جور نار

جولة في أروقة وزارات التربية والتعليم العربية (السجل الاصطلاحي)*

نشرت

في

صحيفة الأيام طلاب مدرسة جبل حالمين الرباط يدرسون تحت الأشجار في ظل قساوة البرد القارس

جلب انتباهي وأنا أتجوّل في مواقع بعض وزارات التربية والتعليم في البلدان العربية الاختلاف الكبير في المصطلحات المستعملة هنا وهناك للتعبير عن تفاصيل شؤون التربية والتعليم.

<strong>منصف الخميري<strong>

 على إثر هذا التجوال، قلت لِم لا أقوم بعملية جرد لجزء من هذا السجل الاصطلاحي الذي يُترجم أحيانا عن تباين في الرؤى والتصوّرات (سنعود إليه لاحقا في الجزء الثاني الذي أسميتُه “السجل الدّلالي”) ولكنه طريف وجدير بالتوقّف عنده، نُروّح به عن أمزجتنا المُتعبة ونُطلّ من خلاله على بيوت إخوتنا التربوية لنرى كيف يُوزّعون حِبرهم ويؤثّثون محافظ أبنائهم ويُهندسون أقسامهم. 

نبدأ بالشقيقة موريتانيا

وزارة التربية هناك يُطلق عليها وزارة التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي، وهي حسب رأيي تسمية متفرّدة مشحونة بمعاني التأديب والتثقيف والتربية والإصلاح، خاصة أن النسيج المُجتمعي في شنقيط (الاسم القديم لموريتانيا) ظل لعهود طويلة تحكمه القبليّة والبداوة. أما وزير التربية فمتحصل على عديد الشهائد الجامعية ومنها “شهادة المتريز بملاحظة لاباس” !

من النتوءات المسجلة أيضا في الحقل التربوي الموريتاني أن وزارة التهذيب تفرض على التلاميذ زيّا مدرسيا موحّدا (قميصا قصير الذراعين وبنطلونا للأولاد، وبنطلونا ومعطفا للبنات) لكن ما يدعو للاستغراب شيئا مّا هو الإجراء الخاص بــ ” البنات البالغات سن الخطاب الشرعي“، واللواتي يُفرض عليهنّ اضافة خِمار بلون القميص أي اللون الوردي أو ارتداء ملحفة كثيفة بنفس اللون.

اللافت أيضا أن مكوّنا أساسيا في المنظومة التربوية الموريتانية هو المحاظر الموريتانية (جمع محظرة) وهي عبارة عن مدارس قرآنية بدويّة متنقّلة منذورة “لنشر الإسلام وقيمه”.

كذلك في وزارة التهذيب الوطني الموريتانية لا يتم الحديث عن مناظرات للانتداب في خطة معينة بل عن “اكتتاب” ويتحدّثون عن المسابقات بدلا من المناظرات. ورد مثلا في بلاغ رسمي “فتح مسابقة لاكتتاب 6 أطر لصالح سلطة حماية المعطيات الشخصية

الملاحظة الموريتانية الأخيرة تهمّ اللغات الوطنية المُدرّسة في شنقيط وهي البولارية والسنونكية و الولفيه وهو مؤشر على التنوّع الثقافي الكبير في هذا البلد والإكراهات الموضوعية الإضافية التي تفرض نفسها أمام أي برنامج للإصلاح والتجديد التربوي.

في السّودان المُقسّم، وقفنا على أهم الخصوصيات التالية :

عادت “الخلاوي” بقوة الى الحياة السودانية لتشكل ملاذا يحتضن التلاميذ، وذلك بعد أن أغلقت المدارس والمؤسسات التعليمية المختلفة في كل أنحاء البلاد بسبب وضع عدم الاستقرار الأمني وتتالي الحروب التي مزّقت البلاد، وهي أقدم نظام تعليم تقليدي في السودان. وهذه الخلاوي هي بمثابة المدارس القرآنية ويحدث أن تُدرج العربية والرياضيات في برامجها الدراسية.  

الخصوصية الثانية في السودان هي ظاهرة المدارس المتنقلة لتعليم أبناء الرُحّل، ويقوم هذا المشروع على الشراكة الفعلية بين المجتمع المدني، حيث يلتزم المواطنون بتشجيع المعلمين بحوافز عينية ومالية مثلاً (اعطاء المعلم عشرة رؤوس من الضأن وناقة شايل ،والناقة الشّائلُ في القاموس هي النّاقة اللاّقح التي تشُولُ بذنبها للفحل) وجمل ركوب بالإضافة إلى الإعاشة والتزامهم بنقل المدرسة عند الترحال.

الجزئية الثالثة هي وجود عمود ثابت في الإحصائيات الرسمية للتربية يُخصص لما يسمّىى عندهم بــ “أجلاس التلاميذ” أي مقارنة نسبة الجالسين داخل الفصل بنسبة الذين يظلون واقفين، كأن يقال “تشير الدراسات إلى أن % 77.5 من التلاميذ يجلسون فى مقاعد بينما 22.5  % يجلسون ارضاً . هذا بالإضافة إلى أن نسبة النجاح في الامتحانات الوطنية تُحتسب على قاعدة “عدد الجالسين” أي ما يقابل عندنا عدد المُترشّحين أو المسجّلين في الامتحان.

في لبنان،

يعترضك مباشرة امتحان الكولوكيوم  Colloquium  وهو الامتحان الخصوصي الذي يُجرى في الاختصاصات الطبية وشبه الطبية مثل الطب العام وعلم التغذية وتنظيم الوجبات والقبالة والعلاج الفيزيائي وعلوم التمريض الخ…

لكنّ هناك أيضا تفصيلين آخرين لا يقلاّن طرافة هما :

– الصور الشمسية التي يتقدّم بها المترشحون للمناظرات أو الامتحانات يُشترط أن يكون مُصدّقا عليها من مختار القرية (من المَخترة التي غنّت عنها فيروز في مسرحية ميس الريم) تجنّبا للتدليس وانتحال الشخصية.  

– المناشير والمذكرات التي تصدرها وزارة التربية والتعليم العالي في لبنان يُطلقون عليها عبارة “التعاميم” لكونها تصدر عن المركز ليتم تعميمها على المحافظات.

أما عند جارة جارتنا المغرب، فقد أفضت جولتنا إلى رصد جملة من التباينات هذه أهمّها :

– “الغاشّون المعنيّون بعقوبة الإقصاء” هم ببساطة التلاميذ الذين يرتكبون الغشّ خلال الامتحانات.  و”ترصيد” المبادرات هي ما نسمّيه نحن في تونس تثمين المبادرات ورسملتها. أما “الأسدوس” (وجمعها أساديس) فيعني السداسي أو السداسية والمباريات هي المناظرات (فتح مباراة لتوظيف 250 معلما بوزارة التربية الوطنية والتعليم الأوّلي والرياضة … والتعليم الأوّلي هنا يُقصد به التعليم ما قبل المدرسي).

المترشحون للباكالوريا بصفة فردية يُسمّوهم في المغرب “ترشيحات الأحرار” والحوكمة حِكامة والمعلوماتية معلوميات. هذا ويُطالب المترشحون لامتحان الباكالوريا باستخراج بطاقة تعريف وطنية من مصلحة البطائق الوطنية بمراكز الأمن المغربي.

في سلطنة عُمان، تُسجّل النّتوءات التالية :

تخصص جائزة سنوية يطلق عليها جائزة الإجادة التربوية للمعلم العُماني وهو تقليد محمود ليته يُعمّم على كافة الانظمة التربوية في البلاد العربية لما فيه من تحفيز وتقوية روح المنافسة المُنتجة.

أما المربّون الذين مازالوا على قيد مباشرة العمل فيُطلقون عليهم “المربّون الذين مازالوا على رأس العمل“، والحياة المدرسية هي البيئة الصفّية واختبارات الامتحانات تُسمّى المفردات الامتحانية للاختبارات الوطنية للصفوف، والبلاغ هناك يصبح تنويها (تنويه للطلبة العمانيين الراغبين في الدراسة بماليزيا…) ويقسّم الأطفال المتمدرسون إلى أطفال مواطنين وأطفال غير مواطنين (كأن يُقال في بلاغ رسمي أن يكون لدى الطفل (المواطن) رقم مدني بشهادة الميلاد وأن يكون لدى الطفل (غير المواطن) بطاقة مقيم سارية المفعول بسلطنة عمان (كان من الممكن الحديث عن أبناء المهاجرين بكل بساطة وبدون تجريح).

والترشّح يصبح تقديما والعمل الدوري تدويرا (إعلان فتح التقديم في فرص التدوير الوظيفي)

والشغورات في التخصصات يُصطلح عليها بالشواغر والشهادة إفادة وكشف الأعداد كشف للدرجات … كما يُطلب أحيانا من المترشحين لوظائف معينة أن يكونوا لائقين طبيا للخدمة.

نأتي الآن إلى وزارة التربية والتعليم بالأردن، لنتوقّف بُرهة عند أهم ما يشدّ الانتباه :

الأقسام هي غرف صفيّة ومعلّمو التربية الخاصة بالأطفال الملتحقين بالمدارس العامة والذين لا تتناسب قدراتهم مع زملائهم، هم “مدرّسو الظل” أو “مدرسو الدعم التعليمي”، وبرامج مهننة المعلمين تسمى برامج التنمية المهنية للمعلمين، ومن أجل تحفيز الأطفال الذين يحتاجون “رفع استعدادهم للتعلم” ترصد حوافز خاصة للدارسين والدارسات مثل التغذية والمواصلات والقرطاسية (ويقصد بالقرطاسية الأدوات المدرسية).

أما في مجال توزيع التلاميذ على مسارات التكوين فتتحدث أدبيات وزارة التربية هناك عن “ضرورة بدء عملية التشعيب للمسار الأكاديمي والمسار المهني من الصف التاسع” على معنى بعث الشعب وفتح المعابر.

والتعليم المتمازج هو ما نسميه نحن ببيداغوجيا الإفراق أو تفريد التعليم حيث يتم مراعاة احتياجات المتعلمين جميعا على اختلافها.

نذهب الآن إلى المملكة العربية السعودية لنرصد بعض الاختلافات الطريفة :

تطوير مُخرجات التعليم في ربوعنا يقابلها “تحسين نواتج التعلم في النواحي المعرفية والمهارية وتعديل السلوك” وترشيد الإنفاق العام في التربية يُطلق عليه رفع كفاءة الإنفاق المالي على التعليم، أما مادة الرياضة فتسمى التربية البدنية واللياقة الصحية والدفاع عن النفس.

وما يسرّ الناظر إلى مضامين التكوين في المراحل الدراسية الأولى في السعودية هو برمجة مضامين متقدمة تقطع مع التعليم التقليدي الذي كان مرتكزا بصورة أساسية على التعليم الديني، مثل “المهارات الحياتية والأسرية” منذ السنوات الأولى من المرحلة الابتدائية والتدريب على “التفكير الناقد” في المرحلة الإعدادية (التي يسمّونها متوسّطة).

ونُنهي أخيرا بالإمارات العربية المتحدة وبتخريجة ذكية ونبيلة جدا، حيث يسمّون أصحاب الحاجيات الخصوصية “فئات أصحاب الهِمم” وتشمل الخلل النفسي والسلوكي وحالات التوحّد وخلل المخاطبة واللغة وضعف البصر الخ…

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* كل المصطلحات الواردة بهذا المقال مستلّة حرفيا من المواقع الرسمية لوزارات التربية المعنيّة.

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version