تابعنا على

جور نار

الآتي… الذي قد يواتي (9)

نشرت

في

عبد القادر المقري:

فاعلو العشرية السوداء كابروا وما زالوا يكابرون في تقييمها… أصلا لا يعتبرونها سوداء ولا فاشلة ولا أجرموا ولا أخطؤوا ولا تابوا… بل هم مثل مغنيات الدرجة الرابعة اللائي حين يسألهن سائل عن أكبر عيوبهنّ يقلن: طيبة قلبي…

عبد القادر المقري Makri Abdelkader

هم يرونها مرحلة انتقال ديمقراطي، ومرحلة حرية غير مسبوقة (ولا ملحوقة) ويرون أنهم إن أخطؤوا ففي التعامل الديمقراطي المفرط مع خصومهم… وينسبون تلك الأخطاء إلى قلة خبرتهم، وإلى تركة ثقيلة، وإلى مؤامرة خارجية لم ترضها “التجربة التونسية الفريدة في كامل المنطقة” … وما زالوا يتحدثون عن ثورة ويرون أنفسهم ثوريين وعن استبداد قاوموه وظلّ متربصا إلخ … ولكن وعلى طريقة ناعورة الريح والباطنية التي ينتهجونها، لا غرابة في أن يباغتوك فرديا أو جماعيا، بتغيير الدفة 180 درجة… وقد لمسنا عينات من ذلك في الزمنين القريب والأبعد… هؤلاء حادث عارض في تاريخنا الطويل، حادث مؤسف مهلك يقطر دما، ولكنه يبقى عارضا… وأهمّ منه ومنهم، سؤالنا المضني عن البلد بعد أن يلفظهم نهائيا كسائر الأوبئة التي قاومناها من رمد الستينات إلى كورونا السنين الأخيرة… بعد هؤلاء، كيف يستعيد التونسيون تونس، ويضمنون فعلا أن لا عودة إلى الوراء … إلى عشرية الظلام وكذلك إلى عشريات بائسة أخرى أوصلتنا بالحتم إليها؟…

نظامنا التونسي كان محدودا وكنا نعرف حدوده… لذلك اشتغلت جامعات وجامعيون على تحرير الفكر وصياغة إنسان جديد … كان القرمادي وبكار وبوحديبة واليعلاوي وجعيط والزغل والهرماسي والشرفي والشنوفي وبالعيد وغيرهم، يجهدون النفس لكي يصنعوا نخبة جديدة أفضل منهم… تماما كما يتعب الآباء كي يكون أبناؤهم أحسن حالا… لذلك وحتى حين كان بعضهم ينشط في الحزب الحاكم ويذلّ نفسه كي يبقى في مكانه، كان في ذات الوقت يدرّسنا معاني الحرية والكرامة والرأي المستقلّ… وكشهادة للتاريخ… عبد الوهاب عبد الله مثلا كان كسياسي، جزءا من المنظومة وقل فيه ما تشاء… ولكنه كجامعي كان يسند أضعف الأعداد لمن يتملّق أو يدبّج الكذب والزور، وكان يبتهج حين يجد طالبا شجاعا يقدّر العلم ويصدع بالحقيقة، فيكافئه بأفضل عدد … كان يدرّسنا القانون الدستوري، وكنا نخلط أحيانا بين هذه المادة وبين الحزب الدستوري فإذا أستاذنا الجليل بالمرصاد … والمعصار أيضا… وإليه تنسب تلك الجملة تجاه طالبة مغناج ذات امتحان (تريدين موعدا؟ إذن فليكن في سبتمبر)…

مستقبل تونس أن يصبح اليمين يمينا واليسار يسارا وأن يحافظ كل على لونه وخصوصياته ويعمّق ثقافته هناك إن لم يعمق مصالحه… الوسط كذبة كبيرة وادعاد أكبر وجبن أكبر وأكبر… لماذا يضطروننا إلى تعريف ما هو معروف، بل التذكير لمن غزا رؤوسهم زهايمر؟ … لماذا يخجل اليميني من أن يقول أنا مع امتلاك الأفراد للثروات، أكثر ما يمكن من الثروات؟ ومع أقل ما يمكن من الدولة وأكثر ما يمكن من حرية المبادرة بلا قيود ولا حدود ولا أوراق؟ ومع جولان رأس المال بين المدن والولايات والبلدان بأقل ما يمكن من رسوم أو ضرائب أو جمارك أو إجراءات حمائية؟ … هذا رأيهم ـ أي اليمين ـ في كل العالم، وليس رأيي …

ولِمَ يخجل اليساري من القول أنا يساري على منهج ماركس ولينين وماو والثورة الثقافية؟ لماذا خفت صوت المتكلمين باسم الاشتراكية (ولم نقل “شيوعية” أستغفر الله !) … بل وأصبح حتى طارحو البرامج الديمقراطية الاشتراكية (وهو تيار محترم في كل الدنيا، وكان لنا منه في تونس حزب عريق اختفى الآن) … استبدل هؤلاء الاشتراكية بالمجتمع وأصبحوا يتحدثون عن الديمقراطية الاجتماعية … هل كانت موضة ستينات وسبعينات ثم انهارت مع الاتحاد السوفياتي؟ هل كانت قناعات أم تبعية لسفارات؟ … الاشتراكية نظام له أيضا قدره ومزاياه ولولاه لبقيت روسيا مزرعة شاسعة للفقر وفلاحة التخلف والعبودية، ولما أصبحت الصين دولة متطورة مهابة بعد أن كانت سوقا محتلة وحقل أفيون…

قلت لماذا يخجل اليساريون ويتبرؤون من الصفة ومن مفردات فكرها؟ ليست المسألة إيديولوجيا بقدر ما هي شرائح وطبقات تبحث هي الأخرى عمن يتبناها ويبرمج للدفاع عن مصالحها… السياسة مصالح، أوكي؟ … إذن فإذا كان اليمين مجندا في أي مكان للدفاع عن طبقة البورجوازية وكبار الأثرياء ومن يلحقهم من رجال دين وثقافة وإدارة وقانون ودبلوماسية وأشغال عامة وتهيئة ترابية إلخ … فمن يتولى الدفاع عن مصالح من في غير هذا الصف؟ العمال مثلا وصغار الفلاحين وصغار الموظفين والباحثين عن شغل والأقليات وسكان الأحياء الفقيرة المكتظة ومدن الداخل المهمشة؟ ومن يدافع عن القطاعات غير المنتجة عاجلا ولكنها تستثمر على البعيد في الأجيال والقيم والبيئة السليمة ومستقبل كل هذا؟ من يدافع عن قطاعات اجتماعية كالتربية والثقافة والفنون والأسرة والمرأة والطفولة والمسنين والمشردين وذوي الاحتياجات الخاصة؟

الكل طبعا يزعم تبني هذه الملفات ويصدع رؤوسنا بذلك في كل مهرجان انتخابي… ولكن عند الممارسة يعود الجميع إلى قواعدهم ولا يصح إلا الصحيح… لذلك لم تتحرك حالنا كثيرا ولم يتحقق من المكاسب إلا القليل مما يمكن أن يسقط لأقل هبة ريح … فيما في البلدان التي يلتزم فيها كل لون سياسي بمربّعه الطبقي والمصالحي، تجد إنجازات مهمة جدا اجتماعيا حين يصعد اليسار في هذا البلد الأوروبي أو ذاك، وتجد إعفاءات ضريبية واكتساحا للأسواق ودفعا لطاقة الإنتاج حين يتبوأ اليمين سدة الحكم … حتى في البلاد التي لا تعترف أصلا بصطلح اليسار بل وتجرّمه حرفيا كالولايات المتحدة وبريطانيا، تتناول أحزاب ذات ميول اجتماعية (كالديمقراطيين في أمريكا، والعمال في بريطانيا، والاشتراكيين لزمن طويل في فرنسا وإسبانيا وغيرهما) …

لقد تلعثمنا طويلا في السبعين سنة الأخيرة وجربت نخبنا كل الإيديولوجيات والنعرات والولاءات والزعامات والنرجسيات… ولم ينتج عن ذلك سوى الخراب الذي وصلنا إليه، ولم يحدث ذلك الاستقرار الذي لطالما تشدق به إعلامنا الرسمي … لم يستقر أحد في السلطة ولا في معارضتها … نصف جماعة برسبكتيف التحقوا بحزب الدستور وجزء من الدساترة أعلنوا التمرد في 71 ولا حديث عن نقابيين عديدين باعوا الذمة ولا عن رابطيين أصبحوا خصوما لحقوق الإنسان … بعضنا يقرؤها انتهازية وبعضنا يراها تصفية في سباق وبعضنا يحكي عن خبزة الأولاد… ولكن ذلك لم يكن ممكنا بهذه السهولة لو رُسمت حدود بائنة عميقة بين فكر وفكر… حدود تمد عروقها منذ الطفولة والسلالة والمنطقة بكاملها… في أوروبا وأمريكا هناك عائلات تصوّت لليمين منذ الجد الرابع أو الخامس، كما هناك ولايات معروفة تقليديا بميولها العمّالية أو الاجتماعية ويستمر ذلك لقرن وأكثر…

لذلك لم يعش أي حزب في بلادنا أطول من عمر باعثه أو رئيسه المزمن… وتكاثرت عندنا الأحزاب والتيارات ولو أحصينا ذلك منذ حركة الشباب التونسي إلى اليوم لأرسينا ربما على آلاف … ما بين علني وسري ونظري وفعلي ومقيم ومهاجر وجامعي ومدني وذي عدد كبير وما لم يتجاوز أفراده عبوءة سيارة لواج… أمم أمم، كما قال مظفّر… غير أن الدوّامة قد يأتي يوم وينتهي دورانها ونرتطم أخيرا بشاطئ الأمان أو حجر الوادي… وقتها سيكون مطروحا علينا أن نعود إلى الأصول والاختيار بين لونين أو ثلاثة على الأكثر…

وبالنظر إلى تاريخنا المعاصر وما اعتملت فيه من اجتهادات، يبدو أن القسمة ستكون بين تيار دستوري لو يجد من يطوّره ويعطيه مصل الحياة ليحمل راية الفكر اليميني الليبرالي … وهو الأقرب لذلك منذ قيامه سنة 1920 على أساس أنه “حر” لا بمعنى التحرر بل بمعنى الليبرالية حيث كانت ترجمة اسمه بالفرنسية آنذاك (Parti Libéral Constitutionnaliste)… ومن جهة أخرى، نشأ في نفس المدة تيار اشتراكي ونقابي من رموزه محمد علي الحامي ومختار العياري وعلي جراد وبلقاسم القناوي وغيرهم ممن أسسوا لحركة تقدمية تداخلت في بعض الأحيان مع الطيف الدستوري حين كان الفرز وطنيا لا طبقيا … ونعرف كيف انتهى “شهر العسل” الوطني مع قمع الحزب الشيوعي وحظره سنة 1963، ثم مع مؤتمر بنزرت الذي جرّم التعددية رسميا بعد سنة، ثم مع انشقاق اتحاد الشغل برمّته سنة 1977… وها أن التياران ما يزالان على قيد الحياة (الدساترة واليسار) إلى اليوم رغم أعاصير الزمن … وهو ما يثبت أن تونس لم تهضم بعد كل هذه الحقب سواهما، شأنها شأن اي بلد آخر في الحقيقة…

ولكن وبما أن المحن تراكمت والجراح أثخنت بما يكفي، وبما أن العودة إلى الأصول هي البوصلة التي يعود إليها كل ملاّح تائه، فإن من هذه الأصول التي يعاد إليها وقد ذكرناها منذ قليل، الفرز الوطني… أحادية الولاء للنجمة والهلال… نعم، حدث ذلك أيام الاستعمار، وها هو يعود بقوة أكثر في زمن تهديدات أبعد من الاستعمار القديم خطرا وخطورة… وهذه هي الأرض التي سيقف عليها ورثة الحركتين الدستورية و اليسارية، ودونها لاجدوى من أي بناء … وطنيون أولا، دستوريون وماركسيون وقوميون وحتى زرادشتيون بعد ذلك، لا يهمّ… وهذا أيضا ما نجده في المشهد السياسي لأي بلد ديمقراطي ودولة عصرية تحترم ذاتها في عالمنا الحديث… وهذا ما تصاغ به الدساتير وتملى الشروط وينطق القضاء ويقع القبول أو الإقصاء… من الدولة والمجتمع أيضا…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 115

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

في الفترة ما بين 2004 و 2010 لم تكن الاحداث التي عشتها كمّيا كثيرة وها انا امرّ على ابرزها لاخلص بعدها لقهرة الربيع العبري…

عبد الكريم قطاطة

عودة لسنة 2004… في اواسط تلك السنة بدأت رحلة تعاقدي مع جامعة صفاقس كخبير مدرّس للعلوم السمعية البصرية بمعهد الملتيميديا… صاحب المقترح هو مدير معهد الملتيميديا انذاك الزميل والصديق “عبدالحميد بن حمادو” الذي أعرفه منذ درسنا معا في تعليمنا الثانوي بمعهد الحيّ… سي عبدالمجيد فكّر في انشاء مادّة للعلوم السمعية البصرية ببرامج بعض شعب المعهد…تحادث في الموضوع مع زميلي الكاميرامان انذك مفيد الزواغي فأشار عليه بالاتصال بي وكان ذلك… وانطلقت مسيرتي كمدرّس لهذه المادة لمدة عشر سنوات بعد ان طلبت ترخيصا في الامر من رئاسة مؤسسة الاذاعة والتلفزة وتحصلت عليه، شرط ان لا يؤثّر ذلك على واجباتي المهنية… ومنين يا حسرة ؟

في وحدة الانتاج التلفزي كنا نعيش البطالة الدائمة ونتقاضى على ذلك رواتبنا ومنح الانتاج ايضا… وكان كلّما عُيّن مسؤول جهوي أو وطني جديد، قام بزيارة اذاعة صفاقس للتعرّف على احوالها وطبيعيّ جدا ان يزوروا وحدة الانتاج التلفزي… وكنت مطالبا كرئيس مصلحة الانتاج ان استقبلهم وان اقدّم لهم بسطة عن الوحدة وعن انتاجها… وكنت دائما اردّد نفس الاسطوانة التي كم اقلقت المديرين الذين تعاقبوا على رأس اذاعة صفاقس… كنت اقول لضيوفنا الاعزاء (اعني المسهولين): وحدة الانتاج التلفزي فيها كلّ شيء الا الانتاج، وبقية التفاصيل تأتيكم من مديري!…

مقابل ذلك كانت علاقاتي مع منظوريّ في مصلحة الانتاج التلفزي على غاية من الودّ والاحترام … بل ذهب بي الامر الى إعلامهم انه بامكان ايّ منهم ان يتغيّب لكن عليه يكتب لي مطلبا مُسبقا لرخصة غياب دون ذكر التاريخ، احتفظ به عندي حتى يكون وثيقة استظهر بها اداريّا كلّما اقتضى الامر وذلك لحمايتهم وحماية نفسي… وفلسفتي في ذلك تتمثّل في الآتي: مالفائدة في حضور موظفين لا شغل لهم ؟ خاصة انّ بعضهم يقطن عشرات الكيلومترات بعيدا عن صفاقس المدينة… ثمّ اليس واردا للموظّف الذي لا شغل له أن يصبح شغله الشاغل احداث المشاكل مع زملائه ؟ اذن مخزن مغلوق ولا كرية مشومة… لكن في المقابل واذا اقتضت مصلحة الوحدة ان يعملوا 16 و 18 ساعة ما يقولوش (احّيت)…

تلك العلاقة التي وضعت اسسها بيننا كرئيس ومرؤوسين رأيت عمقها يوم مغادرة الوحدة للتقاعد… يومها أحاط بي زملائي ورفضوا رفضا قاطعا ان اكون انا من يحمل بنفسه وثائقه وكلّ ماهو ملكه الخاص الى منزله… وحملوها عني جميعا وبكلّ سعادة مخضّبة بدموع العشرة… والله يشهد اني وطيلة حياتي كمسؤول سواء اذاعيا او تلفزيا لم اقم يوما باستجواب كتابي لايّ كان… ولم اخصم لايّ كان من اعدادهم في منحة الانتاج وفي الاعداد المهنيّة…

اذن وعودة الى علاقتي بجامعة صفاقس كمدرّس للعلوم السمعية البصرية بمعهد الملتيميديا ثم بعده بسنتين بمدرسة الفنون والحرف، حاولت ان اعطي دون كلل لطلبتي… كنت قاسيا معهم نعم… ولكن كان ذلك بحبّ لا يوصف… وبادلوني نفس الحب ان لم تكن دوزته اكبر … كنت الاستاذ والاب والاخ والصديق و كنت ايضا صدرا اتّسع حتى لاسرارهم الخاصة… رغم اني كنت ايضا بوليسا في امور الانضباط وتقديس العلم… وطلبتي الذين هم في جلّهم اصبحوا اصدقاء بفضل الفيسبوك شاهدون عليّ… ولعلّ من الاوسمة التي افتخر بها ما حصل في نهاية السنة الجامعية سنة 2012…

إذ ككلّ نهاية سنة جامعية يقع توزيع شهائد وجوائز للطلبة المتفوقين في جميع السنوات… وفي اخر القائمة سمعت من منشط الحفل يذقول: (الان الجائزة الاخيرة في هذا الحفل وادعو الاستاذ عبدالكريم قطاطة لتسلّمها)… فوجئت حقا بالاعلان… وكانت لوحة رُسمت عليها زيتونة وكُتب فيها (شهادة تكريم للاستاذ عبدالكريم قطاطة نظرا إلى عطائه الغزير لطلبة المعهد)… واعذروني على اعادة جملة تُريحني كلما ذكرتها وهي… “وبعد يجي واحد مقربع ويقلك شكونو هو عبدالكريم اش يحسايب روحو ؟؟” … بل تصوروا انّ زميلة من اذاعة صفاقس بعد حادثة ذلك الفيديو المنحوس حول من هم اعلام العار في نظري سنة 2012 (رغم انّي صححت فيما بعد ماجاء فيه ووضحت انّي لم اعمم وختمت بالاعتذار .. لكن وقت البعض يبدا يستناك في الدورة مهما وضحت وكتبت واعتذرت يكون موقفه”قاتلك قاتلك”)… تلك الزميلة ذهبت الى ادارة مدرسة الفنون الجميلة وطلبت منها فسخ عقدي معهم لاني لا اشرّفهم… وضحكوا منها وقالوا لها فيما قالوا: هاكة موش فقط استاذ الطلبة، سي عبدالكريم استاذنا وشرف لنا ان نكون تلاميذه… ورجعت المسكينة الى منزلها خائبة مذهولة مهمومة وغبينتها غبينة، المغبونة… وانا مسامحها…

قضيت 10 سنوات بمعهديْ الملتيميديا ومدرسة الفنون الجميلة وحتما ساعود الى اشياء عديدة حدثت فيها خاصة بعد قهرة جانفي 2011…

الحدث الاخير سنة 2004 كان دون جدال كُرويّا… تتذكّرو نوفمبر 2004 ..؟؟ وبالتحديد يوم 20 منه ؟؟ تتذكّروا هاكي التشكليطة السافيّة ؟ تتذكّرو زوبا وهو يمشكي في ملاعبية المكشّخة واحد بعد واحد ؟ تتذكّروا كيفاش علّق تيزييه في سقف الملعب ؟؟ انّه نهائي الكأس الشهير… وانه يوم سقوط امبراطورية فرعون الكرة ولد شيبيوب… وانا نعرف انو بعض المكشخّين ماشين عاد يسرسطو ماجاء من سور في كتابهم .. عن بطولاتهم .. عن القابهم وتونس بكلّها تعرف عن محصولهم في الشمبيونزليغ وطبعا ماشين يذكروني بهدف بوتريكة ويختمو بـ (ما تكلموناش احنا ماشين لكاس العالم في امريكا).. لاصدقائي المكشّخين الباهين فيهم وهم قلّة لانّ اغلبهم لا يورّيك ولا يفاجيك .. فقط لاصدقائي نحب نسألكم سؤال وحيد ..توة هدف زبير السافي في هاكي الفينال موش سميّح موش شيء يعمل 5555 كيف؟

موش تقول الواحد صيفا يبدا في يدو مشموم ياسمين وطاولة معبّية بالبطيخ والدلاع والهندي وما ننساوش الفقوس .. وهي تصير كورة من غير فقوس ؟…ويعاود يتفرّج عليه ويعشق العزف متاع زوبا ورقصتو كيف انتوني كوين في زوربا اليوناني ؟ وفي الشتاء يبدا قاعد تحت كوسالة وكاس تاي منعنع ويعاود يتفرّج على زوبا وهو يعزف اشي الحبّ كلّو واشي انت عمري .. واشي انساك ده كلام ويختمها ب ميا موري … نعرف اصدقائي المكشخين الباهيين يعرفوني بليد وماسط وخايب وقت نحكي على مكشختهم ..اما يدبّرو روسهم قلتلهم حبّوني؟… واذا حبوك ارتاح والله… دعوني الان اسرّ لكم بما لا يعرفه اغلب محبّي الفريقين حول ذلك النهائي… واصدقائي ومهما كانت الوان فرقهم يعرفون جيّدا انّي صادق في ما اقول والله شاهد على صدقي…

قبل خوض النهائي كان لنا لاعب معاقب (وسام العابدي)… ولد شيبوب كلّم هاتفيا انذاك احد مسؤولي النادي وقللو نقترح عليك اقتراح لفائدة الزوز جمعيات… قللو نسمع فيك هات… قللو تهبّط وسام يلعب الطرح وانا نقول للملاعبية يسيّبوا الطرح… تربح انت وتعمل شيخة انت وجمهورك وانا نعمل احتراز عليكم وناخذ الكاس… طبعا المسؤول رفض وبشدّة… ولد شيبوب قللو راك ماشي تهبط من غير قلب دفاعك وسام… تعرف اش معناها ؟ معناها ماشي انييييييييييي………… بزوز .. المسؤول ظهر حتى هو قبيّح وقللو .. انا منيش مهبّط وسام واحنا اللي ماشي انننننننننني ……… بزوز … وكلمة عليها ملك وكلمة عليها شيطان ..ولكم ان تعمّروا الفراغ وتربطوا بسهم … لكم حرية التعليق مهما كانت الوان فرقكم لكن مع ضوابط الاحترام …السبّ والشتم والكلام البذيء لا مكان لها في صفحتي! …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

لا تخرّبوا سور وسقف الوطن… فنحن غدا من سيدفع الثمن!

نشرت

في

محمد الأطرش:

كنتُ بصدد وضع اللمسات الأخيرة على مقالي الأسبوعي في جلنار، حين بلغ مسامعي صراخ وألم ووجع عائلات من قضَوْا تحت أكوام حجارة سور معهد المزونة، رحمهم الله.

تمرّد القلم بين أصابعي، ورفض إتمام ما بدأه والانصياع لأوامري، وما أكتب، معلنًا الحداد على من ماتوا، ووُئدت أحلامهم تحت حجارة سور جريح ينزف دم سنوات الإهمال والتخلي.

سور أصابته لعنة “باركينسون” تشريعاتنا المهترئة، فارتعش وجعًا. سور لم يرأف بحاله أحد من القائمين على شؤون ترميمه، وترميم ما يحيط به. سور سال دم جراحه، وأسال دم من مرّوا بجانبه وأمّنوه على أرواحهم. سور توجّع وتألم طويلًا، وبكى… ولم يسمع بكاءه أحد، حتى أبكى أمهات بعض من اعتادوا المرور بجانبه… سور تآكل، وبانت عورته، فغضب وانهار على من كانوا يمرّون بجانبه، يتكئون عليه، ويستظلون به من غضب الشمس وثورة الأحوال الجوية، وهم في طريقهم لطلب العلم.

الغريب ما قرأته بعد الفاجعة، وما سمعته من صراخ من خرجوا يهددون بالويل والثبور وعظائم الأمور. أغلب من خرجوا علينا يولولون، يطالبون بمحاسبة من تسبب في الفاجعة، ويطالبون بتحميل المسؤولية لكل من قصّر في أداء واجبه أو غفل عنه.

هكذا نقفز على كل وجع ومأساة، لنواصل الدعوة إلى الانتقام من كل ما سبق، ومن كل من سبقونا في تحمّل مسؤولية خدمة هذا الشعب… هل يجب أن ننتقم ونثأر بعد كل فاجعة أو فشل ممن سبقونا في تسيير شؤون مؤسسات البلاد؟ هل يجب أن نشيْطن كل من سبقونا في خدمة الوطن بعد كل وجع يشعر به جسد هذه الأمة؟ ألا يجدر بنا أن نعتبر مما حدث، ونبدأ بإصلاح حالنا وأحوالنا؟

أتساءل: ألا يتساءل أحدكم لماذا كل هذا العزوف عن تحمّل المسؤولية؟ أليس للفصل السادس والتسعين من المجلة الجزائية دور كبير في هذا العزوف، الذي أفرغ مؤسساتنا من كفاءات كنّا نفاخر بها، ونطمئن بوجودها على حالنا وحال مؤسساتنا وحال البلاد؟ ثم، أليس للفصل الرابع والعشرين من المرسوم عدد 54 نصيب مما نحن فيه، ومما عشناه ونعيشه؟ فمن كان يرى في السور عيبًا وخطرًا، لن يكتب عن الأمر، ولن يُنبّه لخطورته، خوفًا من أن يُتهم بنشر أخبار زائفة وإشاعات كاذبة…

ألم نغرق اليوم في وحل الفصل السادس والتسعين، ورعب المرسوم الرابع والخمسين؟ لماذا تنشر تشريعاتنا وبعض قوانيننا الخوف والرعب في نفوس كفاءاتنا، ومن يملكون القدرة على تحسين أوضاعنا؟ أيمكن للأمم أن ترتقي وهي تعيش تحت وطأة الخوف والرعب من قوانينها؟ كيف نطلب من بعضنا خدمة الوطن وهم يعيشون رعب القانون، ورعب الحقد، ودعوات الإقصاء والثأر والانتقام من كل قديم، وكل مخالف في الرأي، وكل من لا يعلن لنا البيعة، ولا يقف صارخًا “مزغردًا”، مصفقًا لأخطائنا، ملمّعًا لفشلنا، داعيًا لنا بطول العمر وجزيل الثواب؟

يا من تستمتعون بوجع خصومكم، ومن لا تتفقون معهم، ومن تركوا أثرًا طيبًا وانتصروا عليكم بما حققوه وأنجزوه…الوطن أمانة بين أيادينا جميعًا، فجنّبوه الفتنة، وجنّبوه الأحقاد، وحافظوا على سور الوطن…ولا تخربوا سقفه، فإن انهار سقف الوطن، فنحن، نحن الشعب، من سيدفع الثمن… نعم… نحن الشعب من سيدفع الثمن.

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 114

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

في جويلية 2004 انتهت حقبة اذاعة صفاقس مع السيّد عبالقادر عقير رحمه الله وغفر له وعُيّن السيد رمضان العليمي كبديل له وتحديدا يوم 12 جويلية…

عبد الكريم قطاطة

والسيّد رمضان العليمي شغل قبل تعيينه على رأس اذاعة صفاقس منصي كاتب عام للجنة تنسيق “التجمع الدستوري الديمقراطي” (الحزب الحاكم وقتها) بقفصة ثمّ مديرا لاذاعة تطاوين… وكعادة ايّ مدير عند تسميته اجتمع بالمسؤولين في الادارة بقاعة الاجتماعات المحاذية لمكتبه… ليعبّر وكأيّ مسؤول عن امتنانه لرئيس الدولة صانع التغيير لتشريفه بتلك المهمة… وعبّر وكسائر المديرين عن سعادته بوجوده في صرح اذاعتنا ونوّه بتاريخها وبالسواعد التي عملت فيها… ودون الدخول في تفاصيل اخرى تعرفون جيّدا تلك الخطابات الممجوجة التي يلقيها المسؤولون في مثل تلك التعيينات…

بعد ذلك تعرّف على المسؤولين فردا فردا… ولمّا حان دوري نظر اليّ السيّد رمضان العليمي وقال: (سي عبدالكريم اشكون ما يعرفوش انه اشهر من نار على علم، وهو بالذات عندي حديث خاص معاه)… وانتهى الاجتماع… وبقيت انتظر ذلك الحديث معه… وطال الانتظار… وكتبت له رسالة مطوّلة لم استجدِه فيها العودة الى المصدح فالحرة تجوع ولا تاكل بثدييها… لكن كان من واجبي ان اعطيه فكرة شاملة لا فقط عن وحدة الانتاج التلفزي حيث اُشرف فيها على مصلحة الانتاج، بل عن اذاعة صفاقس بشكل شمولي… وذلك من خلال ما عشته وعايشت فيها مع زملائي من احداث ناصعة البياض واخرى رماديّة حتى لا اقول سوداء…

هذه المراسلة كانت بتاريح 17 سبتمبر 2004 اي بعد شهرين و5 ايام من تعيينه… وها انا اختار الفقرة الاخيرة من مراسلتي الطويلة علّها تًعطي فكرة واضحة عن هدف تلك المراسلة حيث خاطبته بالآتي: (اخي الفاضل… انّ غيرتي على هذه الاذاعة هي وحدها التي جعلتني اكتب اليك فانا لا اطلب برنامجا او فضاء او ما شابه ذلك… ولكنّ الخطر الكبير يتمثّل في عديد الاسماء التي لا يمكن ان تكون امام المصدح وفي عديد البرامج التافهة تصوّرا وانجازا… وفي بعض الاشخاص الذين لا يملكون الحسّ الاذاعي ولا الكفاءة ومع ذلك يديرون امور هذه الدار على هواهم… اخي الفاضل احببت ام كرهت… الآن انت مدير هذه الدار وقدرك ان تعيد لها هيبتها وجمهورها واشعاعها… وهيبتها لن تعود الا من خلال تطبيق القانون ورفع المظالم … وفقكم الله لتسلّق هذه الجبال من المصاعب واعانكم على ان تكونوا كالميزان في عدالته، الذي لا يهمه ان ارتفع بالفحم او باللحم، بالتبر او بالتين… اليست العدالة هي اساس العمران ؟؟)…

السيّد رمضان العليمي كما ذكر في اجتماعه الاول بالمسؤولين وعد بحديث خاصّ معي… وانتظرت ولم يأت ذلك الحديث الخاصّ… وارسلت له المكتوب الذي حدثتكم عنه ولم يأت ذلك الحديث الخاص وها انا انتظر لحدّ اليوم وعده ولم يات ولن يأتي ولا حاجة لي بأن يأتي… لا لانه غادر الاذاعة ولست ادري ماذا اصبح اليوم وكلّ الرجاء ان يكون في صحة جيّدة مع طول العمر… ولكن لانّ الاجابة عن ذلك الوعد الذي لن يأتي جاءتني من احدى الزميلات في اذاعة تطاوين وهي بالاساس مستمعة لي منذ من البريد الى الاثير … وذلك بعد ستّة اشهر من تعيينه على رأس اذاعة صفاقس… حيث خاطبتني عبر مرسال فيسبوكي خاص بالقول: (لا تنتظر مؤازرة من السيّد رمضان العليمي… انه لا يكنّ لك الودّ وهذا عرفته عندما وددت تكريمك في اذاعة تطاوين ولكنّه عبّر بشكل مباشر انّه لا يطيب بذكرك… لكنّي كنت مصممة على تكريمك واذعن لي لكن لبس عن طيب خاطر)…

انذاك فهمت انّ الحديث الخاصّ معي لن يكون وحتى طيلة عهدته باذاعة صفاقس تحادثنا مرّتين فقط… يوم جاءني لمكتبي بوحدة الانتاج التلفزي ليسأل عن مشاكل الوحدة وندرة انتاجها… اي نعم قلبو وجعو على وحدة الانتاج… وتقولوشي عمل حاجة ؟؟ اقسم بالله وكانّه لم يسمع شيئا مما سردته له… المرة الثانية التي قابلته فيها يوم أقام حفلا خاصا لتكريمي سنة 2006 بعد احرازي على وسام الاستحقاق الثقافي من رئيس الدولة… وهو يصير منو ما يحتفلش بما قرره صانع التغيير؟…

ساعود لموضوع الوسام في ورقات قادمة… سنة 2004 ايضا وبالتحديد في 30 مارس شاء قدر الله ان يحرمني وللأبد من الوجود المادّي لوالدتي عيّادة… كان ذلك يوم اثنين… ولكن في الويكاند الذي سبق يوم الاثنين 30 مارس وتحديدا يوم الاحد 29 مارس كنت والعائلة وبعض من اهلي عائدين من الساحل بعد قضاء نهاية اسبوع باحد النزل… عندما وصلنا الى ساقية الزيت طلبت من سائق السيارة ان يتوقف.. اندهش الجميع لذلك… تصوروا انّ غايتي كان اقتناء قهوة او بعض المكسّرات للسهرة… توقف اذن ونزلت من السيارة وقلت لهم (كمّلوا ثنيتكم انا ماشي لعيّادة نحبّ نطلّ عليها ونبوسها وبعد نجيكم)… اندهش الجميع… يا ولدي اش قام عليك .؟ يا ولدي غدوة امشيلها … يا ولدي الدنيا مغربت .. تي راهي امّك في ساقية الدائر وانت في ساقية الزيت… تي راهو زوز كيلومتر موش شوية… تي هات على الاقلّ نوصلوك…

تعرفوه هاكة البهيم حاشاكم اللي يحرن ؟ اللي يعرفني يعرف انو من طباعي السيّئة وقت نحرن نحرن… وفعلا حرنت وزيد قلت لهم (انا طيلة دراستي الابتدائية كنت نجي من ساقية الدائر لساقية الزيت على ساقيّ… نحبّ نمشي على ساقيّ ونعيش شوية نوستالجيا ذلك الزمن… ايّا امشيو على ارواحكم)… وتوكّلت على الله وخليتهم داهشين في ها المخلوق وفي راسو الكبير وعنادو في احدى تلك اللوحات… صدقا كان هنالك احساس رهيب بداخلي وانا اقطع تلك المسافة… ذكريات… نوستالجيا… سعادة… وحزن لم افهم مأتاه…

وصلت الى مسكن الوالد والوالدة ومعهما اختي نبيهة التي تكبرني بسنة والتي لم تتزوج لإعاقة وُلدت بها ولم تقع معالجتها في زمن كان العلاج الطبّي نادرا جدّا… والتي لازمت الوالد والوالدة طيلة حياتهما، رحم الله الثلاثة… عندما دخلت للمنزل سلّمت على سي محمد… والدي هكذا كنت اناديه لا يا بابا ولا يا بويا ولا يابّا متع جيل توّة… ووجدت اخواتي الثلاث متحلقات حول عيادة… فرحت بي عيادة وباستغراب وقلق عن هذه الزيارة في وقت بدأ الليل يسدل ستائره ونظرت لولدها وسألتني: (يا وليدي لاباس عليكم ؟)… مسكت يدها وقبلتها وقلت لها وراسك الغالي لاباس توحشتك جيت نطلّ عليك اكاهو… تهللت اساريرها ونظرت الى اخواتي وقالت: (ما يعزش بيكم انتوما الكلّ في كفّة وعبدالكريم في كفّة راهو كفّتو تغلب)… وضحك البنات وأجبن (يخخي حتى تقوللنا؟..نعرفوا نعرفوا)… اعدت تقبيل يديها وبشكل جارف، لكأنّ القدر كان يهمس لي… اشبع بيها اليوم لانّها غدا ترحل…

في الغد وانا في مكتبي وكانت الساعة تشير الى الثالثة ظهرا هاتفني احدهم (لم اعد اذكر من هو) وقال لي: امّك مريضة وتحبّ تشوفك… ووجدتني بالنهج الذي تقطن فيه عيّادتي وسي محمد… وتسمّرت ساقاي عن المشي… سيارات رابضة امام المنزل… هذا يعني انّ عياّدة …. نعم دخلت وسالت اخوتي متى ؟ كيف ؟ بالامس كانت في صحة جيدة .. ماذا حدث ؟ لماذا لم تخبروني بما حلّ بها ؟… اجابتني إحداهنّ وقالت… كنا معها نتجاذب اطراف الحديث كما تعرفنا وفجأة قامت وقالت: (صلاتي ابجل من حديثكم سيّبوني نعطي فرض ربّي)… اقامت الصلاة ركعت ثمّ سجدت ثمّ هزّ ربّي حاجتو… وهي ساجدة…

دخلت فوجدتها مسجّاة في لحافها… دلفت اليها بهدوء لم ادر مصدره… رفعت الغطاء عن راسها… قبلت جبينها و قرات عليها نزرا قليلا من سورة البقرة (وبشّر الصابرين الذي اذا اصابتهم مصيبة) الى اخر الاية واعدت تقبيل جبينها و تقبيل يدها الباردة … والتي هي في برودتها وقتها كانت اشدّ حرارة من وهج الصيف في صحرائنا الكبرى… ورفعت يديّ الى خالقي وقلت (يا ربّي يجعلني كيفها)… لقد اكرمها الله بتلك الموتة الرائعة واستجاب لدعوتها الدائمة… يا ربّي يجعلني نهيّر في الفرش ونهيّر في النعش… ولأنّ الله قال في كتابه العظيم، سورة غافر آية 60: (ادعوني استجب لكم) واعاد نفس المعنى في سورة البقرة الآية 186، فالله اكرمها بان لا تقضّي حتّى يوما واحدا مريضة في فراشها…

الحمد لله اوّلا على قضاء الله… الحمد لله ثانيا على انّي نفذت وصيّتها لي بتلحيدها يوم دفنها… كان ذلك بعد اذان صلاة المغرب في المقبرة التي كنت اخاف من المرور بجانبها طيلة حياتي ليلا او نهارا… ولكن واقسم لكم بالله عندما ذهبت لتلحيدها في تلك الساعة، تحوّلت المقبرة امامي الى نور على نور… والحمد لله ثالثا انها رجتني في حياتها الاّ انقطع عن زيارة قبرها بعد وفاتها، وان احكي لها واطمئنها عن كل ما يجري في عائلتي…. وعائلات اخوتي… ووعدتها ولا زلت عند وعدي…

رحم الله عيّادة وابي واخوتي واهلي واصدقائي وزملائي… ورحم الله كلّ امواتكم واطال الله عمركم ومتعكم بالصحة والسلام الروحي …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

صن نار