الله جلّ جلاله سمح لإبليس بمعارضته…فكيف لا تقبل بمن يعارضك سيدي الرئيس؟؟
نشرت
قبل سنتين
في
كثر الحديث هذه الأيام عن محاولات النظام القائم تكميم أفواه الرافضين لسياساته وسياسات الرئيس قيس سعيد ومن معه…
فهل يريد حقّا ساكن قرطاج تكميم أفواه كل الرافضين لسياساته ومن يطالبونه بالرحيل إن واصل فشله وخيّب ظنّ ناخبيه…أليس “الرحيل” آلية من آليات الديمقراطية، ألم يقم ساكن قرطاج بإسقاط جزء من منظومة الحكم التي فازت بانتخابات 2019 والانقلاب عليها دستوريا دون انتخابات؟ ألم يكونوا شركاء له في الحكم ولهم نفس شرعيته الانتخابية، وأقسموا على نفس الدستور الذي انقلب بما جاء في أحد فصوله عليهم؟ ألم يكونوا هم جزءا من المخزون الانتخابي الذي اختاره هو قطعا للطريق أمام خصمه؟ ألم يكونوا شركاءه في الحكم الذي كال له كل تهم الدنيا واتهمه بالفشل؟ ألا يعتبر هو أيضا جزءا من فشل ما قبل 25 جويلية؟ ألم تكن منظومة الحكم منظومته وهو الساكن على كرسي قصر قرطاج؟ ألم يرفض هذه المنظومة، وهو رئيسها وشريكها الأكبر، ألم يعرقلها ويضع كل المطبات والألغام الدستورية والسياسية في طريقها وهي التي كانت البلاد في ظلّها أفضل حالا مما هي عليه اليوم في ظلّ حكمه الفردي الرئاسوي؟
السؤال: هل حقّا يريد ساكن قرطاج أن يلجأ إلى تكميم الأفواه، كل الأفواه التي تنتقده وتنتقد ما يأتيه وتعتبره فاشلا؟ هل حقّا أنه يريد أن يجعل من التكميم سياسته للمرحلة القادمة حتى اشعار آخر…؟ أم أن بعض من هم حوله يقدّمون له هذه الخدمة ليغرقوه في وحل آخر ليس في حاجة إليه في ظلّ هذا الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المتردّي والمأسوي؟
لنسأل: ألم يجعل من أسقطوا منظومة بن علي رحمه الله سنة 2011، من تعبيرة “اِرحل” شعارا للمرحلة وآلية قالوا إنها “ديمقراطية” لرفض الحاكم؟ فلمَ نرفضها اليوم ونصفّق لها سنة 2011؟ أم أن “ارحل” حين تستهدفنا تصبح فوضى وخروجا عن الأخلاق وشتيمة تدخل تحت طائلة المرسوم 54 وفصله سيء الذكر 24…وحين نستعملها نحن ونستهدف بها خصومنا ومعارضينا تصبح آلية ديمقراطية؟
ألم يؤسس من جاؤوا للحكم سنة 2011 لثقافة “ارحل” وأبادوا كل مؤسسات الدولة والحكم وأفرغوها من كفاءاتها وممن بنوها وصنعوا ربيعها؟ أسأل مرّة أخرى لماذا يرفض ساكن قرطاج ثقافة “ارحل” التي لولاها لما عرفه الشعب التونسي ولما سمع باسمه حتى؟ أليست “ارحل” كلمة مناسبة لكل من فشلوا في مواقعهم؟ أليست سياسات الإعفاء التي نفّذها ساكن قرطاج لكل من كانوا يمسكون بمفاصل الدولة، هي نفسها سياسة “ارحل” فلمَ نرفضها لأنفسنا ونقبل بها لغيرنا وخصومنا؟
أسأل هل نعت الشعب التونسي يوما ساكن قرطاج بالخيانة والعمالة واللاوطنية والفساد وهل قال فيه ما يعتبره القانون شتيمة أو سبّة أو غيرها من أنواع الشتائم؟ لا…ولا أظنّ أن أيا من هذا الشعب سيفعلها وسينطق بها، ليس خوفا من الحاكم الأوحد ساكن قرطاج لكن لأن هذا الأخير لا تنطبق عليه هذه النعوت والصفات أصلا…لكن وفي المقابل لماذا ينعت ساكن قرطاج في كل مناسبة ودون أية مناسبة ليلا نهارا وأيام الأعياد أغلب خصومه ومنافسيه ومعارضته حزبية كانت أو شخصية بهذه النعوت وهذه الأوصاف دون أي إثبات أو مبرر لذلك؟ لماذا لا يقبل ساكن قرطاج بالاختلاف؟ لماذا لا يقبل بأن يقال له “فشلت”…وعلى الفاشل أن يترك مكانه أو يستمع إلى معارضيه وخصومه ويقبل مقترحاتهم للخروج من منطقة الفشل التي غرق فيها؟ ألا يعلم ساكن قرطاج أنه فشل ومن معه فشلا ذريعا في تسيير دواليب الدولة والحكم؟ لماذا لا يقبل بالأمر ويجلس مع معارضته بحثا عن حلّ يخرج البلاد مما هي فيه، ومعارضته هي بالأساس الأحزاب، قبل أن تكون منظمات وجمعيات، فالمنظمات لا تحكم ولا تدير شؤون البلاد؟
ألم يكن يتحدث في كل خطبه عن فشل من كانوا شركاء له في الحكم؟ أنَجَحَ هو حيث أخفقوا هم؟ أتقدّم خطوة واحدة نحو الحل؟ لا…لم ينجح في أي أمر أتاه…ولم يتقدّم خطوة واحدة نحو حلّ ينقذ البلاد والعباد…هذا التوصيف منطقي وعقلاني ولا يجب أن يغضب منه ساكن قرطاج ولا يمكن مؤاخذة من يقوم به ومن يقوله بصوت مرتفع…فما قبل 25 جويلية أصبح عند أغلب فئات المجتمع ومكوناته أفضل مما بعد ذلك التاريخ…قد يعتبر بعض أتباع ساكن قرطاج قولي هذا كفرا وشتيمة وخروجا عن ديانتهم وقد يطالب بعضهم برجمي لكنه حقيقة لا أحد ممن اكتووا بنار فشل ما بعد 25 جويلية يمكنه إخفاءها…على الرئيس أن يعي انه لو طبقنا الفصل 24 من المرسوم 54 على من يتحاورون في المقاهي والفضاءات حول الوضع المزري للبلاد لوضع كل الشعب وبعض سكان الدول الصديقة والشقيقة في السجون…فما يقوله الشعب في المقاهي يدخل جميعه تحت طائلة الفصل 24 سيء الذكر من المرسوم 54…
على ساكن قرطاج أن يقبل بالاختلاف، وأن يقبل بأن يقال فيه وعنه وعن منظومته ما يقوله هو عن خصومه ومنافسيه…فالاختلاف ليس الغاء للآخر ولا يمكن اختزاله في الأشخاص…الاختلاف المنطقي والعقلاني والموضوعي هو في الأفكار والآراء، فهو المدخل الرئيسي والأفضل للتفاوض والنقاش حول مسائل الدولة والحكم…كما أن الاختلاف ليس صداما ومواجهة وتبادلا للتهم والشتائم…بل هو مساحة اتفاق وشراكة وحوار…وعلى ساكن قرطاج أن يرى خصومه ومنافسيه ومعارضيه، كما يريدون هم أن يروا أنفسهم وليس كما يريد هو أن يراهم ويصنفهم ويصفهم وينعتهم، ليروه هم أيضا بما يريد هو ان يرى نفسه …فالاختلاف مساحة توافق واحترام قبل أن تكون منطقة صدام وخصام…والاختلاف فضاء لإيجاد الحلول وليس حلبة لقذف الآخرين بما ليس فيهم…كما أن اختلافنا يفرض علينا الاحترام بيننا وبين من نختلف عنهم ومعهم…ويعطي كل طرف الحقّ في التعبير عن موقفه وآرائه…
الاختلاف من أسس الديمقراطية…فليس شرطا أن يحب الشعب حاكمه…كما ليس شرطا أن يصفّق الشعب لحاكمه…وليس جرما أن يرفض الشعب حاكمه…كما ليس جرما أن يقبل الشعب بكل ما يأتيه حاكمه أو يرفضه ويناقشه، وما جاء فيه…والشرط الوحيد هو أنه على الحاكم أن يحبّ شعبه كل شعبه…وأن يخدم شعبه كل شعبه…حتى وإن عارضه أو اختلف معه… فليس على الشعب إثم إن لم يحب حاكمه…ولم يقبل بما جاء به…والعكس لا يصح…فالحاكم الذي لا يحب ولا يخدم كل شعبه…لن يذكره التاريخ…وعلى ساكن قرطاج ان يعلم ان الله جل جلاله قبل بأن يكون له معارضا حتى يوم الحشر…فكيف لا تقبل بمن يعارضك ويعارض حكمك وينتقد ما تأتيه ليس كرها فيك بل نصحا…
سيدي الرئيس ما حكم من يتهم بعض شعبه بأبشع التهم وينعته بأبشع النعوت ليلا نهارا ويوم الاحد؟