دفءُ نار

منصف الخميري: لوْ كنتُ رئيسًا …

نشرت

في

<em>بيت الفنانة النونسية الأسطورة حبيبة مسيكة<em>

“قد لا يكون الموت بتوقف النبض فقط، فالانتظار موت، و الملل موت، و اليأس موت، و ظلمة المستقبل المجهول موت.” الأديب الشهيد غسان كنفاني

<strong>منصف الخميري<strong>

لو كنت رئيسا لتونس في هذه الظروف – و رغم محدودية الصلاحيات المخوّلة لي دستوريا- و متمتعا بكل هذا الرصيد من التأييد الشّعبي الواسع و نصاعة المسيرة الشخصيّة، و بلادي على ما هي عليه من تخبط و هرج و مرج و يأس و إحباط و شعور وطني عام بأن الانحدار لن يتوقف إلا بموتنا جميعا… لو كنت رئيسًا لوظّفت كل طاقتي و طاقة جميع العاملين معي في سبيل تحقيق 8 مشاريع كبرى لن تحلّ مشاكل تونس بالتأكيد و لكن تُساهم في إعادة الأمل و الإيمان بتونس أخرى مُتاحة و إحراج كل من يتحمل مسؤولية أولى في هذا البلد ليُنجز شيئا يُذكر في التاريخ و أمام العالم.

لوْ كنتُ رئيسًا… لأمهلت نفسي 5 سنوات و جُبتُ العالم الذي مازال لتونس فيه بعض الأصدقاء و أشعلتُ كل القوادح الداخلية و شغّلت جميع المنصّات الحاملة لفيروس حب تونس من أجل :

أولا : إطلاق مشروع وطني أطلق عليه « Ecole 3 C » في إشارة للتدفئة و التكييف و النظافة. و يتمثل هذا المشروع – بالتعاون مع الألمان أو اليابانيين أو الصينيين المتقدمين جدا في مجالات الطاقات المتجددة-  في تدفئة كل المؤسّسات التربوية التونسية شتاءً و تكييفها صيفا بالاعتماد على الطاقة الشمسية إلى جانب تركيز دورات مياه لائقة، و هو أمر يسير نسبيّا نظرا لعدد هذه المؤسّسات (حوالي 6000 مؤسسة) مقارنة بالصين على سبيل المثال التي تؤوي 832000 مدرسة واليابان حوالي 50000 ! و نظرا من ناحية أخرى إلى كون تونس تُعدُّ من أكثر البلدان المُشمِسة ( حوالي 12 ساعة شمس خلال الصيف و 7 أو 8 ساعات خلال الشتاء ).

يُتيح هذا المشروع في اعتقادي تحقيق هدفين عملاقين :  توفير ظروف دراسة آدمية لملايين التلاميذ التونسيين خلال فترات البرد الثلجي خاصة في المناطق الغربية من ناحية، و مقاومة الهدر المدرسي المتمثل في هجرة التلاميذ لمقاعد الدراسة منذ شهر أفريل أو ماي تحت وطأة لهيب الشمس المستعرة خاصة في مناطق الجنوب.

ثانيا : بعث وسام شرفي أطلق عليه “وسام قرطاج” يكون له صيت عالمي و قيمة رمزية عالية و يُمنح مرة في السنة من طرف رئيس الجمهورية على رُكح مسرح قرطاج وفق تقاليد احتفالية تليق بهيبة الحدث و قداسته. و يُسند وسام قرطاج للتونسيين أو العرب أو الأجانب الذين قدموا لتونس خدمات جليلة بيّنة و غير مسبوقة في مجالات محددة مثل الثقافة و الآداب و العلوم و البيئة.

ثالثا : وضع برنامج فلاحي تحت اسم “شجرة لكل تونسي”  يتم بموجبه زرع 12 مليون شجرة على حسب عدد التونسيين مع التركيز على الأشجار التي تستمد نُسغها من البيئة التونسية مثل الزيتون و النخيل و البرتقال و الفستق و التفاح… ضمن مقاسم تُحدّد مساحتها من قِبل الأخصائيين و تُقتطع من الأراضي الاشتراكية الشّاسعة و يُمكَّنُ منها الشباب العاطل و خاصة الجامعي منه على أن تظل خاضعة لنظام خاص يُتيح الاستغلال للفائدة الخاصة و التوريث و يمنع البيع و الكراء و التفويت.

رابعا : تأسيس “متحف تونس”  لا ينافس متحف باردو بل يُكمّله و يُغنيه بالجانب المُعاصر في تاريخ تونس. يُشرف على هندسته و تصميمه و تأثيثه مؤرخو الجامعة التونسية و علماء اجتماعها و أنثروبولجيوها و باحثوها و دارسوها، و أقترح أن يتكوّن من 24 جناحا يخصص كل واحد منها إلى ولاية بعينها تعرض فيه كل ما يشير الى خصوصياتها و مميزاتها ثقافيا و حضاريا و مطبخيا و لباسيا و زراعيا الخ… كما يتمّ الاعتماد على رُخام شمتو المميّز الذي زيّن عديد المعالم الإيطالية لنحت أيقونة في كل مدخل ترمز إلى أحد عناوين الولاية المعنية كالنخلة في الجريد و السنبلة في الشمال الغربي و سمك السردين في المهدية و البرتقال في الوطن القبلي و الزيتونة في الساحل، الخ…

 خامسا : الدعوة إلى الشروع في تقسيم تونس بشكل آخر و اعتماد “تونس الساحلية و تونس الساحرة”. ينطلق المشروع بوضع حجر الأساس لمسيرة قد تدوم عقودا طويلة تُقسّم فيها تونس إلى شطرين ساحريْن بالطول : شطر ساحلي في الشرق وشطر ساحر  في الغرب. وقد تكون اللبنة الأساسية الأولى على سبيل المثال و بالتعاون مع الأخت الجزائرية بعث مشروعين نموذجيين :

  • وحدة صناعية أو تحويلية أو فلاحية أو خدميّة نموذجية تتسع لآلاف العمال و الموظفين بأجور مُجزية جدا و ظروف عمل مشجعة تحفيزا على الاستقرار و عدم الانجذاب إلى كبريات العواصم.
  • جامعة مغاربية حدودية يؤمّها طلبة من الجهتين و تتخصّص في الرقميّات وفق برامج تكوين و آفاق تشغيل يتمّ الاتفاق بشأنها قبْليّا مع كبرى الشركات العالمية المتخصصة في المجال مثل ميكروسوفت و هواوي و آبل و غوغل الخ…  

سادسا : إطلاق برنامج “ديار أعلامنا” و يُعنى بترميم و تأهيل و إعادة الحياة إلى منازل سكنها و ترعرع فيها أدباء و زعماء و شعراء و أعلام تونسيون و أجانب من شتى الحقول في كل جهات تونس. و إن العناية بهذه البيوت أو الفضاءات أو المواقع أحيانا (مثل صخرة أبي القاسم الشابي بعين دراهم) لا يعني بالضرورة انتزاعها من ساكنيها أو تحويلها إلى معالم سياحية صرفة و إنما إضفاء مسحة فنية راقية على واجهاتها و تثبيت لوحات نحاسية لائقة تُعرّف بالشخصية المعنية في بعض الكلمات…أو التكفل عند الاقتضاء بترميم البيت كليا و تحويله الى فضاء ثقافي مفتوح بالمدينة أو القرية.

سابعا : المبادرة بطرح السؤال لماذا تُصرّ وسائل الإعلام على ترجمة “يوم العلم” الذي تحتفي به رئاسة الجمهورية سنويا بـــ “يوم المعرفة” في اللغة الفرنسية (journée du savoir ¹ science) ؟ و بالتالي الإذن بتحويل يوم العلم إلى يوم للمعرفة و العلم والمهارات.

لقد جرت العادة أن يتم خلال هذا اليوم تكريم المتفوقين في مختلف مراحل الدراسة مع التركيز بصورة رئيسية على نهاية التعليم الثانوي و التعليم الجامعي دون التأكيد بشكل بارز على مجالات البحث و الدراسات بشتى صنوفها و تميّز الشبان التونسيين على المستوى العلمي في العالم و…ضرورة تتويج الطاقات المهارية التي تألّقت خارج المربعات الأكاديمية التقليدية خاصة أنه من الأجدى تحويل نصف التعليم العام على الأقل إلى تعليم مهاري و تكنولوجي بمواصفات عصرية.

 _____ثامنا : بعث “الرّحبة المغاربيّة” كخطوة رمزية نحو تحقيق وحدة مغاربية غير اندماجية تتوحّد فيها العملة و المصالح و تتكامل بين تجاويفها الانتظارات. بدت لي كلمة “الرّحبة” أدقّ من كلمة “السوق المغاربية” لأن السوق واقع شبه هُلامي يتجسد في تبادل السلع و الخدمات عبر الموانئ و المطارات و المعاملات البنكية بشكل غير مرئي…أما “الرّحبة” فهي واقع ميداني ملموس نختار لها منطقة مواتية في كل بلد من البلدان المغاربيّة الخمسة و يتمّ في ساحاتها و أروقتها تبادل السلع و الخدمات و اقتسام التجارب الأدبية و الثقافية و الإعلامية و تحفيز حركة النشر المغاربي و عقد الصفقات (بالمعنى التجاري السليم) و إبرام اتفاقيات الشراكة بين المؤسسات الصغرى التي يُنشئُها حديثو التخرج من الجامعات الخ…

و أسعى على امتداد الخمس سنوات إلى توفير كل شروط تحقيق أعلى نسبة ممكنة من هذه المشاريع لأنسحب بهدوء بعد ذلك نحو مشاريع فاتنة أخرى تكون أكثر تواضعا مثل المطالعات الشهية و السِّباحات الصباحية المُنعشة.

ترتيب أخير : كان هذا هو مجرّد تمرين ذهني فيه إجهاد للنفس من أجل محاولة التعرف على إمكانات الفعل لدى أشخاص دفعت بهم جملة من الظروف الحافّة و الغامضة إلى أعلى سدّة الحكم و أثقلتهم بكل هذه الرمزيّة في ظل ترتيب دستوري هجين، و أن المسألة لا علاقة لها مُطلقا باحتمال وجود أعراض مرضية لديّ تتعلق بالطموح السياسي الذي استأصلته نهائيا من الوريد إلى الوريد.

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version