكون محرّر “الو الاعلان” غير ذلك القلم الانيق الفينو لصاحبه الانيق الفينو المرحوم جمال الدين الكرماوي؟ ..وحتى اقدّم بطاقة تعريف جمال اقول هو لاعب كرة قدم فنّان في الملعب التونسي… وهو عازف فنان لآلة الغيتار… وهو قلم فنان في صياغة الكلمات ..هل فهمتم لماذا قلت عنه فينو ؟؟ السيد نجيب عزوز قرّر ان يصبح صدور جريدة الاعلان مرتين في الاسبوع ..الجمعة كما كانت وبرئاسة جمال الكرماوي وعبد الحميد الرياحي وفريقهما ..والثلاثاء وهي المولود الجديد برئاسة نجيب الخويلدي ومعه نصف عصابة الايام …

وهنا آتي الى حقائق قد لا يعلمها نعظم القرّاء ..التنافس بين الاقلام الصحفية كان ومازال مشحونا بنرجسية مرَضية احيانا …جلّنا لا يعترف بقلم افضل منه ..اي نعم ..البعض منّا مازال كيف يكتب اربع كلمات غدوة يقلّك حسنين هيكل ما يلعبنيش ..هذا عيب من عيوبنا ومازال متفشيا حتى الان سواء في الصحافة المكتوبة او المسموعة او المرئية ..هنالك اقلام متميزة نعم ولكنّ البقية نحن مجتهدون لا اكثر … دعوني ابدا بمحاسبة نفسي وبعيدا عن التواضع الكاذب ..من انا امام محمد الماغوط عربيا وحتى محلّيا امام محمد قلبي رحمه الله او الطاهر الفازع باللغة الفرنسية ؟؟… قد اكون اخترت اسلوبا في الصحافة المكتوبة مغايرا للسائد وذلك عندما اتبعت اسلوب المنشط الاذاعي في كلّ ما كتبت لحدّ الان ..لكن لم ولن ادّعي يوما انيّ جهبذ من جهابذة الصحافة المكنوبة… بل وبكلّ صدق ايضا كنت استمتع جدا بكتابة جمال الكرماوي ونجيب الخويلدي والاكتشاف عندي وقتها والذي اعتبرته دوما حطيئة الصحافة المكتوبة، عبدالقادر المقري ..علاوة على كلّ افراد عصابة الايام لانهم وكما ذكرت لكلّ اسم منهم لون خاص شكلا ومحتوى …

التجربة مع جريدة الاعلان لم تعمّر طويلا ايضا خاصة بالنسبة لي لسببين… اولهما اني اتفقت مع مدير الجريدة على ان تتكفل مطبعته باصدار كتابي الاول (ملاحظات مواطن عادي جدا)…وهو تجميع لمقالاتي التي صدرت في جريدة الايام وفي جزئها الاول والذي لم يتبعه جزء ثان… وذلك على حسابي الخاص مع الترفّق في الثمن ..السيد نجيب عزوز كان يكنّ لي تقديرا خاصا ووافق على طلبي دون شروط ولم يشأ حتى الحديث معي في ثمن الطباعة… وفعلا صدر الكتاب ..وكانت الصدمة ..لم يكن كتابا بل كان شبيها بكنّش كبير .. نعم صُدمت جدا بتلك النسخة التي تشبه كلّ شيء الا الكتاب ..

يومها بالتحديد تركت مكتب الجريدة بصفاقس الذي كنت اشرف عليه والذي سبق ان كان لجريدة الايام ودائما تحت اشرافي… ووجدتموني في مكتب مدير الجريدة حاملا الكتاب المسخرة ..سي نجيب رحمه الله رأى في عينيّ الحزن والالم فأدار ازرار الهاتف ليستدعي ابنه المشرف على المطبعة …نظر اليه بحدّة وقال ..هذا قدر سي عبدالكريم عندكم ؟؟… لم ينبس ابنه ببنت شفة ..وعاد سي نجيب يحملق في شبه الكتاب وامر ابنه بالمغادرة ..ثم اعتذر لي وقال: حتى فرنك ما تدفعو وان شا الله تسامحنا …ولكن بقيت كلّما نظرت إلى تلك العملية التي شوهت بعض الصفحات، اشعر بألم لم يفارقني ولمدّة ..

الحدث الثاني الذي جعلني اتّخذ قرار مغادرة جريدة الاعلان كان قاصما .. في سنة 1987 وقعت المحاكمة الشهيرة للنقابي المرحوم الحبيب عاشور ..كان من ضمن الاسماء التي تعمل مع الاعلان من صفاقس الشاب انذاك عماد الحضري ..عماد مافيا متاع اخبار ومتابعات ..حيوية ونشاط لا يتوقف ويلعب مع الشيطان يغلبو .. يوم المحاكمة والتي كانت بصفاقس تابع عماد اطوارها لحظة بلحظة ولم يغادرها الا بعد ان توصّل بوسائله الخاصة بنصّ الحكم (موش قلتلكم مافيا؟)…وحوالي السادسة مساء هاتفت الجريدة لنكون اوّل من يعلن في الغد وفي الصفحة الاولى وهو يوم صدور الجريدة لحسن حظنا، عن الحكم في قضية الحبيب عاشور ..انه سبق صحفيّ (قدّ الدنيا وضواحيها)… وهرعنا في الصباح الباكر ننتظر وصول الجريدة لكشك المرحوم النوري العفاس ..

وكانت الصدمة الثانية القاصمة والقاضية… لا وجود لايّ اثر لا في الصفحة الاولى ولا في الصفحة 5555 …(باهية هذي 5555) … طبعا امام هذا الحدث الجلل توقعت انه جاء امر فوقي بعدم نشر الخبر المنفرد ..هاتفت المدير فقال لي … نسأل ونرجعلك ….وتاخّر عن العودة لي.. ولم اطق صبرا اعدت الطلب فأجابني: (اعتذر لك ولعماد، وقعت عملية اهمال وسهو… هذا كلّ ما حدث) …انا عُرفت عند كلّ من عرفني انّي لا اثور بسرعة ولا اردّ الفعل بسرعة …اذن اشنوّة الدواء ؟؟ كابيسان في جرّة كابيسان والروايال منتوليه مغمّسا بحلوتي المعتادة كلمّا دخّنت سيجارة ..جلستي مع الخبر الطامّة الذي لم يُنشر ووقعه عليّ، دامت اكثر من ساعتين ..وعلى الساعة العاشرة تماما اعدت مهاتفة المدير لاعلمه رسميا بانتهاء العلاقة بيني وبين الاعلان ..لم اتركه يعقّب ..وانصرفت الى الشارع ابث له همّي ..كيف لجريدة محترمة ان تُهمل مثل هذه الاشياء وما ذنب عماد الحضري الذي سكن المحكمة وكواليسها يوما كاملا ليحصل على نصّ الحكم ؟؟

عدت الى مكتبي بعد ساعات من الطواف في شارع الضباب لاجد به الكاتبة الخاصة لمدير الجريدة التي نكنّ لها جميعا التقدير والاحترام( السيدة سليمة عبدالواحد) والتي ارسلها السيد نجيب لتثنيني عن قراري … ابتسمتُ ابتسامة ساخرة وقلت لها (يبدو انّك لم تتعرّفي بعد على عبد الكريم الخايب ..انا عندما اتخذ قرارا ويكون الحقّ بجانبي لن اتراجع) ..فهمَتْ انّي عنودي وراسي كاسح وخايب بالحقّ خايب …فقالت لي: (والحلّ؟)… انقضضت على تلك اللحظة الفارقة وقلت لها لن يُغلق مكتب الجريدة ..سيتكفّل به عماد ولن تندموا ..وكان ذلك… وانتهت التجربة مع الاعلان …

بعدها نفس مجموعة الايام ثم الاعلان انتقلت الى جريدة الاخبار ..لا اعرف عنها الكثير وحتى مديرها السيد بن يوسف لم اقابله بتاتا وكلّ ما اعرف عنه انه عسكريّ التكوين …ولكن وللامانة مع جريدة الاخبار كنت اتقاضى وفي راس كلّ شهر “كاشيات” مقالاتي وبانتظام… وهنا لابدّ من التذكير بانّي لم اشترط ولو مرّة واحدة في حياتي في الصحافة المكتوبة مقدار الاجر ..بل واضيف، باستثناء الاعلان والاخبار كلّ الجرائد التي كتبت فيها كتبت دون مقابل ولو فلس ولو صوردي منقوب… نعم دون مقابل… ولكن شريطة ان لا يُخضعوا مقالاتي للمقصّ…

وهنا لابدّ ان اتوجّه بتحية للصديق والزميل عبدالباقي بن مسعود الذي كان يشرف على القسم الرياضي في جريدة الصريح… اذ حررتَ مقالا حول لوبي الاعلام محليا وعربيا الذي اسسه سليم شيبوب كي يكون المدافع الشرس عن الترجي… للامانة، المقال كان “احرش” اي نعم احرش… وعبدالباقي كما تعلمون مكشّخ ولكن في نفس الوقت احترم مبدأ عدم تشغيل المقصّ معي… فخاطبني هاتفيا معتذرا عن عدم استطاعته نشر المقال… وللامانة ايضا قمت بارسال نسخة منه للزميل عادل بوهلال بجريدة اخبار الجمهورية فنشره حرفيا . وطبعا ما كان منّي الا مقاطعة الصريح نهائيا…

تجربتي تعلمت في ما تعلّمته منها ولم اتعلّم الاّ القليل… تعلّمت مقولة يوسف شاهين (الفنان يجب ان يكون اذكى من مقصّ الرقابة) ..بلغة اخرى، تسبّ شيبوب مثلا دون ان يمسك عليك تهمة السبّ وهذا حدث بيني وبينه وفي برنامجي الاذاعي سنة 2002 اذاعة بالالوان … وقد أبلغني احد المتعاونين معه في عالمه بردّ فعل ولد شيبوب بعد ان حمل له اولاد الحلال تسجيلا لما قلته فيه .. قال لي: (سليم بعد ما سمع التسجيل يقطّع في شعرو ويقول صحّة ليه ما خلاليش منين شدّو ولد …تييييييييييت) …هاكي هي بالضبط اللي جات في بالكم …

ملاحظة: ورقة اليوم من المفروض ان تصدر يوم الثلاثاء* ..عملتلكم بونيس وسبقتها يومين …رجاء وقت نوخّر شوية ما تقرقروش عليّ ..خللي شويّة عليكم وشويّة …..دوويو موش عليّ …شوية عليكم زادة امّالا كيفاش يستقيم الشيء .. اشنوة الشيء تقولو انتوما ؟؟ ولا شي ولا شي ولا شي ..يرحم عظامهم قداش خلاونا حويجات جماعة ما قبل 25 جويلية… وحتى اكون امينا حتى جماعة ما بعد 25 جويلية …

ـ يتبع ـ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* باعتبار التاريخ الأوّل لنشر هذا النص

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم ..الورقة 80

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

يوم قررت ان اخطّ لكم تجاربي في الحياة لاوثّق لجيل كما عشته بكلّ صدق ونزاهة دون روتوش، دون تزييف ..كتبت في ورقتي الاولى كتقديم لماهي ورقات يتيم مقدّمة هذا البعض منها … اليتم ليس فقط ان نفقد احد الوالدين او كليهما .. اليتم ايضا ان نعيش الوجع ونحن نشاهد اوراق شجرة كم انتفعنا بثمارها واستظللنا بظلّها، ان نشاهد اوراقها تسقط الواحدة تلو الاخرى … الثابت انّ لكلّ واحد منّا ذكرياته مع دروب الحياة منذ نعومة اظافرنا .. دروب قد تختلف من جيل الى جيل ولكنها (على الاقلّ بالنسبة لي) هي مزروعة في اعمق اعماقنا ..

عبد الكريم قطاطة

وبدات رحلتي مع كتابة ورقات يتيم منذ 3 جويلية 2016 ..بدءا بولادتي ثم حياتي في الطفولة وفي الشباب بكلّ هزاتها وزلازلها بكلّ ورودها واشواك ورودها ..ويعلم الله اني حاولت من خلال ما كتبته ان اقوم بعملية توثيق صادقة لذلك الجيل من خلال ما عشته واياه… وكانت آخر ورقة (الورقة 79) بتاريخ 18 جوان 2019 .. وانقطعت عن مواصلة الكتابة ..وها انا اضيف لمساوئي واحدة اخرى ..انا سجين لقلمي ..هو الآمر الناهي ولا سلطان لي عليه ..راسو صحيح وكاسح برشة ..يبدو انّو جا لمولاه ..ربي يهديه .. وزيدو ادعيولو بالهداية باش في خريف العمر هذا يرجع للصواب …

آخر ورقة في مضمونها كانت عن عودتي للاذاعة سنة 1987 بعد ابعاد دام 18 شهرا … وها انا اليوم وفي اليوم الثاني من جانفي 2024 اعود لاستكمال تلك الورقات بحلوها وبمرّها … وكما الماء في توليفته هو ذرّات من الاوكسجين والهيدروجين، فطبيعيّ ان تكون الحياة باوكسجين حلوها وبهيدروجين مرّها … العودة للمصدح وكما اسلفت كانت يوم 12 جانفي 1987 …ولانّ جانفي هو شهر الاحداث في تاريخ تونسنا فانّه ايضا شهر الاحداث في حياتي …كانت انذاك زوجتي حاملا .. وكان حملها من النوع الشائك ..مما حتّم عليها ملازمة المستشفى قسم الولادات وتحت مراقبة طبّية دائمة ..حالتها كانت طبّيا تسمّى (البلاسنتا برافيا) وهي تعني انّ الولادة قد تحدث في ايّ يوم وفي ايّة ساعة ..وحتى قبل موعد شهرها التاسع …لكن الاخطر في كلّ هذا انها هي مهددة بما يسمّى (ايموراجي) أي نزيف داخلي يهدّد حياتها وحياة مولودها …

الوالدة عيّادة رحمها الله كانت قلقة جدا من هذه الحالة .. لانها وحسب المعتقدات السائدة انذاك، هي على شبه يقين او يقين كامل بانّ ايّ مولود في الشهر الثامن لا فُرص له في الحياة ..فتلك ميزة لرسولنا فقط ولا احد غيره ..نعم اجدادنا لهم قناعة بانّ “الثموني” أمل حياته ضعيف… والثموني تعني الجنين الذي يكون في شهره الثامن …رغم انّ الطبّ والاطبّاء يسخرون من هذا الاعتقاد وهم على حقّ في ذلك ..فالجنين حظوظه تكبر في الحياة عندما يمكث اكثر في بطن امّه لانّ ذلك يعني استكمال نموّ اعضائه …

يوم 13 جانفي صباحا افقت على زيارة غير منتظرة تماما من زميل كان في بداية مشواره في الصحافة المكتوبة (عماد الحضري) ومن صديقة العائلة (المرحومة كلثوم الطرابلسي) قدما في سيارة اجرة إلى حيث اقطن بحوشنا في ساقية الدائر … فوجئت جدا بزيارتهما الصباحية ولم يمهلاني كثيرا ..ايّا مبروك سي عبدالكريم …يبارك فيكم ..قلتها وفي ذهني انّ الامر متعلّق بعودتي بالامس الى المصدح …او هكذا خُيّل اليّ …لكن قلتها وباستغراب ..اما كان عليهما ان ينتظرا طلوع النهار ؟؟ ..ولعلّهما لاحظا استغرابي فلم يتركاني لضياعي وبادراني بالقول ..مبروك المولود الجديد ..تقولشي كان حالف ما يجي الا ما ترجع انت للاذاعة…

وهللت عيادة للخبر ..انه مولود وليس مولودة …وفرحة آبائنا وامهاتنا مضاعفة عندما يكون المولود ذكرا ..خاصة انّ أمي دفنت في حياتها 4 ذكور ..لكنّ فرحتها بالمولود (كروان ابني) كانت مشوبة بكثير من الحذر ..كما اسلفت هو وُلد في شهره الثامن (ثموني) لكنّها وبحكمتها لم تشأ ان تنكّد على الجميع الاجواء فانخرطت معنا في الفرح ..يوم 13 جانفي كان مولد ابني كروان ..وكانت ولادته عسيرة للغاية ..بل كانت خطرا على حياة والدته اي زوجتي منية …في الليلة الفاصلة بين 12 و13 جانفي اصيبت منية بايموراجي مفاجئ …والحمد لله ان تفطّن الطاقم الطبي الساهر على سلامتها للامر ..وهنا اخصّ بالذكر الممرضة السيدة سارة بعزاوي حرم المرحوم حمادي العقربي والدكاترة القرمازي والحمامي ..نعم هؤلاء انقذوا منية زوجتي من … لا قدّر الله ..والحمد لله … وتمّت الولادة القيصرية على جناح السرعة وجاء ابني للحياة وهو الان ينعم بحياة عائلية سعيدة مع زوجته وابنته بُنيّة السنتين ونصف . حفظهم الله جميعا… شفت يا سي كروان اش عملت فينا وخاصة في امّك ؟؟…

سنة 87 وفي اواخرها كان الحدث الابرز … انّه 7 نوفمبر ..انّه التحوّل .. يومها صباحا كنت نائما بحوشنا ..وفجأة جاءت زوجتي لتوقظني وهي في قمة الاستغراب قائلة … فيق فيق بورقيبة اتنحّى .. لم اصدّق اذنيّ اطلاقا … بورقيبة يتنحّى؟ ..هذي ما تصيرش .. نعم كان بورقيبة بالنسبة لي واظنّ لغالبية الشعب التونسي رمز الدولة ورجلها ..قد نختلف معه في عديد الاشياء واختلفنا معه ..ولكن ومهما اختلفنا هو في داخلنا الزعيم سواء علانيّة او سرّا …فمن يجرؤ على المسّ به ؟؟ نهضت بسرعة وجذبت الراديو اليّ وكان بيان السابع من نوفمبر ..للامانة كان وقتها بيانا مقنعا شكلا ومضمونا ..اذ انّه كان انقلابا لم يخلُ من الاخلاقيات ..الاعتراف بما قدمه الزعيم ..حتميّة التغيير نظرا إلى صحة الزعيم المتدهورة ..ووعود للشعب التونسي بغد لتونس افضل حيث مزيدا من الحرية والديموقراطية ….ويبدو انّ هاتين الكلمتين هما مفتاح لكلّ حاكم جديد …رغم انّ الاحداث في تونسنا اكّدت انّهما مفتاح للسراب وامتحان متجدّد لغبائنا ..ولعلّنا نجحنا بامتياز في كلّ امتحانات الغباء …

يومها اي السابع من نوفمبر ..وقعت دعوة كلّ المسؤولين في اذاعة صفاقس وبعض الاسماء الاخرى (زعمة زعمة اللي عندهم وزن واشعاع لدى الجمهور) وكنت من بينهم، لاعداد برمجة جديدة تتلاءم مع التغيير .. كنت انظر في الوجوه ..واوّل ما عاد لذاكرتي بيت شعري لمنوّر صمادح: (شيئان في بلدي قد خيّبا املي .. الصدق في القول والاخلاص في العمل) .. وهو الشعار البورقيبي للدولة التونسية ايام حكمه …لماذا جال بخاطري هذا البيت الشعري ؟؟ هاكم الاجابة …اقسم بالله العظيم ..كان هنالك شخص من مسؤولي اذاعة صفاقس رحمه الله قال يوم 6 نوفمبر 87 ..انا لو يقومو بتحليل دمي ما يلقاوش فصيلة “أ” ايجابي او “ب” سلبي .. يلقاوه دم بورقيبي … يوم 7 نوفمبر 87 نفس الشخص يقول ..يززيه بورقيبة ..شيّط ..يخخي ما فهمش انو يلزم يمشي على روحو …نعم (الصدق في القول) يمشي على ساقيه ..

وطبعا انخرط المسؤولون في عمليّة جرد لكلّ الاغاني الخاصة بالزمن البورقيبي والمتباهية بانجازاته ..”يا حبيب تونس يا عزيز علينا” لنعمة كمثال …ولكن ايضا لكلّ اغنية فيها خدش بكلمة الزين … “الزين هذا لواش” كمثال …وبما انّي طحت للمصروف متاع الاغاني دعوني اختم هذه الورقة بـ” ليه يا زمان ما سبتيناش ابرياء” …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 79

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

الشجاعة عندي ان نواجه الخصم وجها لوجه لا ان نكيل له كلّ التّهم في ظهره ونواجهه بابتسامة خادعة، هي النفاق وهي الجبن والخزي والعار …

عبد الكريم قطاطة

لذلك لمّا انهى السيّد عبدالرزاق الكافي مكالمته مع السيّد منصف بن محمود الرئيس المدير العام لمؤسسة الاذاعة والتلفزة التونسية انذاك ليُشعره بقراره المتمثّل في عودتي لبيتي لاذاعة صفاقس… طلبت منه بكلّ لطف ورجاء ان كان لا يُزعجه، ان يُعلم عبر مكالمة هاتفية مديري السيّد محمد عبدالكافي بقراره، حتّى لا اعود اليه بمنطق المنتصر من خلال قرار فوقي ياتيه من اعرافه … اذ انّ في ذلك اهانة لشخصه ..وانا يعزّ عليّ ان يُهان الانسان مهما كانت نوعية الخلاف الذي بيننا …الكرامة كانت عندي وستبقى خطّا احمر ومثلما دافعت عنها عندما يتعلّق الامر بكرامتي، فمن باب المنطقي جدا ان ادافع عن غيري في هذا الباب مهما حدث …

للامانة فوجئ السيّد الوزير بموقفي … سكت لثوان ثمّ وبابتسامة رضا قال لي: (هذا موقف رجولي …وتقديرا لك سافعل) … رفع سمّاعة الهاتف وباختصار شديد وبصوت هادئ قال: (سي محمد مرحبا بيك معاك عبدالرزاق الكافي .. انا توة بحذايا توة سي عبدالكريم قطاطة حكيت انا وياه في الاشكال اللي وقع بيناتكم ويبدو انو موش كبير… واعتقد انو حان الوقت لانهاؤو ولعودة المذيع للمصدح … مازلت كيف كلمت سي المنصف وعلمتو بقرار عودة سي عبدالكريم وبطلب من هذا الاخير انا كلمتك باش تكون على علم … نطويو الصفحة اللي خذات برشة وقت ونعوّل عليك وعليه باش تخدمو في كنف التأخي بما فيه مصلحة الاعلام …ايّا في لمان)… علّق السيّد الوزير سمّاعة الهاتف ثمّ مدّ يده لي بكلّ حرارة وقال … تشرّفت بمعرفتك ونعرفك تهنّيني …اجبت: (شكرا انّك سمعتني وان شاء الله نكون في مستوى ثيقتك) …

خرجت من الوزارة بفخر واعتزاز وسعادة لا تُوصف … للامانة لم تكن سعادة مشوبة بالخيلاء والانتصار على الخصوم بقدر ما كانت سعادة العودة الى المصدح والى اصدقائي المستمعين… كنت دوما اقول لكلّ متدرب عندي في ميدان التنشيط الاذاعي …. المصدح امّا ان يكون حبّا كبيرا غامرا عارما لحدّ الغرق الجميل او لا يكون… بعضهم لم يكن في بدايته يستوعب مثل هذه الكلمات بل كان يستغرب منها … وكثير منهم من غرق في لجج حبّ المصدح لحدّ الهوس …لكن يبقى الاشكال الاكبر في توظيف هذا الهوس بشكل ايجابي ومن زاويتين … الاولى الايمان بالرسالة الكبيرة التي على المنشّط ان يعتنقها من اجل اعلام يرتقي بالذات وبالوطن وبالانسان والا اصبح المصدح والاعلام من صنف هشتكنا بشتكنا …

الزاوية الثانية الايمان وبشكل دائم انّ حبّ المصدح وتحقيق بعض النجاح ستكون عاقبته الفشل متى اصبح المنشّط يعتقد انه اصبح نجما لمجرّد ان ينهال عليه مجموعة من المستمعين بعبارات النفخ والشكر والمديح وعبارات من نوع انت مبدع وانت رائع ..وهو لم يفهم بعد انّه سلك بضع خطوات في سلّم الطريق الصعب والشائك والطويل… ولم يتفطّن انّ عملية النفخ هذه هي تماما كالنفخ في الرماد …كنت دائما اردّد: شرعيّ جدا ان يتوق ايّ منشّط للنجومية …ولكن بداية النهاية ان تصبح لدى المنشّط قناعة كاملة بأنّه نجم لا يُشقّ له غُبار منذ بداياته وهو غير قادر احيانا حتى على صياغة فقرة دون الوقوع في اخطاء لغوية ونحوية بدائية … درب التنشيط ينتهي فقط عندما ننتهي …علاقتنا بالمصدح هي علاقة التلميذ بالدراسة ومدى الحياة …لذلك كنت كثير الانزعاج بالنسبة لي ولمن ادرُسهم فنون التنشيط من كلمات الاعجاب على شاكلة (انت مبدع) …. عن ايّ ابداع تتحدثون ؟؟ هذا هو الفخّ الكبير الذي ينساق اليه العديد من المنشطين وخاصة المبتدئين منهم …

عندما غادرت مبنى الوزارة اتجهت مباشرة الى محطة اللواجات …كنت لا الوي على شيء وكان كلّ همّي ان ازفّ البشرى لعائلتي واصدقائي … بعد اربع ساعات وجدتني بمنزلي… زوجتي كانت اذاك تُقيم بالمستشفى الجامعي قسم الولادات نظرا لاشكال صحّي حتّم عليها الاقامة والعناية الدائمة بها، ووالديّ رحمهما الله كانا في استقبالي … توجّست الوالدة خوفا وهي تعلمني بأنّ سيارة الاذاعة جاءت لتسأل عنّي، وكعادتها بادرتني بالسؤال (لاباس يا وليدي ؟؟ كرهبة الاذاعة اربع مرات تجي وترجع تسأل عليك جيتشي من تونس ؟؟)… طمأنتها بالقول (وراسك لاباس يا عيادة الحمد لله عن قريب ترجع تسمعني في الاذاعة) … (ايّا الحمد لله ما تخافش في جرّتك دعاء الخير مادامنا راضيين عليك) …

وماكادت تُنهي كلامها حتى رنّ صوت منبّه السيارة … خرجت لأجد الزميل السائق …سلّمت عليه وسألت لاباس ؟؟ اجاب زميلي … لاباس سي محمد حاجتو بيك وقلّك دوب ما توصل ايجاني … تبسّمت وقلت … اوكي هيّا نمشيو …كنت قد فهمت قصد سي محمد عبدالكافي … لمّا وصلت وتطلّعت الى نظرات عينيه … سلّمت عليه وقبل ان ينبس ببنت شفة قلت له: صاحبك راجل اقسم لك بكلّ المقدّسات اني لم اقل فيك كلمة سوء … كلّ ما في الامر وبالحرف الواحد قلت للسيّد الوزير وقعنا في سوء تفاهم انا ومديري استغلّه اصحاب السوء ليُعكّروا الاجواء بيننا، وطلبت منه بعد مكالمته مع الرئيس المدير العام ان يبلغك مباشرة بقراره حفاظا على كرامتك وعزّة نفسك …

كان متجمّدا في كرسيّه ينظر اليّ بكلّ تركيز … نهض من الكرسيّ وجاءني معانقا والدمع مترقرق في مقلتيه وقال …الله يهلك اصحاب الشرّ واكاهو … ومدّ يده وقال … )هذا وعد من عند خوك من هنا فصاعدا ما ترى منّي كان الخير) … وللامانة كانت بداية عهد جديد مع الزميل والعرف سي محمد … اصبحنا صديقين جدا لدرجة انه كان يستشيرني عند ايّ تغيير او مع بداية ايّة شبكة، مما جعل البعض يعلّقون على ذلك بالقول وبشكل مازح (الشبكة ما تخرج اللي ما يشوفها عبدالكريم) … كانت فرحة للعائلة والاصدقاء والزملاء في الاذاعة وفي الصحافة المكتوبة كبيرة… وطبعا الصدقة ما تخرج كان ما يشبعو امّاليها وباعتبار انتمائي لجريدة الاعلان لعدد الثلاثاء، ظهر اوّل خبر عن عودة الكوكتيل بهذه الجريدة وبتاريخ 6 جانفي 1987:

“رسمي… كوكتيل عبدالكريم يعود يوم الاثنين القادم

في ظرف اقلّ من شهر نسجّل للاستاذ عبدالرزاق الكافي مبادرة ثانية في اعادة المياه لمجاريها وتحقيق رغبة الجماهير الواسعة… فبعد ان استجاب لطلب الزملاء الذين اتصلوا به في صفاقس لاعادة الزميل مختار بكور للنقل الرياضي (هنا لابدّ من الاشارة الى انّ الزميل الهادي السنوسي هو الذي وقع تكليفه منّا جميعا كي يكون المحاور في قضية الزميل مختار بكور وفعلا نجح في مهمته وعاد الينا بوعد من الوزير باعادة زميلنا مختار)، علمنا انّ السيّد الوزير تدخّل شخصيا في الايام الاخيرة لاعادة شيطان الميكروفون الزميل عبدالكريم قطاطة الى التنشيط الاذاعي …اذن سيعود في الايام القليلة القادمة الكوكتيل الى شبكة اذاعة صفاقس بعد غياب تواصل حوالي السنة وثمانية اشهر، ليزيد في تدعيم البرامج المباشرة … وقد اتصلنا بالسيّد محمد عبدالكافي مدير اذاعة صفاقس الذي افادنا انّ سيادة الوزير قد قرّر اعادة الزميل عبد الكريم الى حظيرة العمل الاذاعي بداية من 2 جانفي، وعلمنا انّ توقيت البرنامج قد تغيّر ليصبح يوميّا من الاثنين الى الخميس من الثانية والنصف بعد الظهر الى الرابعة وذلك لضغوط الشبكة الحالية”

قد يتبادر لذهن البعض مجموعة من التساؤلات حول توقيت البرنامج ومدّته ويوم عودته الذي تأخّر إلى 12 جانفي عوضا عن 2 جانفي …اوّلا وبكلّ موضوعية عندما قرر الوزير اعادتي لاذاعة صفاقس كانت الشبكة جاهزة تقريبا .. لذلك عندما تحاورت مع السيّد محمد عبدالكافي عبّر لي عن انشغاله لعدم وجود مساحة كافية للكوكتيل واستحالة عودته في مكانه المعتاد (العاشرة صباحا)… وطلب رايي في الامر وبكل صدق ونزاهة عبّرت له عن يقيني بأنّه ليس التوقيت ما يخلق نجاح ايّ برنامج بل المحتوى وسترون اني في ما بعد عملت بكل المساحات توقيتا … الاصيل ما بين الثانية والنصف الى الرابعة … المساء من الرابعة الى السادسة … الليل من التاسعة الى منتصف الليل… وصولا الى فجر حتى مطلع الفجر من منتصف الليل الى الخامسة صباحا ….

وللامانة ايضا كان ذلك نوعا من التحدّي من جانبي للذين يقولون (طبيعي انو عبدالكريم نجح في الكوكتيل لانو واخذ احسن توقيت من العاشرة الى منتصف النهار … متجاهلين اني عندما اخذت على عاتقي الكوكتيل في ذلك التوقيت كانت تلك الفترة اذاعيا فترة ميّتة وليس بها سوى برامج اهداءات … لذلك قبلت التحدّي واضفت متحدثا الى الزميل محمد عبدالكافي… ما رايك بما انّ توقيت البرنامج يأتي في الاصيل ان نبدّل اسمه إلى “كوكتال الاصيل” ؟… وللامانة مرة اخرى كان تفكيري ليس مأتاه التوقيت فقط بل صفة الاصالة تعنيني ايضا …لست ادري هل فهم سي محمد الامر كما فهمته ولكنّه وافق دون نقاش….امّا تاجيله ليوم 12 فذلك كان حرصا منّي على استنباط محاور جديدة للكوكتيل بعد ان وقعت سرقة جلّ اركانه القديمة إلى برامج اخرى… وهذا ايمان منّي ايضا بأنّ المنتج والمنشّط غير القادر على الابتكار والخلق مآله الموت الاذاعي السريري …

وجاء يوم 12 وقسمت الكوكتيل الى محورين… نصف الساعة الاولى يحتوي على المقدمة الشخصية اي (الموقف) باعتباري كنت ومازلت اؤمن بالاعلامي صاحب المواقف لكن دون غرور وبكل تواضع… ولا قيمة عندي لذلك الاعلامي عموما الذي يكون (صباب الماء على اليدين او القفاف والانتهازي والذي تشتريه بكسكروت) وهذا وقع …. نعم هنالك من وقع شراؤه بشاطر ومشطور وبينهما كامخ (وهو اسم الكسكروت باللغة العربية القحّة… ما ارزنو وقداش فيه تجوعيب على لغتنا الجميلة) …امّا النصف الثاني للكوكتيل وبمعدّل ساعة فادرجت فيه ركنا جديدا تحت عنوان بكلّ احراج …وفيه اقوم بدعوة ضيف لاطرح عليه بعض الاسئلة الخالية من المجاملة ولكن بكل لياقة وبعيدا عن الاساليب الوقحة التي انتشرت بشكل مقذع بعد 14 جانفي (وقيّد على حريّة التعبير والتي هي في الحقيقة حريّة التبعير)…

وللعدد الاوّل اخترت ضيفا من الوزن الثقيل… ومن يكون غير ساحر الاجيال حمادي العقربي …دعوني احك لكم عن علاقتي بحمادي … انا اعرفه منذ كان يكوّر في البطاحي …حمّادي من ميزاته انّك وانت تشاهده في ايّة تكويرة يستحيل ان تتكهّن بايّة حركة كروية سيقوم بها …ومن عيوبه انّه لا يُجيد الكلام الا برجليه …اتذكّر جيّدا انّي وفي اوّل لقاء طويل معه وانا اقترح عليه لقاء صحفيا مطوّلا بجريدة الايام، وجدته معجبا بي وببرامجي… فاجأني بذلك وفاجأني اكثر عندما قال انه لم يسبق له ان ادلى بحوار مطوّل لايّة جريدة وانّ العديد من الحوارات التي صدرت ببعض العناوين الصحفية كانت وهمية … وبكلّ صدق كان يومها يفضّل ان لا يكون الحوار … لكن لم استسلم واقنعته بأنّه من حقّ الناس عليه ان يعرفوا العديد من التفاصيل واكّدت له انّني لن اقدّم الحوار للنشر الاّ بعد ان يطّلع عليه كاملا …الاّ انّ اجابته اخجلتني واسعدتني … قال حمادي … نعرفك معلّم وعندي ثيقة فيك … وكان الحوار صفحة كاملة في جريدة الايام …

عندما دعوته ليكون ضيفي الاوّل في كوكتيل الاصيل …كان سعيدا بعودة الكوكتيل وكان مراوغا كعادته وبابتسامته الخجولة المعهودة قال … تي اشنوة يا سي عبدالكريم موش لو كان نخليوها مرة اخرى خير؟ …قلت له لا يا حمادي، الحلقة الاولى نحبّها مع معلّم … ومرة اخرى يرواغ ويقول … يخخي انت موش معلّم ؟؟….ودون تطويل مشاور قلتلو يا حمّادي قُضي الامر انت ضيفي في الحلقة الاولى … وبكلّ حبّ وحياء يُجيب حمادي … وانا عندي حكم معاك؟ …. وكان ذلك …وكان يوم 12 جانفي وكان يوم 13 جانفي ايضا …حاصيلو كيف تمشي تقطّع السلاسل وكيف تجي تجيبها سبيبة …اقداااااااااااااااااااار

أكمل القراءة

صن نار