جور نار
ورقات يتيم … الورقة 50
نشرت
قبل 5 أشهرفي
عبد الكريم قطاطة:
حطّت طائرة العودة بمطار تونس قرطاج …كان امامي وقتها خياران اثنان اوّلهما ان ابقى بالعاصمة يوما وليلة مع شلّة نهج كندا …وثانيهما ان اغادر توّا الى صفاقس …
للامانة اشتقت الى اصدقاء شلّة نهج كندا …تقاسمنا ونحن نقطن نفس الشقة اجمل ايامي في تونس العاصمة … السكنى عادة مع اكثر من ثنائي يكون فيها احدهم الذي لم يسعفه القدر … “الحاطوطية” بمفهوم لعبة الخذروف .. اي ذلك الخذروف اللّي ياكل على راسو من التهرتيك … هذه اللفظة في لعبة الخذروف تعني وضع خذروف احدهم في قلب دائرة اللعبة والجميع يهوون عليه نقرا وخبطا …فيخرج من الدائرة “مدمدم” وحديثنا قياس ..مسكين اللي يطيح بين ايدينا ..ياكل ما كلا الطبل ليلة العرس … يصبح كاراكوز الشقة … وللامانة كنّا على قدر كبير من البلادة والمساطة ..خاصّة انا ورضا صديق عمري .. والجميل اننا رغم اننا كنّا نشيّطو على اللّي نتراكاوه، فاننا كنّا نحظى دوما بعلاقات في منتهى الجمال والصفاء مع كل شركائنا في ايّ مسكن تقاسمناه..
اذكر واقعة هامّة حدثت مع صديق من افضل الناس … صديقنا هذا تعلّق بامرأة متزوجة وبشكل مجنون …لم يعرف في الدنيا سواها لا جسدا ولا روحا ..هو ليس فقط “ممحون بخزرة عينيها” بل مهبول حتّى بقيعان ساقيها … كنّا في البداية نحترم جدا هذا الاخلاص والحب الجارف الذي يعيشه صديقنا ومن اجل ذلك كنّا كل عشيّة سبت نُخلي له الشقة ونتركه مع حبيبته ومع ام كلثوم ..هو يعشق اغنية انا في انتظارك ويُعدّ كاسيتها لتكون الاغنية المرافقة لهما اسبوعيا ..وهنا في هذا الباب لابدّ من الاشارة الى التنسيق الكامل الذي كان يسود متساكني الشقّة في كونديكتار الاسبوع .. فاذا كان خطّ التحرير يسمح ببرامج جماعية من نوع كلّ واحد وليلاه (واحيانا واعلجيّتاه، لا اشكال) ..اما اذا كانت البرامج ثنائية اي كوبل فآنذاك لن يُسمح لأيّ كان بالتواجد في الشقّة… وعلى ذكر كلمة “كوبل” كثيرا ما تُستعمل هذه اللفظة في غير محلّها عند شبابنا المثقّف بلغة العصر ..تدخل على حسابه او حسابها فاذا بك تقرأ في المعلومات الشخصية عبارة (اون كوبل) وماشي في بالهم انهم في صداقة مع طرف اخر ..يا شباب العّلى… العبارة تعني اثنين يعيشان معا كزوجين دون وثيقة رسمية، دون عقد قران … او تلك النوعية التي تريد ان تعبّر عن قلقها من وضع البلاد فتقول: J’ai le mal du pays … يا شباب الدمّار والميزيريا ..تلك العبارة تُطلق فقط على من يعيش غربة الوطن ويشعر بالحنين الجارف له …..عالم صايع قوي …
صديقنا هذا تورّط بشكل مدمن في علاقته بتلك المرأة ..لا يرى الدنيا الا من خلال عينيها ..لا جمال عنده يساوي فلسا امام جمالها امام سفساريها ..وبدأت انا ورضا نتساءل: اش عجبو فيها ..؟؟ كانت جد متواضعة الجمال .. ولكن عدنا الى قاعدة “خوذو عيني شوفو بيها”… كانت تكبره ب15 سنة … ولكن متى كانت المشاعر تُقاس بالسنوات وفارق العمر ..؟؟… الا انّ ما شغل بالنا وقتها سؤال مُلحّ: (وبعد ..؟؟؟) هو ينتمي الى عائلة يصفها البعض بـ”كبيرة” وهي على خطوات من الخمسين عمرا ولها 5 اطفال … اذن وبعد؟؟؟ العمر يتقدّم بصديقنا إذ تجاوز الثلاثين …الى اين ؟؟ قررنا انا ورضا ان نتطارح معه الموضوع علّنا نجد اجابة عن (وبعد) وكان طرحنا هادئا رصينا وبكل حبّ لهذا الصديق العزيز …كان طرح الموضوع مفاجئا جدّا له بل قابله بقلق يصل الى حد الانزعاج ..لم يجرؤ على القول (اش يهمّكم) ولكن نظرة عينيه الى الاسفل قالتها ..لم يجب عن سؤالنا … اعدنا طرح السؤال بشكل مغاير: يخخي تفكّر في انّك ترتبط بيها ..؟؟ سؤالنا حمل نوعين من المشاعر اوّلهما قناعتنا انذاك ولحد يوم الناس هذا بأن الحب من اسمى ما خُلق في الحياة ..لذلك احترمنا ذلك الحب ..وثانيهما ماهي الحلول الاخرى التي يفكّر فيها؟ …
صديقنا لم يكن معنا ..بل لم نستطع حتى فهم اين ذهب … نظراته شاردة لا بريق فيها ولا حياة …مسكته من كتفه وقلت: يا سيّد رحنا نكلمو فيك انطق .. أخذ يدي بلطفه المعهود وسحبها من على كتفه وقال كلمة واحدة: ما نعرفش ..قام بعدها الى حجرته كالجندي المهزوم …كورقة توت تهاوت من شجرتها ..كان يجرّ رجليه بل هما اللتان كانتا تجرّانه .. كان الموجوع والمُحبّ والتائه والمكلوم .. عشنا تلك اللحظة نحن كذلك بكثير من الوجع والالم والتّيه … تبادلنا نظرة وقلت لرضا صديقي: “يمّة على خونا فلان …يجب ان نفعل شيئا ما” …عزمنا على الخروج لنتدبّر الامر بكلّ جدّية ..صديقنا في حاجة الينا وحان الامر للتدخّل ..مررنا على غرفته ونحن نعتزم الخروج فاذا به في فرشو مغطّي من راسو لساسو… ذلك المشهد زاد فينا اصرارا على التشبث بـ(زايد يلزمنا ننقذوه) ….في مثل هذه الامور كنت غالبا العقل المدبّر … في الايجابي وفي المقالب ايضا …انتحينا مكانا في مقهى شعبي بلافايات وبدانا تدارس الحالة …كنت ابحث عن حل جذري لمشكلة صديقي المسكين … ولم يطل انتظار رضا …بادرته بالقول: “تلك المرأة يجب ان تخرج من حياة صاحبنا ..هو لا يفكّر في الارتباط بها ..اذن يجب ان تخرج من حياته” ..لكزني رضا ببعض الشتائم ثم اضاف: “جبت الصيد من وذنو توّة، هذا نعرفوه اش جبت جديد ؟؟؟” … نظرت اليه بسخرية ورددتها عليه واستطعت قائلا: “اسكت واسمعني يا بهيم” … “ايّا هات اش عندك يا سي البغل” … هكذا ردّها عليّ …
اخذت نفسا عميقا من سيجارتي المنته رافقتها كعادتي كعبة الحلوى الفليّو انذاك والتي تحوّلت الى حلوى ابلا الان … وبدات اسرد حيثيات السيناريو: “اسمعني مليح …يوم السبت المقبل وعند مغادرة تلك السيدة الشقة سنتبعها لنكتشف محلّ سكناها ثم نعود ..في السبت الذي يليه ستجدنا امام منزلها وسنهدّدها بكشف سرّها لزوجها ان هي واصلت علاقتها مع صديقنا …وبعدها نرى ردّة فعلها امام تهديدنا وعلى ضوء ذلك نتصرّف” … واضفت: “فهمت يا سي الجحش؟”… طأطأ رضا راسه وقال: “يخلي دار امّك كيفاش لقيتها، فكرة جهنّمية !” …وكان ذلك …كان … نعم كان …لأني عندما اقرّر شيئا ما او اعد بشيء ما، اقول دوما ..سيكون …
بعد اسبوعين وبعد اكتشاف عنوانها وجدتنا قرب منزلها ..رحّبت بنا بكل سرور مندهشة من وجودنا .قالت: كيف السبّة انتوما هنا …راكم في حومتي ..؟؟”… لم نردّ على سؤالها ..كنّا متاهّبين لمعركة ..والمعارك عادة لا تحتاج الى مقدّمات او اطباق لفتح الشهيّة ..لم نكن يومها في حاجة الى سلايط لخوض المعركة ..كان الحوار مُلخّصا في قراءة نصّ حكم … الحكم مشاعريّا كم هو قاس، ولكن في المعارك، الرحمة لا … امّا ان تقتل او تُقتل … قلت لها باسلوب لا مجال فيه للحوار او النقاش …هو للتنفيذ فقط: “اسمع يا بنت الناس فلان يلزمو يخرج من حياتك …عشتو مع بعضكم سنوات جميلة نعم ولكن صار الوقت اللي كل واحد يشدّ طريقو …كان تحبّو بالحق خليه يبعد عليك وتبعد عليه… يلزمو ياخو ويكوّن اسرة …ترضالو في العمر هذا يقعد هكك؟ ..ما تعرفش انو الارتباط بيك حاجة مستحيلة؟ تنجم انتي تسلّم في صغارك الخمسة ؟؟.. كان تنجّم قللّي اذن هو اليوم هو غدوة ..وكان عندك حلّ اخر قللّي” …
لم تردّ بحرف واحد .. لم اترك لها المجال كي تأخذ جرعة اوكسيجين … واصلت الانقضاض… قلت لها: “كلامي معقول والاّ لا ؟؟؟”…لم تردّ ..”كان انا ظالمك قللّي” ..واصلت صمتها ..وقتها كان احساسي بأني نجحت في الاجهاز عليها وربحت المعركة ..وضعت يدي على كتفها وقلت: “شوف يا للاّ اذا مازلت تجي لفلان والاّ تحاول تتّصل بيه راهو المرة الجاية ما نجيشكش انا … راني نكلف حد باش يقول لراجلك وين تمشي كل عشيّة سبت… ما نحبلكش المضرّة لا ليك ولا ليه اما ما تلزّنيش … افهم كلامي بالڨدا وراني مانيش نفدلك ..تصبح على خير” … صدقا داخلي كان يقول: مااخيبك يا عبدالكريم علاش عملت هكّة …؟؟ … انت الذي تقدّس الحبّ والمحبين ..كيف لك ان تقتل عصفورين متحابّين .؟؟… ماذا فعلت بناسك متعبد في هيكل الحب ..؟؟؟ كم انت بشع وانت ترى امرأة تبكي بحرقة دون ان تذرف دمعة واحدة …؟؟؟ ما ابشع ان يبكي الواحد منّا دون ان يذرف دمعة واحدة ..وما اروع شهيّة البكاء عندما نفتح لها مصاريع ابوابها …هل جربّتم تسونامي البكاء وهو ينهمر كشلالات نياغارا ..صدقا كم اعشق ذاتي وانا على قبر عيادة في جلّ زياراتي لها متشوّقا باكيا الى حد الثُّمالة ….ياااااااااااااااااااااااااااااااااه “بجنّن” وانا كطفل صغير يبكي على صدر امّه حتّى وهي في قبرها …
كانت تلك مشاعري كانسان وانا اودّع تلك المرأة … ولكن صوت عقلي كان يقول: حسنا فعلت ..لانه لا اجابة عن (الى اين؟) …ربّما كنت اواسي نفسي بالقول: “انا اعطيتها فرصتها لحلول اخرى”… ولكنّها عبّرت بصمتها عن عدميّة حلول اخرى ..اما بالنسبة لصديقنا فكان الامر مختلفا … نجحت خطتنا في ابعادها عن دائرته واعرف انه سيتدمّر عندما يعرف الحقيقة… ولكن ابدا ان يكون الدّمار خاليا من امل في اعادة البناء … كنّا ننتظر بكثير من الخوف والريبة يوم السبت …وكعادته استعد لاستقبال حبيبته بنفس الديكور… ديكور حبّه وهيامه وديكور ام كلثوم وانااااااااااااااااااااااااااا في انتظارك ..كنت انظر اليه انا ورضا وكان كلانا يستمع الى الست ويردّد: ونحن في انتظار من صنف آخر ..؟؟ هل سيغضب منّا صديقنا لو علم بسيناريو المؤامرة ..؟؟ من منهما سيكون الضحية في تيتانيك ..؟؟ روز في ذلك الفيلم الرهيب نجت لأن جاك ضحّى بحياته من اجل ان تعيش روز ..فهل تضحّي فلانة من اجل ان يعيش صديقنا ..؟؟
لم نستطع صدقا يومها ان نواكب انتظاره ….قلقه … .هواجسه …ابتعدنا قليلا عن شقتنا بنهج كندا ولكن في موقع يضمن لنا مراقبة زوار العمارة… كنّا كعونين سريين نراقب وصول ارهابي لمسرح التفجير …يااااااااااااااااااااااااااااه لم تات الخليلة …ومع ميلان اشعة شمس العشية لمبارحة السماء، هاهو صديقنا يخرج من باب العمارة … اسرعنا الاختفاء حتّى لا يرانا ..وحتّى لا نراه ايضا ..كنّا مبتهجين بانتصار الخطّة نعم ولكن كنّا نعيش كمّا مهولا من الشفقة على صديقنا …يومها كنا نعرف انه سيهاتفها آلاف المرّات… ولكن لم نكن ندري هل استجابت لهاتفه او ردّ عليه ذلك الصوت الناعم عادة والمدمّر احيانا الى حد القرف والذي يصفعك وصاحبته تقول (لا يمكن الاستجابة لطلبكم ..الرقم المطلوب ليس في وضع اشتغال في الوقت الحاضر، الرجاء اعادة الطلب في وقت لاحق)… وهات من هاكة اللاوي متاعهم ..اوريدو على اورونج على تليكوم “معشر سُرّاق”… الم يكن كافيا ان ياتيك ذلك الصوت باوجز العبارات من فصيلة (مخاطبكم مشغول)؟؟؟ لازم هاكة الكتاب تقراوه علينا باش تربحوا فينا …؟؟ الله لا تربّحكم على بعضكم يا سُرّاق يا قُطعية … في بلاد اتّملات بالسرّاق والقطعيّة …وزيد عاد هاكة البونيس يتصبّ توّة يوفى توّة … تحبّوني نعاودها ..؟؟؟ برّاو الله لا تربّحكم (ونزيدهم بونيس من عندي) لادنيا ولا اخرة …
يومها وعندما عاد صديقنا الى الشقة كان الانكسار بعينه … كان وكأنه ما كان …سالته دون ان انظر اليه خوفا من اكتشاف امري: “اشبيك موش قد بعضك؟” …صمت ثم اجاب بصوت غير مسموع بالمرّة: “فلانة لم تات وهاتفها لا يردّ” ..سمعته حتى وهو يحكي بصوت غير مسموع …اجبت وانا ادير له ظهري: “ربّما ظروفها ما سمحتلهاش” ..رد باقتضاب: “عمرها ما عملتها” …حاولتُ تمييع القضية على منبر الامم المتحدة وانا انظر إليه بكل براءة الذئب الخبيث وقلت: “عاد اشبيه الليلة انزل على الكسكسي من غير لحم” …لم يعبأ بفذلكتي البايخة وحمل نفسه الى غرفته، لينام دون ان ينام ودون حتّى كسكسي …
وتكرّر الامر في السبت الموالي ..وتكررت مشاهد الانكسار والوجيعة والالم عند صديقنا وتاكّد انتصارنا في الفصل الاوّل من المعركة …والان كيف يمكن لنا ان نُنهي القضيّة مع صديقنا ..؟؟ رضا ارتأى ان نترك الأمور للايام مختصرا في (يكبر وينسى)… الاّ انّي لم اتعود في تعاملي مع اصدقائي على الخديعة والصمت عليها …فبقدر ايماني بوجوب ما قررت ان يكون، بقدر رفضي المطلق ان اُخفي عن صديقي كل ما حدث حتى لو خسرته ..ربّما ايضا هي قناعتي الدائمة بأن طيّ الملفّات دون مكاشفة حقيقية من ارذل المخادعات… ثمّ أيضا غروري النرجسي الذي يقول ستنتصر ما دمت شفافا نزيها …واعيا بعمق ما تفعل …وقررت مكاشفته بكل ما حدث اي بمؤامرتنا انا ورضا … دعوته الى ترشف قهوة معا بعد انتهاء عمله المرموق في احدى المؤسسات المرموقة، لامر هام يخصّه ..وحضر ورويت له كلّ تفاصيل التفاصيل …نهض من مجلسنا بالمقهى وغادر دون ايّ رد فعل ..لكن اساريره كانت توحي بغضب شديد وبالم كبير …كان رضا يردد: “قلتلك يا غفاص خللي الامور تمشي بطبيعتها ..يعجبك توة اللي عملتو؟” … لكن بعنادي وغروري كنت واثقا من أني فعلت ما يجب فعله …
اتممنا قهوتنا وعدنا الى الشقة ….لم نجد صديقنا …عاد الى البيت ونحن نيام وخرج ونحن نيام ..طبيعة عملي تسمح لي بأن اكون من قبيلة آل نعاس …ذهبنا اليه في مقرّ عمله … رفض استقبالنا …انتظرناه حتى يخرج وقت الغداء فخرج من الباب الخلفي (موش كان سي العريض طلع يستنى فيهم من قدام جاوه من تالي ..الفارق انو احنا ما عندناش الاستخبارات اللي عندو …شفتو البهايم قداش يحسبونا بهايم ..؟؟؟)… انتظرنا عودته ليلا… لم يعد …في الغد اكتشفنا انه انتقل بالسكنى الى شقة اخرى لاحد اصدقائنا …هذا يعني القطيعة ….ويعيد سي رضا صديقي نفس الاسطوانة (عجبك؟…حتى يصل بي الى ما نتُن من شتائم وسباب)… ولأني من مخلوقات الله التي جُبلت على الصبر وبكل برودة دم لم تكن تمسّني شتيمته بقدر ما كنت افكّر في صديقي الآخر الذي سيضيع نفسه، وسيضيع منّا ايضا …وقررت ان انهض باكرا ذات يوم وان العن النعاس وان انتصب امام مؤسسته كالقدر المحتوم كالقضاء …وهاهو ..وقفت امامه ومنعته من مواصلة السير وقلت: “انا خوك يا فلان …خوك راني موش عدوك …وعلى خاطر نحبّك كان يلزم نعمل هكاك …مانيش خوانجي… مانيش شرّير وانتي تعرف هذا …نحبك تفيق على روحك … نحبك تعرف انك معاها في طريق مسدود …كان عندك حل اخر قللي وانا نمشي توّ نجيبهالك …قللّي وما تسكتش عليّ”…
و انهرت بكاء بكيت بكلّ حرقة …بكيت بصدق الدنيا لصديق كانت تقول عنه عيّادة (هاكة سيدكم الكل)… وهل يّفتى في الاصدقاء وفيهم عيّادة؟؟ … عندما بكيت عانقني صديقي بكل حنّية وكانت تلك الحركة الرائعة … تفطنتم لها ..؟؟ نعم انّها الطبطبة … ولمّا واصلت نشيجي وانا نتشلهق …وقتها سمعت صوته الذي لم استمع اليه منذ ثلاثة ايّام وهو يقول: “حتّى انا خوك ..اما حقّك قلتلي” ..مسكته من اعلى ذراعيه وقلت: “تحّب تضرب اضرب… تحبّ تسبّ سبّ” .. ولم يتركني اتمّ كلامي حيث وبابتسامة صغرونة جدا ولكنّها صادقة اوقف الديسكور بقوله: “اش فيك ما يتضرب …زوز اعواد يتحرّكو” …عانقته من جديد وقلت له: “زوز اعواد يتحرّكو صحيح اما يفعلو” … وكبرت ابتسامته هذه المرة وقال: “نروّحو هالويكاند لصفاقس؟” ..قلتلو نمشي معاك لجهنّم …
تفارقنا على امل اللقاء وقت تناول الغداء في المنزل… مسحت بقايا الدموع من عينيّ وكم وجدتني وقتها في حاجة لأن أرقص… أن أغنّي… أن أصيح… وأن أقول لصديقي رضا: شُفي صديقنا فلان يا بهيم… نعم كانت تلك التجربة عندي بمثابة الشفاء من مفترق طرق… وفي مفترق ازقة مطار قرطاج يوم عودتي من باريس كانت هنالك شقة نهج كندا بألف حكاية وحكاية… وكانت ايضا دار التلفزة التونسية وعديد الزملاء الاعزاء على قلبي… وفي بُقيعة صغيرة من ساقية الدائر كان هنالك شلّة وخطيبة وكانت عائلة وكانت عيّادة… ومن كان يستطيع ان ينافسها على ايّ اختيار…؟؟؟ من يجرؤ …؟؟؟؟ عذرا ايّها الوافي… جئت متأخرا جدا… لأن من يجرؤ هي ملكية ادبية تاريخية تخصّ عيّادة وكلّ من يعرف عيّادة في حياتها الاولى أو في حياتها الثانية وهي في برجها القبري الجميل… من يجرؤ وانا في مطار تونس قرطاج.ان يناقش في مسلكي وطريقي وشوقي لن يكون الا لعيّادة؟؟؟؟ …
ـ يتبع ـ
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
الميدان التليفزيوني عشت فيه تجارب اخرى احداها مع الزميلة جميلة بالي كمخرج لبرنامجها البيت السعيد …والسيدة جميلة بالي هي بالنسبة لي من افضل من قدم هذه النوعية من البرامج والتي تهتم بالاسرة وبالبيت …
حضورها تلفزيا كان دافئا وثقافتها بكل ما يهم الاسرة والبيت شاسعة… لذلك حرصت كمخرج ان اوظّف الديكور والاضواء وزوايا التصوير لابرازها بمواصفاتها… تجربة اخرى اعتز بها بل واعتبرها من افضل تجاربي كمخرج تلفزي… انها منوعة قناديل … هي منوعة ثقافية بالاساس اجتمعت فيها عناصر عديدة لتؤسس لنجاحها لدى المشاهدين… تلك العناصر تمثلت اوّلا في حذق منشطتها الزميلة ابتسام المكوّر وجديتها وعمق خزانها الثقافي… ابتسام بالنسبة لي وفي ذلك الزمن كانت تمثل واحدة من افضل المنشطات اذاعيا وتلفزيا، هي وهالة الركبي… حضور متميز… ثقافة واسعة… وقدرة فائقة على التحاور…
العنصر الثاني تمثّل في مشاركة الاستاذ رضا بسباس في الانتاج اوّلا وفي تناول الموضوع المقترح لكلّ حلقة… وما ميّز الزميل رضا بسباس البحث في جوانب طريفة عبر العديد مما كُتب في الموضوع وعبر الامثال الشعبية لنفس الغرض… العنصر الثالث وهو من العناصر التي اعطت رونقا خاصا لبرنامج قناديل والمتمثل في تكفّل الزميل والصديق محمد العود رحمه الله بالجانب الموسيقي للبرنامج… محمد رحمه الله كان شديد الحرص على الانتقاء الجيد لنوعية الاغاني الخالدة واعادة توزيعها، و على اختيار الاصوات المؤدية لتلك الاغاني… محمد رحمه الله كان من الفنانين القلائل الذين لا عاطفة لهم في اختياراته وهو كسمّيع جيّد للعزف والتنفيذ صعب المراس… لذلك جاءت نتيجة تفانيه في عمله موسيقيا جيّدة للغاية…
وحرصت من جانبي على ان اتماهى مع هذه المجموعة لاخرج برنامج قناديل في حلّة جميلة… وهنا لابدّ من تحية الفنان الاستاد لمجد جبير الذي تكفل بصنع الديكور كاوّل تجربه له في الميدان التلفزي… والزميل نورالدين بوصباح كمدير للاضاءة وكافة الفريق التقني الذي عمل معي بكل حبّ وجهد … البرنامج لقي صدى ممتازا لدى السادة المشاهدين مما جعل بعض التلفزات العربية (كالـ”ام بي سي”) تفكّر في شرائه… هكذا قيل لنا والله اعلم….
نهاية برنامج قناديل لم تكن سارّة بالمرّة … نعم … وهاكم الاسباب… انا وابتسام كنا ومازلنا صديقين علاوة على الزمالة …ربما لاننا نشترك في خاصيات عديدة في شخصيتينا ..ومن ضمنها النرجسية …اي نعم .. اليس كذلك يا ابتسام ؟؟… من هذه الزاوية ابتسام كانت حريصة جدا على انتاج حلقات قناديل في موعدها وهي مُحقّة في ذلك …لكن وبقدر حرصي كذلك وعلى امتداد حلقات عديدة كي انجز تلك الحلقات اخراجا ومونتاجا وميكساجا، بقدر ايماني بانّ عملي يدخل في خانة الفنّ وليس في خانة الوظيفة .. والفنان بالنسبة لي قد تعتريه اوقات يجد فيها نفسه غير مؤهل للعمل …فيؤجل القيام بعمله لايام افضل …حدث هذا الامر مرة واحدة لم استطع فيها القيام بواجبي لاحضار الحلقة في موعدها ..هنا ثارت ثائرة ابتسام ولم تقبل بالامر …وكعادتها عندما تكون غاضبة زمجرت في وجهي وبكلّ حدّة …
ولانّ نرجسيتي لا تقلّ عن نرجسيتها ..رفضت زمجرتها وبكلّ حدّة ايضا وقلت لها (مانيش صوينع نخدم عندك) وانسحبت من اخراج البرنامج …وطبعا كان موقفها (محسوب كان انسحبت توة نعيّط لسي بوبكر) وهي تعني الزميل بوبكر العش رحمه الله… و(طززز فيك) .. هي لم تقلها للامانة طززز فيك ولكن ذاك كان موقفها ضمنيا …وفعلا اخذ زميلي العش على عاتقه مهمة اخراج قناديل بتصور اخر وديكور اخر …لكنّ التجربة لم تعمّر كثيرا ..ليس قدحا في امكانيات المرحوم ابو بكر بل ولانّي اعرفهما بعمق كنت واثقا انّ التناغم بينهما لن يكون في اوجه ….
تجربتي الثالثة في الميدان التلفزي كانت في خانة اخراج المباريات الرياضية (كرة قدم)… هذه التجربة سبقها تدريب تكويني في الغرض بدمشق ولمدة 21 يوما بمركز تابع للاتحاد العربي للاذاعة والتلفزيون سنة 1996… بعد اتمام التدريب الذي كان على درجة متميزة نظرا لكفاءة المؤطرين، كلّفتني ادارة التلفزة باخراج بعض مباريات النادي الصفاقسي سواء في البطولة الوطنية او في المسابقات الافريقية … وكنت فيها فاشلا بكلّ المقاييس … نعم … نقل واخراج المباريات الكروية يتطلب عنصرين هامين… اوّلهما التركيز الكلّي على مجريات اللعب مع الحرص على اختيار زوايا مختلفة لتنويع المشهد… والحرص خصوصا على عدم التفويت في ايّة لقطة هامة في المباراة ..وهنا ياتي دور العنصر الثاني وهو سرعة رد الفعل للمخرج في اختيار الكاميرا المناسبة التي تصوّر اللقطة الهامة… هدف او ضربة جزاء او اعتداء لاعب على اخر كامثلة …
قلت اني فشلت فشلا ذريعا في اخراج هذه المقابلات اوّلا خوفي من تفويت اللقطات الهامة اجبرني على اختيار الكاميرا التي ينحصر دورها في تصوير المشهد العام Plan général ///ككاميرا رئيسية طوال فترات اللعب ..وهو ما يجعل اللاعبين اشبه بالذباب فوق الشاشة .. ثم انتمائي وعشقي للسي اس اس جعلني في احيان كثيرة اتماهى مع لاعبي النادي بشكل ذاتي وانسى دوري كمخرج …اي نعم لم استطع في عديد اللقطات التخلص من ذاتيتي… بل احيانا كنت اصفق وارقص عندما يسجل فريقي هدفا ما وكاني واحد من قوم الفيراج … ولانّي كنت وخاصة في ما يتعلق بالامور المهنية قاسيا جدا في الحكم على نتائج الاعمال، ..اعتذرت لادارة التلفزة عن مثل هذه الاعمال التي كانت رديئة فعلا بمنظار علمي ..وادارة التلفزة كان موقفها من قراري (الحمد لله جات منك يا ميضة انت ناشفة وانا تارك صلاة) …
التجربة الاخيرة في الميدان التلفزي كمحرج خضتها مع زميلي زهير بن احمد ..كان البرنامج يحمل عنوان (دروب وآفاق) ..وهو ايضا من النوع الوثائقي …تنقلنا فيه الى عديد المناطق في صفاقس وخارجها لتصوير دروبها وآفاقها … كان فيها الزميل زهير ذلك الصحفي الهادئ الرصين والمتمكن وبحرفية من عمله ..وكنت فيه المخرج الذي حاول قدر الامكان ان يجتهد في حدود ما يتطلبه الشريط .. ولعلّ ابرز الحلقات التي بقيت راسخة في ذاكرتي حلقة تناولت صفاقس الجديدة كمشروع… حيث وقع هدم القناطر الثلاث التي كانت موجودة انذاك بطريق تونس وقرمدة والعين ..وحيث وقع ايضا تصوير اوّل قطار يدخل لصفاقس بعد تحويل مساره من صفاقس الى قابس …
تلك كانت تجاربي في ميدان التلفزيون كمخرج وكمنتج احيانا والتي لا يمكن في باب تقييمها الا بوصفها بالمتواضعة جدا ..ودون ما كنت اطمح اليه …
ـ يتبع ـ
عبد القادر المقري:
نحتار حقا في توصيف ما جرى السنة الأخيرة في منطقتيْ شمال فلسطين وجنوب لبنان… ومبعث الحيرة هذا الدفق اللامتناهي من الدماء والدموع والشجن الذي يملؤنا ولا يترك وقتا ولا مجالا إلا للانحياز للمقتول ضد القاتل، وللمغتصب ضد الغاصب، وللمنزل الطائر شظايا ضد الطائرة الحاملة دمارا وعدوانا.
الدافع الثاني للحيرة هو ما يمكن تسميته بجلال الموت… نعم، ليس هناك من دليل أعلى على صدق أحد وبطولته وصفاء نواياه من أنه يقدم نفسه فداء لقضية ما… لذلك رحنا نطلق صفة الشهادة على من نتفق معه وهو حي، كما نطلقها على من نختلف معه حتى كليا عندما كان من هذه الدنيا… لا، الآن وبعد أن أهدى روحه على ميدان المعركة، فلا تجوز عليه سوى الرحمة والإكبار والتعميد بصفة الشهيد البار… المشكلة أن هذا المنطق يصلح في آداب التعامل مع الموت، في التنفيس عن مشاعر حنق تجاه عدو رئيسي ووجوديّ مكين… يصلح أيضا في رومانسيات الحروب وفرسانها الذين يستبسلون في معركة ويتحوّلون إلى أيقونات أمام عيون الصغار ودروس التربية الوطنية ومعاني الوطن… والعَبرة التي نشرق بها ونحن ننشد لحن الوفاء له، كلما رفرف علم وخفقت جرّاءه قلوب وتنادت أفئدة…
وتكبر الحيرة حين تختلط مع الرحيق المقدس أوشابٌ وأتربة وتساؤلات… نعم … للأسف لا تخلو كأسنا التي نتجرعها من بعض العلامات التي تجعلنا نتردد والزجاج الناعم يقترب من شفاهنا… جاء التردد من استرجاع بعض الصور والذكريات القريبة والبعيدة التي تقول لنا حذار… انتظروا… فاللون الأبيض النقي هو لون السكّر والملح في آن واحد، ورعود السماء تأتي بالمطر الطيّب والصاعقة القاتلة لنفس المُزارع المنتظر تحت شجرة… والبحار الطامية هي خير وسمك وبركة للصياد وهي أيضا الهلاك والغرق… تتشابه الأشكال بين مواد عدة وظواهر، ولكن هل تطابقت دوما الظواهر والجواهر؟
وتتداعى التمثّلات… ولكن على الأرض ماذا نقول في من قتلوا أنفسهم في عمليات داعش، وقتلوا معها تلاميذ مدرسة أو متزاحمين في سوق أو مصلين في جامع؟ … وماذا نقول في سقوط إرهابي صريعا ذات مواجهة مع الشرطة ويداه ملطختان بدم شكري بالعيد؟… وماذا نقول في المئات ممن غُسلت أدمغتهم فصاروا يعتبروننا كافة دار حرب وأقسموا على تصفيتنا فرادى وجماعات وهم معنا بالحزام الناسف؟ … للعلم فلهؤلاء مفتون من فئة خميس الماجري وأبي عياض والمرحوم حسن الغضباني، يسبغون عليهم نعت الشهيد بابتسامة هانئة وقلب مستريح… بل وينضمّ إليهم مذيع تافه لا همّ له سوى الحفاظ على كرسيّ أمام الكاميرا وريع سمين تحت أرجل الكرسي …
نهتف حتما للأبطال الذين استشهدوا، مع حسرة على فقدانهم وأمنية بأن يقتلوا العدوّ لا أن يسقطوا صرعى… الشهادة لهم لكن لنا الهزيمة في آخر المطاف… وهزائم الحروب ليست إنشاء ولا شعرا ولا لعبا بالمصطلحات… هي حصائل باردة لواحد مع واحد يساوي اثنين… من الذي خرج من الميدان (ولو شهيدا) ومن الذي بقي حيّا يصول ويجول؟… وهنا لا ينفع التأبين ولا التعظيم ولا الخلود ولا قناة الجزيرة… منطق الحرب أن تعيش لا أن تموت، وهذه أهم توصية تصدر عادة عن القادة وهم يوجهون جنودهم في مهمة… وحتى إذا شاء القدر وترك الواحد حياته على ساح الشرف، فيكون في المقابل أوقع بأعداد وافرة من صفوف العدوّ قبل أن يبذل الدم والروح…
ولكننا في هذه الموقعة إلى أين وصلنا وكم خسرنا من أرواح وكم خسر العدوّ؟ وكم كانت كلفة 7 أكتوبر 2023 وماذا كسبنا خلالها وأية رقعة حرّرنا؟ … دائما بمنطق الحروب القاسي، هذا ما حصل… عشرات الآلاف من مدنيي غزة والضفة وجنوبي لبنان، أعداد من “العسكريين” شبه العزّل تختلف الأرقام في تقديرها بين المتحاربين، ولكنها في النهاية كبيرة وموجعة… ويكفي أنها حرمت المقاومة من أهم قادتها وحتى التالين في الأهمية… دون الحديث عن دمار شامل فعلا لمدن وقرى وبلدات ومبان ومرافق تعجز قوى عظمى عن إعادة إعمارها بسرعة لو تمّت على أراضيها إثر كارثة طبيعية… فكيف بنا ولا زلزال سُجّل في غزة أو إعصار ضرب جنوب لبنان…
الزلزال الوحيد الذي ضرب أهالينا هناك كان قرارا بحرب غير متكافئة، سيئة التوقيت والحساب… بل ويجعلك تتساءل بعد هذا العبث وذلك الدمار: لفائدة من كل هذا؟ ولماذا انتقلت القضية من هدف تحرير الأرض إلى المناشدة بوقف إطلاق النار؟ ومن يعوّض لمن تيتّم أو ترمّل أو ثكل؟ ومن يؤوي الذين تشرّدوا؟ أم نكتفي بآية “لا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله…”، وبمقولة ذلك القيادي في حماس عن مدى انشغاله بملايين المدنيين المعرّضين للقصف والموت: أولئك مسؤولية المجتمع الدولي؟!!!
محمد الزمزاري:
إثر تصميم الغربيين على تزويد اوكرانيا بصواريخ بالستية لضرب روسيا في العمق و تنفيذهم ذلك على الرغم من الإنذارات والتهديدات الروسية المتتالية التي يبدو اول الأمر أن الغرب لم يأخذها مأخذ الجد، كشف فلاديمير بوتين عن بعض نماذج من ترسانته العسكرية كما أدى زيارة هامة إلى كازاخستان خلال هذا الاسبوع مصرحا ان هذا البلد صديق لروسيا وشريك يعتمد عليه.
وتكتسي هذه الزيارة طابعا عسكريا اكثر من اي شيء آخر كما تخللها عرض لبعض من ترسانة موسكو العسكرية، و كذلك لما يعرفه الروس عن ترسانة الغرب بالتفصيل و بدقة متناهية و أماكن تركيزها وتحركاتها بالإضافة إلى مقارنة قدرات كل صاروخ بالستي فرنسي كان او ألماني او انكليزي او أمريكي بما يقابله من بالستي روسي… وأكد الرئيس الروسي ان مخزون بلاده من هذه الأنواع كاملة يفوق اكثر من عشر مرات ما تحويه ترسانة الغرب برمّتها، مما دفع الغربيين إلى وضعية جديدة من الاستنفار والاجتماعات المعلنة و السرية أيضا للناتو، هذا بالإضافة إلى ردود فعل حول تصريح فلاديمير بوتين الذي استشاط غضبا امام تحدي الغرب ووقاحته المتعمدة.
لقد ايقنت الدول الغربية اخيرا ان بوتين أنهى المزاح والتهديدات المحدودة ومر إلى قرارات وشيكة بالدخول في حرب للدفاع عن روسيا التي مثلت وتجسم اليوم إرث الاتحاد السوفياتي التي تم تدميره وها أن الناتو يرغب في الاجهاز على روسيا بدورها عبر استنزافها اقتصاديا واجتماعيا و عسكريا وفرض حرب بالوكالة من خلال “حصان اوكرانيا”. ويبدو أن الكريملين كان يفهم هذه المخططات ويحاول جاهدا الاستعداد لها جيدا باعتبارها محددة لمصير روسيا وصورتها التي ستثبت اما تأكيد قوتها و مكانتها الاستراتيجية او انحلالها وعلى الأقل اضعافها. ويتبين ذلك اعتمادا على مخطط حرب غربية واردة مع الصين التي تعتبرها الولايات المتحدة العدو الأكبر والأخطر على جميع الواجهات اقتصاديا خاصة وعسكريا أيضا. وكان لابد قبل ذلك من إزاحة روسيا من الطريق او القضاء على ترسانتها للتفرد بالغول الصيني.
فشلت الحرب الاقتصادية الغربية ضد الروس بل ان هؤلاء فرضوا وجودهم بالبلدان الافريقية ونجحوا في تخطي كل المعطلات لاقتصادهم و أسسوا تجمعا نقديا و اقتصاديا جديدا (البريكس) توسع وعلى بابه اليوم قائمة كبيرة من منتظري الانخراط. كل هذا بالإضافة إلى إبرام اتفاقيات تعاون عسكري مع إيران ودعم التقارب الوثيق مع كوريا الشمالية التي بادرت بإرسال اكثر من 10 آلاف جندي لمساعدة روسيا في حربها ضد اوكرانيا.
واذا رجعنا للحرب الروسية الاوكرانية التي دامت طويلا جراء الدعم غير المسبوق من الناتو لكييف، يستوجب الإشارة إلى ان روسيا لم تكن بعد انهيار الاتحاد السوفياتي منشغلة بالحروب الميدانية التقليدية قدر ما ركّزت على تنمية الاقتصاد ورفاه السكان الذي كان متدهورا. أما الجانب الذي لقي الأكثر عناية فهو الأبحاث العسكرية و تعزيز القدرات النووية التي يرى الروس انها اهم رصيد دفاعي او هجومي… كما بلغ الجانب الاستخباراتي أيضا أوجه ويكفي التذكير بان اعدادا وافرة من الكوادر السامية والقيادات المؤثرة ثبت زرعها في مواطن القرارات والأبحاث و الاستخبارات وحتى التاثير على الانتخابات بالغرب، وخاصة بالولايات المتحدة الأمريكية…
بعد الانذار الاخير لبوتين استشعر الغربيون انهم لم يتركوا للدب المفترس اية فرصة غير الاستماتة في الدفاع عن عرينه. وفي هذه المرحلة الدقيقة التي تجسم قمة استعراض القوى بين غرب متخوف من عودة ساكن للبيت الأبيض لا يرغب كثيرا في إرهاق الخزينة الأمريكية لصالح الناتو او حرب اوكرانيا، وبين تهديدات تبدو جدية من ساكن آخر في الكريملين، نرى ان نتاج هذه الأوضاع ستكون حتما إما انهاء حرب اوكرانيا لصالح موسكو وربما يرفق ذلك بتنازل روسي طفيف عن جزء محدود من شرق اوكرانيا ووضع حد لكل التضييقات الاقتصادية الناتجة عن العقوبات المتتالية ضد روسيا، او التورط في حرب عالمية كان الجميع يستبعد وقوعها، اذا ما اختلط الغباء الغربي بالعقلية الكوباوية للرئيس الأمريكي القديم الجديد.
استطلاع
صن نار
- جور نارقبل 18 ساعة
ورقات يتيم… الورقة 92
- اقتصادياقبل يومين
النكهة التونسية في الصالون الدولي للشكلاطة والمرطبات
- اجتماعياقبل يومين
غدا الاثنين… انطلاق امتحانات الثلاثي الأوّل
- ثقافياقبل يومين
اختتام أيام قرطاج المسرحية
- ثقافياقبل يومين
قريبا… “أيام سينما الجبل” بعين دراهم، والسينما التونسية إلى أين؟
- صن نارقبل يومين
الذكاء الاصطناعي و إدارة المشاريع بتونس
- صن نارقبل يومين
مستبقا صراعه مع الصين… “بايدن” يمهّد لخلفه “ترامب”، الطريق نحو إفريقيا
- صن نارقبل يومين
“الأونروا”: أكثر من 415 ألف نازح بغزة يحتمون في مدارسنا