تابعنا على

منبـ ... نار

صخـبُ اليسار في رواية “زهرة الصـبّـار” لعلياء التابعي

نشرت

في

  كثيرا ما يشتدّ الوجَعُ على مداخل الوطن … عادت الرّحلة وعلى متن الطائرة جيلان، الأبُ والابن، فهل هي عودة حقيقية من المنفى إلى الوطن أمْ هي مجرّدُ نُقلة، من منفى الخارج إلى منافي الدّاخل ؟؟؟ 

<strong>توفيق عيادي<strong>

  يبدأ القصّ بعد رحْلتيْن، ذهاب وعودة، وبيْنهما ترحال في وحْـل الأوجاع واسْترجاع لما كان من آمال وانكسارات وانتصارات .. هي عودة مليئة بـ”كثير من التّعب والفاتورات والأسئلة”، لتـُفتَح على إثرها الدفاتر القديمة وتـُطرح الأسئلة التي ظلـّت طويلا معـلـّـقة بلا أجوبة، وتزِفُ ساعة الحساب :”ماذا بقي؟” ، “ماذا ذهب مني  ومنك ؟” ، “وهل خسِرنا ؟” ، “ما الذي تغيّر؟” ، “ما الذي حدث؟” ، “وماذا بعد ؟” ، “من أين نبدأ الحكاية إذن ؟” … وما لم يطرح من الأسئلة أكثر بكثير مِمّا طُرِح من ثرثرة حول الحبّ والوطن.

 الحكاية إذن هي حكاية وطنٍ يتحسّس طريقه نحو التحقّق المستقل، بعد صراع مرير مع المستعمر، ويدخل في معركة البناء، مؤسسات دستورية، وقطاعات خدمية، وإعادة ترتيب للأحوال المدنية والشخصيّة، محاولات بكر و واعدة وجريئة، لا تخطئها العين التي تريد أن ترى. عَـزْمُ البناء هذا اِتـّخذ له من المدرسة قاطرة ومن “المادة الشخمة” رهانا، فنشأت معاهد وجامعات، أثمرت نخبة طلابيّة تونسيّة، توزّعت بين عاصمتيْن – تونس وباريس- ولم ينقطع بينها التواشُجُ، اِستئناسا بتجارب مختلفة، وتفاعُلا مع رؤىً عالميّة وإقليميّة وعربيّة .. فتكوّنت بموجب ذلك تيّارات و”خطوط” فكرية وسياسية متنوّعة ومتضاربة رغم اِدّعاء وحدة المصدر والمنطلق من جهة، أو تقاطع الهدف والمقصد من جهة أخرى، من أجل الإطاحة بنظام يوصف بالدكتاتوري الغاشم.

وكان “اليسار” أحد العلامات الفارقة التي اِفتتحت صراعا مع السلطة، ازدادت حدّته حين أعربت السلطة عن نية السيطرة والتوجيه والتحكم في المنظمة الطلابية (الاتحاد العام لطلبة تونس) من خلال التدخل في مؤتمراتها ومحاولات التنصيب لقيادات موالية لسلطة “حكومات الاستقلال”. واِنتهت ذروة الصراع إلى التعذيب والتجنيد والمحتشدات (رجيم معتوق) … لأنهم في تقدير السلطة، طلبة “مشاغبون” لم تغادرهم عين السلطة ولم تُـفْسِحْ لهم إلاّ بمقدار، وهذا شأن أيّة سلطة في كل المجالات، فالقول والفعل المضادّيْن لهما حدود، والسلطة أدْرى الناس وأقدرهم على وضع الحدّ. لذلك غالبا ما كانوا في نظرها مجرّد صبْيان، تـُعاملهم “مثل أطفال صغار لا يُمنعون من شيء أبدا، ولا يؤاخذون على شيء، والأدهى من ذلك: (لا يُسْمحُ) لهم بشيء أبدا”  بعبارات رولان بارت. كم هي موجعة ومريرة عذابات الترحال في القـَـصّ أو في الحلمأو في الواقع. وهل أمرّ على المرء من وقع الظلم، ظلم ‘الحبّ’ أو ظلم ‘الحُكــم’، “كالحامض ينهش كل ما يعترضه من قناعات ومبادئ وذكريات فيُبيدها”. وكمْ تأبى الذاكرة النسيان وتحِنّ إلى الأوطان، الوطن الأرض والوطن الحبّ. وعاد أحمد بعد رحلة تيْهٍ، أحسّ خلالها أن “الهاوية تحت قدميْه”، ليطرق باب الرّجاء مرّة أخرى …

  وقد خاب الرّجاء كـيْـفما ضرب أهله في الزمن و طوّحوا في الأرض، خيبة يتردّد رجْع صداها في صراع السلطة والحبّ والانتماء، وتـُـفصِحُ عنها نهايات دامية في شتى مجالات التجربة وأساسا منها العاطفية، “وقد دخل بعدها القلب في شتاء طويل” كما عبّرت عن ذلك رجاء. وليست “رجاء” إلاّ لعبة في تقدير أمّ أحمد، يلهو بها أحمد وعليه أن يحذر منها كيْ لا تـُلوّث أناقته أو يجرح النظر إليْها مطوّلا أهدابه الناعمة، أو توسّخُ أطرافه .. حتى لو صادف أن دمّرها أو ضرب بها عرض الحائط، فتتداعى وتسقط مفكـّكة، فعراقة العائلة ذات الأصول التركيّة، سليلة باشويّة مفاخِرة، وثراؤها الفاحش، يسْمحان للأمّ بأن تشتري له، بدلا منها أخرى، ترتضيها هي له وتتناسب مع العراقة العائليّة وتـُناسِبُ غروره. وإن أراد أن يختار له ما شاء من اللـُّعَـبِ التي في مستوى العائلة، لم لا؟ والطريق إلى باريس أمامه سالكة، و”اللعَب” البشريّة هناك لامعة وبراقة يخطف بهاؤها الأبصار … أمّا عن العلاقات الإنسانية، فلا يمكن أن تكون إنسانيّة، في نظر أمّ أحمد، إلاّ إذا نشأت بين عائلات برجوازية باذخة، يخضع كل شيء عندها أو يَـنتظِمُ وفقا لـِ”ايتيكيت”، تعبيرا عن الحياة الراقية أو عن “المَحْـتد الكريم” لأرستقراطية طيّبة بما يكفي من الوهم .. لكن لا تعوزها القدرة على تدمير الآخرين ولا يُضيرُها ذلك في شيء طالما أنهم من طبقات “الما دون”. وليس مثل هذه المشاعر والمواقف إلاّ تأكيدا إضافيا على هشاشة الروابط الإنسانية في مجال الحبّ كما في مجال السياسة.

     لقد طال الدّمار أعماق رجاء وكل أطرافها وأتى على الكثير من مساحات أحمد العاطفية والاجتماعية- الطبقية، بقدْرٍ أجّج داخِله الحقد على أمّه البورجوازية ربما بنفس مقدار حقده على “عادل” الثوريّ .. هزائم الحبّ والسياسة أخذت من كليْهما مأخذا عميقا، ولم تعد رجاء تدري أيّ الألوان “سيختاره تاريخهما لتحديد نقطة الهزيمة في حياتهما” المليئة بالأوجاع من فرط انكسار الحبّ وانحدار السياسة. وهي التي دلفتْ لليسار من أبواب الحبّ لا من نوافذ السياسة وهذا اعترافها – اعترافٌ لا يُنـْقِصُ من قيمة الحبّ ولا يُعلي من شأن السياسة –  حين تقول “وجدت نفسي في السياسة، في صفّ اليسار عن قلب قبل أن يكون عن وعي … وجاء الصحْو رويْدا رُويْدا، فإذا اليسارُ ليس بقلب مَحضٍ، وإذا اليسار جعْجعة وكلام يُـلقى لا يُلزمُ أحدا، وإذا اليسار موقف تمثيليّ، قبل أن يكون موقِفا من الذات، ومن الوجود. وإذا اليسارُ ليس بنقضٍ للمسلـّمات والاتّباعية، بل وكذلك سقوط وإحباط وخيانة رغم ضخامة الكلمة المضحكة”.

كم هو موجع أن تكون تلك هي صفات اليسار في أعيُن الشابّات والشبّان الذين بذلوا الكثير من الجهد وشيّدوا الكثير من الحلم وعقدوا الكثير من الأمل والعزم منذ عقود، والموجِع أكثر أن ينكسِر كل ذلك أمام أعْيُنِ كلّ “شيوخ الطرق” و”الطوائف” اليسارية، ولا حراك ولا حياء. وكأن قدَرُ اليسار المحتوم أن يظل كذلك، اِتباعية مقيتة واِنحياز أعمى وجعجعة فارغة وثرثرة بلا هوادة، يمقت بعـضه بعـضا ويُدمّر بعـضه بعضا رغم وشائج الحبّ ووحدة جذور الانتماء. ذلك هو حال “زهرة الصبّار” بعد أن نفد صبرها على الهوان وانْكسرت حبّات رحيقها وتناثرت أشلاء (عادل وأحمد ورجاء). ألمْ يقلْ أحمد في “حبيبه” عادل : “كنت أحبّه أكثر من أيّ إنسان آخر وأكثر منكِ أحيانا ولكني كنت كذلك أمقته كما لم أمقتْ كائنا. كان جزءا منّي لا بدّ لي من تدميره لأعيش فقد كان مختلفًا إلى حدّ الخطر والإزعاج”. وكأن المختلف في بعض عقليات اليسار لا بدّ له أن ينتهي حتى وإن كان “رفيقا”. 

  ذاك هو اليسار في تقديرعلياء التابعي ومن خلال شخصية “رجاء” في لقاء المحاسبة بينها وبين أحمد. يسار قاصر وعاجز في ‘أبجديات’ الحب كما في ‘أدبيات’ السياسة. فتجربة الحبّ فاشلة وتجربة الحكم مؤجلة .. وكأن هذا اليسار لم يفهم بعد “أن الحياة تكره البطولات الزائفة” وأن الأحلام التي يستعصي تحقيقها دفعة واحدة، ويظل صاحبها يحاول ويراوح بشكل سيزيفيّ دون أن يغيّر من نفسه ومن أدواته أو من أهدافه، هي محض أضغاث أحلام ترتقي يقينا إلى رتبة أوهام، وشأن الأوهام أن تـُوَلـّـد أوهاما جديدة دون أن يتحـقـق منها شيء. وهذا شأن عادل -كعضو في تنظيم- وبشهادة أحمد ذاته حين يقول عنه :” لم يكن يختلف عن أمّي في شيء وخاصّة في العمى”. عمًى متبادَل تُمثّله أم أحمد سليلة العائلة البرجوازية من جهة ويُمثله عادل من جهة التنظيمات اليسارية. ذلك هو تقاطع الأضداد كما عبّر عنه أحمد، “عَـفـَـنُ البورجوازية” و”صلف اليسار”.

 ما أحوجنا اليوم إلى “استقلالية” رجاء، تعبيرا عن يقظة الذهن ونماء الروح النقدي وتغاضِيًا عن التفاصيل المُعيقة التي تَحوّلَ اليسار بموجبها إلى سلاّتٍ عديدة يصُحّ تشبيهه بـ “يسار الطوائف”، ولكلّ طائفة أسفارها أو مسلـّماتها التي تخصّها اِنتماءً واِدّعاءً. وكثيرا ما كانت رجاء تلوم عادل “على رزمة المسلـّـمات والبديهيات التي يحملها فوق ظهره”، مسلـّمات غذتْ لدى منتسبيها تضخّم الذوات وأوهام امتلاك الحقيقة المطلقة والأبدية ورسّخت لدى الكثيرين منهم، الاعتقاد – على لسان رجاء- “أننا أحسن ما أنجبت البلاد والبقية هوامّ ورعاع لا يعقِلون”. هو توصيف واِدّعاء لا يخلو من الغرور، بل هو غرور لا يقلّ مرتبة عن الغباء الذي يستمر إلى الآن، كما أعلنت ذلك الكاتبة على لسان رجاء وبشيء من الاستنكار والتعجّب : “عادل بصراحة، أكره الغباء واليسار عندنا غبيّ … إلى حدّ الآن. وأخشى يوم المراجعات والحسابات … يوم نذرف الدمع على الوقت المهدور في الجدل العقيم والولاءات الزائفة”.

هذا الروح النقديّ الذي تسميه رجاء حينا بـ “الفوضى” وحينا آخر “تعرية”، هي فعلا تعرية لا تخصّ عادل وحده كتنظيم، وإنما هي تعرية تطال كل التنظيمات اليسارية بغاية دفعها نحو إعادة قراءة “الواقع المتفجّر” على غير الطرق الآلية المستوردة “من الصين أو من الاتحاد السوفياتي أو من ألبانيا، وليس لنا أدنى شرف في نحتها بل شرفنا في ترديدها وعبادتها”. وما الترديد والعبادة الجامدة بالشرف الحقيقي في تقدير رجاء، بل الشرف في أن نظل متيقظين ومتحفزين وجادين في مراجعة مفهوم الواقع أصلا والعمل على معاودة فهمه وفقا للمتاح من الموادّ والأدوات والممْكِـنات. وكأن دعوة رجاء ‘المستقلة’ هي دعوة “المستقلين” إلى كل “الطوائف اليسارية” الذين أغفلوا الكثير من المشترك الأعمّ واِهتمّوا بالكثير من التفاصيل، إغفال فسُدَ معه الوضع وساءت الحال، أن يثوبوا مجدّدا إلى الرشد وأن يعتقوا حق الأجيال في الحلم ويكفوا عنهم كل ضروب الكوابيس والأضغاث والأوهام.

  يبدو أن نصّ رواية “زهرة الصبّار” هو نصّ، ربّما يُدرك قارئه أكثر من كاتبته أنه لا يزال يحتفظ بألقه، حتى لكأنه كُتِبَ لغير زمانه (سبعينات وثمانينات القرن الماضي)، أو هو كـُتب للتعبير عن زماننا أكثر من التعبير عن زمانه. فكلما أعيدت قراءته نكتشف معه عُمق الرّوابط التي تشدّه إلى الحاضر اليوم، سيّما إذا تعلّق الأمر بوضع “طوائف اليسار” ذلك اليسار الذي قالت عنه رجاء وبصيغة الجمْع : ” نحن لم نتحوّل، نحن نقِف منذ سنوات في نقطة الانحدار”. وهل تعلم رجاء – ومن خلفها علياء التابعي- أن اليسار كما عهدْته منذ عقود هو لم يتحوّل ولم يتغيّر، وأنّ ما تغيّر هو نقطة الوقوف، لكن نحو مزيد من الانحدار، وفي غفلة حقيقية عن مستوجبات أو نداءات الوطن.  

كم هو محزن حال هذا اليسار، بين دفـّـتيْ هذه الرواية وفي كل فصولها، أو بين ضفّتيْ واقع البلاد قبل “الثورة” تماما كما بعدها، الهزائم ذاتها والانكسارات ذاتها. رغم مقدار التضحية وشدّة العنفوان ومنسوب الأمل البدئي وفائض الحبّ للوطن والأهل. تجاربٌ تنتهي دائما إلى المتشابه من النتائج، “ليتعمّق الشعور بالقهر” بعدها. لا أحد يدري هل هي سذاجة السياسيّ أم هو اِستكبار ‘المثقف’ أم تراه عُـتـُـوّ المُرْسَلين، وقد كانت نبّهتهم رجاء إلى ” أن الوحي لا ينزل علينا وأننا لسْـنا فوق الشبهات” والأخطاء والحسابات. كأن رجاء تريد أن تقول لنا: إن الذي يعرف جيّدا ما يريد ولا يعلم كيف يبلغ ما يريد ستكون خسارته مضاعفة وينفضّ عنه الذين من حوله. وهذا ما كان يحدث باستمرار، مناوشات هامشية مع سلطة متمترسة ومتغطرسة تنتهي بالكثير من القرابين الشبابية على عتبات غرف التعذيب أو عنابر السجون أو متاهات البطالة والمطاردة والفرز .. وكثيرا ما بقي اليسار يُحصي ‘خسائره’ دون أن يكفّ عن “الغباء”  حسب توصيف رجاء أو عن “الأعمال الطائشة” التي انتهت به إلى خسران مبين، كثيرا ما عدّدتْه رجاء وأعْياها حمله لِـثِـقـل الحزن على ما ذهب منها وتفرح للقليل الذي بقي لها ” ذهب الحبّ، ذهب الصديق، ذهب الزوج، ذهب الطفل، ذهب الإيمان … وبقي البحر”. لكن رغم فداحة الخسائر فإن الذي بقيَ لها ولنا، حلم بحجم البحر أو هي سِعة لا تضيق على أحدٍ أو هو امتداد لا يستعصي على آمل، بل هو وطن جدير بكل التضحيات مهما علا شأنها في نظرنا أو مهما مسّنا منها الضّرّ، وطن يعسُرُ أن تبنيه الطوائف بشتات من البصائر والأفكار … 

 ويبقى الوطن هو الوطن  ويظل  الجميع أبناءه مهما اختلفوا ومهما تقطعت بأصحابها السّبل وتشتتتْ شعابا، فلا أنوار باريس قدرت على ردْم الهوّة السحيقة تحت قدميْ أحمد ولا ثلج اِنكلترا كان قادرا على وقفِ نزيف المعنى عند رجاء. وحدها أرض الوطن كفيلة بتضميد الجراح، في العاصمة أو في صحراء الجنوب أو في مكثر سليانة حتى وإن كانت من المناطق المنسية في هذا الوطن .. ومهما بلغ عمق الجراح بأصحابها، ومهما بلغت قسوة الشُذّاذ على الوطن ودفعت أبناءه للانتحار، لن يخيب الرّجاء مطلقا. وستأتي بطاقة التهنئة إلى ‘رجاء’ لتعيد لها الأمل في الحب والوطن والحياة، “ويرجع كل شيء إلى مكانه الأصلي”، بطاقة كتِب عليها بخط واضح وفصيح :”غدا فجر يوم جديد”.

إذا كان فِعْل القراءة هو محاولة اِكتشافٍ وسعيٍ لاِمتلاك الحقّ في الفهم والتأويل، فإن التعليق على النص المقروء يظل أسيرا لما يسْمح لنا به الفهم وما تطيعنا فيه اللغة. ولذلك أنصح بقراءة نص رواية “زهرة الصبّار”، مع ضمان قدر من المتعة.

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

منبـ ... نار

الدين في جوهره ليس مادة للتندر، ولا منصة للتعالي… بل رسالة هدي ومواساة

نشرت

في

رضا الحديدي*:

المأساة تكمن في مشهد الأزمة الأخلاقية التي يعيشها الخطاب الديني حين تحول إلى استعراض لا يحمل من الدين إلا مظهره.

وحين نجد ظاهرة تغليف الخطاب الديني بالدراما والإثارة، وتختلط في حضوره الدعوة بالنكتة، والوعظ بالسخرية، والفتوى بالتجريح، نتساءل هل أصبح الداعية نجمًا ينافس نجوم الكوميديا؟ وحين نفقد الفرق بين الواعظ والمهرج، بين الحضور الروحي والعرض الدرامي وعندما تُقاس فاعلية الخطاب بعدد المشاهدات لا بعمق الأثر، فإننا لا نلوم الرمز وحده، بل نُدين ذائقة جماعية تسهم في خلقه وتغذي غروره.

لقد شكّل برنامج الداعية المثير للجدل الأخير، لحظة فاصلة في وعي الكثيرين، لما مثّله من انحدار في الذوق، والاحترام، والرسالة المفترضة . ان الرجل لا يفتقر إلى العلم، ولا إلى الشعبية. لكن المعضلة ليست في قدرته على جذب الانتباه، بل في طريقة تقديمه للدين كعرض سريع مختلط بالنقد اللاذع والتعالي أحيانًا.

حين يصبح الداعية محور الخطاب، لا الدين ذاته. فيتحدث من علٍ، ويصنف الناس بتعليقات تحمل في طياتها تهكمًا مبطنًا، وأحيانًا ازدراءً واضحًا، دون إدراك لوقع كلماته أو مدى تاثيرها علي الذوق العام وإيذائها له. تتحول فتاواه إلى مادة للسخرية،

هذا الأسلوب الذي يخطف الاهتمام، يخفي داخله أزمة عميقة: تغليب الشكل على الجوهر، والصوت المرتفع على العقل الهادئ. هذا التضخم لا يأتي من فراغ، بل من شعور داخلي بأن الجمهور سيظل في حالة تصفيق، حتى مع الانزلاق في الأسلوب، هنا نرى كيف تتحول الدعوة إلى عرض جماهيري، لا حوار روحاني.

السوشيال ميديا ضاعفت من حضور هذه النماذج ، لأنها تستهلك المحتوى المثير بسرعة، وتعيد نشره آلاف المرات، مما يغذي “شهوة الظهور” عند البعض ولم يكن في الحسبان السؤال هل هذا الخطاب يخدم الدين؟” بل : “هل يجذب الأرقام؟” وهنا تكمن الكارثة.

فالمعايير أصبحت ترند، مشاهدات، تفاعلا، لا محتوى أو تأثيرا حقيقيا. لكنها في الوقت نفسه، سرعان ما تنقلب عليهم. الجمهور الذي يرفعك في فيديو، قد يسحبك إلى القاع في هاشتاغ. ولأننا أدمنّا الترفيه باسم الدين، وتركنا الحكمة خلف الشاشات. تم تهميش القيم ، وإعلاء صوت من يجيدون “اللعب على الشاشة”، حتى لو كان الثمن تهشيم قيم أساسية.

لكن من الظلم تحميل الشخص وحده مسؤولية السقوط دون الحديث عن البيئة التي صنعته، مسرح التهليل و المنصات التي فتحت له الأبواب، رغم تكرار انزلاقاته اللفظية والسلوكية. ما حدث مع هذا الداعية هو مرآة لما يحدث في المجال العام . قلة في التفكير النقدي، وفائض في رد الفعل. لم يسقط الرجل لأن خصومه أسقطوه، بل لأن الحقيقة أسقطته. لأنه استهلك رصيده الأخلاقي على مدى سنوات، حتى جاء الانفجار.

إن الجمهور الذي لطالما ضحك أو صفّق، بدأ يرفض. وهنا يكمن الأمل. فهذا بحد ذاته بداية نهوض جماعي من سبات تقديس الشخصيات، واستعادة سلطة العقل.

لا يكفي أن نغضب بعد السقوط. الأهم هو أن نراجع المعايير التي تُبنى بها الرموز في حياتنا: من نمنحهم المنابر؟ وبأي خطاب نقبل؟ وما الذي نصمت عنه؟ وأن تكون القاعدة: من لا يقدر على تمثيل القيم، لا يحق له الحديث باسمها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أديبة مصرية

أكمل القراءة

منبـ ... نار

نحو مهرجانات صيفية… تكون قاطرة تنموية لامركزية

نشرت

في

منصف كريمي*

للمهرجانات الصيفية دور هام في المشهد الثقافي والسياحي الوطني والدولي، ومساهمة كبيرة في الحراك الاقتصادي كقاطرة للتنمية المستدامة بالجهات خاصة وعلى المستوى الوطني عامة.

ومن هنا بات الرهان عليها ضروريا بإرساء الحوكمة الرشيدة وحسن تسيير هذه المهرجانات إداريا وماليا ومن حيث برمجة ترتفع بالذوق العام وانطلاقا من أهداف تنظيم هذه المهرجانات ذات الصلة بترقية وتطوير الفنون وتشجيع الإبداع الفني والأدبي وتشجيع العمل الثقافي وتطويره وإثراء المنتج الفني وتنويعه والمحافظة على التراث الثقافي الوطني وتثمينه مع الصبغة الخصوصية المميّزة لها في البرمجة حسب خصوصيات الجهات ذات الطابع الفلاحي، الحدودي، السياحي، الأثري والايكولوجي مع الاشتغال على استغلال خصوصياتها ومميزاتها والعمل على استثمارها في إطار منهجية تهدف لخلق الثروة ومواطن الشغل كالتشجيع على ابتكار منتجات مستوحاة من هذه الخصوصيات أو التخصص في التراث الغذائي والترويج له أو استغلال المواد الغابية للترويج الثقافي للجهة أو العمل على تشجيع المنتجات الخصوصية والتعريف بها وتشجيع الزوار من خارج الجهة لزيارتها لارتباطها بهذه الخصوصيات ولتفردها بها خصوصا ان عديد المهرجانات متجاورة ومتزامنة دون ان تحتوي على أية خصوصية كانت.

فتكتفي هذه المهرجانات ببرمجة عروض فنية روتينية ذات طابع تجاري بناء على ما يطلبه الجمهور دون أي عمق او تفكير أو مضمون ثقافي فني يهدف للرقي بالذائقة الفنية وفقدان أي توجه نحو اٌستثمار خصوصيات المنطقة الثقافية والحضارية ودون توظيف للمهرجانات في ترويج الإنتاجات الفنية الناجحة الخاصة بالمؤسسات الثقافية بالجهات لتشجيعها على مواصلة العمل المتميز.

ولذا بات من الضروري والمؤكّد اليوم تحديد المهرجانات الممكن المحافظة عليها ودعمها بناء على معاينة شاملة تحدد احتياجات الجهات وأخذ قرارات جريئة قصد تغيير الواقع الثقافي نحو الأفضل كما ان الدعوة ملحّة إلى برمجة مبدعي الجهات من مختلف الفنون في هذه المهرجانات وإعطائهم الأولوية في البرامج على أن تكون هذه البرامج نموذجية نوعية وذات جودة وبعيدة على استنساخ نفسها بمهرجانات مماثلة مع عدم اقتصار البرمجة هذه على العروض الفنية وذلك من خلال إضفاء الصبغة الثقافية على برنامجها العام بتنظيم ندوات فكرية،أمسيات شعرية،عروض سينمائية،ورشات ومسابقات ثقافية وفكرية وأدبية…

ومن الضروري بلورة هذه المبادئ من خلال منشور من قبل وزارة الشؤون الثقافية وضمن دليل توجيهي حول تنظيم المهرجانات الصيفية يكون مرجعا للمشرفين على تنظيمها ولنجاح هذه التوجّهات وإسنادها وبحثا عن سبل تجاوز الصعوبات لا بدّ من تضافر الجهود بين مختلف الأطراف المعنية للنهوض بالمهرجانات الصيفية وتثمينها انطلاقا من أهمية دور الثقافة في بناء عقول سليمة وفكر مستنير.

وفي هذا الإطار من الضروري أن يكون العمل الثقافي عموما أفقيا لا عموديا بهدف إنصاف الجهات ودعم حقها في الفعل الثقافي باعتبار أن”اللامركزية الثقافية”هي توجه من أؤكّد توجهات وزارة الشؤون الثقافية التي من دورها لفائدة هيكلة المهرجانات الصيفية بعث نقطة قارّة ومخاطب وحيد للمؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات الفنية بالمندوبيات الجهوية للشؤون الثقافية توكل لها مهمّة تنسيق تنظيم المهرجانات الثقافية الكبرى وتمويلها على مدار السنة وبما يحقق مرونة التصرّف في العمل الثقافي تماشيا مع خصوصيّة القطاع وحينية عدد من الأنشطة والتّظاهرات على ان يسهر فريق عمل من إطارات المندوبيات الجهوية للشؤون الثقافية على تنظيم المهرجانات المرجعية على مدار السنة مع التركيز خاصة على مهرجان أو اثنين تبرز خيارات وزارة الشؤون الثقافية وتوجهاتها لخدمة الذوق العام.

ومن واجب هذه المهرجانات كذلك العمل على تطبيق توجّهات الدولة في خصوص الرقي بالذوق العام وذلك من خلال حرص الهياكل الادارية المشرفة على متابعة سير تنظيم المهرجانات الصيفية على التثبت مما يبرمج في هذه المهرجانات التي تدعمها وزارة الشؤون الثقافية بالحرص على أن لا تقدّم برامج ذات مضامين تسيء لسمعة الوزارة ومؤسساتها وبما يتنافى مع روح المهمة الثقافية المطلوب آداؤها مع أخذ كافة التدابير والقرارات اللازمة لمنع التجاوزات وممارسة صلاحيات إبداء الرأي في البرامج المنظمة واتخاذ كل الإجراءات الكفيلة برفع مستوى المضامين الثقافية التي يتم عرضها على الجماهير مع اقتراح رسم خطة لاستمرارية هذه التظاهرات الهامة بالاشتغال على مبدأ المشروع الثقافي الذي يستهدف جميع الفئات والمناطق الداخلية ويركّز على البرامج التي تربي النشئ على مقومات حضارتنا وعمقها التاريخي واتاحة الفرص لهم لمتابعة أبرز الإنتاجات الفنية الكلاسيكية من موسيقى سنفونية وأفلام سينمائية…الى جانب تجذير السلوكيات الثقافية لديهم بتعويدهم على زيارة المتاحف والمواقع الأثرية وتطوير ملكة القراءة لديهم ضمن برامج هذه المهرجانات.

تحويل مسرح البحر بطبرقة الى مركز ثقافي دولي:

بالنسبة الى المهرجانات الصيفية بولاية جندوبة كمثال من الضروري الاقرار ان هذه الولاية ذات طابع ريفي بامتياز حيث تتجاوز نسبة سكّانها بهذا الوسط 75./. وهي جهة حدودية في حاجة أكيدة إلى تفعيل المقاربة التشاركية الثقافية على مستوى الشريط الحدودي التونسي الجزائري وخاصة من خلال اضفاء البعد المغاربي على عدد من المهرجانات والتظاهرات الثقافية النموذجية بالجهة وبعث مسالك ثقافية مشتركة تخلق قطبا ثقافيا حدوديا و تثمّن العمق التاريخي والأثري والتراثي المشترك وبما يدعم البرامج الوطنية للسياحة الثقافية والسياحة البديلة ويشجّع على الاستثمار في الثقافة بالمراهنة على الصناعات الثقافية والاهتمام أكثر بالتراث الثقافي المادي وغير المادي.

وللغرض لا بدّ من اعادة هيكلة النشاط الثقافي عموما بهذه الجهة وخاصة مهرجاناتها الصيفية وفق خيارات وزارة الشؤون الثقافية ووفقا لمقتضيات الدستور ومبادئه وهو ما يحتاج إلى مزيد الهيكلة من خلال خاصة تعزيز البنية التحتية الثقافية والبرامج التنشيطية التي تتوجّه إلى الوسط الريفي مع حسن توظيف المكتسبات الثقافية بالجهة وخاصة مسرح البحر بطبرقة الذي آن الآوان برمجة تحويله وضمن مخططات التنمية الجهوية والوطنية إلى مركز ثقافي دولي ومن خلال بعث اقامات فنية ويمكن الانطلاق مبدئيا في بعث وحدة تصرّف حسب الأهداف من الآنم توكل لها هذه المهمة خصوصا ان الجهة تعاني نقصا في الفضاءات الثقافية ومسارح هواء الطلق وضعفا في الإقبال على الاستثمار الثقافي من قبل القطاع الخاص ذلك ان الاستشهار غير مفعّل بالجهة بسبب ضعف مبادرات أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين لدعم الأنشطة الثقافية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*رئيس خلية المهرجانات الصيفية بجندوبة

أكمل القراءة

منبـ ... نار

حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما

… ، أو الكنز المنهوب

نشرت

في

علي بن عمر*

متأكد أنّه ياسر ناس و كنت مثلهم ما يعرفوش إنّ طبرقة هي ثاني مدينة عالمية معروفة بالمرجان، وأنّ تونس من أكبر مصدري المرجان الخام في العالم، وأنّ المرجان الأحمر المستخرج في عرض المنطقة الممتدة من بنزرت حتى منطقة القالة وعنابة بالجزائر هو أجود مرجان والأكثر الشهرة في العالم.

و هكّا نفهم علاش طبرقة عرفت بعاصمة المرجان وتعيش على وقع المرجان وكلّ شيء فيها مرجان… من ساحة المرجان لنزل المرجان ومقهى المرجان وبار المرجان وبائعي حلي المرجان وحرفيي المرجان والمرجان الرياضي بطبرقة.

التّوانسه عرفوا المرجان منذ القدم و كان موجود في الحلي الخواتم و القلائد والخرص والخمسه والحوته وقرن غزال زادوه الاسماك والورد والسبحه والمشموم … صائغو جزيرة جربة و مدينة المكنين و بعض المدن الأخرى يمزجوا الفضة مع المرجان .

لكن اشكون أول مركز لمعالجة و تجارة المرجان في العالم ؟؟؟

هي مدينة ” توري دل غريكو ” وهي قريبة من مدينة نابولي الإيطالية .

هي المركز الرئيسي لتجارة المرجان في العالم إنتاجها يصدّر إلى الهند والصين وباكستان والولايات المتحدة وكلّ الدول الاوروبية .

*المعضلة و السؤال !!!

إيطاليا منعت إستخراج المرجان من عديد المناطق بها منذ 50 سنة وبالتّالي منين يجي المرجان لمدينة توري دل غريكو ؟؟؟

من غير ما تكسّر راسك ! هو مرجان تونس و الجزائر … المرجان الأحمر الملكي

المرجان الأحمر التونسي ( و الجزائري ) عالي الجودة يستعمل في المجوهرات النفيسة والحلي وأدوات الزينة و في مستحضرات التجميل و منذ بضع سنوات في الأغراض الطبية , عديد المخابر العالمية الكبرى أصبحت تهتم بإستعمال المرجان الذي يحتوي على جزيئات مضادة للإلتهابات و الفيروسات و البكتريات والأورام وتستعمل كذلك في علاج مرض ألزهايمر و أمراض القلب و تجديد العظام … هو إذن مادة نادرة و مطلوبة جدّا … منظمة التغذية و الزراعة FAO تقول انّ نصف الشعاب المرجانية في العالم أستنزفت !

* شويّة تاريخ لكي نفهم نهب المرجان الأحمر

التّواجد الأجنبي بشكله الإستعماري الناهب للخيرات بدا منذ أواسط القرن 15 حيث منح السلطان الحفصي سنة 1446 ترخيص للتّاجر الكتالوني Raphael Vives لاحتكار تجارة المرجان من طبرقة و ذلك حتى سنة 1451 … عام 1543 السلطان الحفصي سلّم في منطقة طبرقة للإسبان مقابل إطلاق سراح القرصان التركي درغوث , شارلكان سلّم طبرقة لعائلتي غريمالدي و لوميليني من جنوة و أعطاهم احتكار جمع المرجان في مياهها وقامت العائلتين بالتّوسع في ما يشبه المستوطنة كان عدد سكانها ما بين 1500 و 2000 ساكن… وعلاوة على إستخراج المرجان و تصديره لإيطاليا قامت بتصدير رخام شمتو و الحبوب و زيت الزيتون و الخفّاف والغلال في سنة 1741 إسترجعها الباي و في سنة 1781 سلّمها الباي لشركة فرنسية Compagnie Royale d’Afrique و التي واصلت نهب المرجان و تصديره نحو مرسيليا و إيطاليا

ما هو سعر المرجان؟… كيلو المرجان الأحمر يقدر حسب الجودة من 4.5 إلى 6 ألاف دولار أي ما بين 15 و 20 أف دينار للكيلو !!!

و تونس قدّاش تنتج و قدّاش تصدّر و قدّاش مداخيلها من المرجان ؟؟؟

لهنا الأمور لا تخضع للمنطق و لا للحساب !!! … تبعني

تدخل لموقع المعهد الوطني للإحصاء تلقى الإنتاج في السنوات الاخيرة لا يتعدى 8 طن و وصل في بعض السنوات الى 2 طن والمداخيل كانت في حدود 17 مليون دينار !!!

و لما تجي تفهم تدوخ !!! مصادر موثوقة، الإدارة العامة للصيد البحري والديوانة و تقارير إعلامية، تتحدّث عن تهريب 180 طن سنويا من تونس ولما تتابع عمليات الحجز و بإمكانكم التثبّت من ذلك على غوغل، ما ثمّاش اسبوع يمرّ بدون حجز كميات من المرجان في طبرقة و المناطق القريبة منها وفي بنزرت وعلى الطريق السيّارة تونس بوسالم وفي الموانئ والمطارات وفيها كميات بمئات الكلغ، والغريب أنّ هذه المصادر تقدّر ب 1 % حجم الحجوزات من الكميات المهرّبة … إذن هي تجارة فيها ألاف المليارات و الدولة يوصللها منها يادوبك 17 م د، هاذي ما تجيش ثمن شحنة واحدة !!!

و تعرفوش قدّاش من مركب عنده ترخيص في صيد المرجان ؟؟ هي 6 فقط والقانون التونسي يمنع على كلّ مركب جمع أكثر من 2 كغ في اليوم طيلة موسم المرجان من شهر جوان لشهر اكتوبر، ويتمّ ذلك عن طريق الغوص فقط. إذن منين تجي الكميات المصرّح بها و الكميّات المهربة عبر تونس ؟؟؟

هذه الكميات تأتي من مراكب صيد غير مرخص لها تعمل في جمع المرجان بطرق غير قانونية و منها طريقة الجرف بالمحراث التي تتسبب في اتلاف النباتات البحرية و الشعاب المرجانية و تحدث اختلالا في البيئة البحرية و سلسلة الغذاء و التكاثر بها… للعلم المرجان ينمو بـ 1 أو 2 ملم في السنة أي أن تجديد الدورة الزمنية للمرجان تدوم بين 20 و 30 سنة ! و للعلم الجزائر منعت جمع المرجان في مياهها طيلة 20 سنة من 2001 إلى 2021 وللعلم كذلك كان المرجان يجمع من عمق 50 و 60 مترا لكن اليوم يستخرج من أعماق تصل إلى 150 م، مما يعني اللجوء إلى غطّاسين محترفين و قوارير هليوكس غالية الثمن ولباس غطّاس خاص وشباك جمع المرجان و قوارب سريعة بمحركات قويّة… و هذا ما ينجّم يكون كان شغل ناس قويّة و ما ينجّم ينتج عنه كان جمع كميات كبيرة لتعويض المصاريف…و هذا يحيل إلى مزيد إستنزاف الشعاب المرجانية وإلى عصابات التهريب…

وبالفعل عديد القضايا تمّ البتّ فيها في تونس ضد عصابات فيها توانسة و طلاين و إسبان وعدد آخر مازال جاري النظر فيها و البعض يتحدّث عن منح تراخيص وهمية لتجارة المرجان لبعض المسؤولين و تورّط بعض الكبارات منهم شقيق رئيس حكومة سابق… و تعرفوش اشنيّه العقوبات لمجرمي إستنزاف ثروة المرجان ؟؟؟ الموضوع ينظمه القانون عدد 89 لسنة 2005 المتعلّق بتنظيم أنشطة الغوص و العقوبات هي السجن من 16 يوما إلى سنة واحدة وخطيّة مالية من 100 إلى 500 دينار أو العقوبتان معا .

* و النتيجة !!!

ثروة طبيعية تستنزف لصالح الطلاين و مداخيل للدولة عبارة عن فتات و كذلك تراجع قطاع الصناعات التقليدية في مادة المرجان… عدد الحرفيين و الشركات نزل إلى الربع في ظرف 10 سنوات و عددهم في تقلّص مستمرّ و السبب أنّهم غير قادرين على إقتناء المرجان بأسعار عالية جدّا… هو قطاع يحتضر في حين لو يتمّ القضاء على التّهريب فإنّه يكون قادرا على توفير قيمة مضافة عالية و تصدير كميات كبيرة وتوفير مواطن شغل في الورشات و محلات الترويج …

إستنزاف في تونس و طفرة مزدهرة في إيطاليا وتناقض صارخ بين عائدات الدولة الهزيلة واندثار قطاع الحرف المرتبطة بالمرجان في تونس، وتربّح و تمعّش عصابات المهربين ومساعديهم … وقتاش تاقف الدّولة ضد العصابات ؟؟؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*متفقد سابق بوزارة الصحة العمومية

أكمل القراءة

صن نار