جور نار
لو يتيسّر لنا في نهايات حياتنا إرجاع عدّاد العُمر إلى الصّفر…
نشرت
قبل 8 أشهرفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiri… لاعتذرنا شاكرين !
في عتبة متقدّمة من سلّم الحياة ننضُج قليلا ونتعلّم أكثر كيف نتآلف مع أكثر مظاهر الحياة توحّشا ونتمرّس على أي نحو نستوعب خيباتنا ونُنسّب نجاحاتنا المزعومة وحتى النهايات المحتومة نفسها نتوصّل إلى السخرية منها والتعالي على نعيق أصواتها المُزمجرة والمُرافقة لنا منذ لحظة البدايات الأولى.
فلو نحسب في الستّين كم من مرّة كِدْنا نلينُ لنداءاتها اللّجوج، لاعتبرنا أنه كُتب لنا أن نعيش آلاف المرّات في الحياة الواحدة. نهزأ منها لأننا نرفض أن نكون في حالة سراح مؤقّت، وهو إجراء زجري أشدّ وطأة على الإنسان من الإيداع النافذ.
قد يكون تحت وطأة الخطوات العملاقة التي يقطعها الذّكاء الاصطناعي ربما، والنجاحات الباهرة التي تحققها الاختصاصات الطبية المختلفة والتصنيع الدّوائي ورفاه الحياة بصورة عامة، أن فكّرتُ بإمكانية أن نُسأَل عند حُلول مساء العُمر إن كنا نرغب في مزيد من الحياة … فكانت إجابتي مباشرة وباتّة وغير متردّدة بأن “الاستطالة” الاصطناعية المُقترحة لا أُرحّب بها شخصيا، لأسباب عديدة، منها :
___ الاقتناع العميق بأن المُتع بأنواعها بناتُ ساعتها واللذات الُمُقتنصة في غفلة من القدر عابرةٌ لا محالة، وشذى الحياة زائلٌ يؤدّي وظيفته الآنيّة -كما عطور النساء الفاخرة- ويتبخّر سريعا غير آبهٍ بالتخليد والتمديد والإقامة الدائمة. وكأن المعرفة المُسبقة بالنهايات والمآلات تُفسد بشكل مَا مذاق “الغنائم” أو على الأقل تجعلنا نذهب إليها دون كبير وَهْم أو عظيم إقبال. ومن حسن حظنا من جهة أخرى أن العلم المُسبق بنهايات الآلام والأيام الصعبة، يُخفّف هو الآخر من حدّة أوجاعها وأنينها. وتأسيسا على ذلك، يُصابُ الانسان بنوع من التعفّف (لا يعني الترفّع أو التعالي) الذي يجعله مُقتنعا بحدّ الكفاف ومُكتفيا بتلذّذ أبسط الأشياء وأيسرها مثل تلمّظك بذِكر كِسرة أمّك التي لا تُضاهي عذوبتها النديّة أشهى أطباق الدّنيا، أو مراقبة نحلة تُلقّح حقولا نباتية بأكملها دون ادّعاء ولا تؤذي شيئا أبدا لا في الأرض ولا في السّماء، أو كذلك تأمّل سلحفاة تشيح بوجهها وكامل كيانها متحوّلة إلى كتلة صخرية في وجه عالم مُناوئ تزدريه.
___ الانتباه الموجع مع بداية الهبوط التدريجي لطائرة العُمر إلى أن القسمة بين حلو الحياة ومرّها غير عادلة بالمرة، لأن عربدة الفاقة والعوْز (بشتى أشكاله ومعانيه) أعلى صوتا من موسيقى الحُبور والبهجة والفرح الموفور. وإذا صادف أن استقر الانسان في وضع يتوفر على قدر من المقبولية، سرعان ما يستحضر أن له أطفالا هنا مُهدّدين وإخوة هناك يُحاصرون وأن حروبا مُدمّرة تُطل برأسها في كل حين لتذكيرنا بأن الإنسانية متجهة نحو الفوضى والمتعة-الساندويتش والبقاء للأقوى، أكثر من اتجاهها نحو بناء إنسان جديد يقطع مع حيوانيته وجشعه ومستودعات الحقد فيه.
___ التقدير العارم لبعض ما عِشناه من لحظات مشتهاة -على بساطتها- ولما توفّر لنا من مساحات فرح طبيعي خالٍ من المُضافات والأكسسوارات باهظة الثمن استولينا عليه في البطاح والحقول والأنهار وبين صفحات الكتب النادرة جدا في طفولتنا (وخاصة عندما تُنذر الصفحات الأولى من رواية “ابنة البيّار” لمارسيل بانيول بوجود مشاهد للحب والعلاقة الحميمية بين باتريسيا و”جاك مازيل” الطيّار المنحدر من عائلة غنيّة). وقد يكون من حسن حظ الجيل الذي عايش قصص إحسان عبد القدّوس (وفيلم الوسادة الخالية الذي وُلد من رحِمها) وقصص نجيب محفوظ وثلاثيّة جول فاليس … أنه لم تتوفّر لديه فرصٌ حقيقية للمقارنة الاجتماعية والخضوع إلى نير تقليعات الموضة والنّبض الاستهلاكي بصورة عامة، حتى كدنا نخال أن العالم كله يأكل ويسكن ويفرح ويمرح ويلبس بنفس الطريقة بما جعلنا لا نتذمّر كثيرا من نقص الرفاه أو غيابه تماما بحكم أننا لا نعرفه.
___ لأنه لا ذُنوب اقترفناها لنندم عليها أو نبحث لها عن مَمَاحٍ. نتصالح أيضا مع النهايات الموعودة ونرفض التمديد لاعتقادنا بأننا لم نُذنب في حق غيرنا أو نحصل على بعض ما وصلنا إليه بوسائل كريهة تمنعنا من مواجهة أنفسنا صباحا في المرآة. بل أعتقد شخصيا أن جيلا بأسره وفي مواقع مختلفة افتكّ مكانته بفعل كدّه ومثابرته وتضحياته دون أعطية أو هِبات من أحد… كجيلِ المعلمين الذين جابوا أرياف تونس ومداشرها ناشرين المعرفة ومفاتيح وُلوج العالم، والممرّضين الذين لقّحوا ضد أمراض السلّ والكزاز والحصبة في أعالي الجبال، والأمنيين الذين أنجبوا أطفالهم كل واحد في بلدة، والمهندسين الذين بنوا مُنشآت الاسمنت والفولاذ والخزف، والفلاحين الذين برعوا في جعل العالم يلتفت ناحيتنا في أكثر من عنوان… هكذا جيلٌ حريّ به أن يفخر بكونه أدّى دوره كاملا وبما استطاع، في تشييد حِصن كان بالإمكان تثمينُه واستكمال بناء طوابقه المتبقية.
___ لأنه وجب الإقرار بأن العصر لم يعد عصرنا واللغة التي يتكلّمها لا نستطيع فكّ حرفها
قد يبدو أمرا طبيعيا أن يكون لكل جيل مرجعياته ومُثُله وموسيقاه وطرائقه الخاصة في المراودة والخِداع ونصب الكمائن لكن لم يكن ثمّة قطيعة حادّة بين الأجيال المتعاقبة كما هو الحال اليوم، بل يظلّ دائما الجيل السابق يُلوّن بعض الجوانب في حياة الجيل اللاحق ويُنيرها ولا يفكّ ارتباطه به.
عصرٌ هجينٌ كهذا، حيث لا قيمة للأشياء إلا حسب ما تدرّه من أرباح ولا مكانة للأفراد إلا بمقدار ما يأتونه من عَراء أو هُراء أو هذْي تطرب له آذان المُغفّلين… وحيث يُقصى فيه الفلاسفة والمفكّرون والمُصلحون من فضاءات التأثير والتأصيل ليحتلها المُهرّجون والمُطبّلون والغواني وبائعو الأواني… عصرٌ كهذا أُعدّ لأُناسٍ ليسوا نحنُ ولذائقة غير ذائقتنا لأننا من المؤمنين بوجاهة المثل القائل بـ “أن أعقلكم وأكثركم حِكمة من عرف متى يغادر الطاولة … في صمت ودون إحداث ضجيج” (بتصرف عن شارل أزنافور).
أقول في النهاية بأنني أنتمي إلى جيل لم يعد يهمّه أن يُبهر أو يُقنع أو يستميل أحدا، لأنه لم يعد قادرا على “تحمّل تكاليف الصّداقة ولا عبء المشاعر” على رأي شارل بوكوفسكي.
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.
يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.
الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.
طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.
وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.
صن نار
- ثقافياقبل 14 ساعة
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 14 ساعة
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل يوم واحد
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يوم واحد
الصوت المضيء
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 4 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 4 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟