تابعنا على

جلـ ... منار

المحامي الطائر

نشرت

في

شعب؟ أي شعب هذا الذي تكيلون له المديح آناء الليل وأطراف النهار؟ وهو يتثاءب بفم واحد من المحيط إلى الخليج.

اسلقوه بألسنتكم أيها الشعراء والكتّاب والقوّالون.

<strong>محمد الماغوط<strong>

العبي برقابه أيتها السياط.

انهبي أمواله أيتها الامتيازات.

قرّحي أجفانه أيتها الدموع.

فتتي أكباده أيتها البلهارسيا.

أتلفي أعصابه أيتها المهدئات.

مزّق رئتيه أيها السعال.

افتك بأحشائه أيها الجوع.

شقق شفاهه أيها العطش.

وأنت يا أنظمة اليمين واليسار والوسط، فيما شقيقتك الأنظمة الأخرى في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية يجهد كل منها بمفرده وعلى هواه لتسلّق شعبه، والتحايل عليه بترخيص الأسعار وتخفيف إجراءات السفر وتلوين المجلات وتزويق الانتخابات، والإطناب بدوره في النضال والكفاح من أجل الحرية والأمن والاستقرار في العالم، كوني أنت كتلة “واحدة” متماسكة كعضلة المحارب في تماثيل الإغريق، وألقي بشعوبك وراء ظهرك ولا تبالي.

لا تزفّتي شوارعها ولا تضيئي قراها ولا تستخرجي بترولها وثرواتها.

سدّي الطرقات عند سفرها.

زفّتي الأنهار عند عطشها.

لوّثي الهواء عند تنفّسها.

أطلقي المنبهات عند قيلولتها.

وانشري البعوض في مواسم اصطيافها.

عطّلي سيارات الإسعاف حتى لا يسعفها أحد.

اقطعي أسلاك الهاتف حتى لا تتصل أو يتصل بها أحد.

اقطعي عنها رواتبها واحرميها من التعويض العائلي والضمان الصحي والرواتب التقاعدية وعجز الشيخوخة. وألقي عليها حتى أعقاب لفائفك من الأدوار العليا، فليس لها عندك أي حق في تذمر أو شكوى أو عمل أو ذهاب أو إياب أو مأوى.

أأنا أتحامل على شعبي لأنني أكرهه وأحقد عليه؟

أبدا. أنتم مخطئون أيها السادة. فأنا لا أحبه فقط، بل أعبده: أعبد جبنه وغروره وتردده وفظاظة حديثه وسماجة غزله وتجشؤه بصوت مرتفع وطريقة مبالغته في الكلام وترويج الشائعات ونميمته على أصدقائه، واختلاقه النكت على حكامه وتظلمه من ظروفه، وشكاواه من أمراضه، وشماتته بكل حدث يصيب سواه، أو إطراقته الأبدية في غرف الانتظار.

لأنني كنت أعرف أنه ما انحط إلى هذا الدرك، وما تدهورت صحته وسمعته وتبدلت طباعه إلا لأنه كان مسلوب الإرادة طول عمره، ولا يملك من حقوقه عبر التاريخ، سوى أن يراها بأمّ عينيه تنتقل من تحت خُفّ هذا الزعيم إلى خفّ ذاك الوزير إلى خفّ ذاك السلطان … وما تبقّى منها انتهى واستقر أخيرا تحت أحذية بيار كاردان.

ولهذه الغاية، درست الحقوق وانتسبت إلى نقابة المحامين وأعددت قائمة شاملة بهذه الحقوق موثقة بالأرقام والتواريخ وأقوال الشهود لاستصدار أمر قضائي باستعادتها من أعلى هيئة قانونية في العالم: من محكمة لاهاي الدولية نفسها وهي: حرية القول والكتابة والتفكير والمعتقد والتنقل والإقامة وإبداء الرأي في السلم والحرب والعلمنة والاختلاط والتعبير غير المشروط في الصحف والإذاعات والتلفزة والمسرح والنحت والتصوير وحرية التجمع والتظاهر، والانتخابات وتأليف الأحزاب والجمعيات (لقد سئمنا جمعيات سكنية وخيرية وتأليف وفود تعزية وتهنئة وتأييد واستنكار).

وبطائرتي الخاصة التي يعمل محركها بإرادة الشعوب أقلعت من مدرج إحدى كليات الحقوق العربية وأنا ألوّح بيدي ووثائقي للجماهير المتثائبة التي زحفت لوداعي، وأنا أكرر على مسامعهم المرة تلو المرة: انتظروني ولا تبرحوا مقاهيكم ودوائركم أو تفوّتوا دقيقة واحدة من مسلسلاتكم ومبارياتكم، إلى أن أعود ومعي ذلك الأمر القضائي العتيد.

وما إن بدأت الطائرة بالصعود حتى أخد كل شيء في التلاشي والغياب: الجماهير، البيوت، الأشجار، الأغنياء، الفقراء، الانتصارات، الهزائم، الخلافات، الوساطات،الاتفاقيات. ولم يبق أمامي سوى المهمة التي أنا بصددها وسط هذا السديم الأزرق الامتناهي.

طبعا في بداية الرحلة واجهتني بعض التيارات الهوائية والمطبات العقائدية ولكنني تجاوزتها وتغلبت عليها بنجاح بفضل براعتي وخبرتي الطويلة في التحليق فوق أرض الواقع. وبعدها لن لأتعرض لأية مفاجآت غير متوقعة.

ولكن، ما إن أخذت أحلق فوق جبال الألب والبيرينيه، وفي خلوة رومانسية بين الغيوم سمعت وشوشات وتمتمات. وعندما خففت من سرعتي فوجئت بسفينة فضاء سوفياتية وقمر صناعي أمريكي غارقين في قبلة طويلة محمومة، و”خذ على تأوهات وتنهدات وعتاب وبث أشواق…” ولكن، ما إن شعرا بوجودي حتى انفصلا عن بعضهما مذعورين مرتبكين وراحا يشتمانني ويدعيان أنها محرد قبلة علمية لا أكثر. فقلت لهما: يجب أن تعلما ويعلم العالم أجمع بأن الشعوب العربية لن تدع أحدا يهنأ بشيء، لا في الأرض ولا في السماء، ما لم تسترد كل حقوقها المسطورة في هذا الملف.

ولوّحت لهما مودّعا وأنا أطوي الجبال والوهاد والبحار والبحيرات والنوافير والقارات حتى بلغت رحلتي نهايتها. ولأنني وصلت في ساعة متأخرة من الليل فقد أيقظت أعضاء المحكمة من نومهم وقلت لهم: حقوق شعبي ضائعة وأريد استردادها. وها هي كل الوثائق والمستندات التي تطلبها محكمتكم الموقرة.

فسألوني وهم يفركون عيونهم:

ـ منذ متى ضاعت حقوقكم هذه؟

ـ منذ بدء التاريخ.

ـ ولم تطالبوا بها من قبل؟

ـ كلا.

ـ والآن، وبعد قرون جئتم تطالبون بها؟

نعم.

آسفون يا بني. لا حقوق لكم. اسأل أكبر القضاة والمشرّعين.

ـ لماذا؟

ـ لقد ماتت بسبب التقادم.

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جلـ ... منار

موجات

نشرت

في

وفاء سلطان:

مضى على وجودي في أمريكا 36 سنة.

لم أدخل يوما مطعما إلا وتركت للنادلة بخشيشا يفرح قلبها وفوق تصورها.

وفاء سلطان

معظم الذين يخدمون بالمطاعم في أمريكا هم طلاب جامعات ليسدوا مصروفهم، فلقد اشتغل أولادي في المطاعم أثناء جامعاتهم وأعرف كم كان البخشيش هاما بالنسبة لهم.

إلا البارحة قررت أن لا أترك لها سنتا، لكن زوجي رفض القرار وقال كعادته: حرام!

(نعم هو ألطف مني في هكذا مواقف)

أوقح نادلة رأيتها في حياتي، تخبط الصحون على الطاولة وكأنها خرجت لتوها من معركة مع زوجة أبيها.

ضبطت أعصابي بشق الأنفس

لقد اعتدنا ان نفتح حديثا مع من يخدمنا في المطاعم حتى نعرف حياته من ألفها إلى يائها،

ولكن هذه النادلة لم تترك لنا مجالا لنقول: شكرا!

نحن نذهب إلى المطعم ليس من أجل الأكل فقط، بل لتغير الجو وتحسين النفسية، وعندما تقارب الفاتورة المائة دولار وتلقى هكذا معاملة تصاب بالإحباط

حسب رأيي خدمة الزبائن في أمريكا أفضل من أي بلد في العالم زرته، ولنفس السبب لم أحب دول أوروبا!

القاعدة العامة في أمريكا تقول: يجب أن تتعامل مع الزبون كما لو كان دوما على حق!

لو كانت ابنتي محلي لقالت: ماما ارجوكِ سامحيها، لا أحد يعرف كيف كان يومها

هذا صحيح، ولكن على من يشتغل في المرافق العامة وخصوصا المطاعم أن يكون لطيفا تحت أي ظرف!

الحياة لا تعاش إلا ببعض التنازلات، وعندما يتعلق الأمر بعملك يجب ان تتمتع ببعض القدرة على إخفاء آلامك الشخصية ولا تنقل طاقتك السلبية لغيرك!

طاقة كل إنسان تشدّ أو تحجب عنه رزقه، وذلك حسب طبيعتها

كنا ندفع على الأقل 20٪؜ من قيمة الفاتورة، لكن بعد تراشق بالنيران وشد شعر ترك لها زوجي مبلغا، وأنا أتمتم: يا خسارة

فالسلوك الذي يُكافأ يتكرر!

أكمل القراءة

جلـ ... منار

أناقة ما بعد السبعين

نشرت

في

وفاء سلطان:

في الثمانينات من عمرها.

أحنى الزمن ظهرها قليلا، لكن روحها مازالت تعانق السماء.

وفاء سلطان

التقينا في المكان المخصص لعربات التسويق على باب أحد المحلات.

وبينما هي تسحب عربتها التقت عيوننا فصبّحت علي.

رددت التحية، وتابعت: تبدين جميلة جدا، إذ من النادر أن ألتقي بامرأة بهذه الأناقة والترتيب!

فعلا الحياة الأمريكية العملية أنستنا الكثير من أصول الأناقة والتزين.

إلى حد ما، تعجبني هذه العفوية في أمريكا،

فلقد خففت عنا نحن النساء مهمة التبرج كل صباح، وزادت ثقتنا بأنفسنا.

لكن من ناحية أخرى، من الجميل أن نحافظ على أناقتنا ومظهرنا طالما لا نبالغ

نعم لا نبالغ، فلقد أصبحت الكثيرات من النساء اليوم نسخا متكررة من لعبة باربي:

قشرة من الخارج وفراغ من الداخل

المهم، أشرقت ابتسامتها حتى أضاءت وجهها المهندس بطريقة فنية غير مبتذلة، وقالت بعد أن وضعت يدها على كتفي:

حبيبتي كل سلوك تتقنينه عادة، فمتى تعلمتِ عادة تصبح طريقة حياة

ثم تابعت:

منذ سنوات مراهقتي لا أخرج من البيت حتى أتأكد من أنني أسر الناظر إليّ، فمظهرنا الخارجي يعطي الانطباع الأول

أكدت لها أنها فلسفتي كذلك، وتمنيت لها يوما جميلا

أكمل القراءة

جلـ ... منار

من عياش إلى السنوار… “دوري” الإرهاب الصهيوني

نشرت

في

صبحي حديدي:

اللجوء إلى منهجيات المقارنة يقتضي، بادئ ذي بدء ربما، اعتماد درجة الحدّ الأدنى من التكافؤ أو التناظر تارة، والتفاوت والتنافر تارة أخرى، بين مقارَن وآخر؛ الأمر الذي تتضاعف اشتراطاته، ومشاقّه استطراداً،

صبحي حديدي

إذا كانت المقارنات تخصّ البشر عموماً، وفي ميادين مثل الأخلاق والنفس والسياسة والعقيدة خاصة. فليس من اليسير، في يقين هذه السطور، وضع قياديي “حماس”، ممّن استهدفتهم آلة الإرهاب الإسرائيلية في مواقع شتى وسياقات زمنية وسياسية مختلفة، على محكّ تقييمٍ مقارَن واحد أو متماثل؛ حتى إذا كان تسويغ هذا الخيار ينطلق من مبدأ المساواة، ضمن معايير سياسية أو عسكرية أو إيديولوجية، إيجابية أو سلبية، متَّفق عليها أو محلّ اختلاف. وحتى، أيضاً وربما قبلئذ، إذا ارتكزت المقارنات على مسلّمة ابتدائية وناظمة تضعهم، أجمعين، في خانة مقاومي كيان استعماري عنصري استيطاني فاشي المكوّنات وأبارتيديّ المسارات.

ثمة، بذلك، مقادير متقاطعة عليا من التكافؤ في مصائر الاستهداف الإسرائيلي لأمثال يحيى عياش (المهندس) والشيخ أحمد ياسين وصلاح شحادة وعبد العزيز الرنتيسي وسعيد صيام وصالح العاروري وجميلة الشنطي وإسماعيل هنية ويحيى السنوار؛ وثمة أيضاً، وفي المقابل الموضوعي أو الضروري، مقادير متقاطعة دنيا من التباينات الناجمة أصلاً عن الوظائف والدلالات والمصائر. طرائق النَيْل من المهندس أو السنوار، ليست مثل اغتيال الشيخ ياسين (قعيد الشيخوخة) أو هنية (النائم في فراشه)، والفارق لا يخفى بصدد الآخرين.

غير منتفاة بالتالي، بل هي ضرورة سياسية ومبدئية، مسألة التشديد على قاسم مشترك أوّل هو إرهاب الدولة الإسرائيلي بوصفه شكل تنفيذ هذه الاغتيالات، وإرهاب الدولة الصهيوني بوصفه المضمون العقائدي الذي يحرّك الدوافع من قلب “فلسفة” عتيقة ترى في الفلسطينيّ تهديداً وجودياً في ذاته وبذاته. وأياً كانت تفاعلات الشكل مع المضمون فإنّ توحّش إرهاب الدولة يلجأ، دون إبطاء، إلى إخراج الجغرافيا من المعادلة: “المهندس” ابن سلفيت في الضفة الغربية، متساوٍ مع السنوار سليل مجدل عسقلان المحتلة سنة 1948، وكلا الفلسطينييَن في خانة واحدة مع محمد الزواري… التونسي!

وليس عجباً أنّ الليكودي أرييل شارون كان مهندس اغتيال الشيخ ياسين؛ و”حكيم” حزب العمل، شمعون بيريس، كان الآمر باغتيال عياش؛ والليكودي الثاني نتنياهو كان على رأس حكومة الاحتلال يوم استشهاد السنوار. وليس من باب العجائب أنّ الثلاثة كانوا مجرمي حرب بامتياز، كلٌّ على طريقته وأفانين إجرامه، وأنّ تكوين دولة الاحتلال ظلّ ينحطّ من هاوية عنصرية إلى أخرى فاشية.

والحال أنّ منهجيات المقارنة الكلاسيكية ذاتها قد تعيد إنتاج مواضعاتها المألوفة، بين ماضي 1996 وحاضر 2024، على أصعدة حاسمة تخصّ ما هو عميق ومحوري في معمار “حماس” السياسي والعسكري والعقائدي. ذلك لأنّ أغراض الاحتلال من وراء اغتيال “المهندس” انقلبت ضدّها حين أفقدت قيادات “حماس” بعض ذرائع الاعتدال، وانتظار استكمال الانتخابات بوصفها الاستحقاق السياسي الفلسطيني الأبرز في ذلك الطور، وأفسحت المجال أمام انعتاق الحرج الآخر الذي كان يكبّل فصائل عز الدين القسام ويشلّ عملياتها.
وليس استشهاد السنوار ببعيدٍ، اليوم، عن منطق تطوّر مماثل تُضاف إليه اعتبارات عديدة فرضتها سيرورات “طوفان الأقصى” وحرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ قطاع غزّة؛ إذْ قد يقبل امرؤ أنّ غياب السنوار عن المشهد الميداني في قلب المعركة المفتوحة يمكن أن يوجع المقاومة، وقد يساجل امرؤ آخر بأنّ الغياب ذاته قد يكون عتبة الوثوب إلى مراحل انتقال ليست أقلّ استكمالاً لتلك التي دأب عليها القائد الغائب.

“دَوْري” إرهاب الدولة الصهيوني تتعاقب فصوله، إذن، ولكن ليس من دون تبدّلات تقلب السحر على الساحر الإسرائيلي؛ كأنْ يفوّت السنوار على الكيان فرصة “اقتناص” على شاكلة شيخ في كرسيّ متحرّك، أو قيادي نائم في فراش.

ـ عن “القدس العربي” ـ

أكمل القراءة

صن نار